يخرجون من ركامات من الطين الأحمر فرادى وجماعات نساء وشيوخا وأطفالا كلما شعروا بقدوم غريب إلى المنطقة، آملين دوما أن يظفروا بمؤازرة المسؤولين ودعمهم لهم لتجاوز بعض ما أصابهم من كوارث بفعل الأمطار الأخيرة وهشاشة بناياتهم الضاربة في القدم، فقدوا جراءها مآويهم وأضحوا بعد ذلك في العراء، لكن سرعان ما تتبدد أحلامهم حين لا يجدون المسؤولين الذين بيدهم مد يد العون، بل يجدون بجانبهم وأمامهم منكوبون من أمثالهم يواسي بعضهم بعضا بعد أن دمرت منازلهم وأتلف مخزونهم الزراعي، و تبدو اللوحة المأساوية مكتملة لما تشاهد أمهات وبين أيديهن أطفال رضع وعجزة أنهكهم الفقر والشظف لا يملكون إلا الحوقلة، وشبان يتألمون لما حل بهم... يحدث هذا في مناطق متفرقة ك جماعات أيت إكاس وزاوية سيدي الطاهر وسيدي موسى الحمري بإقليم تارودانت المعروف بهشاشة بناياته وقدمها. جماعة أيت إكاس تستنجد على بعد 18 كيلومترا من تارودانت تقع جماعة أيت إكاس على الطريق الوطنية رقم 10 في اتجاه وارزازات، وتتكون من عدة دواوير، تضرر العديد منها خلال الأيام الممطرة الأخيرة، ويعتبر دوار القصبة من جملة الدواوير المنكوبة بالجماعة، حيث تعرضت أغلب منازله لانهيار تام، فيما ظلت أخرى مهددة بالسقوط في أية لحظة نتيجة ما تعانيه البنايات من هذا النوع من هشاشة جدرانها لقدمها ولفقر أصحابها، وقد صرح أحد أبناء المنطقة أن أزيد من 199 منزلا بالدوار يعود تاريخ بنائها إلى بداية القرن الثاني عشر الهجري. وأجمع أهالي دوار القصبة أنهم لا يستطيعون - بعد ما حل بهم خ حتى السير بجانب هذه الجدران الطينية التي تتساقط بشكل مفاجئ ومخيف، سيما وأنها جد مرشحة لذلك بعدما أصابت الشقوق كل جانب فيها، كما أن البعض منها تخترق من أسفل بسبب قنوات التطهير السائل وتصدر منها روائح نتنة مما زاد طين هذه البنايات بلة وزاد من هشاشتها، وردا على سؤال موجه لأحد أبناء الساكنة حول جدوى هذه الدور العتيقة التي تشكل خطرا على أرواحهم في كل وقت وحين، أجاب أحد أبناء المنطقة، أن من بين هذه المنازل، توجد المهجورة، لكن لا يستطيع السكان هدمها لكون مالكيها من المهاجرين بالخارج.وأثناء هذه الجولة الاستطلاعية، تم رصد العديد من السكان بمدخل الدوار يقطنون حاليا في دكاكين ومحلات تجارية مبنية بالإسمنت، وقد احتشدت فيها الأسر بعدما حولها أصحابها إلى مآوي سكنية، رغم أنها تفتقر إلى أبسط الشروط كالمرافق الصحية، وفي غياب دعم المسؤولين لهذه الفئات ولو بالخيام خ كما طالب العديد منهم - احتمى المنكوبون بالبلاستيك بعد أن هاجروا فرارا من موت محقق بعقر منازلهم التي سقطت، وكذا الآيلة للسقوط، فيما ظلت القلة منهم متشبتة ببيوت زالت الحدود بينها بفعل الخراب، وأضحى الجيران بذلك أسرة واحدة تجمعهم آلام واحدة بل ومصير واحد. وغير بعيد وبنفس الجماعة يقبع دوار زاوية إفركان الذي انهارت هو الآخر كثير من منازله وبعضها الآخر مهدد بالسقوط، فيما تعيش دواوير أخرى كإمي إغزر والفتح وأيت موسى و تين تافو وإفرض بالجماعة ذاتها في عزلة بعد انهيار جوانب قنطرة إحدى الأودية بالمنطقة. واشتكى بعض مواطني جماعة أيت إكاس بما وصفوه بتحويل بعض مجاري المياه باتجاه دواويرهم، وطالب كثيرون بضرورة التدخل لوقاية دورهم ومزارعهم من خطر فيضان سهوب كسهب الجقار وسهب أيت تامنت. ويطالب سكان الجماعة المنكوبون والذين يعيشون فقرا مدقعا، تستحيل معه إحادة ترميم منازلهم، على الأقل بتوفيرالخيام في أقرب وقت، وأفاد أحد أبناء المنطقة، أنه عندما يعلن هذا الطلب، فإنه يتعرض لتهديدات من طرف عون السلطة بالاعتقال!، وفي تصريح للنائب البرلماني ابراهيم اعبيدي الذي التقته التجديد فإن نكبة دواري قصبة أولشكر وزاوية افركان وغيرهما، تكشف عن استمرار الهشاشة بإقليم تارودانت حتى في عالم قروي يقع على الطريق الوطنية ولا يعاني من أية عزلة. أراضي زراعية في مهب الريح... قادتنا جولتنا صوب جماعتي سيدي موسى الحمري وزاوية سيدي الطاهر غرب تارودانت، واللتين تعرضتا لسيول مائية شردت جراءها ثلاثة أسر بدوار أيت عيسى بعد انهيار منازلها، غير أن حجم الخسائر يزداد كلما اقتربنا من ضفاف الأودية وذلك ما رصدته التجديد بدوار البعارير السفلى بجماعة زاوية سيدي الطاهر، حيث شملت الأضرار على وجه الخصوص الطبقات الفقيرة وذلك نتيجة تحويل وجهة مياه وادي بني محمد خ حسب تصريحات الساكنة - من قبل إحدى شركات المقالع، حيث شرع الوادي في التهام جنبات الأراضي الزراعية فيتوسع بذلك مجراه، وفي غياب تدخل المسؤولين لحمل هؤلاء على وضع جواجز إسمنتية تقف سدا منيعا أمام تقدم الوادي بشكل عرضي، فقد تخوف العديد من ساكنة الدوار من كون هذا التوسع قد يشمل مستقبلا منازل الدوار بأكملها إذ لا يبعد عنها إلا بأمتار معدودة، كما هدد هذا التوسع الآبار التي أنشأتها الجمعية الطاهرية للأغراض الزراعية على ضفة الوادي وعددها ستة، وقد جرف الوادي جلها ولم يبق منها مستعملا إلا بئرين يستفيد من ريها حوالي 1000 فلاح. وأبانت الأمطار الأخيرة على أن وادي بني محمد يعتبر مهددا مباشرا للسكان المجاورين له وللحقول الزراعية، مع العلم أن هذا الوادي يلتقي بوادي سوس في نقطة بجانب دوار البعارير السفلى اعتبرتها الساكنة نقطة سوداء بالمنطقة، خصوصا بعدما أسقط هذا المجمع الوادي عمودا كهربائيا ذو الضغط المرتفع وهوت الأسلاك على المياه وكادت هذه الحادثة أن تتحول إلى كارثة. وعلى امتداد البصر وأنت على قنطرة وادي بني محمد يبدو ما جرفته المياه على جنبات الوادي من بنايات وحقول زراعية بترت مساحاتها بفعل تدخل الوادي، وفي تصريح لالتجديد قال أحد المستشارين الجماعيين بدوار البعارير: على المسؤولين أن يقدموا لنا يد العون لاحتواء فيضانات هذه الأودية، كإقامة شباك سلكية على جنبات الوادي حتى لا يتوسع مجراه، وهذا قبل أن تلتهم هذه الأودية الدوار والحقول على حد سواء فتقع الكارثة . تدخل رسمي شبه منعدم يطالب جل المتضررين حاليا الجهات المسؤولة المحلية والإقليمية والجهوية بضرورة معالجة جميع المجاري التي تم تحويلها من قبل مستغلي مقالع الأودية الذين يضعون آلياتهم بهذه الأودية ثم يتقدمون بالوادي بمسافات على مستوى عرضه، غير مبالين بالكوارث الإنسانية التي قد يحدثها هذا التحول في الأيام الممطرة، وتساءل العديد من المتضررين عما إذا كان عمل هؤلاء خاضعا للمراقبة! ومن جانب تدخل المسؤلين بالجماعات المذكورة في حينها، فقد وصف العديد من هؤلاء المتضررين تحرك هؤلاء بالشبه المنعدم، كما سجل المواطنون من هذه الدواوير المنكوبة وجود تقصير ملحوظ في مجال الوقاية من الفيضانات، مما جعل أحد أبناء دوار البعارير السفلى يلوح بضرورة إنشاء جمعيات مدنية يعول عليها في مثل هذه الظروف، وإن كان البعض منها هي الأخرى تصطدم بعراقيل جمة على أرض الواقع تحول دون بلوغ انتظارات المواطنين.