خمس سنوات هي المدة الزمنية التي مرت على فاجعة زلزال الحسيمة الذي بلغت قوته 6.5 على سلم ريشتر وأسفر عن وفاة حوالي 600 قتيل و مئات من الجرحى من ساكنة الحسيمة والمناطق المجاورة لها في إمزورن وبني بوعياش وآيت قمرة التي حددها الجيولوجيون كمركز الهزة الأرضية العنيفة . وقتئذ كانت الدولة على موعد مع حدث استنفرت فيه كامل وسائلها و إمكانياتها للتدخل بأقصى سرعة لا سيما وأن الطبيعة الجغرافية للمنطقة مثلت عائقا أمام المجهودات المبذولة أو في تنفيذ عمليات الإنقاذ وإيصال المساعدات ، لكن بفضل تضافر كل المتدخلين من سلطات رسمية وفعاليات مدنية و السكان إستطاعت بلادنا أن تخطو خطوات كبيرة إلى الأمام حيث أن خمس سنوات رغم ضيقها مكنت أهل الريف بهذه المناطق من إسترجاع الأنفاس في ظل عودة الحياة إلى مجراها الطبيعي. ليلة 24 فبراير و صبيحة 25 منه موعد مع لحظات ألم واستنهاض الهمم في تآلف غير مسبوق حين أسدل الليل ستاره يوم 24 فبراير من سنة 2004 لم يكن يخطر في بال العديد من العائلات و الأسر أنها ستستفيق لتجد أحد أفرادها بين ركام إسمنت ومنازل تداعت هاوية من جراء الزلزال القوي الذي ضرب منطقة الريف بشكل اهتزت معه مدينة الحسيمة وإمزورن وتماسينت وباقي القرى الواقعة في ضواحي الإقليم ، صراخ وعويل و حركة في كل اتجاه يملأها الإضطراب والفزع وإحساس غريب في ظلام دامس بعد أن انقطع التيار الكهربائي ، العديد لم يصدقوا ما وقع لكن قدر الله وقدرته لا مناص منها مادام المؤمن مصاب. إذا كانت الفاجعة همت حيزا جغرافيا بين تضاريس صعبة في قلب جبال الريف على الواجهة المتوسطية فقد وصل تأثير الزلزال إلى عمق المجتمع المغربي بمختلف مكوناته والذي وقف كالرجل الواحد بموازاة مجهودات رسمية من أعلى المستويات والهادفة إلى التقليل من حدة الخسائر و العمل على إعادة الطمأنينة و الهدوء وتنفيذ برامج إعادة الإعمارلفائدة المنكوبين. التدابير الإستعجالية منذ الحظات الأولى لوقوع الفاجعة فمنذ اللحظات الأولى إستنفرت السلطات المحلية رغم بساطة إمكانياتها من هلال أحمرووقاية مدنية درك وأعوان وقوات مسلحة وقوات مساعدة وأمن كافة مواردها البشرية واللوجيستيكية لتواكب الحدث المؤلم في انتظار تدخل آليات و عتاد وفرق أخرى قادمة من مدن مجاورة من الناظور وفاس وتازة وتطوان والدار البيضاء والرباط الكل كان مجندا لتلبية نداء الحسيمة عروسة المتوسط ، في ظل حالة الإضطراب التي ترافق مثل هذه الكوارث تمكنت فرق الإنقاذ من لعب أدوار صعبة في زمن قياسي سواء في انتشال الجثث أوإسعاف الآلاف من الجرحى بفضل تعاون المصالح المختصة التابعة للصحة و الجيش و الهلال الأحمر المغربي في إطار عمليات اعتمدت على التدخل السريع و تكامل المهام تلتها عمليات تحديد الخسائر و تقييم الحاجيات لتقديم الإعانات الكافية للمنكوبين و المتضررين الذين فقدوا منازلهم سواء في المجال الحضري للحسيمة أو في إمزورن و بني بوعياش أو آيت قمرة التي دمرها الزلزال بشكل كبير. لم يكن امر تدبير الأيام الأولى للكارثة سهلا بالطريقة التي توقعها البعض أو انتقدها البعض الآخر فكون المنطقة ذات تضاريس غاية في الصعوبة وسط مرتفعات شاهقة ووديان متشعبة إضطرت فرق الإنقاذ أن تبذل جهدا مضاعفا للوصول إلى الدواوير والقرى النائية المتضررة الشء الذي استدعى فتح جسور جوية تكلفت بتنفيذها القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي لنقل الخيام والجرحى والأغطية و المؤونة لمئات العائلات و و الدواوير المنتشرة بين قمم و منحدرات ووسط مناخ متقلب اتسم بأمطار وبرودة زادت من تأزم الأوضاع بالمنطقة وفي حالة نفسية متدهورة للمحتاجين للمساعدات الذين وصل عددهم إلى ما يناهز 30 ألف رقم ينضاف إلى وضعية المئات من الأسر التي اصيبت بصدمة نفسية حادة استوجبت تدخل أخصائيين وأكثر من 350 مساعدة إجتماعية تابعة للمصالح الإجتماعية للقوات المسلحة الملكية أسندت إليهن مهمة الإعداد النفسي للنساء و الأطفال لاسيما وسط هلع وخوف ناجم عن تواصل الهزات الإرتدادية التي تجاوزت 70 هزة. فقد انطلق عمل الجهات المسؤولة مرتكزا على ضرورة معالجة الوضع بأسرع وسيلة ممكنة مجندة كافة الوسائل مع ضخ الميزانيات الكافية و دفع كل المتدخلين من حكومة ومؤسسات عمومية إلى جانب شركاء من المجتمع المدني للمساهمة في الحد من تداعيات الزلزال الذي ضرب منطقة الريف. وهو ما تحقق بشكل استحسنه الجميع لاسيما وأن الإرادة الرسمية للدولة لتجاوز الأزمة تمثلت من خلال التواجد الميداني لمسؤولين سامين وعلى رأسهم جلالة الملك الذي فضل الإستقرار في خيمة بالقرب من الحسيمة وسط أهل الريف كدليل وإشارة واضحة على الإهتمام الكبير الذى تحظى به منطقة الريف و كبادرة تضامنية مع سكانها المنكوبين. إستراتيجية إعادة الإعمار ومن خلال إطلالة على واقع الحال بالحسيمة وضواحيها تبدو مظاهر التغيير و الوجه الجديد لإحدى مناطق الريف معانقة مستويات مهمة من التنمية بعد مرور خمس سنوات على زلزال ليلة 24 فبراير 2004 .منجزات ومشاريع تم تعميمها لتشمل العديد من الأماكن التي عاشت خصاصا ملفتا طيلة عقود من الزمن بفضل تظافرجهود أكثر من متدخل و شريك تحت إدارة تقنية وتوجيه فريق من الأطر المتمكنة التابعة لوزارة الإسكان و التعمير و التجهيز والماء والإقتصاد وباقي المصالح الرسمية في إطار برنامج يرمي إلى إعادة الإعمار وفق منهجية قائمة على معطيات ودراسة علمية تأخذ بعين الإعتبار طبيعة المنطقة جيولوجيا، برنامج مكن العديد من الجماعات أن تخطو خطوات على درب التنمية وطي صفحة الزلزال وهو ما لا يستطيع أن ينكره المتتبعون للشأن المحلي بإمزورن )20 كلم جنوبالحسيمة( أو في بني بوعياش كما الحسيمة التي استقبلت مشاريع كبيرة وميزانيات ضخمة تهدف إلى خلق قطب إقتصادي متكامل و بنية تحتية ومنشئات الخدمات العامة توزعت بانتظام بين جل النقط و الأماكن المتضررة واكبها تتبع ومراقبة لمراحل الإنجاز. منجزات ومشاريع بالأرقام فمنذ وضع الخطوط العريضة لأولوية التدخل و إعادة الإعمار أخذ جانب التأهيل المجالي حيزا مهما من تفكير الوزارة الوصية حيث أن تأهيل المجال والمحيط يبقى خطوة مهمة وضرورية لكل مخطط يرمي إلى تشييد التجزئات السكنية و البناء المقاوم للزلازل إذ كان دوار آيت عبد العزيز بجماعة آيت قمرة بمثابة قرية نموذجية تضم 31 بقعة مخصصة لبناء 27 مسكنا مساحة كل وحدة 95 متر على أن تعمم الفكرة على باقي الدواوير المتضررة و الناقصة التجهيز.وفي إطار المشاريع المسطرة داخل النفوذ الترابي لإمزورن إستفادت البلدية من مشاريع إعادة الإعمار في شطرها الأول تهم أحياء واد المالح و آيت موسى أوعمار وبومكاد وبام والسوق والثانوية على مساحة إجمالية حددت في 78 هكتار وكلفة 41 مليون درهم تستهدف 1850 منزل مع إعادة تأهيل الأحياء ناقصة التجهيز بكلفة 6 مليون درهم وهي سيدي الحاج عبد السلام و سيدي امحند و أبي طالب و حي المسجد على مساحة 59 هكتار تهدف إلى بناء 4500 مسكنا، وفي بني بوعياش استهدف البرنامج بناء 1150 مسكنا على مساحة 40 هكتار بتكلفة 14 مليون درهم كما تمت برمجة مشروع إنجاز 2790 مسكنا بحي بوغرمان وحي أكادير على مساحة 52 هكتار بغلاف مالي بلغ 8 مليون درهم. أما في مدينة الحسيمة فقد كان إنشاء القطب الحضري أولى الأولويات باعتبار المدينة عاصمة الإقليم و الذي حمل إسم « أبولاي» وهو مشروع تطلب تخصيص ميزانية 300 مليون درهم يتضمن 100 فيلا إقتصادية و 40 عمارة متعددة الطوابق مع توفير كل المنشئات الإدارية والخدماتية على مساحة 46 هكتار حيث يقارب عدد المستفيدين من المشروع 15 الف نسمة إضافة لما يوفره من فرص الشغل ، وعلى هامش البرنامج الوطني مدن بدون صفيح أعطيت الإنطلاقة كذلك لبناء 250 شقة وهي أوراش تم إنجاز أشطر مهمة منها فيما تتواصل أخرى لتغطية الخصاص المسجل والإستجابة إلى انتظارات ساكنة الحسيمة و إمزورن و بني بوعياش و تركيست في إطار محاربة الهشاشة و الفقر وتوفير السكن اللآئق وتنمية متكاملة بعد نكبة الزلزال. ودعما للجوانب الإجتماعية عرفت المنطقة تدشين العديد من المراكز و الفضاءات الثقافية و الرياضية سواء بجماعة إمزورن وبني بوعياش بتمويل من مؤسسة محمد الخامس للتضامن لفائدة النساء و الشباب و الفتيات وتشجيع التمدرس بالعالم القروي بغلاف مالي بلغ 14 مليون درهم و بتنسيق مع فعاليات جمعوية بالمنطقة تهدف إلى الإسهام في انفتاح الطاقات الشابة على محيطها الثقافي و الإجتماعي كما تواصلت الزيارات الرسمية لمختلف المسؤولين من وزراء و رؤساء المصالح المركزية المعنية بإعادة الإعمار للوقوف عن كثب على مراحل سير الأشغال وعملية إيواء المنكوبين خاصة بمنطقة آيت قمرة وإمزورن الأكثر تضررا بفعل زلزال 24 فبراير 2004 . فيلم إمزورن نافذة فنية لاستحضار ذكرى الزلزال لم يكن وقع الزلزال سهلا ليتم تجاوزه دون إعطاءه بعض الإهتمام على المستوى الفني ، إذ حضر الإبداع السينمائي ليؤرخ للحظات من الكارثة التي أصابت منطقة الريف في إطار قالب فني استعرض مشاهد من حياة المجتمع بالريف ومجموعة من مميزات الثقافة والبنية المجتمعية السائدة بالريف في فيلم « إمزورن « تحت إدارة وإخراج المخرج جمال السويسي الذي منح فرصة مهمة لطاقات شابة مسرحية أثثت الحركة المسرحية طيلة السنوات الأربع الأخيرة تنتمي للناظور والحسيمة ومن تأليف وحوار محمد اليونسي ومحمد منصف القادري، وتدور قصة الفيلم حول خيرة «ثريا العلوي» العاقر وانعكاس ذلك على نفسيتها وموقعها كامرأة داخل أسرة ريفية يلعب فيها الأولاد والنسل دورا أساسيا وزوجها ميمون العامل بأرض المهجر»سعيد المرسي» إضافة إلى مجموعة من الممثلين الواعدين حيث تتواصل وقائع الفيلم لتصطدم بحدث الزلزال. وبالرغم من الإنتقادات التي رافقت هذا العمل السينمائي سواء خلال عمليات التصوير أو الكاستينغ عند اختيار الشخصيات المناسبة فإن الفيلم كبادرة فنية اعتمدت على أبناء المنطقة كان لها الوقع الإيجابي من حيث التعريف بطاقات شابة إستثمرت إمكانياتها الذاتية للمساهمة في عمل سينمائي يستحضرذكرى الزلزال ومكن مشاهدي الشاشات الصغيرة من متابعة أطوارتجربة سينمائية تم تصويرها ما بين الحسيمة وإمزورن إحدى المناطق المنكوبة بفعل زلزال 2004. الوجه الجديد للريف داخل مثلث الحسيمة _ إمزورن _ بني بوعياش أصبح يكتسي طابعا متميزا و أهمية بالغة بفعل تحسن معدلات النمو على مستويات متعددة لاسيما إذا تم ربط ما تعرفه المنطقة بمشاريع أخرى ذات صلة ودور كبير في تفعيل الحركة الإقتصادية و الإجتماعية كالطريق الساحلي الرابط بين القطب الإقتصادي لطنجة المتوسط و القطب االسياحي للسعيدية ، كلها معطيات جعلت من فاجعة زلزال الحسيمة صفحة من زمن مضى و نقطة لانطلاقة حقيقية نحو المستقبل مرورا بلحظة وجدت في التفاف مكونات المجنمع المغربي ومغاربة الخارج فقرات متماسكة لتجاوز الأزمة والرضى بقدر الله.