ما زال الكتاب، بالرغم من مزاحمته من وسائل المعرفة التكنولوجية الحديثة، مركز جذب للقارئ ونواة ضرورية للحفاظ على الذاكرة والهوية والتقريب بين الشعوب والثقافات. وما تخصيص يوم عالمي للاحتفاء به (23 أبريل) إلا محاولة لاستعادة مكانة الكتاب، وتحفيزا على العود للقراءة ومصاحبة خير جليس وأنيس . ويعود الاحتفال بهذا اليوم الى سنة 1995 بمبادرة من منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) التي قرر مؤتمرها العام أن يكون يوم 23 أبريل من كل سنة يوما عالميا للكتاب وحقوق المؤلف. وينخرط المغرب، انطلاقا من وعيه بأهمية الكتاب والقراءة كعنوان لتقدم الأمم وعلو مكانتها، في السياسات الدولية المساهمة في رد الاعتبار للكتاب والقراءة من خلال تشجيع القراءة . ويشكل معرض الدارالبيضاء للكتاب والنشر، الذي ينظم سنويا، تظاهرة ثقافية وطنية ودولية مهمة، عنوانا لهذا الاهتمام وذلك باستقطابها لمختلف شرائح المجتمع المغربي وتوفيرها لمنتجات أدبية وإبداعية وفكرية في مختلف التخصصات تستجيب للحاجيات المتنوعة للقارئ المغربي. وما اختيار الوزارة الوصية على القطاع ل` "العلم بالقراءة أعز ما يطلب"، شعارا للدورة ال`16 للمعرض، إلا برهنة على ضروروة دور الكتاب في خلق حركية ثقافية ونهضة علمية في مختلف مشاربها وجوانبها، كما أن الوزارة خصصت لفئة الشباب والأطفال مسابقة للحفظ والاستظهار تشجيعا لهم على الإستئناس بالكتاب كما كرمت مغاربة العالم، الذين برهنوا في بلدان المهجر على إبداعهم وكفاءاتهم في مختلف مجالات الإنتاج الفكري والثقافي والعلمي والفني. وفضلا عن المعرض الدولي، تنظم وزارة الثقافة بمختلف جهات المملكة معارض جهوية للكتاب والقراءة على اعتبار أن الكتاب محور للتنمية البشرية المنشودة. ويدخل إحداث جائزة المغرب للكتاب ضمن اهتمامام المغرب بالكتاب وأهله وهو ماعبر عنه وزير الثقافة السيد بنسالم حميش عند تسليم الجائزة برسم 2009 بقوله إن "هاجس إنصاف أكبر عدد من الأعمال المتميزة التي تصدر كل سنة في مختلف الأجناس التعبيرية والحقول الفكرية يقتضي الإلحاح على أن صيغة الجائزة لا ينبغي أن تظل شأنا قطاعيا وقفا على وزارة الثقافة، بل يتعين أن تصير الجائزة تقليدا رمزيا تنخرط فيه كل الهيئات والمقاولات العمومية والخاصة المشتغلة أو المعنية بقضايا الكتاب والنشر والتوزيع والإعلام الثقافي، من خلال ابتكارها ورعايتها لجوائز أخرى توسع دائرة المكافأة وتزيد من عدد الالتفاتات التقديرية". وفي هذا الإطار، تنخرط وزارة الثقافة في عملية التوعية بأهمية نشر ثقافة المطالعة وإعطاء الكتاب القيمة التي تليق به داخل مجتمع يطمح إلى مواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي، وذلك عبر تنظيم لقاءات وندوات وأمسيات شعرية ومعارض. وانطلاقا من الوعي الراسخ بضرورة تعميم القراءة في صفوف كافة شرائح المجتمع المغربي، ولدى الشباب على وجه الخصوص، باعتباره رافعة أساسية للتنمية ومسايرة التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، تطلق العديد من جمعيات المجتمع المدني مجموعة من المبادرات، خاصة بالعالم القروي ولفائدة الأوساط المحرومة، بغية إنشاء المكتبات ودور المطالعة لاستقطاب الشباب وتمهيد الطريق أمام تنمية مداركهم وإغناء معارفهم. ولضمان حقوق المؤلفين يتوفر المغرب على استراتيجية شاملة وإرادة سياسية للحد من ظاهرة القرصنة وحماية حقوق المؤلفين، وهي الاستراتيجية التي تعتمد مقاربة شمولية وتشاركية لأن الكل معني بمحاربة القرصنة (مهنيون، إدارات معنية، قطاعات حكومية..). وتتمحور الاستراتيجية حول التخليق وتعزيز آلية التدخل والتنسيق مع المعنيين، وكذا تعزيز الجانب الردعي. ولإعطاء هذا اليوم الأهمية والمكانة اللائقة أكدت المديرة العامة لليونسكو في رسالة بهذه المناسبة، أن اليوم العالمي الخامس عشر وحقوق المؤلف يندرج هذه السنة ضمن إطار "السنة الدولية للتقارب بين الثقافات". ودعت السيدة إيرينا بوكوفا "واضعي السياسات والمحررين والمعلمين والمجتمع المدني أن يبحثوا من جديد في أفضل السبل من أجل الترويج لهذه الأداة التي لا غنى عنها لاكتساب المعرفة". وأضافت ان الكتاب يسمح بالتعرف بصورة أفضل على الآخرين وعلى تياراتهم الفكرية، ويساعد بذلك على فهم العالم بصورة أحسن، والكتاب يتيح فرصة التقدم للبشر من كل الأعمار. ولا يمكن الاحتفال باليوم العالمي للكتاب ، حسب بوكوفا، دون التفكير في الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ( يبلغ عددهم على المستوى العالمي 759 مليون نسمة) وثلثا هذا العدد من النساء، كما ذكرت بأنه لا يمكن للكتاب أن يتطور دون احترام حقوق المؤلفين، خاصة في الوقت الراهن الذي تعرض فيه التكنولوجيا الرقمية الكتاب لمخاطر الاستغلال غير المشروع على نطاق واسع. وخلصت المديرة العامة لليونسكو إلى أن "الكتب تحف فنية وعلمية وأدوات لنقل الأفكار في ذات الوقت، وهي تجسد بصورة رائعة أشكال التنوع الخلاقة، وتقود إلى المعارف العالمية وتقوم بدور في حوار الثقافات، وهي أيضا أداة من أدوات السلام".