احتلت القصة القصيرة المغربية مكانة هامة في ساحة الإبداع المغربي، ضمن الأجناس الأدبية التي تنتجها أقلام مغربية، من هذا الجيل أو ذاك. ويعود ذلك إلى الإحساس بالحيف من لدن مبدعيها، حين أخفت شجرة الرواية الغابة، فتضاءل الاهتمام النقدي بهذا النوع الأدبي ذي الخصوصية والتميز، وبذلك وبعد التحولات العميقة التي طالت جنس القصة القصيرة في السبعينيات والثمانينيات، وتصاعد بشكل كبير عدد المجاميع التي صدرت في هذه المرحلة، تمكن كتاب التسعينيات من تشكيل انعطافة في إبداع هذا الجنس على مستويات متعددة، وجلهم شباب متحمس، يؤمن بالمغامرة والمغايرة، ويطمح إلى تجاوز يقينيات الكتابة السابقة، والبقاء في تجاور معها، ولكن انطلاقا من نظرتهم الخاصة، ومن أسئلتهم، ومن داخل قلق يُميز كثير من الكتابات القصصية، يُحرك روح إبداعاتهم نحو المجهول، باختراق الأعراف والتقاليد المتعلقة بهذا الجنس الأدبي، ومحاولة منهم خلق وتكريس مفهوم آخر، وتصور آخر للقصة القصيرة مرتبط بسياق ثقافي واجتماعي مختلف، جعل من الضرورة هذه التغيرات تفرض نفسها، وتضع القاص أمام مهمة صعبة، إذ كيف يمكنه الإبداع والتميز، وتشكيل صوته الخاص أمام هذا الكم الهائل من النصوص؟ بل كيف يستطيع تأكيد بصمته الإبداعية أمام فوضى النصوص القصصية التي تصدر هنا أو هناك في المغرب أو خارجه، دون أي مواكبة نقدية صارمة تقوم بالغربلة، وتقدم النصوص عارية من أي مجاملة، وتساهم في خلق حوار نقدي بين المبدع والناقد، ولعل هذا الغياب النقدي هو ما دفع بكثير من الأشخاص إلى الدفاع عن إبداعاتهم، إما بالكتابة عن بعضهم البعض، أو بتشكيل إطارات تهتم بالقصة القصيرة فقط، إبداعا وتنظيرا، ومحاولة جعل النقد يلتفت إلى هذا الجنس الأدبي، بتنظيم لقاءات ذات أهمية، ساهمت إلى جانب كتابات نقدية أخرى هنا أو هناك، في بلورة مجموعة من الأسئلة العميقة للكشف عن خصوصية كل مرحلة، وبالأخص الوقوف عند الكتابة القصصية الجديدة، وما تثيره من قضايا، استلزم كثيرا من التأمل والتفكير، أمام هذه النقلة النوعية التي تشكلت أمام تزايد المبدعين والنصوص. وبالفعل، فرغم ما يُمكن أن يُسجل على هذه الكتابة من نواقص، فإنها أسست لهواجس إبداعية مغايرة سواء على مستوى الشكل أو الموضوعات، وخلقت نوعا من النقاش الجاد حول ما يُنتج ضمن دائرة هذا الجنس الأدبي المسمى القصة القصيرة، أفقيا وعموديا، ساهم في إبراز الخصائص الجمالية للكتابة القصصية الجديدة بالمغرب. وتعتبر التجربة القصصية لأنيس الرافعي من التجارب التي أكدت وجودها، عبر استمراره في الكتابة بشكل متواصل، وحضوره في اللقاءات المخصصة للقصة القصيرة وطنيا وعربيا، بالإضافة إلى ما أولاه من عناية خاصة لجمع نصوصه، ونشرها، بل وإعادة طبعها في المغرب وخارجه، كل هذا يُبين أن كتابة القصة القصيرة عند أنيس الرافعي ليست نزوة، أو جسرا للعبور إلى جنس أدبي آخر، فخلال مساره من أواسط التسعينيات إلى الآن يتضح هذا الإخلاص النادر لهذا الجنس الأدبي، وهنا يذكرنا بمسارات متشابهة نذكر: أحمد بوزفور، زكريا تامر، سعيد الكفراوي.. إلخ: كتابة تستمد حضورها الفعال من اختلافها عن التجارب القصصية السابقة، وتمايزها عن الكتابات المُجايلة لها والمجاورة، وذلك بانطلاقها من مجموعة من الاستراتيجيات، واعتمادها رؤية خاصة لبناء العالم القصصي سواء على مستوى اللغة أو الشخصيات أو السرد أو الفضاء... كتابة لا تحيل إلا إلى ذاتها، والواقع بالنسبة إليها حلم تحاول جاهدة الخروج منه، وبطبيعة الحال إلى حلم آخر، وكل نص قصصي يكتبه أنيس الرافعي يعتمد على مرجعيات متعددة، يصعب في بعض الأحيان القبض عليها كلها، فهي نصوص لها تعالقات متنوعة: نصية وبصرية وإيقاعية. كتابة تشتغل على حافة الأجناس، وتمارس العصيان على القصة القصيرة نفسها. لقد أصدر القاص أنيس الرافعي إلى حد الآن خمس مجاميع قصصية هي كالتالي: - «أشياء تمر دون أن تحدث فعلا» (2002) - «السيد ريباخا» (2004) - «البرشمان» (2006) - «ثقل الفراشة فوق سطح الجرس» (2007). - «اعتقال الغابة في زجاجة» (2009) بالإضافة إلى كتاب تحت عنوان «علبة الباندورا» جمع فيه المجاميع الثلاث الأولى، صدر سنة (2007) وآخر مشترك مع قصاصين آخرين بعنوان «فضائح فوق كل الشبهات» سنة (1999). إن أول ما يثر انتباهنا في العالم القصصي لأنيس الرافعي هو طبيعة هذه العناوين، التي يضعها على صفحة الغلاف، والتي يركز فيها على غواية القارئ وشد انتباهه، وهي عناوين تحيل إلى مرجعية خارجية، حيث نجده يضطر في الصفحات الأولى، إلى رصد المرجعية التي إليها تحيل، وهي مسألة تساعد القارئ على تمثل العنوان في علاقته بالنص، بل قد توجه مسار قراءته، لأن الرافعي يؤسس العنوان في علاقته مع طريقة بناء النص القصصي على المستوى الداخلي، وأيضا على المستوى الخارجي، أي تلك الهندسة التي بها يتجاور مع نصوص أخرى داخل نفس المجموعة، وبذلك فالعنوان لا يؤخذ من إحدى عناوين القصص، وإنما يتم تشكيله من رؤية القاص لجغرافية المجموعة، ولطريقة تواصلها فيما بينها، عبر تقسيمات معينة ووضع عناوين فرعية لكل قصة تحيل على بعضها البعض. ومن هنا لابد أن أشير إلى أن القاص أنسي الرافعي لا يكتب قصصا متفرقة حسب مزاجه الخاص، حيث كل نص عالم مستقل بذاته، وقد لا يمث بأي صلة لعالم نص آخر داخل نفس المجموعة، وهو ما نجده عند كثير من القصاصين الذين لا يمتلكون رؤية منسجمة عن عملهم. وإنما يكتب المجموعة القصصية كما تُكتب الرواية، أي أنه يضع لها مخططا مسبقا، سواء على مستوى البناء أو الموضوعة، ويبدأ في الاشتغال داخل إطار محدد، ولذلك نجد هذا النوع من الانسجام فيما بين العنوان، والعناوين الداخلية، وطريقة تنظيم القصص داخل المجموعة. نصل بعد هذه الملاحظات، إلى أن عناوين المجاميع الخمس كلها تحيل إلى الكتابة الإبداعية بشكل عام، وإلى أحد مكوناتها بشكل خاص، لنرى كيف يتجلى ذلك بالوقوف عند كل عنوان: 1- «أشياء تمر دون أن تحدث فعلا»: يحيل هذا العنوان على أجواء القصة، بمعنى أن القاص يحدد علاقة الكتابة، كما يؤسسها في نصوصه بالواقع. 2- «السيد ريباخا» إحالة إلى الشخصية الرئيسية في القصص، وكيف ينظر إليها في علاقتها بالعالم. 3- «البرشمان»، لعبة الكتابة كما يمارسها، ومسألة البناء التي لا تحتمل أي خلل، وهنا أيضا إشارة إلى علاقة النص بالقارئ. ومسألة ضرورة تعاون هذا الأخير لبناء المعنى. 4- «تقل الفراشة فوق سطح الجرس» أول ما يحيل عليه هذا العنوان، هو مسألة الجنس الأدبي الذي كتبت فيه القصص، وهو ما يسمى بالقصة القصيرة جدا، وهذه التسمية لم يستعملها القاص في تجنيس نصوصه، بل استعمل «قصص مينيمالية»، وهي مسألة في نظري فيها نقد لما يُكتب في هذا الاتجاه، لأن المينيمالية هي فن الاختزال، وهذا الفن له قواعده وأسسه، وهو معروف في مجال الفن التشكيلي، و يعني أن العبرة ليس في أن تكون القصة قصيرة جدا لتنتمي لهذا الجنس، وإنما أن تنتمي إلى فن الاختزال لتؤدي وظيفتها ومدلولها. 5- «اعتقال الغابة في زجاجة»، هنا أيضا التساؤل حول الكتابة، لكن في علاقتها بالشكل، أليست الغابة هي الكتابة بتشعباتها وإشكالياتها، والزجاجة هي الشكل الذي يختاره القاص لكتابته، وفي معنى آخر تتيحه المجموعة تصبح الغابة هي الواقع، والزجاجة هي الكتابة. لنقترب إذن من هذه المجموعة «اعتقال الغابة في زجاجة»، ونلج الغابة، هل تستطيع الفوز بالخروج منها؟ لا أدري.. أكيد أن كتابة أنيس الرافعي القصصية لها هذا البُعد الغابوي، لأنه يقصد في بناء نصوصه تعقيدات الغابة وعلى روحها المسكونة بالمفاجأة، وبخلخلة التوقعات المسبقة، وبفرض جغرافيتها، ف «الغابة فضاء مفتوح ومغلق، ساحر ومخيف، منفر وغاو، بسيط وشديد الكثافة، قد تتسلل إليه أشعة الشمس، وقد تحجبها عنه الأشجار الكثيفة، وبطبيعة الحال فإن الأمر يتعلق باستعارة تحيل على العوالم التخييلية (...) وفق استراتيجيات متنوعة يُمكن اختزال بؤرتها المركزية في العلاقة بين محفلي الإنتاج والتلقي، المؤلف والقارئ» (سعيد بنكراد). إن «اعتقال الغابة في زجاجة» مبنية على هذه الاستعارة، والتي تحيلنا مباشرة على كتاب أمبرتو إيكو «6 نزهات في غابة السرد»، الذي يؤكد بأن «الغابة هي حديقة تتداخل دروبها، وحتى إذا كانت الغابة لا تتخللها الدروب، فسيكون في مقدور أي كان أن يرسم لنفسه مسارا والذهاب (...) وعلى قارئ كل نص سردي أن يكون مستعدا للاختيار»(ص25). والقاص في هذه المجموعة يكشف عن هذه الاستعارة من خلال ثلاث مسائل»: الأولى في تقسيمه الكتاب على الشكل التالي: الزجاجة / الغابة / في قسم آخر من الغابة/ بعيدا عن الغابة بأمتار قليلة، والثانية في العنوان، والثالثة، وهي مسألة مهمة، ومفتاح تأويلي أساسي في كتابات الرافعي، وهي الاقتباسات التي تتصدر أبواب الكتاب: وترتكز هذه الاقتباسات في مضامينها على القارئ دون أن تذكره، فهي تتوجه إليه، وتحذره بشكل ضمني أن هذه الغابة /الكتابة لا تحتمل قراءة واحدة، بل تعتمد في بناء معناها على تعددية القراء أو انفتاحها، يقول إيكو، وهذا مأخوذ من الاقتباس الأول: «إما أن نسلك طريقا واحدا للخروج بسرعة، أو طرقا متعددة تتسكع من خلالها لمعرفة كيف تتكون الغابة»، وفي الاقتباس الثاني لألبرطو ما تغويل هناك التركيز على انفلات المعنى وضياعه بسبب ما اخترناه من طرق، وما يتبقى هو الأهم، ما تركناه ولم ننتبه إليه هو ما يؤسس ضوء الكتابة وروح الإبداع، ف «الفرع الثاني للطريق، ذاك الذي لم نسلكه عند تقاطع الطرق، ذاك الذي تصعب رؤيته قليلا، الدرب السري الغامض رغم أنه ليس أقل أهمية والذي يقودنا إلى قسم آخر من الغابة»، والاقتباس الثالث يسير في نفس الاتجاه، ويضيف ليقول بأن هذا النص الذي أمامنا وراءه نصوص أخرى، مرجعيات، كما سبق أن قلت، نصية وبصرية وإيقاعية، يقول ياسوناري كواباطا من خلال هذا الاقتباس «بالقرب من كل غابة حقيقية، توجد غابة لا مرئية لا نراها»، هكذا تكون استعارة الغابة في مجموعة «اعتقال الغابة في زجاجة» عبر المؤشرات الخارجية، قد قدمت تصورا لنوع الكتابة التي سيُقدم عليها القارئ، وهذه المسألة أصبحت اليوم من أساسيات الكتابة المعاصرة، التي تعتني بالفضاء النصي (الغلاف، الاقتباسات، التبويب...) باعتباره جزءا من العملية الإبداعية، يقول حميد الحمداني: «لقد أصبح للفضاء النصي دور حاسم في الصدمة الأولى التي تحدث بين النص والقارئ، كما بات يؤطر عملية التفاعل مع النصوص من بدايتها إلى نهايتها» (ص15). لذلك فأنيس الرافعي يوليه اهتماما خاصا، لأنه، فعلا، يتعالق، بشكل أساسي، مع النصوص، ويساهم في وضع مؤشرات دالة على ما يتوخاه القاص من كتابته، ويؤثر في بناء المعنى الذي ينجزه القارئ. إن أول ما يجب أن نشير إليه فيما يخص الكتابة القصصية في «اعتقال الغابة في زجاجة» وفي كل ما يكتبه أنيس الرافعي قصصيا هو أنه يكتب القصة القصيرة بمزاج قصيدة النثر، لذلك نجد الحكاية في نصوصه متشظية، إذا لم لم تكن غائبة، بحيث تجعل القارئ يقتفي أثر الضياع مستأنسا بإيقاع الكلمات المتلاحقة التي ترمي به، حسب تعبير الرافعي نفسه، إلى «ما بعد السرد»، وهكذا يمكن أن نستخلص مجموعة من الآليات التي تشتغل في نصوص أنيس الرافعي: 1- الاشتغال على لغة المفارقة، لتسليط الضوء على وضعية الانفصام التي تعيشها الذات في العالم. 2- تغريب وقائع الحياة اليومية، لخلق واقع نصي مستقل عن المرجع الواقعي. 3- الكتابة بالمشهدية، والتفكير بالصورة البصرية (التقنيات السينمائية) 4- التكثيف والاقتضاب باستثمار لغة استعارية. 5- التكرار لتوليد إيقاع متواتر في النص. 6- توظيف السخرية كطريقة لتأزيم الذات والعالم. 7- حضور الذات بتشغيل الحواس، 8- الاعتماد على القارئ،، ومحاولة خلق قارئ خاص. 9- الاتكاء على مرجعية واسعة، وتذويبها في النصوص. 10- هيمنة لموضوعة الكتابة والانشغال بأسئلتها. 11- خلق عالم غرائبي عبر تصدع الشخصية القصصية ورفضها للعالم. 12- توظيف الحلم كاستراتيجية في الكتابة. هذه بعض الخصائص التي حاولنا استخلاصها من المنجز النصي لأنيس الرافعي، والتي تعتبر مجموعة «اعتقال الغابة في زجاجة» نموذجا لها، وهي آليات كتابية، واختيار إبداعي، ساهمت في خلق عالم قصصي مسكون بهواجس إنسانية، وبالإحساس بغربة الإنسان أمام ما يقع في العالم، وبعلاقته المفارقة بالاماكن والأشياء والكائنات.. لذلك فهذه النصوص القصصية تدفع بالوقائع والاحداث إلى حافة الجنون، بإطلاق العنان للخيال؛ والخيال يبدأ عندما نتخلى عن الواقع، ونفرط في الحلم، وهذا المبدأ تأخذ به كتابة القاص أنيس الرافعي عندما تتخذ من الحلم فضاءها الخاص. وبذلك فالكتابة القصصية في «اعتقال الغابة في زجاجة» تعتمد في توظيف الحلم منطقه ذاته، وتشتغل مثلما يشتغل، ومن آلياته المستثمرة في هذه الكتابة: 1- التكثيف: تكثيف التجربة الإنسانية الواقعية، مما يجعل الكتابة تضيق لتحتوي عناصر الواقع- من هنا التأويل الذي طرحناه في السابق فيما يخص علاقة الغابة بالواقع والزجاجة بالكتابة ? فتكثر الرموز والإحاءات وتتعدد التأويلات تركيزا على الدال القصصي بدل المدلول، وذلك ليقول النص أمورا ويعني أشياء أخرى، ويعتمد على القارئ ليتوصل إلى ما يسمى بلا وعي النص. 2- غياب الروابط: إغفال لمجموعة من الروابط، والاعتماد على المشاهد واللوحات، والجملة الومضة، وترك مهمة جمع شتات الحكاية، وإعادة ترتيبها للقارئ، وهو ما سميناه سابقا بالاعتماد على القارئ والتعويل عليه في إنتاج النص. وبذلك فالكتابة هنا تتقدم بمنطق الحُلم، وتفتح آفاقا للهبوط إلى ليل الجسد، الجهة المعتمة في الإنسان، للمس المخفي، والمتستر، وحتى عند ما لا يوظف الحلم نحس مع شخصياته أنها ستستيقظ في أي لحظة. وليس صدفة أن تبدأ القصة الأولى في المجموعة - على اعتبار أن قصة «الزجاجة» هي مدخل، فطريقة كتابتها وشكلها ومدولالاتها تشير إلى ذلك وهي بعنوان «الشاطئ»- هكذا: «أنا. أنا تقريبا أبدأ في الصراخ وهذا الصراخ ، هذا الصراخ ذاته: جنحة مضمونة ضد الصمت، أما أنت فقد كنت في مفترق الطريق بين اليقظة والنوم». (ص25). وتنتهي المجموعة في آخر قصة «رؤيا العنكبوت» كالتالي: «ثم سدد صوبي طلقة نارية. وفي اللحظة التي كنت أسمع فيها داخل رأسي صوت ارتطام جسدي بالأرض، استيقظت من النوم» ونقرأ أيضا في مكان آخر: «في رمشة نوم أثناء مسير الحلم الأول، يرتطم به حلم قادم من الجهة المعاكسة بسرعة مفرطة: أنا، أنا تقريبا. وهذا الصراخ، هذا الصراخ ذاته» (ص26)، وفي (ص56) نقرأ: «الرجل الأول لا يعرف مطلقا، لن يعرف مطلقا أن له القدرة على استيقاف العديد من الأحلام..». وهناك نماذج كثيرو يتم فيها الإشارة إلى الحلم للتنبيه بأن الأحداث تقع في الحلم، وليتمكن القاص من القبض على الجانب المجهول في الإنسان، ولإسماع صراخه الداخلي، وربما لذلك قام الرافعي بتجنيس مجموعته ب «قصص صوتية». إن العالم القصصي «في اعتقال الغابة في زجاجة» هو محاولة لإطلاق صراح وحوش الغابة الداخلية للكائن، والصراخ بصوت مرتفع في وجه هذا العالم المعطوب، احتجاجا على الكارثة، لكن الحلم يبقى حلما، لأنها «أشياء تقع دون أن تحدث فعلا».. مراكش: 01/01/2010