ارتفع عدد التلاميذ والطلبة المغاربة الذين سجلوا خلال السنة الدراسية الحالية في 34 مؤسسة تعليمية فرنسية بالمغرب إلى حوالي 17 ألف تلميذ، وذلك بنسبة 60% من مجموع الطلبة الذين يدرسون في هذه المدارس الأجنبية، وفق الإحصائيات الأخيرة المنشورة بموقع السفارة الفرنسية بالمغرب. وتقبل الأسر الغنية على تسجيل أبنائها في هذه المؤسسات التعليمية الفرنسية بدعوى أنها تضمن لهم تعليماً ذا جودة عالية، ولكونها تتيح لهم مستقبلاً أفضل باعتبار أن أغلب من يدرس بها يحصل على مناصب ووظائف راقية.وبالمقابل، يرى أخصائيون تربويون أن هذه المؤسسات الأجنبية تكرس التبعية الثقافية والاقتصادية لفرنسا، وتطرح مشاكل حقيقية في ما يخص مسألة الهوية والانتماء إلى الوطن الأصلي لدى الجيل المغربي المتعلم فيها. حضن للمدارس الفرنسية:ويتابع آلاف التلاميذ المغاربة دراستهم في مختلف الأطوار التعليمية للمدارس الفرنسية التابعة للبعثات الفرنسية بالمغرب، التي تنتشر في الكثير من المدن الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة وأغادير وغيرها.وترعى هذه المدارس الفرنسية بالمغرب وكالة التعليم الفرنسي بالخارج التي تشرف على 23 مؤسسة تعليمية تنظيمياً وقانونياً، وأيضاً المكتب الجامعي الدولي الذي يشرف بدوره على سبع مؤسسات فرنسية بالمغرب.ويفسّر مراقبون انتشار المدارس الفرنسية في المغرب أكثر من أي مدارس أجنبية أخرى بتبعات الاستعمار الفرنسي للبلاد الذي دام سنوات عديدة، الأمر الذي يجعل من المغرب أكبر بلد حاضن للمدارس الفرنسية بجانب لبنان ومدغشقر.وفي هذا السياق، يرى الخبير التربوي محمد الصدوقي أن إقبال آلاف الأسر على هذه المدارس الفرنسية يعود إلى صورة فرنسا لدى بعض فئات النخب المغربية كبلد للتحضر والحريات وتحقيق الفرص والأحلام البرجوازية والحياة الرغيدة.ويضيف الصدوقي في حديث ل"العربية.نت" عوامل أخرى تتجلى في تطلعات وتوجهات بعض النخب الفرانكفونية الاقتصادية والسياسية وارتباطها بالسياسات والمصالح الفرنسية ونمط العيش الفرنسي، فضلاً عن جاذبية المدارس الفرنسية من حيث جودة الخدمات والعروض التعليمية وضمان المستقبل المهني العالي لمتعلميها.وأشار إلى سبب مهم آخر هو ازدراء المدرسة العمومية المغربية كمدرسة للفقراء وللفشل، فتتولد مفارقة سائدة لدى بعض النخب التي "تدافع" عن التعليم العمومي في خطاباتها السياسية، ولكنها بالمقابل تعلم أبناءها في المدارس الخاصة المغربية أو الأجنبية.ويرد الآباء الذين اختاروا لأبنائهم الانتساب إلى هذه المدارس الفرنسية بالمغرب بكونها تتميز بمستواها العالي تعليمياً مقارنة مع مستوى المدارس العمومية وحتى الخاصة بالبلاد.ويعتبر هؤلاء أن الدراسة في المدارس الفرنسية استثمار من أجل مستقبل أفضل للطلبة، باعتبار أن أغلب من يدرس بها يحصل على وظائف راقية سواء داخل البلاد أو حتى في فرنسا وكندا.ويتخوّف البعض من العواقب الخطيرة التي قد تلحق بالمجتمع من جراء الإقبال على المدارس الفرنسية، حيث إنها تؤثر في تكوين شخصية المغربي الذي يتعلم في هذه المدارس، وفي علاقته المعرفية والاجتماعية بوطنه الأصلي، بحسب الصدوقي.ويوضح الأخصائي التربوي أن المؤسسات التعليمية هي من أخطر مؤسسات التنشئة الاجتماعية، حيث تشكل الأبعاد الأساسية لشخصية الفرد من الناحية المعرفية والوجدانية والثقافية والاجتماعية والإيديولوجية.واستطرد الصدوقي أن هوية الطالب المغربي بهذه المدارس ستكون بالضرورة "هوية" فرنسية، وفي أحسن الأحوال هوية فصامية بمعنى أنها فرنسية التكوين لكنها شكلية الانتماء.وزاد قائلاً: ستكون في الغالب هوية لا تربطها روابط حقيقية وقوية مع هويتها الوطنية الأصلية، وبالتالي يكون انتماؤها وارتباطها الحقيقيان بفرنسا كقيم وثقافة ومصالح ومصير.وحذر الأخصائي التربوي من حدوث إشكاليات حقيقية في ما يخص مسألة الهوية والانتماء لدى المتعلم المغربي فيها، مستدلاً بما تؤكده بعض الدراسات من أن جل النخب والكفاءات المتخرجة في هذه المدارس تستفيد فرنسا من كفاءاتها وخدماتها سواء في المغرب أو في فرنسا. وتابع أن ذلك يؤدي إلى استنزاف واستغلال الأدمغة والأطر المغربية الكفؤة التي يمكن أن تسهم في تنمية وتقدم بلدها، مشيراً إلى أن مصالح هذه النخب تكون غالباً مرتبطة بالمصالح الفرنسية، وذلك من أهم الأهداف الاستراتيجية للسياسات التعليمية الفرنسية في الخارج.