تستوعب مؤسسات التعليم الخصوصي حوالي 500 ألف تلميذ موزعين على 2064 مؤسسة تعليمية في المغرب. هذا الارتفاع في الإقبال على المدارس الخاصة رافقه ارتفاع في الاستثمار في هذا القطاع، فيما سجل خصاص كبير في المدرسة العمومية على مستوى هيئة المدرسين يقدره البعض ب2900 مدرس خاصة بعد برنامج المغادرة الطوعية. «الخصاص الكبير في الأطر الكفؤة، والاكتظاظ في الأقسام، وضعف مستوى المناهج والبرامج تجعلني لا أثق بالتدريس بالمؤسسات العمومية»، هذا يقوله أحد الآباء ل«المساء» بنبرة حادة، قبل أن يضيف أن المدرسة تتجه نحو الإفلاس إذا لم تعمل الجهات المسؤولة على إنقاذها. ويرى المتحدث نفسه أن الاختلالات التي أصبح يعاني منها التعليم العمومي تجعله يتوجه إلى المؤسسات الخاصة، فالتعليم العمومي أصبح يسجل خصاصا على مستوى المدرسين يقدر ب2900 مدرس خاصة مع برنامج المغادرة الطوعية، وارتفاع نسبة الاكتظاظ المسجلة، حيث وصل الرقم إلى 41 تلميذا في القسم، إلى جانب تقادم بنايات العديد من المؤسسات التعليمية وانعدام الكهرباء والماء في الكثير منها بالعالم القروي. ويبقى لاعتماد اللغة الفرنسية كلغة للتواصل في أغلب الإدارات المغربية والقطاعات الحيوية الاجتماعية والاقتصادية، رغم القرارات الإدارية الرسمية الداعية إلى اعتماد اللغة العربية في جميع مرافق الدولة، تأثير كبير في توجيه الآباء نحو المدارس الخاصة وهو ما أكده لنا أحد الآباء بالقول: «ابني بحاجة إلى تعلم لغتين، العربية والفرنسية منذ سن مبكرة كما أن المدارس الحكومية تعرف اكتظاظا، لهذا أفضل أن يدرس ابني في ظروف أحسن». الدولة تشجع التعليم الخاص ليست الاختلالات التي يعرفها التعليم العمومي السبب الوحيد الذي دفع الآباء إلى طرق باب التعليم الخاص، بل إن البعض يتهم الدولة بأن سياساتها بخصوص القطاع هي التي دفعت الآباء بشكل غير مباشر إلى الارتماء في أحضان التعليم الخاص الذي ما فتئ يفتح ذراعيه من أجل استقبال أموال المواطنين. في هذا السياق تقول مديرة مؤسسة خاصة بسلا، «إن الخصاص، الذي فرضته المغادرة الطوعية في عدد المدرسين، جعل بعض المؤسسات الحكومية تعاني من الاكتظاظ في الأقسام، وبالتالي فهذا يدفع الآباء بطريقة غير مباشرة إلى تعليم أبنائهم بمدارس خاصة»، قبل أن تضيف مؤكدة أن التوقيت المستمر ساهم هو الآخر في دفع الآباء إلى اختيار المدرسة الخاصة ليتناسب وقت دراسة أطفالهم مع أوقات عملهم. وتستوعب مؤسسات التعليم الخصوصي حوالي 500 ألف تلميذ وتلميذة موزعين على 2064 مؤسسة تعليمية في المغرب، هذا الارتفاع في الإقبال على المدرسة الخاصة رافقه ارتفاع في الاستثمار في هذا القطاع، فالمدارس الابتدائية الخاصة ارتفع عددها بما يناهز %7 خلال السنوات الأخيرة. كما أن الدولة خلقت صندوقا لدعم التعليم الخاص «FOFEP»، الذي يقدم قروضا بنسبة %30 من قيمة المشروع، بنسبة فائدة مشجعة لا تتجاوز %2 وفي مدة مريحة تصل إلى 12 سنة. كما يمنح هذا الصندوق الأشخاص الراغبين في فتح مؤسسات خاصة إمكانية ضمان قروضهم لدى الأبناك. البعثات الأجنبية لتعليم النخبة وتعتبر المدرسة الأجنبية الوجهة المفضلة للأسر الميسورة، حسب بعض الآباء، حيث يرون أنه «من الطبيعي أن يرتفع عدد المقبلين على المدارس الأجنبية، لكننا نتحدث هنا عن الفئات الميسورة ماديا لأن الكادحين لا نصيب لهم داخل هذه المؤسسات، هذا التعليم الذي لا يستطيع كل من هب ودب الولوج إليه». وتعتبر النتائج التي أصبحت تسجل في الثانويات العمومية في السنوات الأخيرة، التي أثبتت أنه يوجد قصور في التدريس وضعف في المعلمين، من العوامل التي دفعت العديد من الآباء إلى تعليم أبنائهم بمدارس البعثات الأجنبية، حسب العديد من الآباء في تصريحات ل«المساء». ويعتبر الآباء، المنتمون إلى الأسر الميسورة، أن تعليم أبنائهم بهذه المدارس تقليد يتوارثه الأبناء عن آبائهم. واحد من هؤلاء الآباء يقول إنه اختار أن يعلم أبناءه بالمدرسة التي درس بها، ويضيف بافتخار شديد موضحا: «أنا أفضل أن يتعلم أبنائي بالطريقة التي تعلمت بها، فأنا درست بمدراس البعثة الفرنسية وأعتقد أنها الأنسب لأطفالي نظرا لتردي المستوى التعليمي بالمدرسة العمومية». مدارس البعثات الأجنبية بالمغرب، والتي يرتادها أبناء الأعيان من المغاربة، تعتمد برامج ومناهج غير مغربية، ولا تخضع لرقابة وزارة التعليم المغربية، مما دفع بعض الأبناء إلى اختيارها عوض المدرسة الخاصة، والتي تبقى ملزمة بتطبيق المقرر الحكومي كحد أدنى. تعليم جيد... ولكن ورغم أن المدارس الخاصة ملزمة بتطبيق المقرر الحكومي كحد أدنى، وإلا ستجد نفسها معاقبة من طرف الدولة بسحب رخصة اعتمادها، إلا أنها حرة في إضافة الأنشطة التي تراها ضرورية، خاصة الأنشطة الموازية للمقرر مثل الموسيقى والرسم، وهو الشيء الذي يشجع الكثير من الآباء على تأمين تعليم أبنائهم في المدرسة الخاصة على اعتبار أنها أمور تساهم في إنماء قدرات الطفل الإبداعية. في حين تعتبر إحدى الأمهات، أن اختيارها لتدريس أبنائها بمؤسسات خاصة يمنحهم الرغبة في التعلم وسط جو ملائم للتدريس، وتضيف موضحة: «التعليم الخاص يوفر للتلاميذ جوا يحفز على الدراسة والعطاء، لأن الأجر الذي تمنحه المؤسسة الخاصة للمعلم يدفعه إلى بدل جهد أكبر». وليست هذه المرأة هي الأم الوحيدة التي فضلت المدرسة الخاصة من أجل تعليم أطفالها الثلاثة، فكثير من الأمهات يعتبرن أن التعليم الخاص هو الأنسب لأطفالهن، لأنه يوفر الاهتمام الكافي بالأطفال ويشجعهم على الدراسة والعطاء. وفي هذا المنحى تقول واحدة من هؤلاء الأمهات إنها تستقبل ابنتها كل يوم، بعد أن تسمع جرس السيارة، التي تقل الأطفال وعلامات الفرح والرضا بادية على محياها، خاصة وهي مطمئنة على دراسة وراحة وأمان طفتلها. وما يطمئن الآباء أكثر هو اطلاعهم المستمر على مستوى أطفالهم، ففتيحة، أم لطفلتين، تتصفح دفتر المراسلة، دفتر تسجل فيه جميع الملاحظات الخاصة بالتلميذ وتتم مراقبته من طرف المؤسسة والآباء، الخاص بابنتها بشكل مستمر، وأضافت: «هذه من بين الأسباب التي جعلتني أختار التعليم الخاص فالمدرسون يهتمون بالأطفال، ويرعونهم بشكل كبير، ويتتبعون خطواتهم طيلة مدة التدريس، وذلك بتنسيق مع الإدارة والآباء، كما أن مهمة المدرس بالمؤسسات الخصوصية تتجاوز التدريس إلى الاهتمام بالطفل ودرجة انتباهه بالقسم، والتعرف على المشاكل التي يعيشها، سواء بالقسم أو خارجه حتى يتم تجنبها وذلك تجنبا لأي تأثير سلبي على مستواه الدراسي». لكن هذا لا يعني أن التعليم الخاص يجد نفس الصدى لدى جميع المواطنين، فبعض المواطنين يشككون في قدرة التعليم الخاص على توفير جودة خاصة إذا تعارض مع الربح الذي تنشده أي مؤسسة، وهو ما أكده فاعل جمعوي قائلا: «رغم الإقبال الكبير على التعليم الخصوصي فهذا لا يعني أن هذا الأخير يوفر الجودة المرجوة». فتحقيق الجودة بالنسبة إلى التعليم الخاص يعتمد على كلفته، فالأسعار غير محددة، لأنه أمر يعتمد على قانون العرض والطلب، وهو الأمر الذي يدفع الآباء إلى البحث عن مؤسسات يمكنها أن تناسب قدراتهم المادية وأن توفر لأبنائهم تعليما ذا جودة كبيرة. نفس الأمر يؤكده بعض الآباء: «عليك أن تعرف المكان الأفضل لطفلك، في بعض الأحيان لا تقدم مدرسة معينة التعليم الذي تبحث عنه، وهذا ما اكتشفته من خلال التجربة، فقد قمت بتغيير مؤسسة أطفالي لمرتين». لنستمع إلى ما يقوله أحد الأباء «يجب على الآباء فقط ألا يختاروا المدارس الخاصة القديمة، عليهم أن يطلعوا على كل ما يخص المدرسة من المقرر إلى التلاميذ الآخرين ومستوى التعليم. وهي الطريقة التي سلكتها قبل إرسال ابني إلى مدرسة خاصة». ويتمركز معظم هذه المدارس في المناطق الحضرية في الوقت الذي تعاني فيه المناطق القروية من عجز كبير. وحاليا، توجد 47 في المائة من المدارس الخاصة على الساحل الأطلسي بين القنيطرةوالدارالبيضاء، فيما النسبة المتبقية 53 في المائة منتشرة عبر المدن الكبرى في باقي مناطق البلاد. المدارس العليا معشوقة الآباء تتمركز المدارس العليا الخاصة هي الأخرى بكل من مدن الدارالبيضاء ب47 مؤسسة متبوعة بالرباط ب21 مؤسسة وهو ما جعل مناطق المغرب بمنأى عن الاستفادة من التطور المرتقب للقطاع، حيث لا توجد بباقي أقاليم البلاد إلا 42 مؤسسة للتعليم العالي الخصوصي. هذه المدارس التي استفادت من التشجيعات الضريبية والعقارية التي اتفقت الحكومة على منحها للقطاع الخاص أخيرا، إضافة إلى الشروع في الاعتراف ببعض الشهادات التي تمنحها ابتداء من الموسم الدراسي 2007 2008، لكن ورغم هذا كله لا يدرس في مجموع هذه المؤسسات إلا 21 ألف طالب من أصل 300 ألف، وذلك لأنها تتقاسم الطلبة مع الجامعة المغربية، والمدارس والمعاهد العليا. أما بالنسبة إلى المدارس العليا فهي بمثابة الوجهة المفضلة لدى الآباء والأبناء. الجامعة المغربية بدورها أصبحت تعرف عزوفا من طرف حاملي شهادات البكالويا، وذلك لعدم تلبية الجامعة لحاجيات عالم الشغل في المغرب، حيث تظل قطاعات اقتصادية معينة تبحث عن تخصصات وكفاءات محددة من دون جدوى، في حين تتراكم كل سنة دفعات من الخريجين المتوفرين على معارف لا تؤهل إلى مهنة بعينها. هذه المكانة التي تخلت عنها الجامعة لصالح المدارس الخاصة، لأن المدارس العمومية الكبرى ككليات الطب ومدارس الهندسة لا تستطيع استيعاب جميع حاملي شهادات البكالوريا. كما أن نسبة التخرج من الجامعات المغربية ضعيفة، حيث إنه يتخرج 30 ألف طالب في السنة من أصل 80 إلى 100 ألف طالب جديد يدخلونها في مطلع كل موسم دراسي. ويبلغ العدد الإجمالي للطلبة في المرحلة الجامعية بالبلاد 300 ألف وهو العدد الذي كان يتركز أساسا في كليات القانون والاقتصاد، ثم الآداب. تراجع دور الجامعة المغربية في خلق يد عاملة وقلة المعاهد الوطنية القادرة على استيعاب طلبات محبيها، دفع الآباء إلى توجيه اهتمامهم نحو المعاهد الخاصة، خاصة إذا فشل أبناؤهم في الالتحاق بإحدى المدارس الكبرى، التي توفر تكوينا مهنيا وتضمن لصاحبه فرصة تبوئ مناصب الشغل حتى إن بعض الآباء اختاروا طريق الأبناك من أجل توفير المال الكافي لتعليم أبنائهم دراسة ستوفر لهم منصب شغل، مثل حالة هذا الأب الذي قال ل«المساء» إنه وجد نفسه مضطرا إلى أن يقترض مبلغا ماليا مهما من البنك من أجل أن يدرس ابنه بجامعة الأخوين، مؤكدا أنه لجأ إلى هذا الخيار بعد أن سدت في وجه ابنه جميع أبواب المعاهد العليا التي تشترط الحصول على نقط عليا من أجل الالتحاق بها. وفي السياق نفسه، يؤكد أب آخر أنه استعان بقرض من البنك ليسدد مصاريف تعليم ابنته بإحدى مدارس المهندسين الخاصة، ويقول مفسرا: «فضلت أن أستعين بقرض لتعليمها، على أن أراها تعاني ويلات الدراسة بالجامعة، وانتظار فرصة عمل لن تأتي أبدا، رغم أنها كانت تلميذة مجتهدة لكن الحظ لم يحالفها». لكن، ورغم أن الأسر المغربية تفضل أن توجه أبناءها نحو المدارس الخاصة لضمان تعليم جيد لهم، فإن هذا لا يعني أن المدرسة العمومية لم تخرج أطرا عليا مشهودا لها بالكفاءة والخبرة. وفي هذا السياق يدعو العديد من الباحثين والمهتمين بالشأن التربوي إلى إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية وحمايتها من الإفلاس، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن حماية المدرسة العمومية أمر لا مناص منه للحفاظ على مكونات الهوية الوطنية. إحصائيات وأرقام تعتبر شبكة المِؤسسات التعليمية الفرنسية بالمغرب من أكبر الشبكات في العالم، حيث سجل الدخول المدرسي لسنة 2008، 26400 تلميذ 60 في المائة منهم مغاربة. توجد بالمغرب23 مؤسسة تعليمية تابعة لوكالة التعليم الفرنسي بالخارج. أما المكتب المدرسي الجامعي الدولي الذي يحتفل هذه السنة بعقده الأول بالمغرب، فإن لديه 6 مؤسسات تابعة له.. توجد مجموعة من مدارس التعليم الأولي والابتدائية الفرنسية بكل من الرباط، الدارالبيضاء، طنجة، فاس، مكناس، مراكش، أكادير، القنيطرة، المحمدية، الجديدة والصويرة. توجد بالدارالبيضاء 7 مؤسسات حرة صادقت عليها وزارة التربية الفرنسية وتضم 4339 تلميذا. في تقرير البنك الدولي الأخير عن التعليم ببلدان «شمال إفريقيا والشرق الأوسط» جاء المغرب في الرتبة الحادية عشرة (ضمن أربع عشرة دولة). حسب إحصائيات لوزارة التربية فإن 6 في المائة فقط من الأطفال يدرسون في القطاع الخاص، في حين يهدف الميثاق الوطني للتعليم إلى تحقيق نسبة20 في المائة في أفق 2010. ويستأثر التعليم بالمغرب بما يعادل 28 في المائة من الميزانية الإجمالية للدولة. تم تأسيس «الجبهة الوطنية للدفاع عن المدرسة العمومية» تحت شعار «ما تبيعش مدرستي» في 11 نونبر 2007 من أجل دفاع عن تعليم عمومي مجاني وجيد.