نفى الرئيس الموريتاني في حديث حصري "لفرانس 24" وجود أي مخطط للإطاحة به بعد إصابته "برصاصة طائشة" في موريتانيا الشهر الماضي وانتقاله إلى باريس لاستكمال العلاج. وأعلن ولد عبد العزيز أنه سيعود إلى نواكشوط السبت المقبل لاستئناف عمله رئيسا للدولة بعد غياب امتد لأكثر من شهر، وفق ما أعلنت عنه "فرانس 24". وكشفت إذاعة فرنسا الدولية نقلا عن مقربين من الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز أن لقاء سريا جمع بين الرئيس الموريتاني الذي يقضي فترة نقاهة في باريس والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الثلاثاء في قصر الإليزيه. وذكرت الإذاعة أن لقاء الرئيس الفرنسي بنظيره الموريتاني في قصر الرئاسة الفرنسية بباريس سبقته مكالمات هاتفية أجراها الطرفان خلال الأسابيع الماضية. وأشارت "ار أف اي" إلى أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز كان يقضي فترة نقاهة في باريس في مكان سري بعد أن غادر مستشفى "بيرسي" حيث خضع لعلاج من إصابة في موريتانيا قالت الرواية الرسمية لنواكشوط إنها طلقات عن طريق الخطأ مصدرها فرقة من الجيش الموريتاني. لغز صحة الرئيس؟ وحسب موقع "فرانس 24"، الذي أورد هذا التقرير، فإن لقاء الرئيسين الفرنسي والموريتاني في باريس، يعتبر أول تحرك سياسي للأخير منذ إصابته في موريتانيا قبل أسابيع، في سياق تساؤلات في موريتانيا وخارجها حول حقيقة الوضع الصحي للرئيس الموريتاني. ولعل ما أثار هذه الاستفهامات هو أن الرواية الرسمية الموريتانية كانت تحدثت مباشرة بعد الحادث عن جروح طفيفة أصيب بها الرئيس ولد عبد العزيز في 13 أكتوبر الماضي من "رصاصة طائشة" من أحد جنوده على بعد حوالي 40 كلم من نواكشوط. وقد ظهر الرئيس بعد الحادث وهو يخاطب "مطمئنا" الشعب الموريتاني قبل سفره إلى باريس لاستكمال العلاج. بيد أن أيام العلاج في فرنسا طالت وولدت تساؤلات حول حقيقة الجروح التي أصيب بها الرئيس وحول تاريخ عودته المرتقبة إلى موريتانيا، وظلت السلطات الموريتانية تردد طيلة الأسابيع الماضية مقولة وحيدة هي أن "صحة الرئيس بخير وأنه سيعود إلى موريتانيا في أقرب الآجال"، دون تقديم أي توضيح عن حالة الرئيس الصحية. وكانت المعارضة الموريتانية قد طالبت السلطات بالكشف عن حقيقة الوضع الصحي للرئيس، داعية إلى ابتعاد الجيش عن الحياة السياسية العامة. وذهب أحد قادة المعارضة وهو القيادي في تنسيقية أحزاب المعارضة الموريتانية محمد ولد مولود إلى التأكيد على أن إجراء الرئيس مكالمات هاتفية لا يعني بالضرورة أنه قادر على ممارسة مهامه على رأس الدولة. من أصاب الرئيس، القاعدة أم الجيش؟ يقول الدكتور عبد الرحيم منار السليمي، رئيس "مركز الدراسات الأمنية وتحليل السياسات" إن موريتانيا تعيش فراغا رئاسيا بدأت تظهر مخاطره خصوصا أمام إمكانية أن يقوم الجيش بمحاولة انقلاب عسكري إن طالت فترة غياب الرئيس. فالعملية التي أصيب فيها الرئيس الموريتاني عملية خطيرة على اعتبار أن الروايات التي راجت هي روايات يشوبها الكثير من الغموض، بما فيها الرواية الرسمية التي تقوم على عنصر "النيران الصديقة". ويطرح الباحث السليمي ثلاث فرضيات حول ما وقع: الفرضية الأولى: القاعدة هي التي استهدفت الرئيس الموريتاني على اعتبار أن الهجوم سبقته تهديدات للرئيس الموريتاني بحكم تعاونه مع الفرنسيين والغرب عموما في محاربة "تنظيم القاعدة" في المنطقة. مظاهرات المعارضة الموريتانية تندد بالفراغ الدستوري بموريتانيا ولعل ما يدعم هذه الفرضية، يقول الباحث، هو أن القاعدة في المنطقة تريد تدعيم سيطرتها على مالي ومنطقة الساحل بتأمين قاعدة خلفية بتحويل موريتانيا إلى "دولة فاشلة" تغيب فيها السلطة ولا تملك فيها الدولة قدرة على مراقبة حدودها البرية. الفرضية الثانية: هي دول الجوار، المغرب أو الجزائر. وهو السيناريو الذي أشارت إليه بعض الصحف الجزائرية التي قالت بوجود دور مغربي-قطري في حادث موريتانيا. وقد نفى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في مقابلة خاصة وحصرية مع فرانس 24 أن يكون هناك مخطط مغربي قطري هدف إلى تصفيته وإبعاده عن رأس الدولة في موريتانيا. ويعود الباحث السليمي إلى ما تداولته الصحافة الجزائرية بهذا الخصوص ليؤكد على أنه "كلام لا يقوم على حجج ذات مصداقية" على اعتبار أن التنسيق بين المغرب وقطر لم يصل بعد إلى مستوى العلاقات التي تربط قطر بالجزائر، فالعلاقات المغربية القطرية، يقول الباحث، علاقات باردة وحذرة وأحيانا متوترة، هذا فضلا عن أن المغرب يعتبر موريتانيا عمقه الإستراتيجي وليس من مصلحته أن يحدث انقلابا فيها باغتيال الرئيس. الفرضية الثالثة: تقوم على الانقلاب العسكري، وتدعم هذا السيناريو طريقة إدارة المؤسسة العسكرية في موريتانيا وقيام الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز باستبعاد عدد من القيادات العسكرية. بدايات انقلاب عسكري هادئ؟ من جهتها دعت تنسيقية المعارضة الديمقراطية في موريتانيا، وهي تحالف يضم حوالي عشرة أحزاب معارضة، إلى البدء في مرحلة انتقالية "لسد الفراغ على رأس الدولة" الناجم عن غياب الرئيس. وقال رئيس التنسيقية صالح ولد حننا "من الضروري سد الفراغ الواضح في رأس السلطة الذي يؤدي إلى عواقب خطيرة على البلاد والشعب والإدارة اليومية للدولة". والمخاطر التي تعنيها المعارضة هي عودة الجيش للسيطرة على السلطة واستغلاله غياب رئيس الدولة. ومن بين التسريبات التي تناقلتها وسائل الإعلام العربية هي أن قيادة الجيش الموريتاني تلقت تقريرا سريا مفصلا عن حالة الرئيس الصحية وشرعت بعدها في اتخاذ عدد من التدابير التنظيمية داخل الجيش. وذكرت صحف عربية أن قائد الأركان محمد ولد الغزواني ترأس قبل أيام اجتماعا لكبار قادة الجيش ناقش خلاله أحدث التقارير الطبية عن صحة الرئيس واحتمال عجزه، وبالتالي قرر اتخاذ الإجراءات الضامنة لعدم وجود فراغ في السلطة، في حالة عجز الرئيس. تحركات قادة الجيش الموريتاني في الداخل تقابلها مؤشرات حياة وحيوية بدأت تظهر على الرئيس الموريتاني من باريس، كان أولها اللقاء الذي جمعه بالرئيس فرانسوا هولاند وانفتاحه على لقاءات الصحافة، قبل أن يتم الإعلان عن عودته يوم السبت المقبل إلى موريتانيا بعد أكثر من شهر من الغياب. *تعليق الصورة: الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.