قال إبراهيم الفاسي الفهري، رئيس منتدى «ميدايز» في طنجة، الذي ينظمه معهد «أماديوس» المغربي، إن برنامج الدورة الخامسة للمنتدى الذي سينظم ما بين 14 و18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، سيعالج أغلب الإشكاليات والقضايا التي سبق تناولها خلال الدورة السابقة، والتي لا تزال تفرض نفسها، إضافة إلى مواضيع جديدة، مشيرا إلى أن التحولات السياسية التي أطلقها الربيع العربي ما زالت جارية، مع تفاوت في الأوضاع حسب بلدان المنطقة، التي يمكن القول إن بعضها دخل فصل الخريف في حين لا يزال البعض الآخر في نطاق الربيع. وأضاف الفاسي الفهري أن هناك أيضا الأزمة المالية العالمية التي تحولت إلى أزمة مديونية سيادية، وأزمة نقدية في البلدان الغنية، التي بدأت آثارها تظهر على دول المنطقة. وأشار الفاسي الفهري، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إلى أن الربيع العربي فتح مرحلة وآفاقا جديدة أمام العالم العربي، الذي ظل متأخرا، باستثناء بعض البلدان، مقارنة مع التطورات التي عرفتها الدول المماثلة. وقال إن العالم العربي يتوفر على مقومات مهمة جدا، سواء من حيث عدد السكان أو الموارد الطبيعية أم الموقع الجغرافي، الشيء الذي يرشحه ليلعب دورا دوليا وإقليميا رئيسيا. لكنه أوضح أن العالم العربي لم يستطع مسايرة موجة تشكل التكتلات والأقطاب الجهوية التي عرفها العالم. وزاد قائلا: «رأينا ظهور تكتلات إقليمية في آسيا وأميركا اللاتينية، أما نحن العرب فبقينا متخلفين عن الركب بسبب الوضع السياسي في بعض بلداننا. ولدينا اتحاد المغرب العربي كنموذج. فلو تمكنّا من تجاوز مشكلاتنا السياسية وحققنا تكتلا جهويا في إطار اتحاد المغرب العربي لاستطعنا أن نساهم في جعل العالم العربي قوة صاعدة». وفي ما يلي نص الحوار. * ما الذي يميز الدورة الجديدة ل«منتدى ميدايز»؟ - الدورة الحالية للمنتدى ستدعم مكتسبات الدورات الأربع الماضية في اتجاه تحقيق الهدف الذي حددناه، وهو جعل «منتدى ميدايز» واحدا من بين المنتديات الدولية العشرة الأولى في أفق 2015. حتى الآن استطاع المنتدى أن يفرض نفسه كملتقى دولي سنوي يجمع المسؤولين السياسيين والاقتصاديين من القارات الثلاث، ومن الدول الغنية أيضا، مع خبراء عالميين بارزين، على أنه منبر حر للتعبير عن الآراء وأداة للتحليل والدراسة حول القضايا التي تهم دول الجنوب. نحن فخورون بالنجاح الذي حققه المنتدى والإشعاع الذي يمثله بالنسبة للمغرب وللمنطقة. وخلال الدورة الحالية نترقب حضورا مميزا لنحو 200 شخصية سياسية واقتصادية فاعلة ومعتبرة من القارات الثلاث. أما من حيث المضمون فإن برنامج الدورة الخامسة للمنتدى سيعالج أغلب الإشكاليات والقضايا التي سبق تناولها خلال الدورة السابقة، والتي لا تزال تفرض نفسها، إضافة إلى مواضيع جديدة. ذلك أن التحولات السياسية التي أطلقها الربيع العربي ما زالت جارية، مع تفاوت في الأوضاع حسب بلدان المنطقة، التي يمكن القول إن بعضها دخل فصل الخريف في حين لا يزال البعض الآخر في نطاق الربيع. هناك أيضا الأزمة المالية العالمية التي تحولت إلى أزمة مديونية سيادية، وأزمة نقدية في البلدان الغنية التي بدأت آثارها تظهر على دول المنطقة. * الدورة الماضية نظمت في ذروة الربيع العربي، وفي سياق الإعداد للانتخابات في المغرب، الآن بعد مرور سنة، ما تقييمك لتلك الأحداث؟ - عندما اجتمعنا السنة الماضية في طنجة كانت تفصلنا أقل من عشرة أيام عن موعد الانتخابات التشريعية في المغرب، الذي نجح في عبور مرحلة الربيع العربي بسلاسة وبشكل طبيعي. اليوم هناك معطيات جديدة في المنطقة، وعلى رأسها وصول «الإسلاميين المعتدلين» إلى السلطة في أربعة بلدان عرفت انتخابات بعد الربيع العربي، وهي مصر وتونس والمغرب وليبيا. لم آخذ الانتخابات الجزائرية في الاعتبار، لأن الجزائر بقيت خارج الربيع العربي، وانتخاباتها بقيت مماثلة للانتخابات السابقة، الشيء الوحيد الذي شكل حالة استثنائية في الانتخابات الجزائرية مقارنة مع الجيران هو تراجع نتائج الحزب الإسلامي الجزائري، وحصوله على أصوات أقل مقارنة مع الانتخابات السابقة. يمكن القول إن هناك اليوم أزمة تمثيلية، لأن الحركات الإسلامية المعتدلة التي حملها الربيع العربي للسلطة لم تكن هي القوى التي حملت هذا الربيع العربي. المعطى الآخر في الصورة التي لدينا هي أنه بعد سنة من الربيع العربي هناك استمرار الكارثة السورية. رأينا كيف فشلت جهود مبعوثين أمميين في ظرف ستة أشهر، كوفي أنان ثم الأخضر الإبراهيمي، كما فشلت هدنة العيد. اليوم هناك فوضى حقيقية في سوريا. الشيء الذي يدفعنا أيضا إلى التساؤل حول دور الأممالمتحدة ودور الوسيط الأممي، الأخضر الإبراهيمي. وستشكل القضية السورية أحد أبرز مواضيع المنتدى، التي سيشارك في مناقشتها وفد مهم من المجلس الوطني السوري، بالإضافة إلى ممثلي مختلف القوى الغربية والعربية المعنية بالأزمة السورية، ومشاركة تركيا. هذا النقاش سيقودنا إلى طرح السؤال الكبير للمنتدى حول الهندسة الجديدة للشرق الأوسط. وهنا أتحدث عن الشرق الأوسط بالمعنى الواسع، أي تلك المنطقة الممتدة من المغرب إلى أفغانستان. وفي هذا الإطار سنخصص جلسة استشرافية حول مستقبل الأزمة الإيرانية، كما سنناقش أيضا الأوضاع في أفغانستان وباكستان وتداعياتها على المنطقة بعد انسحاب القوات الأميركية والغربية، ومشكلة الاستقرار والأمن في شمال أفريقيا، الذي تهدده تداعيات الأوضاع المعقدة في منطقة الساحل والصحراء، وخصوصا في شمال مالي، ومشكلة أزواد، وتناسل التنظيمات الإرهابية والانتشار المقلق للأسلحة بارتباط مع الوضع الليبي المقلق. * وماذا عن القضية الفلسطينية، التي كانت دائما حاضرة في الدورات السابقة؟ - ستكون حاضرة بالطبع، لكن ليس كموضوع مستقل كما في الدورات السابقة. هذه السنة أدمجنا موضوع إنشاء الدولة الفلسطينية وموضوع التصويت الأممي المرتقب في إطار الجلسة العامة حول الشرق الأوسط الجديد. وكالعادة سيشارك في النقاش مسؤولون فلسطينيون رفيعو المستوى. للأسف، يبدو أن القضية الفلسطينية كانت الخاسر الأكبر من الربيع العربي، على الأقل على المستوى الإعلامي. إذ غطت عليها الأحداث في سوريا وليبيا ومصر. لذلك أعتقد أنه يجب علينا كعرب أن لا نغفل عن كونها قضيتنا الأساسية، وأن الربيع العربي لا يجب أن يضع القضية الفلسطينية، وخصوصا مسألة إنشاء الدولة الفلسطينية، خارج الأجندة الدولية. وهذا ما سنعبر عنه خلال المنتدى. شخصيا، أنا متفائل بنتيجة التصويت في الأممالمتحدة. ومع أنني لا أرى أن مجلس الأمن سيقرر في وقت قريب قبول الدولة الفلسطينية كعضو كامل للمنتظم الأممي بسبب الفيتو الأميركي، لكني أعتقد أن تصويتا إيجابيا سيشكل مؤشرا قويا لصالح الفلسطينيين. وأشاطر تفاؤل الدبلوماسية الفلسطينية بهذا الصدد، التي لا يبدو أن أحداث الربيع العربي قد أعاقتها كثيرا في مساعيها، والتي تترقب تصويت ثلثي أعضاء الأمم المتحدثة لصالحها. * إذن الدورة الحالية لمنتدى «ميدايز» ستناقش حصيلة العام الأول للربيع العربي، لكن ما تقييمك لتلك الحصيلة؟ - يمكن دائما القيام بحصيلة أولية، لكن يجب أن لا ننسى أن الربيع العربي جاء للقطيعة مع خمسين سنة من السياسة في بعض البلدان، ونحن اليوم في السنة الأولى فقط. هناك تغيير على مستوى النظام السياسي، وهناك فاعلون جدد يتولون السلطة اليوم. يجب أن نترك لهم الوقت للعمل قبل الحديث عن تقييم أو حصيلة. ولكن رغم الاستقرار الهش في ليبيا ومشكلات مصر أعتقد أن الربيع العربي كان إيجابيا. ومن حسن الحظ أنه حصل، لأن هذا التطور كان ضروريا. * ما معالم الشرق الأوسط الجديد بعد الربيع العربي؟ - الربيع العربي فتح مرحلة وآفاقا جديدة أمام العالم العربي، الذي ظل متأخرا، باستثناء بعض البلدان، مقارنة مع التطورات التي عرفتها الدول المماثلة. العالم العربي يتوفر على مقومات مهمة جدا، سواء من حيث عدد السكان أو الموارد الطبيعية أو الموقع الجغرافي، الشيء الذي يرشحه ليلعب دورا دوليا وإقليما رئيسيا. لكن العالم العربي لم يستطع مسايرة موجة تشكل التكتلات والأقطاب الجهوية التي عرفها العالم. فقد رأينا ظهور تكتلات إقليمية في آسيا وأميركا اللاتينية، أما نحن العرب فبقينا متخلفين عن الركب بسبب الوضع السياسي في بعض بلداننا. ولدينا اتحاد المغرب العربي كنموذج. فلو تمكنّا من تجاوز مشكلاتنا السياسية وحققنا تكتلا جهويا في إطار اتحاد المغرب العربي لاستطعنا أن نساهم في جعل العالم العربي قوة صاعدة. بالنسبة لي من فضائل الربيع العربي أنه رد عقارب الساعة إلى نقطة الصفر. وأنا اليوم أكثر تفاؤلا بالنسبة للاندماج العربي مما كنت قبل الربيع العربي. * وهل أنت متفائل أيضا بالنسبة للمغرب العربي أيضا؟ - كنت سأكون أكثر تفاؤلا بهذا الصدد لو حدثت تغييرات أكبر في نمط الحكم بالجزائر، لكن نلاحظ أن الوضع بقي راكدا هناك. وهذا أمر مفهوم نوعا ما، لأن الجزائر كانت قد عرفت الربيع العربي قبل الآخرين، لكنه للأسف لم يكتمل، وأسفر عن عشر سنوات من الحرب الأهلية. للأسف كذلك هناك دائما هذه السلسلة من الأحداث التي تجعل من بروز المغرب العربي كقطب اقتصادي جهوي قوي في المنطقة أمرا مستبعدا، وبسب هذه المجموعة من الأحداث التاريخية والسياسية فإن اتحاد المغرب العربي يمثل اليوم الطفل المريض بالنسبة للاندماج العربي.