سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حاتم البطيوي "الشرق الأوسط": «البوليساريو» كانت مستعدة لبحث قيام حكم ذاتي إريك جانسن في حوار مع «الشرق الأوسط»: سحب الثقة من كريستوفر روس ليس جديدا في ملف النزاع
كشف إريك جانسن، الممثل الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ورئيس بعثة «مينورسو» ما بين عامي 1993 و1998، أن جبهة البوليساريو كانت مستعدة خلال لقاء سري مع المغرب جرى في جنيف منتصف أغسطس (آب) 1996 لبحث قيام حكم ذاتي في الصحراء. وقال جانسن، في حوار حصري مع «الشرق الأوسط» جرى في باريس، إنه حاول عام 1996 إقناع المغرب وجبهة البوليساريو بأنه حان الوقت لعقد لقاء مباشر، وبدا أن «البوليساريو» كانت متحمسة لذلك لكن بالنسبة للمغرب «لقينا صعوبات إلا أنه وافق في الأخير على ذلك». وكشف جانسن أيضا أنه كان من بين شروط موافقة المغرب على لقاء جنيف ضرورة أن يظل الأمر سريا «لدرجة أن إدريس البصري، وزير الداخلية، أبلغني أنه في حالة تسرب خبر اللقاء إلى الإعلام فإن المغرب سينفي ذلك جملة وتفصيلا وسيكف عن المشاركة في أي لقاء مقبل». وأوضح جانسن أنه كان يقول إنه إذا تمكن من تحقيق تنظيم لقاءات مباشرة بين المغرب و«البوليساريو»، سيكون ذلك هو الطريق الذي يوفر أكثر الإمكانيات لحل النزاع. وأشار جانسن، وهو ماليزي دنماركي، إلى أنه حينما عين رئيسا لبعثة «مينورسو» في الصحراء كان المغرب يتحدث عن تنظيم استفتاء تأكيدي لمغربية الصحراء بينما كانت «البوليساريو» ترى أنه لا معنى للانخراط في استفتاء يثق المغرب أن نتائجه ستكون لصالحه. وتحدث جانسن عن لقاء الرباط الذي عقد في نفس السنة وترأس الوفد المغربي فيه الأمير سيدي محمد ولي العهد (الملك محمد السادس)، وقال إنه روعي في وفد جبهة البوليساريو التوازن القبلي، لكن هذا اللقاء لم يعط نتائج آنية، مشيرا إلى أنه بعد لقاء الرباط «بدأنا في إعداد لقاء ثالث، بيد أن التوقيت لم يكن مناسبا وملائما بسبب تزامنه مع انتخابات الأمانة العام للأمم المتحدة التي لم يتمكن فيها بطرس غالي من الظفر بولاية ثانية». وكشف جانسن أنه بعد انتخاب كوفي أنان أمينا عاما للأمم المتحدة عمل شخصيا على الدفع لجهة جعل الأميركيين ينغمسون في ملف الصحراء لإيجاد حل له. وتحدث جانسن أيضا عن قضايا أخرى ضمنها سحب المغرب لثقته من كريستوفر روس، الوسيط الأممي في نزاع الصحراء، والأوضاع في منطقة الساحل والصحراء، ومخيمات جبهة البوليساريو في تندوف (جنوب غربي الجزائر). وفيما يلي نص الحوار. * صدرت لك في الآونة الأخيرة الطبعة الثانية من كتاب «الصحراء الغربية: تشريح مأزق». فما القيمة المضافة لهذه الطبعة؟ - حينما كنت بصدد كتابة الطبعة الأولى لهذا الكتاب كان ذلك في وقت طلبت مني فيه لجنة تابعة لدار النشر إبراز ما جرى بشأن مسلسل تحديد الهوية لتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء، وهو ما قمت به. ومع مرور الوقت عرفت منطقة شمال أفريقيا عددا لا بأس به من الأحداث، وهي أحداث ذات أهمية كبيرة، وهنا رأت دار النشر أنه ربما حان الوقت لإصدار طبعة ثانية من الكتاب مع إدخال إضافات، وتغييرات جد مهمة ركزت بالأساس على ما يقع في شمال أفريقيا وأيضا نزاع الصحراء. ولقد قمت بكتابة الفصل الأخير من جديد. وأعتقد أنه يجب الأخذ بالاعتبار تعقيدات نزاع الصحراء نظرا لأهميتها، ذلك أننا إذا نظرنا إلى هذا النزاع الآن سنقول في الظاهر إن لا شيء تغير، وإن الأمور ما زالت تراوح مكانها كما كانت دائما، وحينما تلتقي الناس الذين يعرفون الملف جيدا سيقولون لك نفس الشيء. لكن بالنسبة لي هناك تغيير كبير ومهم حدث. * ما طبيعة هذا التغيير؟ - هناك تغيير على مستوى مخطط مجلس الأمن. وإذا بدأنا من هذا المستوى سنجد أن مجلس الأمن قدم منذ أكثر من 20 سنة مخططا للتسوية الذي كان يتطلب المرور بمسلسل تحديد هوية الأشخاص الذين يحق لهم المشاركة في استفتاء الصحراء. وأود القول هنا إنني حينما عينت على رأس بعثة الأممالمتحدة في الصحراء «مينورسو»، وممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة في عام 1993 وصلت في ظرف وجيز إلى خلاصة مفادها أن فرص وإمكانية وضع ذلك على سكة الانطلاق كان أمرا صعبا، وأن المضي قدما في ذلك حتى النهاية كان تقريبا شيئا مستحيلا. صحيح أن المغرب وجبهة البوليساريو وافقا على مخطط التسوية لكن مع تقديم تحفظات، وبالتالي قرر الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك المضي قدما في ذلك. وتصادف ذلك مع أحداث جسام عرفها العالم تجلت في سقوط جدار برلين، وأتذكر أن الأجواء في نيويورك آنذاك كانت إيجابية جدا. وكان الرئيس جورج بوش الأب يتحدث عن عالم جديد، وهو ما أعطى الانطباع بأن باقي المشكلات العويصة التي تعرفها مناطق كثيرة من العالم ستجد طريقها إلى الحل عبر مجلس الأمن. هذا إضافة إلى كون الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، خافيير بريز دي كويار، فكر في إيجاد حل لنزاع الصحراء على الرغم من أن أطراف النزاع لم يكونوا على اتفاق تام. وفي الأخير رأى مخطط التسوية النور. وعندما وصلت إلى المنطقة وتحدثت مع المسؤولين المغاربة ومسؤولي جبهة البوليساريو، وصلت إلى خلاصة مفادها أن وجهات النظر لدى كل طرف تختلف في العمق عن وجهة نظر الطرف الآخر. فالمغرب آنذاك كان يتحدث عن تنظيم استفتاء تأكيدي لمغربية الصحراء بمعنى أنه كان واثقا بفوزه بنتائج الاستفتاء، بينما كانت جبهة البوليساريو ترى أنه لا معنى للانخراط في استفتاء يثق المغرب أن نتائجه ستكون لصالحه. وحينما بدأنا في مسلسل تحديد الهوية كنا نعرف هذه الاختلافات العميقة في وجهات النظر، ولم نتوصل قط إلى توافق بين الطرفين. صحيح، لقد تمكنا من إطلاق مسلسل تحديد الهوية، الذي شكل سابقة هي الأولى من نوعها، ولكن تبين لنا في الأخير أن هناك الكثير من المشكلات التي تحول دون المضي قدما في تحديد الهوية. وكما سبق أن ذكرت، اقتنعت بسرعة بعد عام من العمل على الأرض وإجراء مباحثات باستحالة تنفيذ مخطط التسوية، ذلك أنني بصفتي رئيسا لبعثة «مينورسو» كنت مصرا على أن أكون موجودا باستمرار في المنطقة، وهو ما أعطاني امتياز إقامة علاقات وروابط شخصية مع المسؤولين الأكثر أهمية لدى الطرفين. وتمكنت من الحصول على ثقة الطرفين التي خولت لي الذهاب بعيدا لإيجاد حل للمشكلة. وأذكر أنني شرحت للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بطرس غالي كيف أنني لا أعتقد أن مخطط التسوية سوف يحل النزاع، ووجدت غالي يشاطرني الرأي، واقترح تنظيم لقاءات مباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، وهذا ما دفعني إلى القول إنه إذا تمكنت من تحقيق ذلك سنكون أمام الطريق الذي يوفر أكثر الإمكانيات لحل النزاع. صحيح أننا واصلنا مسلسل تحديد الهوية بيد أن العملية تعثرت ودخلت في حالة انسداد. * وماذا كانت الخطوة التالية للخروج من حالة الانسداد هذه؟ - في تلك الأثناء حاولت إقناع المغرب، عبر السيد إدريس البصري، وزير الداخلية آنذاك، وجبهة البوليساريو عبر البشير مصطفى السيد، الرجل الثاني فيها آنذاك، أنه حان الوقت لجمع الطرفين مع بعضهما البعض. كان ذلك عام 1996، وبدا أن جبهة البوليساريو كانت متحمسة لذلك ولديها مصلحة في عقد اللقاء لكن بالنسبة للمغرب لقينا صعوبات في إقناعه بالجلوس مع جبهة البوليساريو في طاولة واحدة بيد أنه وافق في الأخير على ذلك. * وماذا كانت قاعدة هذا اللقاء؟ - قاعدة هذا اللقاء وجدتها عن طريق الصدفة. ذلك أنني كلما كنت في مباحثات مع البصري أو مع مصطفى السيد كانت هناك دائما طاولة مستطيلة، وكنت أشير بيدي إلى جانب الطاولة التي يجلس عليها البصري أو يجلس عليها مصطفى السيد. وقلت نحن هنا أمام دعوة إلى الاندماج التام، وأشرت إلى الجانب الآخر من الطاولة وقلت هنا نحن أمام دعوة إلى الاستقلال التام، وزدت قائلا: يجب علينا أن نناقش ما يوجد بين الاثنين أي الاندماج التام والاستقلال التام. ووافق الطرفان على ذلك، وكنت على يقين أن جبهة البوليساريو كانت على اتصال بالجزائر، وأعتقد أن البصري حصل بدوره على موافقة الملك الحسن الثاني، وبالطبع جرى ذلك اللقاء بشكل سري. إذ كان من بين شروط موافقة المغرب على اللقاء ضرورة أن يظل الأمر سريا لدرجة أن البصري أبلغني أنه في حالة تسرب أخبار اللقاء إلى الإعلام فإن المغرب سينفي ذلك جملة وتفصيلا، وسيكف عن المشاركة في أي لقاء مقبل، وهذا كان أمرا صعبا. وهكذا جرى اللقاء الأول السري في جنيف منتصف أغسطس (آب) 1996، وترأسه عن الجانب المغربي إدريس البصري وزير الداخلية، الذي كان رفقة مستشارين له ضمنهما المحافظ محمد عزمي، بينما ترأس جانب جبهة البوليساريو البشير مصطفى السيد، الذي كان أيضا مرفوقا بمستشارين. وفي ذلك اللقاء اشترطت جبهة البوليساريو أن يكون اللقاء الثاني إما مع الملك الحسن الثاني أو مع ولي عهده آنذاك (الملك محمد السادس حاليا)، كما اشترطوا ألا يحضر اللقاء قادة جبهة البوليساريو المنشقين الذين عادوا إلى المغرب. وبالفعل جرى اللقاء الثاني في الرباط، وتم على مستوى عالٍ، إذ ترأسه عن الجانب المغربي، الأمير سيدي محمد، ولي العهد. وترأس وفد البوليساريو البشير مصطفى السيد، وشارك فيه إبراهيم غالي، وزير الدفاع آنذاك، ومحفوظ على بيبا، رئيس وزراء الجبهة، ومحمد خداد، المنسق مع بعثة المينورسو. وروعي في وفد جبهة البوليساريو التوازن القبلي. بيد أن هذا اللقاء لم يعط نتائج آنية. ويمكن القول إن لقائي الرباطوجنيف شكلا المرة الأولى التي يلتقي فيها الطرفان وجها لوجه في مباحثات جادة. واذكر أن الأشخاص الذين كانوا على دراية بملف الصحراء تفاجأوا بتحقيق تنظيم هذين اللقاءين وضمنهم الأمين العام للأمم المتحدة. صحيح أن اللقاءين لم تنتج عنهما نتائج في الحين، وهذا شيء طبيعي، لكننا بعد لقاء الرباط بدأنا في إعداد لقاء ثالث بيد أن التوقيت لم يكن مناسبا وملائما بسبب تزامنه مع انتخابات الأمانة العام للأمم المتحدة التي لم يتمكن فيها بطرس غالي من الظفر بولاية ثانية بعد أن وضع الأميركيون فيتو على إعادة انتخابه. وكانت مادلين أولبرايت، مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأممالمتحدة، التي كانت تستعد لشغل منصب وزيرة الخارجية، قد وعدت بإقصاء غالي من الأمانة العامة للأمم المتحدة مهما كان الثمن، وبالتالي بدا أنه لا الأمين العام، ولا الأميركيون كانوا آنذاك على استعداد لفعل شيء من أجل التقدم في ملف الصحراء. * لقد طرحتم على طرفي النزاع فكرة إقامة حكم ذاتي في الصحراء، وأن الطرفين وافقا على ذلك، فهل استجابت جبهة البوليساريو والمغرب بسهولة لفكرتكم؟ - تبعا لما كنت أتحدث عنه، أود القول إنه في تلك الأثناء بدت جبهة البوليساريو أكثر استعدادا للبحث بجدية إمكانية قيام حكم ذاتي في الصحراء. لا توجد لدي وثائق بشأن ذلك ولكن محمد عبد العزيز أمين عام جبهة البوليساريو قال فيما بعد إن ذلك كان صحيحا، وهذا ما أكده لي أيضا البشير مصطفى السيد. وبالنسبة للمغرب، قال لي إدريس البصري إنه مستعد لنقاش ذلك. لكنني رأيته يصرح بعد لجوئه إلى منفاه الباريسي عقب إعفائه من وزارة الداخلية بأنه كان شخصيا ضد الحكم الذاتي بنسبة 100 في المائة. هذا مع العلم أن الملك الراحل الحسن الثاني بدأ بعد تلك الفترة في التفكير بجد في الأمر، وأبلغ بذلك روبرت زوليك، مساعد وزير الخارجية الأميركي، كما أنه سبق له أن تحدث في حوار صحافي أدلى به عام 1992 عن النموذج الفيدرالي الألماني، وإمكانية تطبيقه، ولكن في الأخير تمت إضاعة الفرصة، وبالتالي فإن ما وقع كان في الحقيقة تغييرا كبيرا في المواقف. * وماذا وقع بعد ذلك؟ - تم انتخاب كوفي أنان، أمينا عاما للأمم المتحدة. وعملت شخصيا، وربما مستشارون آخرون، على الدفع لجهة جعل الأميركيين ينغمسون في ملف الصحراء لإيجاد حل له خاصة أن الأميركيين كان هاجسهم في ذلك الوقت هو تقليص موازنة الأممالمتحدة وقوات حفظ السلام. آنذاك عين أنان جيمس بيكر مبعوثا خاصا لنزاع الصحراء. وعملت معه تقريبا مدة سنة، وهو رجل ذو مواصفات من الطراز الرفيع، وكانت تقف وراءه قوة الولاياتالمتحدة وهذا معطى يعرفه الجميع. * ماذا عمل بيكر؟ - أثناء نقاشي معه في بداية مهامه، قال لي بيكر إنه مقتنع بوجهة نظري التي كانت تروم الدفع لجهة إجراء مفاوضات جدية من أجل التوصل إلى توافق حول الحكم الذاتي، وقبل ذلك من حيث المبدأ. ولكنه حينما أجرى أول جولة له في المنطقة أتذكر جيدا أنه عندما خرج من لقاء له رأسا لرأس مع الملك الحسن الثاني، قال لي إن المغرب يريد أن نواصل العمل بمخطط التسوية، وربما ما قاله الملك الحسن الثاني لزوليك فيما بعد يشرح لماذا لم يكن آنذاك مستعدا لبحث موضوع الحكم الذاتي. وبالنسبة لجبهة البوليساريو لم أفاجأ حينما أبلغوا بيكر رأسا لرأس أنهم مع مواصلة العمل بمخطط التسوية. لأن قادة البوليساريو كانوا جد مسرورين بوجود أميركي كوسيط في النزاع لاعتقادهم أنه بإمكانه القيام بضغوطات على المغرب لتليين مواقفه. زد على ذلك فإن بيكر كان مقتنعا أن الطرفين عندما يصلان إلى نهاية النفق سيراجعان موقفيهما. وما وقع بعد ذلك هو أنه تم أحياء عملية تحديد الهوية التي اعترضتها أيضا عدة مشكلات وكانت النتيجة بالضبط ما توقعناه إذ وصلت الأمور إلى الطريق المسدود، وأصبحت لدينا قناعة أكثر من أي وقت مضى أنه لا يمكننا مواصلة السير على نفس الطريق. وهكذا جاء مخطط بيكر الأول الذي رفضته جبهة البوليساريو، ثم مخطط بيكر الثاني الذي رفضه المغرب، وبالتالي لم يكن بالإمكان العمل بهما لأن الأمر هنا كان يتطلب موافقة الطرفين، كما أنه لم يكن بإمكان مجلس الأمن فرض أي من المخططين على طرفي النزاع على الرغم من محاولة بيكر الضغط على مجلس الأمن للقيام بذلك. فمجلس الأمن كان دائما مع إيجاد حل مقبول لدى الطرفين. آنذاك وجدنا أنفسنا في حالة انسداد للأفق وغادر بيكر موقعه الأممي، وتم تعيين الهولندي بيتر فان فالسوم خلفا له بيد أن فالسوم انتهى إلى خلاصة أبلغها لمجلس الأمن مفادها أنه لا يعتقد أن استقلال الصحراء هو الحل، وأن قيام دولة صحراوية مستقلة ليس خيارا واقعيا، وهو ما أثار حفيظة جبهة البوليساريو، التي طالبت بأبعاده عن الوساطة في نزاع الصحراء. وبعد فالسوم تم تعيين ألفارو دي سوطو، الذي لم يمكث طويلا في مهامه ليخلفه الدبلوماسي الأميركي كريستوفر روس، وبدا واضحا أن حصول روس على تفويض من الأممالمتحدة لجهة خلق اختراق في الملف ليس كافيا لوحده، وأن الحصول على ثقة الطرفين يبقى مسألة أساسية. وفي هذا الصدد، أود أن أروي لك قصة على سبيل المثال مفادها أنني حينما تناقشت مع إدريس البصري عام 1996 لإقناع المغرب بأنه يجب أن يكون هناك لقاء مباشر مع جبهة البوليساريو، كان جوابه: «ولكنك لا تتوفر على تفويض بذلك». وبالفعل كنت أعرف جيدا أنني لا أتوفر على تفويض عام، وبعد ذلك قال لي: «سوف نعمل معك بصفتك الشخصية»، وهي طريقة للقول: «أنت تعرف جيدا أنه ليس تفويضا رسميا». لماذا أراد البصري قول ذلك؟ لأنني كنت دائما موضع ثقته. وفي اللحظة التي نفقد فيها ثقة هذا الطرف أو ذاك لا يعد بإمكاننا العمل. وهذا ما جرى مع سلفي يعقوب خان، وهو شخصية محترمة ومحبوبة. وكان يحظى بثقة المغرب والجزائر، ولكنه في وقت من الأوقات اتخذ قرارا جعله يفقد ثقة الجزائر وجبهة البوليساريو، وكان مضطرا إلى مغادرة منصبه لأنه لم يعد بإمكانه العمل في ظل هذه الوضعية. * وماذا بالنسبة لك هل مررت بمطبات كادت أن تعصف بالثقة فيك من الجانبين؟ - نعم مررت بمراحل صعبة سواء مع المغرب أو جبهة البوليساريو لكنني لم أصل إلى حد عدم تمكني من العمل. * وكيف تلقيت قيام المغرب بسحب الثقة من روس؟ - لقد سبق أن ذكرت أن جبهة البوليساريو اعترضت على تصريحات فالسوم التي أدلى بها أمام مجلس الأمن. وحتى دون أن أعرف كل التفاصيل أجزم القول بأن نفس الأمر وقع مع روس حيث سحب المغرب ثقته منه، وأصبح يعتبره غير محايد. إن الأمر هنا لا يتعلق بالتساؤل هل كان روس محقا فيما قام به أم لا؟ لكن الحقيقة الأكيدة هي أنه فقد الثقة. وأعتقد أنني لن أفاجأ إذا ما قام السيد روس بمبادرة ما، وإن كنت لا أعرف كيف ستنتهي الأمور. وعموما فإن مسألة سحب الثقة من روس ليست هي الأولى من نوعها إذ جرت مع مسؤولين أمميين آخرين مثل خان وبيكر وفالسوم. وأتذكر أنه في سنوات عملي الأولى بالمنطقة، حينما بدأت عملية تحديد الهوية في موريتانيا، اتصل بي إدريس البصري، وقال لي: «ليس لديك تفويض للقيام بذلك وإذا ما أصررت على المضي قدما في ذلك سنطالب بمغادرتك للمنطقة». لذا أشدد على القول إنه حينما تنعدم الثقة لدى هذا الطرف أو ذاك ينتهي كل شيء. * الآن نحن أمام حالة انسداد أفق جديدة لملف الصحراء. ما العمل الآن؟ - نحن وصلنا إلى مرحلة تجعلني أقول إن نزاع الصحراء يجب النظر إليه في إطار أكثر شمولية.فنحن دائما اعتبرنا أنه نزاع قائم بين المغرب وجبهة البوليساريو إلى جانب وجود مصالح للجزائر، وهو ما يظهر بشكل جلي ما دامت مخيمات جبهة البوليساريو توجد فوق الأراضي الجزائرية. فالجزائر معنية بالموضوع، وموريتانيا كذلك. والآن، واعتبارا لما يحدث في المنطقة نجد أنفسنا أمام تطورات مبهرة في الدول العربية الواقعة في شمال أفريقيا بشكل عام، وإضافة إلى ذلك هناك شيء مقلق جدا يتعلق بالإرهاب، وهو أمر يقلب الوضع في المنطقة رأسا على عقب. لقد كانت هناك حوادث إرهابية في المغرب، وأخرى كثيرة في الجزائر، لكن ما يحصل الآن هو التطور الخطير للأوضاع في مالي حيث توجد مجموعة مسلحة بشكل جيد، ولها روابط بشمال أفريقيا خاصة أن أفرادها عملوا جنودا في ليبيا، وحصلوا على أسلحة ليبية. فالأمر يتعلق بمجموعة جد منظمة استطاعت أن تحصل على السلطة في شمال مالي. زيادة على ذلك، شاهدنا حوادث إرهابية في موريتانيا وأيضا اختطاف متطوعين إسبان عاملين في المجال الإنساني بمخيمات جبهة البوليساريو في تندوف. الآن، هناك قرار للحكومة الإسبانية بسحب هؤلاء المتطوعين الإسبان من مخيمات تندوف وهذا بالتأكيد شيء مهم لأنني لا أظن أن مدريد بإمكانها أن تتخذ مثل هذا القرار دون أن تكون لها حجج دامغة تبرر قرارها، وأن هناك خطرا كبيرا يهدد مواطنيها في المخيمات. وفي هذا الصدد، فإنني أرى أن الوضعية المزرية التي تعيشها المخيمات منذ أكثر من ثلاثة عقود، يعاني منها جيل شاب سئم من حياة صعبة وقاسية وقد لمست ذلك أثناء زياراتي المتكررة للمخيمات. ويمكنني القول إنه كان لدي دائما الكثير من الاحترام للطريقة التي يعيش بها اللاجئون حياتهم وهي حياة بلا مستقبل. وبالنسبة للشباب سوف تكون أكثر صعوبة، ولن أفاجأ إذا ما قام الإرهابيون بالبحث عن متعاطفين معه وسط هؤلاء الشباب الذين لا مستقبل لهم. فكل هذا يوجد في إطار وضعية تخيم على المنطقة بشكل عام لا سيما إذا عرفنا أن 60 في المائة من سكان أفريقيا الشمالية يقل عمرهم عن 30 سنة، وغالبيتهم لا يتوفرون على وسائل لكسب قوت يومهم. واليوم بحكم وسائل التواصل المتوفرة أصبح جميع الشباب بمن فيهم القاطنون في مخيمات تندوف على اطلاع بما يجري خارج محيطهم. ويتساءلون: كيف يعقل أننا لا نتوفر على فرص مثل الآخرين؟ وهو ما يجعلهم يطالبون بإيجاد حل للخروج بهم من هذه البيئة الصعبة والقاسية. وأود هنا الحديث عن اتحاد المغرب العربي، الذي يعرف حالة جمود بسبب استمرار نزاع الصحراء. ولو تحقق هذا الاتحاد لتوفرت فرص كثيرة للاقتصاد، وخلقت مناصب شغل لانتشال هؤلاء الشباب من المجهول. * لكن من المسؤول بالدرجة الأولى عن هذه الوضعية المتردية في المخيمات؟ - المخيمات، كما سبق أن قلت، توجد فوق التراب الجزائري، وكل المساعدات الإنسانية الموجهة إليها تمر عبر الجزائر. فالجزائر بطريقة أو أخرى معنية بالنزاع. ووجهة النظر الجزائرية تقول إن جبهة البوليساريو هي من تتخذ قراراتها، وبالتالي هي قرارات لا يمكن أن تكون ضد ما تريده الجزائر. * حذرتم قبل عامين من مخاطر قيام كيان يدعى «ساحلستان» على أبواب المغرب العربي إذا لم يتم حل قضية الصحراء في أقرب وقت. ما المعطيات التي جعلتكم آنذاك تتنبأون بما سيحصل في منطقة الساحل؟ - إن الإرهاب تزايدت قوته وسطوته في المنطقة وهو ما اختزلته في كلمة «ساحلستان». فهناك ارتباط في شمال مالي بين تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي «أكمي»، والحركة من أجل التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا (موجاو)، كما أن الأمر هنا يتعلق بمنطقة من دون حدود حقيقية، ويمكن عبورها بسهولة، بمعنى أنه يصعب مراقبتها. فحدود مالي ليست بعيدة عن جنوب غربي الجزائر حيث توجد مخيمات جبهة البوليساريو، فهناك بعض المناطق لديها قابلية للانفتاح على فرص الإرهاب، أيضا هناك عامل الأشخاص الذين يناوئون أولئك الموجودين في السلطة، وربما هؤلاء بدورهم يتساءلون عن كيفية رصد الإسلاميين المتطرفين. وحسب اعتقادي، لم يسبق لجبهة البوليساريو أن كانت على علاقة بالإسلام المتطرف، بيد أنه في اللحظة التي يكتشف فيها سكان المخيمات أن لا تغيير يحدث على أرض الواقع، وأن المستقبل منعدم، وأن القادة لم يقوموا بأي جهد لتحقيق ذلك، فإن التطرف سيكون هو البديل. *تعليق الصورة: إريك جانسن