"الشرق الاوسط" تونس: المنجي السعيداني لندن دافع الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، عن موقف الحركة من الفصل الأول لدستور 1959 الذي احتفظت بما ورد فيه من معطيات. وقال إن الصحف العربية علقت بصفة سلبية على موقف حركة النهضة، وأنها كانت غير موفقة في طرح العلاقة بين الدين والدولة في تونس. وقال في ندوة صحافية عقدها أمس بمقر حركة النهضة بالعاصمة التونسية، عن وجهة نظر الإسلاميين في تونس، إن تونس لم تكن أبدا دولة علمانية بل هي دولة إسلامية كما ينص على ذلك الفصل الأول الذي قبلت باعتماده في صياغة الدستور الجديد. واعتبر أن الجمعيات التي قامت بحملة لإضافة فصل باعتماد الشريعة كمصدر أساسي ووحيد للتشريع كانت غير موفقة في دعوتها، وقال إن هذا الأمر غير وارد في تونس. وحول تأثير موقف حركة النهضة على علاقاتها بدول الخليج التي قد ترى في الابتعاد عن اعتماد الشريعة في الدستور نوعا من الارتماء في أحضان العلمانية، قال الغنوشي إن قيادات الحركة لم تلاحظ أي أثر سلبي على علاقات التونسيين بتلك الدول، بل إن نوايا الاستثمار عادت للارتفاع وبأرقام لم تحصل في تاريخ تونس، فعدد كبير من البنوك الإسلامية وشركات الاستثمار ترى أن الثورة التونسية قطب جذب مهم للاستثمار. واعتبر الغنوشي أن الفصل المتفق حوله يجعل التونسيين متفقين على الإسلام وليس على الشريعة، وقال إنه من الصعب أن نمتحن التونسيين خلال الفترة في إيمانهم، وذلك من منطلق أن الشعب التونسي كله مسلم. وقال إن المرور إلى التصويت سواء عبر المجلس التأسيسي أو عبر الاستفتاء سيضع الكثير من التونسيين في حرج من أمرهم، باعتبار أن التصويت ضد اعتماد الشريعة سيضعهم في موقف سلبي تجاه الدين الإسلامي. وانتقد بالمناسبة نفسها صياغة بعض المقالات الإعلامية التي صدرت في صحف خليجية ومصرية ولبنانية، وقال إنها لم تصب في صياغة الخبر وأظهرت حركة النهضة في موقع الرافض لإدراج الشريعة أو الإسلام كمصدر للتشريع، وقال إنها صياغات غير دقيقة وغير موفقة. وقال الغنوشي إن التمسك بمبدأ اعتماد الشريعة في الدستور كانت ستقسم التونسيين إلى صف مع الإسلام وصف ثان مع الشريعة، واعتبر أن المفاهيم غير الواضحة لدى التونسيين حول الشريعة هي التي أدخلت الكثير منهم في جدل عقيم، والحال أن الدولة التونسية، على حد قوله، دولة إسلامية وكل تشريعاتها تستلهم مفاهيم الإسلام ومقاصد الشريعة. ووعد أنصار الحركة وبقية التيارات السياسية قائلا «سترى كل الأطراف أن الإسلام منبث في كل جوانب الدستور الجديد وليس من خلال فصل دستوري وحيد». وانتقد بالمناسبة بعض الدساتير المشرقية، وقال إنها تنص على أن الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع، ولكن سياساتها انتهت إلى خروج الناس إلى الشارع وإلى ثورات أطاحت بأنظمتها السياسية. وحول اعتماد الديمقراطية داخل حركة النهضة للتصويت على الفصل الأول الذي وقع القبول به، قال الغنوشي إن نتائج التصويت أفرزت داخل الهيئة التأسيسية للحركة 53 عضوا لصالح ذاك الفصل، فيما صوت 13 عضوا ضد اعتمادها، واحتفظ سبعة أعضاء بأصواتهم. واعتبر الغنوشي أن الإبقاء على الفصل الأول من دستور 1959 يتماشى مع برنامج الحملة الانتخابية لحركة النهضة التي نادت قبل انتخابات المجلس التأسيسي باعتماد نفس الفصل الدستوري حتى لا يذهب المجتمع التونسي نحو الفرقة السياسية والعقائدية. وبشأن تخوين حركة النهضة من قبل تيارات إسلامية سلفية واتهامها بالحياد عن مبادئها، قال الغنوشي مازحا إن «ريحا دخلت من الشباك وبعثرت الأوراق فاضطررنا إلى إعادة ترتيبها»، على حد تعبيره، في إشارة إلى الاتفاق منذ البداية حول الاحتفاظ بالفصل الأول من دستور 1959 ثم تراجع بعض الأطراف، من بينها قيادات من حركة النهضة عن ذاك الاتفاق، وهو ما فتح باب الجدل من جديد على مصراعيه بين التونسيين. وقال إن النهضة ليست اليوم في وضع من جاء ليفتح البلاد بقدر ما هي تسعى إلى تمكين عموم الناس من حرياتهم، وإن تطبيق الشريعة لا يمر إلا عبر تطبيق الحريات. وأضاف أن حركة النهضة «لا تريد أن تنقل التونسيين من مجتمع مسلم إلى مجتمع منافق»، على حد تعبيره. وانتقد الغنوشي تجارب تطبيق الشريعة بالقوة، وقال إن معظمها كان مآله الفشل، وذكر السودان والصومال وإريتريا، وقال إن تلك الأنظمة دخلت على شعوبها من باب الخطر والتخويف وفرض القوانين بالقوة. وصرح أن تونس اتعظت من الوضع الجزائري، حيث إن أقلية لا تزيد على 20 في المائة تمكنت من قلب الطاولة على الأغلبية وأدخلت الجزائر في محنة ذهب ضحيتها ربع مليون جزائري. وقال مازحا «لا نريد من فئة من التونسيين أن تدعو الجنرال رشيد عمار إلى التدخل لحماية الثورة». وقال إن حركة النهضة تشتغل فوق أرضية ملغومة لكنها لن تتنازل عن مبادئها ولو خسرت الآلاف من الأصوات الانتخابية. وأضاف أن المواقف المتطرفة هي التي توصف بالضعف أما الموقف المعتدل فهو موقف معظم التونسيين. ودعا السلفيين، وخاصة السلفية الجهادية، إلى الكف عن الدعوة إلى العنف، عسى أن تسترد تونس كل أبنائها، على حد تعبيره، وأن ينتقلوا من التطرف إلى التفكير الوسطي المعتدل. ووعد الغنوشي، من ناحية أخرى، باتخاذ مجموعة مهمة من الإجراءات خلال أسبوع تهدف في معظمها إلى توضيح الخارطة السياسية وإرجاع روح التفاؤل إلى التونسيين، على حد قوله. إلى ذلك، صرح رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي في مقابلة صحافية، أمس، أن الانتخابات العامة المقبلة يجب أن تجري قبل يونيو (حزيران) 2013، وأعلن عن إحياء اللجنة الانتخابية المستقلة. وقال الجبالي لصحيفة «لابريس» التونسية «نعتبر أن الانتخابات المقبلة يجب ألا تجري بعد يونيو (حزيران) 2013، من الأفضل أن تنظم في التاسع من أبريل (نيسان) - يوم عيد الشهداء في تونس - أو في نهاية يونيو بعد انتهاء السنة الدراسية أو الجامعية». وأضاف «نأمل بشدة أن يقوم المجلس الوطني التأسيسي بالجهد اللازم لتسريع عملية صياغة الدستور». والمهمة الرئيسية للمجلس الوطني التأسيسي الذي انتخب في 23 أكتوبر (تشرين الأول)، هي صياغة دستور جديد قبل تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية. وقال الجبالي «قررنا تفعيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهناك اتفاق ضمني على إعادة تعيين كمال الجندوبي مهندس انتخابات ال23 من أكتوبر على رأسها».