خفف موقف حزب حركة النهضة التونسي (اتجاه إسلامي)٬ الذي يسيطر على 89 مقعدا من بين 217 ٬ عدد أعضاء المجلس التأسيسي في تونس ٬ والقاضي بالاحتفاظ بالفصل الأول من الدستور التونسي لسنة 1959 ٬ الذي لا ينص على أن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع ٬ من حد الجدل ٬ الذي ساد على مدار الشهور الأخيرة الساحة السياسية التونسية إزاء هذه المسألة. فبعد قرار الهيئة التأسيسية للحركة ٬ الذي لا يشترط التنصيص في صلب الدستور ٬ الذي يجري إعداده حاليا داخل المجلس التأسيسي٬ على أن الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للقوانين والتشريعات في تونس٬ كما كان يصر على ذلك متشددو الحركة والتيارات السلفية في البلاد ٬ سادت انفراجة من شأنها تسريع وتيرة صياغة الدستور ٬لفتح المجال أمام تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في البلاد في غضون سنة من الآن. يذكر أن الفصل الأول من الدستور التونسي٬ الذي تولت صياغته أيضا٬ جمعية تأسيسية منتخبة سنة 1959 وظهرت فيه واضحة بصمات الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة ٬ كما يؤكد ذلك جل المحللين السياسيين ٬ ينص على أن "تونس دولة حرة٬ مستقلة٬ ذات سيادة٬ الإسلام دينها٬ والعربية لغتها٬ والجمهورية نظامه". وتجمع غالبية الاتجاهات الفكرية ومختلف الحساسيات السياسية من اليمين إلى اليسار على تبني هذه الصيغة ٬ باعتبارها تجنب المجتمع التونسي الدخول في صراعات فكرية ومذهبية حول هوية الشعب التونسي . وكان جزء هام من قيادات النهضة٬ التي تقود الائتلاف الثلاثي ٬الذي يدير دواليب السلطة خلال المرحلة الانتقالية الحالية ٬ ويضم أيضا حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية (يسار قومي) ٬ وهو حزب رئيس المجهورية ٬ المنصف المرزوقي٬ والتكتل من أجل العمل والحريات (يسار وسط)٬ تصر على تضمين الدستور الجديد بندا ينص صراحة على أن الشريعة الإسلامية هي أحد المصادر الرئيسية للتشريع. كما خرجت في الآونة الأخيرة في شوارع مختلف المدن التونسية مظاهرات لتيارات إسلامية متشددة تطالب بجعل الشريعة "المصدر الوحيد للتشريع" ٬ بل منها من يدعو إلى إقامة "دولة الخلافة"٬ كما هو الشأن بالنسبة لحزب التحرير ٬ الذي ينشط على نطاق واسع وإن كان لم يحصل بعد على الترخيص القانوني. وأمام الجدل المحتدم وتصاعد الاحتقان في الشارع التونسي ٬ الذي أصبح ينقسم من هذه المسألة٬ حسب العديد من المتتبعين ٬ إلى اتجاهين ٬ الأول علماني٬ يتشبث بíœ "دولة مدنية حديثة"٬ وأغلبه من اليسار والحركات الحقوقية المدافعة على مكتسبات المرأة والحريات العامة٬ وآخر إسلامي يدعو إلى دولة إسلامية "دستورا وممارسة" ٬ تتقدمه التيارات السلفية التي أصبحت تكتسح الساحة٬ إضافة إلى الانتقادات الموجهة إلى حركة النهضة ٬ خاصة من قبل حلفائها ٬ اختارت الحركة الحسم في اتجاه الحفاظ على التوافق بين أطراف الائتلاف الحاكم وغالبية المجتمع التونسي. ففي ختام اجتماع عقد نهاية الأسبوع المنقضي لهيأتها التأسيسية برئاسة رئيس الحركة راشد الغنوشي٬ أعلن الناطق الرسمي باسم الحركة٬ نجيب الغربي٬ أن هذه الأخيرة قررت "الاحتفاظ بالفصل الأول من دستور 1959٬ باعتباره محل إجماع جميع فئات المجتمع التونسي." وقد رحبت عدة هيئات سياسية ذات اتجاهات سياسية مختلفة منها أحزاب المعارضة بموقف حركة النهضة ٬ باعتباره "سيحافظ على الوفاق السياسي ويجنب التطرف الديني في البلاد". وفي هذا السياق ٬ قال رئيس كتلة حزب التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات٬ المولدي الرياحي ٬ إن هذا القرار"مهم ومفيد بالنسبة لتونس وللحياة السياسية في البلاد". وأضاف المسؤول السياسي التونسي٬ الذي يشارك حزبه في الائتلاف الحاكم ٬ في تصريح أوردته الصحف التونسية الصادرة اليوم ٬ إن الاحزاب السياسية "يجب ألا تكون تحت تأثير تيارات متشددة (...) بل أن تحصن المجتمع وتبحث عما يقيه ويعد للمرحلة القادمة"٬ معتبرا أن التيارات السلفية وغيرها "لا تمثل إلا أقلية صغيرة جدا داخل المجتمع التونسي". من جانبها ٬ اعتبرت مية الجريبي ٬ العضو في المجلس التأسيسي والأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي المعارض٬ أن موقف حزب النهضة "يعبر عن الإرادة في التوافق ٬ الذي تسعى إليه كل الأحزاب السياسية التونسية حول الدستور". وقالت الجريبي في تصريح أوردته وكالة الأنباء التونسية ٬ إن الأحداث أكدت أن الجدل حول الشريعة الإسلامية ٬ الذي شهدته تونس خلال الأسابيع الأخيرة "يفتح الباب لمتاهات نحن في غنى عنها ويمكن أن تقود الى العنف ونحو تخوفات حقيقية"٬ مشيرة إلى أن الدفاع عن "مدنية الدولة" في الدستور لا يعنى عدم الاستلهام من الإسلام والقيم الإسلامية. أما نجيب الشابي أحد القيادات السياسية للمعارضة التونسية ٬ فقد قال من جهته إنه "يسجل بارتياح هذا القرار الصادر عن حزب النهضة"٬ مشيرا إلى أن الإجماع الوطني حول الدستور يجنب تونس "تجاذبات ليست في حاجة إليها ويمكن من تخفيض درجة التوتر السياسي". على الجانب الآخر ٬ فقد وصف محمد الهاشمي الحامدي رئيس تيار "العريضة الشعبية للعدالة والحرية والتنمية"٬ وهو فيصل ذو اتجاه إسلامي معارض داخل المجلس التأسيسي ٬ موقف حركة النهضة من موقع الإسلام والشريعة في الدستور الجديد بأنه "خيانة للتونسيين الذين صوتوا لها ولمبادئ الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس". وأضاف الهاشمي ٬ وهو رجل أعمال يقيم في لندن ٬ حيث يدير إحدى القنوات الفضائية٬ في بيان أوردته اليوم ٬ وسائل الاعلام التونسية ٬ أن رفض حركة النهضة اعتماد الإسلام مصدرا أساسيا للتشريع في الدستور الجديد "يقدم الدليل على أن الحركة تتاجر بالدين للوصول إلى السلطة٬ واليوم تتاجر بالتخلي عنه والتفريط فيه للبقاء في السلطة".