مراكش "مغارب كم": كريم الوافي تشكل "الفنادق" العتيقة بمدينة مراكش التي يرجع تاريخها إلى عهد الموحدين الوجه الآخر لتراث طاله الإهمال والنسيان، وأصبحت في حاجة إلى الترميم لرد الاعتبار لهذا الرصيد التاريخي والثقافي الذي تزخر به المدينة الحمراء. وتعتبر الفنادق الشعبية العتيقة التي يقع معظمها بمحيط ساحة جامع الفناء قلب مراكش النابض وبالأحياء القديمة، إرثا تاريخيا مهما ونواتا قديمة للأنشطة التجارية والمنتوجات الصناعية التقليدية المغربية الغنية بتنوع واختلاف أنماطها. وتمثل الفنادق المذكورة المتمركزة بالمدينة العتيقة إحدى خصوصيات العمارة المغربية البسيطة والمتفردة ببساطة أشكالها وأقواسها، وكانت من بين الفضاءات التي يستقر بها التجار الوافدين على مدينة مراكش ومكانا لمبيت القوافل التجارية. وأخذت الفنادق تسميات مختلفة مرتبطة بالأشخاص الذين كانوا يتوافدون عليها وتتناسب مع المنتوجات التي يجري انجازها بهذه الفضاءات كفندق "العمري" و"الميزان" الخاص بالحرفيين والصناع التقليدين بحي سيدي عبد العزيز اللذين خضعا لعمليات ترميم في إطار شراكة بين المستفيدين والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبرنامج تأهيل الفنادق المخصصة للصناعة التقليدية بالمدينة العتيقة بمراكش. وقال عدد من الصناع التقليديين الذين يعملون في الفنادق التي تم ترميمها، أن من شأن صيانة وترميم هده الفنادق بالشكل الذي يتناسب ومتطلبات الحرف التي تزاول بها، أن يبث الروح فيها عبر أنشطة تجارية وثقافية تعيدها إلى سالف عهدها. ومن خلال زيارة ل "فندق الزيات" بقاعة بناهيض بالمدينة العتيقة، سيقف الزائر وهو يتأمل صورة الفندق على المفارقة الكبيرة بين الشعارات المرفوعة والانجازات الباهرة، وبين الواقع المعيش للمهمشين من الحرفيين. وظل الصناع التقليديون بفندق الزيات يطرقون كافة أبواب الجهات المسؤولة للمطالبة بإنقاذ الفندق من الانهيار ورفع التهميش عنه، وسعيا في أن تشمله عملية الترميم والإصلاح إسوة بباقي الفنادق التي جرى إخضاعها للترميم في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. ودعا رئيس جمعية فندق الزياتة للصناع التقليديين بمراكش في رسائل وجهت نسخ منها إلى كافة المصالح الجماعية والولائية وغرفة الصناعة التقليدية، بضرورة التدخل السريع لترميم المعلمة التاريخية جراء الوضعية التي آل إليها الفندق بعد تصدع جدرانه وتآكل أسقفه، وتشويه معالمه حتى أضحى شبيها بأكواخ بدائية تعود إلى العصور الغابرة، وأصبح الصناع التقليديون الذين يتجاوز عددهم عن 200 عامل ( 65 معلم و 135 صانع ) يعيشون حالة من الذعر ويضعون أيديهم على قلوبهم خوفا من أن تنهار هذه البناية العتيقة للفندق فوق رؤوسهم، مما أثر سلبا على زوار الفندق الذين عزفوا عن زيارته تجنبا لما يمكن أن يحدث لا قدر الله. وبالرغم من الزيارة الميدانية التي قامت بها لجنة مكونة من 11 عضو يمثلون مختلف المصالح المعنية بالمجلس الجماعي وولاية جهة مراكش لمعاينة الحالة الراهنة لفندق الزيات لرصد كل الجوانب التي تحتاج لعملية الترميم، والتي لقيت استحسانا من طرف الصناع التقليديون الذين علقوا عليها آمالا كبيرة في إخراج مشروع الإصلاح إلى الوجود حماية لهذه الطبقة الشعبية التي يعاني أغلبها من الفقر ومن حر لقمة العيش في غياب الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي ومدخول يومي قار ومريح، إلا أن الأمل سرعان ما تبدد بحكم التسويف والتجاهل وتداخل الاختصاصات والأولويات مما يطرح أكثر من علامات استفهام حول الأسباب الحقيقية التي جعلت مشروع ترميم الفندق يتعثر خصوصا بعدما تبين لأعضاء اللجنة المذكورة بأن الفندق المذكور يضم 64 دكانا و تزاول فيه العديد من الحرف منها الخرازة، الدرازة، النجارة، حرفة النحاس، والقصادرية ويعاني من تدهور بنيته التحتية مما يستدعي الإصلاح العاجل، فضلا عن تطرقها في محضر جرى إنجازها للرجوع إليه عند الحاجة إلى انعدام المرافق الصحية خاصة بعد إقدام مالك الفندق على تحويل المرفق القديم إلى دكان دون أن يكلف نفسه عناء تعويضه بمكان آخر إلى جانب افتقار المكان للماء الصالح للشرب ولقنوات الصرف الصحي، ليبقى الصناع التقليديون يشتغلون في ظروف قاسية بدون مرافق صحية ولا ماء شرب ولا قنوات الصرف الصحي ولا ضمان اجتماعي، وتحت سقوف مهترئة، وجدران متصدعة، وتهميش مستديم.