تؤكد الأحداث الدراماتيكية الجارية عند مداخل مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، يوما بعد آخر، وإلى حد بعيد، سلامة المقاربة المغربية لمشكل نزوح المهاجرين السريين،المتدفقين من دول جنوب الصحراء، نحو أوروبا. وطالما نبه المغرب، بالصيغ الدبلوماسية المرعية، إلى أنه لا يمكن أن يضطلع بمفرده بدور الدركي،المدافع عن حدود أوروبا الوهمية، دون أن يدرك شركاؤه وجيرانه، أن المعبرين نحو قارتهم،هما ثغران مغربيان تحتلهما دولة أوروبية في شمال البلاد. وكثيرا ما لفتت الرباط الأنظار، إلى هذه الإشكالية الاستعمارية،دون أن تمارس مقايضة او ابتزازا سياسيا، كون المغرب مقتنع بترك تصفية بقايا الاستعمار للزمن. ومنذ سنوات، نبه المغرب إلى أن المهاجرين يدخلون ترابه الوطني عبر منفذين واسعين رئيسيين: حدوده المفتوحة مع موريتانيا التي لا تستطيع أن تتحكم فيها الأخيرة،لضعف الوسائل والإمكانيات والخبرة، بينما يجثم على أرض الحدود الشرقية مع الجزائر، واقع فريد وعنيد يتمثل في أغلاق مستمر للحدود البرية المترامية مسافة 1600 كلم،منذ عام 1994.ما يحول دون تعاون أمني بين البلدين، من شأنه أن يحد، إذا صفت النفوس وخلصت النيات، من أمواج الهجرة ويخيف المهاجرين الذين تقدر اعدادهم في الجزائر، بمثل الأعداد في المغرب، أي حوالي 40 الف، يقاربها رقم مماثل في موريتانيا، مع فارق أن اكثر من نصف المتربصين في الجزائر من النساء والأطفال.وفي جميع الأحوال فإن 120 الف متربصون على ابواب أوروبا. وبات من المعروف أن الأوروبيين، بمن فيهم إسبانيا المتضررة، لا يمارسون ضغطا على الجزائر لتتعاون معهم ومع المغرب،للتحكم في مسلسل الهجرة السرية الذي يقترن كل يوم تقريبا بمآسي وتراجيديات وسقوط ضحايا عند معبري مليلية وسبتة. صحيح، ليس الحل كله بيد الجزائر وحدها، وإنما هو ثلاثي إن لم يكن رباعيا بإضافة موريتانيا، لتشكيل جبهة متصدية للهجرة،بحلول وإجراءات إنسانية وقانونية واقتصادية. اعطى المغرب، مثالا إنسانيا، في المدة الأخيرة وخطا خطوة في الاتجاه الطبيعي والضروري، حين قرر تسوية أوضاع إقامة ألاف من المهاجرين في البلاد، وهي ليست غنية ولا مزدهرة اقتصاديا، ولكنه الإيمان بوجوب التضامن وتقاسم أعباء التعاسة الإنسانية مع الآخرين في افريقيا والتي تسبب فيها المستعمر الأوروبي الذي نرك البلدان المستعمرة خلاء من مظاهر التقدم وبدل أن يوجه الشكر المغرب، وحث الآخرين على انتهاج سياسة مماثلة من طرف الجزائر، سلطت الأخيرة عليه أمواجا من المهاجرين السوريين، ليثقلوا كاهل المغرب وتعريضه لانتقادات منظمات حقوق الإنسان. ومنذ سنوات وأصوات المعمرين الإسبان في سبتة ومليلية، تتعالى منددة بالمغرب، الذي يغرق،من وجهة نظرهم،المدينتين في امواج بشرية، زاعمين أنها سياسة متعمدة ومقصودة، لطرد المحتلين من المدينتين،بعد اقتناعهم باستحالة الحياة بهما. لكن الحكومات المتعاقبة في مدريد، لم تؤمن دائما بهذا الطرح الاستعماري، ولو فرضته روح المجاملة الدبلوماسية ؛ بل إن مدريد ضمت صوتها أخيرا وفي نهاية الأمر للمغرب ووجهت اللوم لشركائها الأوروبيين بخصوص سياسات الهجرة السرية. سيحضر يوم 26 من الشهر الجاري، إلى طنجة وزير الداخلية الإسباني ومساعدوه الأقربون المختصون في قضايا الهجرة السرية، ليبحثوا مع نطرائهم المغاربة الموضوع من كافة جوانبه وخاصة سبل تطبيق البند 11من اتفاقية إعادة المهاجرين السريين، قورا، من سبتة ومليلية إلى المغرب، ليقوم الأخير بترحيلهم إلى أوطانهم الأصلية. وقبل أن يحل السنيور فرنادندث دياث، بمدينة البوغاز، وهي إحدى مراكز اختباء المهاجرين، اعربت الداخلية الإسبانية على لسان الوزير شخصيا وكاتب الدولة فيها، عن شكر المغرب وشعور السلطات الإسيانية بالامتنان، لما تقوم به عناصر الأمن والدرك الملكي، لوقف ألاف المهاجرين، الذين يتناسلون كالفطر، قادمين من الجزائر، المتفرجة على الوضع.وأضافوا لولا وقفة المغرب لكان الوضع أسوأ بكثير عبارات شكر، سمعها الوزير محمد حصاد بالهاتف من نظيره الإسباني، وأكدها له شفويا أثناء لقائهما مؤخرا في اجتماع بالعاصمة الفرنسية. آن الأوان للضمير الأوروبي، لكي لا يختفي وراء بيانات التعاطف الإنساني، بدل اتخاذ إجراءات سياسية جريئة، عقلانية وغير ماسة بالكرامة الإنسانية،انطلاقا من رؤية شمولية مندمجة في مقاربة مشكل الهجرة السرية. المؤكد أنصبر المغرب له حدود، ولا بد أن ينفد في يوم من الأيام إذا ترك وحده، قلا تجعلوه أيها الأوروبيون، يعلق الحدود على نفسه وفي وجه المهاجرين.