سأتحدث هنا عن مساهمات قبائل وأسر وشخصيات الجوار العرائشي ، ساهمت إلى جانب الدولة المغربية في تحرير العرائش ورابطت فيها ودافعت عنها من الاحتلال الأجنبي من القرن 16 إلى 19؛ حسب ما توفر لنا من مصادر تاريخية، باعتبارها ثغر من ثغور البلاد ، ومكان المخافة من أرض المغرب وبعدما كان التهافت الأوربي على أشده لاحتلالها لما يشكله موقعها الاستراتيجي من تهديد لأمنهم القومي والتجاري . قصدنا من ذلك أن لا تضيع مساهمات هؤلاء دون أن تذكر ، ونذكر بها الأجيال الحاضرة واللاحقة ، وأن وحدة الوطن وهويته لم تكن بالأمس سهلة المنال ، واعتراف منا بفضل هؤلاء علينا ، تجسيدا لثقافة الاعتراف للتضحية التي بذلوها من أجل الدين والوطن ؛ ومن أجل تنوير مسؤولي الشأن المحلي بإثارة انتباههم في شان القبائل والأسر والشخصيات التي لها فضل على هذه المدينة ، وجب عليهم تخليد أسمائهم بإطلاقها على شوارع وأزقة المدينة وساحاتها ؛ عرفانا لهم على ما أسدوه لهذه البلدة عوض تسميتها بالورود والأزهار والأشجار ... وهو خيار ينم عن جهل بتاريخ المدينة والوطن ولا يلجأ إليه إلى حين استنفاذ كل ما يربطنا بماضينا التليد . 1) القبائل المشاركة و عملياتها كانت هناك جبهتين للدفاع عن العرائش : جبهة جنوبية التي هي قبائل الغرب وجبهة شرقية وشمالية وهو ما كان يطلق عليها الهبط ، شكلتا قواعد لوجستيكية منذ قرون ، تمدا العرائش حين كل اعتداء بالمال والنفس ، وهو ما يِؤكده نص تاريخي يرجع إلى سنة 1489 يخلد لإحدى المواجهات مع البرتغاليين قرب العرائش وهي معركة المليحة حيث يقول الكراسي في منظومته وهو يصف الواقعةّ (1) : وجاءت الروم الى الجزيرة بكل اسطول وميرة دخلوا وادي آل كوس فذاقوا الهوان بالنكوس جيش اهل الغرب ودنا وكان الغرب نصير مأونا جاهد بالمال والنفوس لقطع دابر الكافر البئيس ولم يزل مع المجاهدين من فاس والأنجاد أجمعينا تندرج في النص كلمة " الغرب " و " الأنجاد " ويقصد بهما الكراسي الغرب الذي يتموقع قرب العرائش وكان يسمى " أزغار " ، و" الأنجاد " يعني بهم سكان الجبال المجاورة والتي سيطلق عليهم فيما بعد " جبالة " و هي التي ستنشط بها العمليات الجهادية ضد البرتغاليين بقيادة علي براشد في هذه الفترة تحديدا. فالمنطقتين معا شكلتا الداعم الأساسي لثغر العرائش فيما بعد. فهذا ما توافق مع رغبة المنصور الموحدي من قبل عندما أسكن عرب بني هلال في الغرب وخاصة " رياح " لمواجهة الأطماع المسيحية في المنطقة التي باتت شبه خالية من السكان لعوامل تاريخية مضت. وتشير بعض النصوص التاريخية لهذا العصر أن أهم قبائل الغرب آن ذاك. رياح والخلط وطليق وسفيان ثم سيتبعهم لسكنى الغرب بنو مالك وبنو عامر وبداوة وفي الأخير شراردة. أما جبالة فهي مجموعة قبائل تشكلت من السكان الأصليين الأمازيغ أبرزها : مصمودة (غمارة) ، صنهاجة ، كتامة مع الأدارسة الفارين من فاس من بطش أبي موسى العافية المكناسي، ومنها اي القريبة من العرائش، قبائل بني يسف ( القلة حاليا)، بني زكار، آل سريف (تطفت بوجديان حاليا)، سماتة (زعرورة حاليا)، بني عروس، بني ومراس (2)، الخروب بني احمايد (3)، بني جرفط، جبل الحبيب، بالإضافة إلى قبيلة الساحل (4). كلتا الجبهتين ساهمتا بشكل مكثف ومؤثر في عدم سقوط العرائش في يد الإحتلال الأجنبي. كان يتم التواصل بين العرائشيين و المناطق المجاورة بإشعال النار؛ لانبعاث الدخان يكون علامة على الخطر المحدق بالمدينة. فقد سجل أحد البرتغاليين هذا حينما هاجم أبناء جنسه مدينة العرائش حيث علم سكان قرية الهوتة ( سيدي وادار حاليا ) و قرية ( بوشارن ) الموجودتان في الضفة اليسرى لنهر اللوكوس جنوبالمدينة، فأعلنت التعبئة في القرى المجاورة (5) و لما سقطت العرائش على يد السلطان الشيخ المامون السعدي، بأن سلمها للأسبان، تعبأ سكان هذه القبائل لمقاطعة المحتلين ومنع كل متعامل معهم للوصول إلى أسوار المدينة، الشيء الذي خلق أزمة غذائية لدى المستوطنين، تدخل على إثرها الملك الإسباني لدعم المستوطنة غذائيا ولوجستيكيا مما كان يثقل كاهل ميزانية الدولة الإسبانية، الأمر الذي انتهى إلى نقاش حول جدوى هذا الاحتلال في الأوساط الإسبانية؛ خلص إلى البقاء على احتلال مركز العرائش وتكليف الحاكم العسكري بتدبير معيش المستوطنين اليومي به؛ عبر نهج سياسة الانتقام من ردود فعل المقاومة المتزايدة من يوم لأخر بفرض العقاب الجماعي. فمثلا على إثر عملية فدائية قام بها أحد أفراد دوار "الريحيين" بقتل إسبانيين، قام الحاكم العسكري بالمدينة بمعاقبة جماعية لآهالي المدشر بهجوم نهبوا فيه مواشيهم. كما قام الإسبان بمهاجمة مدشر " مزكاليفت " بسبب أزمة الحطب. وقبل هذا جاءت هذه القبائل لمنع سقوط العرائش في يد الإسبان بالقوة سنة 1608 ويونيو 1610 (6). وبعد اشتداد اعتداءات الإسبان وتضييقهم على المجال الحيوي لسكان المنطقة قام أهل الغرب تحديدا بمطالبة المجاهد العياشي بالعمل على جهاد الإسبان الموجودين بالعرائش، وعلى إثر ذلك أوقع بهم في معارك أشهرها، تلك التي ذكرها الوفراني في كتابه نزهة الحادي والمسماة موقعة " الغابة ". وبعد مقتل المجاهد العياشي خلفه المقدم الخضر غيلان، الذي سلك نهج سلفه في مواجهة الإسبان وقام بعمليات أشهرها معركة استعملت فيها السلالم لتخطي أسوار المدينة. ولم يشر لهذه المعركة إلا مصدر واحد هو " العرائش " لصحابيه طوماس غارسيا فيغراس ورودريكز خوليو سان سير. وبعد قدوم جيش المولى اسماعيل تحت قيادة احمد بن حدو الريفي الحمامي وعلي بن عبد الله الروسي كقائد ميداني شاركت مجموعة من القبائل المغربية والمدن بمتطوعين كانت للقبائل المحيطة بالعرائش دور في هذا التحرير من جملتها كما أخذناها من وثيقة عدلية لتقسيم الغنائم بين المجاهدين (7) : - بني زجل – الأخماس – مصمودة - بني مسارة – رهونة – سريف - بني يوسف – صرصار - بني فزكار - بني جرفط – سماتة - بني ومراس - بني عروس. يتبع...