نشرت مجلة لونوفيل أوبسرفاتور الفرنسية بورتريه مطول عن الملك محمد السادس في عددها الصادر هذا الأسبوع. وفيه تحاول كاتبته سارة دانييل مقاربة شخصية الملك بعد 12 سنة من الحكم، وترصد أحد أهم تناقضات هذه الشخصية التي يلفها الكثير من الغموض، ممثلة في الوجه الجداثي والديمقراطي الذي تقدم به في الغرب، وتشبتها بطقوس تبلغ حد القداسة في الداخل. وفيما يلي نص البورتريه التحقيق: "أرجوك لا تكتب أن الملك يحب هذه الأكلة "، يتوسل أحد الطباخين في مطعم إيطالي بفندق فخم بمراكش، نادما لكونه ربما أفشى سرا من أسرار الدولة أو الدفاع أمام إحدى الصحفيات. هو من الذين اعتادوا الدخول للقصر الملكي ولكنه أعرب عن أسفه لكونه قد تكلم أكثر من اللزوم: في لحظة إثارة، طفق يمدح طيبوبة الملك محمد السادس، الذي لا يتوانى كل يوم في القراءة بقرب صديقه المريض لأجل مواساته. ولكن صديقنا الطباخ لا يود أن يذكر اسمه كمصدر للمعلومة: "صاحب الجلالة يمكن أن يخيل له أني أتملق إليه ..." في وقت أصبحت تحركات الأمراء والملوك في العالم تحت أضواء الإعلام تماما كنجوم السينما، ولذلك يمنع منعا كليا التحدث عن العاهل المغربي ولو بالمديح وبالإيجابيات. في مملكته يحظى بتقديس غير مفهوم. من هو هذا الرجل البالغ من العمر 48 سنة ويحكم المملكة المغربية منذ اثني عشر عاماً؟ نظارة سوداء، شعر قصير، لحية قصيرة غير مشذبة وملامح عصية على التأويل. لقد وصلت إلى المغرب حمى الديمقراطية التي اجتاحت العالم العربي، وقد يكون الزعيم الوحيد في المنطقة الذي انتزع فتيل التمرد في الوقت المناسب. في الغرب، إنه يجسد الحداثة والانفتاح. ولكن في مملكته يحظى بتقديس غريب. "تريدين الكتابة عن شخص الملك؟ مستحيل .ماذا؟ تريدين مقابلته؟ سيكون أسهل الوصول إلى الله... "، يحدثنا دبلوماسي مقرب من القصر. الملك هو أكبر أسرار المملكة وهو الموضوع المحرم بين المحرمات بدون منازع، وهو بالإضافة لموضوع الصحراء الغربية أحد الخطوط البيضاء التي تتوقف دونها الصحافة ولا تتجاوزها. منذ عامين، منعت أسبوعية تيل كيل لأنها تجرأت على إنجاز استطلاع للرأي لتقييم الأداء العام للملك، رغم أن 91 في المائة عبروا عن رأي إيجابي أو إيجابي جدا. لماذا كل هذا التبجيل الذي يبدو كأنه يفرض نفسه على الجميع؟ الأمر يشبه شخصية صاحب الظلمات في رواية "هاري بوتر"، محمد السادس هو الذي يجرؤ الناس هنا بالكاد أن ينطقوا اسمه. لماذا كل هذا الغموض؟ لماذا كل هذا الاحترام الذي يبدو كأنه يفرض نفسه على الجميع؟ وبطبيعة الحال، "الشعب يحبه". يوم الفاتح من يوليوز، صوت المغاربة على مشروع الدستور الجديد وفي جو من الحماس بلغت نسبة التأييد (98%) التي لم يكن يصل إليها بن على أو القذافي إلا باللجوء إلى حشو صناديق الاقتراع، وشراء الأصوات. ولكن هذه الشعبية لا تفسر وحدها ذلك ف "التقديس" لشخص يطلقون عليه هنا لقب "m6". الملك نفسه يتعامل معها بحذر، خاصة وأن بلاطه والطبقة الحاكمة المغربية يتعاونون على إبعاده عن الأنظار الآن أكثر من أي وقت مضى، حيث اضطرابات الربيع العربي وثوراته العابرة للحدود، يجب أن يتوارى الرجل و تتضخم الأسطورة. الرجل ذو المفعول السحري في أعين رعاياه "أيام حكم الحسن الثاني، كنا نخاف من الملك، واليوم نخاف على الملك"، هذا ما اعتاد أن يقوله المغاربة في بداية عهد محمد السادس. الآن وقد أصبح البلد يفور احتجاجا، ينتاب النخبة المغربية الخوف على امتيازاتها فتتستر خلف النظام الملكي التوافقي وطقوسه وبذخه. إن الهيبة، هذا الشعور بالخوف والتبجيل الذي كان يرغم رعايا الحسن الثاني على الرضوخ والانحناء، انتقلت إلى ابنه لأن المخزن، "الدولة" المغربية، له مصلحة في هذا الاستمرار. يكفي للاقتناع بذلك معاينة مدير شركة عندما تفاجئه مكالمة من القصر على الهاتف: إنه ينتصب واقفا بسرعة من فرط الخشية رغم أن مخاطبه لا يراه... في هذا البلد حيث تم بناء الهوية الوطنية حول النظام الملكي، فإن محمد السادس رغم تخليه عن القداسة، يبقى صاحب مفعول سحري في أعين رعاياه. بعد نتيجة للاستفتاء، وعلى الرغم من حرارة الصيف، تنفست الارستقراطية الصعداء لأن النظام الملكي ومكانته الخاصة لدى المغاربة هو الذي يؤخر ساعة المحاسبة. محمد السادس يكره الحديث أمام الملأ. ولهذا السبب، كلما طرحت سؤالا ولو بسيطا حول صاحب الجلالة، رمقك القوم باستنكار كأنك قد اقترفت ذنبا، وللحفاظ على هالة الملك لا ينبغي حصره في "شخص" كأي إنسان. ولكن الملك الإنسان له أيضا قصة حافلة بالأسرار، قد تستشف ثقلها لو أبصرته مثلا يوم 17 يونيو الماضي وهو أكثر الأيام أهمية في عهده. لقد كان كعادته يعطي الانطباع أنه يفضل لو وجد في مكان آخر... مساء ذلك اليوم، حوالي الساعة الثامنة مساء، وافق أمير المؤمنين في خطاب تاريخي على التقليص من صلاحياته وإقامة نظام ملكي برلماني... لقد كان يبتلع ريقه بصعوبة وهو يتلو برتابة فصول القانون ونظرته لا تغادر الأوراق."شعبي العزيز، أخاطبك اليوم لنجدد العهد المشترك بيننا بدستور جديد... " إنه يكره تناول الكلمة، لقد ألقى أول خطبة مرتجفة وعمره سبعة سنوات أمام الفلاحين، غير بعيد عن أنظار أبيه الصارمة... العرش ذو الحجم الضخم الموضوع وراءه، كأنه يشكل تهديدا .... لا زال طيف الحسن الثاني حاضرا بكل قوة. هناك لحظات بارزة تعيد الذاكرة لوقائع يمتزج فيها الملل بالإحساس بالرعب. عندما لم يكن الطفل محمد إلا ممثلا رسميا لأبيه الملك ذائع الصيت. عام 1974، كان عمره عشرة سنوات، كلفه بتمثيله في جنازة "جورج بومبيدو" فظهر الطفل بين جنبات كاتدرائية نوتردام يرتدي جلاّبة بيضاء وطربوشا أحمر. الملك يتذكر تلك اللحظات قائلا "أحسست بالضآلة وكأني فاصلة حمراء صغيرة في فضاء الكاتدرائية الفسيح...". هذا اليوم 17 يونيو 2011 أيضا، أمام الكاميرات التي تصور وعوده بالقيام ب"الثورة الهادئة"، يبدو متضايقا. بذلته مضبوطة بإفراط، ويجلس بجواره في توتر ظاهر ورثة العرش ابنه الأمير مولاي الحسن وشقيقه الأمير مولاي رشيد، والرمزية هي استمرارية النظام الملكي. وراءه ذلك الكرسي المخيف ذو الحجم الضخم والمزركش باللونين الوردي والذهبي. لقد عاش الرجل معاناة شديدة قبل أن يعتلي هذا العرش... استدعاء على الساعة الخامسة صباحا لسماع التعنيف... كان الحسن الثاني يعتبر محمد ويعامله على أساس أنه خلفه على العرش أولا أكثر من معاملة الوالد لولده. لقد أجبره منذ طفولته المبكرة على حضور جميع الاستقبالات الملكية دون أن يكون له الحق في الكلام. عندما أصيب الأمير في حادثة سير في سن الثانية والعشرين، اعترف الأب أن "هاجس الملك لديه كان أكبر من شعور الأب إزاء ابنه، لقد رأيت أن عشرين سنة من التعليم والتدريب كادت تتبخر في لحظة". ومن أجل تأهيله لمهنة الملك، قام الحسن الثاني بتطبيق الأساليب الموروثة عن والده محمد الخامس: متابعة مشددة للنتائج المدرسية وانتقاء بعناية فائقة لزملاء الدرس، هؤلاء الذين أصبحوا مستشاريه، ومراقبة بالغة حتى لأوقات الفراغ، بالإضافة لجرعة أخرى من القسوة : استدعاءات في الساعة الخامسة صباحا للتعنيف أو إهانة أمام الغير. لا زالت صور تلك الحقبة تظهر يافعا مرهفا شارد الذهن، يرتجف خوفا وهو يقف بجانب والده، وعلى محياه ملامح الانزعاج التي لم تفارقه إلى اليوم، كالذي يخشى أن تنهال عليه عقوبة في أية لحظة. "نحن لا نعرف فرويد في المجتمع المغربي" صرح الحسن الثاني يوما في مقابلة مع جريدة الفيغارو، " نحن نتعامل مع الأطفال بشكل مباشر، حتى لو نتج عن ذلك ألم للمفاصل! ... " القسوة التي شكلت شخصية الملك المقبل وعلاقته مع السلطة إن هذه القسوة التي مارسها الملك الأب، الذي كان الناس يكرهونه و ينبهرون به في نفس الوقت، شكلت شخصية الملك المقبل وعلاقته مع السلطة. "يبدو الأمر كما لو كان الحسن الثاني يريد معاقبة ابنه لأنه سيخلفه بعد موت"، يقول أحد المقربين. إن التصرف المنحرف لدى الملك الراحل ليس له حدود، فلقد أخبر يوما ابنه أنه يفكر في سحب ولاية العهد منه لفائدة ابن عمه الأمير مولاي هشام، وهو شاب نابغة دأب على تربيته كأحد أبناءه منذ وفاة والده الامير مولاي عبد الله. مولاي هشام هذا أبان اهتماما وحماسا للشأن العام، خلافا لولي العهد. هذه المنافسات البريئة سوف تتحول إلى سوء فهم عميق وخصومة سيصبح الملك الشاب أكثر المتضررين منها لأنها نابعة من القصر. على إثر ذلك أصبح الأمير مولاي هشام في مقدمة المطالبين بإصلاح النظام الملكي، ولا يتردد في الإفصاح عن انتقاده لمحمد السادس، وأصبحت الصحافة تلقبه الأمير الأحمر سارة دانيال (لونوفيل أوبسيرفاتور) --- تعليق الصورة: جانب من حفل الولاء الذي جرى يوم الأحد 31 يوليو 2011