محرك البحث "غوغل" يحتفي بالذكرى ال 69 لعيد استقلال المملكة    هذه هي المنتخبات التي ضمنت رسميا التأهل إلى "كان المغرب" 2025    تغييرات مرتقبة على تشكيلة الأسود ضد منتخب ليسوتو    أجواء غير مستقرة بالمغرب.. أمطار وزخات رعدية وثلوج ابتداءً من اليوم الإثنين    رابطة ترفع شكاية ضد "ولد الشينوية" بتهمة الاتجار بالبشر    أطباء غاضبون من وزارة الصحة يضربون عن العمل في المستشفيات العمومية    دراسة: السياسة الفلاحية التصديرية لا توفر حتى المداخيل الكافية لاستيراد حاجيات المغرب من القمح    جائزة ابن رشد للوئام تشجع التعايش    فتح باب الترشح لجائزة "كتارا للرواية العربية" في دورتها الحادية عشرة    الداخلية الإسبانية تبرز دور فريق الوقاية المدنية المغربي في جهود الإغاثة في فالنسيا    خبير جزائري في الذكاء الاقتصادي: الجزائر تفتقر إلى الثقل الدولي في قضية الصحراء    محامي حسين الشحات: الصلح مع محمد الشيبي سيتم قريبا بعد عودته من المغرب    انطلاق مهرجان آسا الدولي للألعاب الشعبية وسط أجواء احتفالية تحت شعار " الألعاب الشعبية الدولية تواصل عبر الثقافات وتعايش بين الحضارات"    هند السداسي تُعلن طلاقها بخطوة جريئة وغير مسبوقة!    الدورة الرابعة من بطولة القسم الوطني هواة.. اتحاد الخميسات فاز بصعوبة على وداد تمارة    المغرب يستضيف الملتقي العربي الثاني للتنمية السياحية    مركز موكادور للدراسات والأبحاث يستنكر التدمير الكامل لقنطرة واد تدزي    ذكرى ميلاد الأميرة للاحسناء: مناسبة لإبراز انخراط سموها الموصول في قضايا المحافظة على البيئة    الكرملين يتهم بايدن ب"تأجيج النزاع" في أوكرانيا بعد سماح واشنطن باستخدام كييف أسلحتها لضرب موسكو    مهاجرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء يتسببون في فوضى بالقليعة    أغلبهم نساء وأطفال.. مجازر إسرائيلية في غزة وبيروت تسقط عشرات الضحايا    المغرب يرسل أسطولا إضافيا يضم 12 شاحنة لدعم جهود تنظيف قنوات الصرف الصحي في فالنسيا    فوزير يخضع لعملية جراحية ناجحة    تزامن بدلالات وخلفيات ورسائل    بعد غياب طويل.. الجمهور المغربي على موعد مع المطرب العراقي محمد السالم من    فاتي جمالي تغوص أول تجربة في الدراما المصرية    بني بوعياش وبني عمارت على موعد مع أسواق حديثة بتمويل جهوي كبير    "تعزيز الضمانات التشريعية الوطنية بشأن مناهضة ومنع التعذيب وسوء المعاملة" محور ورشة عمل بالبيضاء    حجز أزيد من 188 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط وإيقاف المتورطين    اصطدام بين سيارة ودراجة نارية يودي بحياة شاب في خريبكة    بلجيكا وهولندا والمغرب في قلب صراع إجرامي بعد سرقة كوكايين    تاركيست: سيدة تضع حدًا لحياتها شنقًا    "غوغل" يحتفل بالذكرى ال69 لعيد الاستقلال المغربي    الجيش الإسرائيلي يعلن أن نحو 30 مقذوفا أطلقت من لبنان نحو إسرائيل    "قمة العشرين" تناقش مكافحة الفقر    ملعب آيت قمرة.. صرح رياضي بمواصفات عالمية يعزز البنية التحتية بإقليم الحسيمة    فرنسا تقسو على إيطاليا في قمة دوري الأمم الأوروبية    المغرب يفتح آفاقاً جديدة لاستغلال موارده المعدنية في الصحراء    تنظيم النسخة 13 من مهرجان العرائش الدولي لتلاقح الثقافات    بعد صراع مع المرض...ملك جمال الأردن أيمن العلي يودّع العالم    مزاد يبيع ساعة من حطام سفينة "تيتانيك" بمليوني دولار    ترامب يسمي رئيس "هيئة الاتصالات"    تراجع النمو السكاني في المغرب بسبب انخفاض معدل الخصوبة.. ما هي الأسباب؟    ارتفاع أسعار النفط بعد تصاعد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا    مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان    المغرب يخنق سبتة ومليلية المحتلتين ويحرمهما من 80% من نشاطهما الجمركي    وقفة احتجاجية بمكناس للتنديد بالإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    خبراء يحذرون من "مسدس التدليك"    وفاة "ملك جمال الأردن" بعد صراع مع سرطان المعدة    شبيبة الأندية السينمائية تعقد دورتها التكوينية في طنجة    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما لا يعرفه المغاربة عن الملك محمد السادس
نشر في هسبريس يوم 26 - 05 - 2008

يبدو أننا نحن المغاربة، لا نعرف الشيء الكثير، عن جوانب مثيرة من شخصية الملك محمد السادس، لا نعرف مثلا أنه يحب الحياة على الطريقة الغربية، سيما جوانب الاستمتاع، من قبيل الرقص والموسيقى والسينما والفن التشكيلي... إلخ.
ثمة العديد من التفاصيل المثيرة التي تسربت في أكثر من مناسبة ومصدر، تؤكد أن السمة المميزة للملك محمد السادس، لا علاقة لها بتلك الصورة "الجامدة" التي يريد تكريسها رجال المخزن المستفيدون من "تأبيد" شكل ومضمون الحكم المخنزي عفوا المخزني - العتيق في مغرب اليوم.
وقد بذلنا بعض الجُهد لجمع بعض من المعطيات الدالة على تلك الجوانب "الأبيقورية" من شخصية الملك.. منها مثلا ما ورد بالأساس في الكتاب الهام للصحافي الفرنسي "جان بيير توكوا" الصادر عن دار النشر الفرنسية غراسييه، منذ نحو سبع سنوات تحت عنوان "آخر ملك". ""
نضع بين يدي القارىء المغربي بالأساس، هذا الحصاد، مع نصيحة لأصحاب الأذهان "المُعتلة" بعدم قراءته.
ولي عهد مرهف الحس وسريع البكاء
"إنني بالأحرى أب صارم، وأجد أن آباء اليوم متساهلين، وهو ما يُعتبر كارثيا بالنسبة للمجتمع (...) أنا حريص على جعل ولي العهد رجلا يكون في خدمة الجميع، دون أن يكون في خدمة أي كان، بمعنى أن يكون له أقل قدر من الكبرياء وأكبر قدر من الشخصية، مع الاحتفاظ بنصيب وافر من التواضع. ويجب أن تكون التفاهة مرعبة بالنسبة إليه، إنها قاعدة كان قد أوحى لي بها والدي. حيث أفضل مثلا، أن يحصل ابني على نقطة صفر على أن ينال نقطة تافهة".
هكذا لخص الحسن الثاني يوما مسألة التربية التي كان يريد تلقينها لولي عهده، وغني عن القول أن هذه النظرة كانت بمثابة "استعمال زمن" ألح على أن يكون "فلسفة" تُصَرَّف بالتقسيط في المدرسة المولوية، حيث ترعرع تربويا محمد السادس. غير أن هذا لم يمنع خاصيات شخصية مغايرة، لدى هذا الأخير، من الظهور، فحسب معطيات تتعلق به، نقلها مقربون منه إلى صحافيين أجانب، فإنه عُرف عن ولي عهد الحسن الثاني، حين كان طفلا فمراهقا، أنه مرهف الحس، يحيل صمته المعبر على ما يضطرم في دواخله من مشاعر متناقضة، وكان يوحي لمن يراه، بقسمات وجهه الدقيقة، التي تُذَكِّر بأمه، أنه دائما على أُهبة الإجهاش بالبكاء عند أدنى مأزق، كما أنه كان على بعض شقاء، حيث كان يجد متعة وهو طفل في وضع قطعة نايلون على رأسه، على طريقة رجال العصابات في أفلام السطو على الأبناك، ثم يذهب لبث الرعب بين النساء في ردهات القصر لتخويف الأطفال الصغار.
حكى أحد كبار مؤطري المدرسة المولوية ذات يوم صيف بعيد هذه الواقعة لأحد أصدقائه الحميمين: "استدعاني الحسن الثاني صباح يوم باكر، على غير عادته، للقائه في حلبة ملاعب الغولف بدار السلام، وفي عين المكان، دعاني لركوب عربة رياضته المفضلة، التي كان يقودها بنفسه، توغل بها بعيدا، وسط البساط الأخضر، المُمتد، حيث ظل صامتا، وعند نقطة معينة بدت له مناسبة أوقف العربة ونظر إلي ثم قال: أريد أن تمنحني تقييما لمردودية ولي العهد الدراسية، كما تراها أنت، لا كما تعكسها نقط بيان الامتحانات (كان الحسن الثاني يعرف بهذا الصدد أن بعض أساتذة المدرسة كانوا "يتساهلون" مع ابنه) وأن تقول لي نقط قوته وضعفه، وبعض أهم سمات مكوناته النفسية والاجتماعية" وحينها عرَّجْتُ على كثير من خصائص ولي العهد الذهنية والنفسية، ومنها مثلا، ميوله للمواد الأدبية ونفوره من العلمية، وكذلك بعض خصائص الانزواء والليونة في شخصيته (...) وحينما انتهيتُ بقي الحسن الثاني صامتا لمدة طويلة خِلتُها دهرا، لدرجة خشيت أن يكون قد أصيب بأزمة صحية، غير أنه انتبه للموقف ثم أدار محرك العربة وعاد بنا من حيث انطلقنا".
"سميت سيدي" عاشق الحيوانات
وُلِد الأمير محمد "على أعتاب عرش" كما كان يحلو للحسن الثاني القول، وبذلك استفاد كما هو شأن الأمراء والأميرات، من طفولة ذهبية، حيث كانت لديه مربية فرنسية، وجيش من الخدم قائمين على خدمته، وجبال من اللعب من بينها عشرات المئات التي يلمسها أبدا، وسيارة إلكترونية حمراء، كان يتجول بها فوق ملعب الغولف، كما كان لديه للتسلية، سبعة كلاب، منها واحد كان قد تلقاه هدية من الرئيس الفرنسي السابق "جيسكار ديستان". وقد أسَرَّ أحد خدام القصر، لصحافي فرنسي، منذ نحو خمسة عشرة سنة، قائلا: "إن سميت سيدي يعشق الحيوانات كثيرا، وهو يملك حصانا اشتراه من أحد الأسواق المغربية، ويربي في الساحة الملحقة بإقامته ديكا وبضع دجاجات وبطَّات وعصافير، وهناك يحس انه في بيته".
غير أن هذا لا يمنع، من أن مسألة الترعرع، في كنف رجل صارم مثل الحسن الثاني، لم يكن بالأمر الهين، فقد قال هذا الأخير في مذكراته التي نشرها في شكل حوار مسهب مع الصحافي الفرنسي إيريك لوران:"لقد تلقيت حتى سن الثانية عشرة ضربات العصا (الفلقة) وقد كنت بذات القسوة مع أبنائي".. لذا فإنه ليس سرا أن الحسن الثاني كان يُلقن أبناءه، ومنهم ولي عهده، سلسلة عقابات ب "الفلقة" حيث كان لا يتورع عن استخدام جدائل حبل مفتول مُبلل بالماء، لضربهم حتى يصرخون مستغيثين ولا من مغيث. وحسب ما ذكره الصحافي الفرنسي جون بيير توكوا في كتابه "آخر ملك" فقد بلغ من شدة ضربات الفلقة التي كان الحسن الثاني يُلقنها لذريته، أن أحدهم كان ذات علقة ساخنة أكثر من اللازم، على وشك إرسال صور لآثار التعذيب التي علقت بجسده، إلى منظمة العفو الدولية.
ولي عهد في قلب الحياة الأوروبية
ذهب ولي عهد المملكة المغربية سنة 1988 حين حصوله على دبلوم الإجازة، من جامعة محمد الخامس بالرباط، إلى العاصمة البلجيكية بروكسيل في فترة تدريب ميدانية بمقر اللجنة الأوروبية، بمساعدة من الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي، الاشتراكي الفرنسي جاك دولور.
وحسب بعض المعطيات المتوفرة فإن تلك "الخرجة" مكنت ولي عهد آنذاك من الانفكاك من قبضة أب شديد "الحضور" في الصغيرة والكبيرة من شؤون أبنائه، لذا "كان فرحا جدا بعيدا عن أبيه" كما قال لصحافي أجنبي، الشخص الذي استطاع أن يجد فيلا في ملكية زوجين يقطنان بالخارج، حيث سيسكن ولي عهد الحسن الثاني خلال مقامه بالعاصمة البلجيكية، والمكان عبارة عن فيلا مزروعة في مساحة خضراء على مدى هكتارين، في قلب حي راق يقع على بعد خمسة عشرة دقيقة من قلب العاصمة البلجيكية، وهي - أي الفيلا - من ذلك النوع الذي يتم التفاوض عليه بأثمنة أكبر فأكبر. في ذلك المكان قضى ثمانية أشهر مُحاطا بشلة من أصدقائه، وبالرغم من أنه كان مُحاطا بحراسه الشخصيين، وبالرغم من أن الفيلا كانت محروسة، أيضا، ليل نهار، من طرف أفراد مصالح الأمن الخارجية، إلا أنه استمرأ كثيرا تلك الإقامة الطويلة بالخارج، ففي مقر اللجنة الأوروبية حيث اجتاز فترة التدريب، كان هناك حرص على عدم إثقال كاهله بالكثير من العمل، أو الاجتماعات المتواترة، كان يستمع ويأخذ نقطا وقلَّما يتدخل بالحديث، ويحرص على ألا يثير الانتباه، ربما كان ضجرا بعض الشيء "لم أره أبدا غاضبا أو ضاحكا بشكل مسموع، لقد كان طالبا مجدا، جاء حينها ليتلقى تكوينا، كان جادا، وخجولا شيئا ما" هكذا يتذكره أحد كبار موظفي البرلمان الأوروبي.
أما في أيام نهايات الأسبوع فقد كان شخصا آخر تماما، حيث كان يزدرد الحياة بملء فمه برفقة شلة أصدقائه، كان يفعل ذلك دون احتياطات، حيث كان يرتاد المقاهي والعلب الليلية، ويخرج كثيرا ويرقص ويزور القلاع السكنية القديمة حوالي العاصمة البلجيكية، لقد كان المغرب والبلاط وأبوه القاسي بعيدين جدا.
الأمير الشاب عاشق الرسم والكاريكاتير
في عمر الثلاثين كانت لولي عهد آنذاك شخصية مركبة. حيث كان يحتفظ من أيام يفاعته بذهنية فنان. إن الرسومات المائية التي دأب على إنجازها في طفولته، أصبحت منسية غير أن "سميت سيدي" ظل محتفظا دائما بتلك الموهبة التي تُمكنه بضربة قلم، من رسم أي من أصدقائه بشكل كاريكاتيري، وبطريقة جيدة. وحدث أن اهتم في إبان معين، بالتصوير الفوتوغرافي، مع تفضيل ملحوظ للبورتريه، حيث كان يُصور أصدقاءه بطريقة الأبيض والأسود، ويعمل على إخراج الصور بنفسه.
كان يبدو متحفظا خلال المناسبات الرسمية، لكنه يتكلم كثيرا وسط أصدقائه، ولديه حس رد الفعل الفوري، ويُدهش محيطيه بسخريته، ولديه قدرة على تقليد أي كان، ويعشق المُتع الكاملة، فهو راقص من طراز نادر. ففي الرباط كان يرتاد العلبة الليلية "أمنيزيا" التي يملكها صديقه "ألبير ليفي" هذا الأخير يُمضي أيامه بين المغرب وأستراليا. كان ثمة مصعد خاص يستعمله ابن الحسن الثاني، عبر الشقة التي كان يسكنها واحد من زملائه، وأصدقائه الأثيرين (يتعلق الأمر بفؤاد عالي الهمة) في المعهد، وهو ما كان يُعفي ولي العهد من الدخول عبر الباب العادي للعلبة. وداخل هذه الأخيرة كانت له لشلة نُدماء لهم مكانهم الخاص بهم.
كان ولي العهد يحب أن يحيا حياته بلا مبالاة وبشكل منطلق، مثل ممارسة رياضة الجيت سكي المفضلة لديه، على شاطىء مدينة الرباط، وكمال الأجسام في فيلا كبرى أخواته، وازدراد طبق حلزون )البابوش) في مطعم يملكه أحد الفرنسيين، يقع عند مدخل مدينة الرباط، وتناول وجبة سمك "اللانغوست" في مطعم "كابيستان" على كورنيش مدينة الدار البيضاء، وأن يقتني ملابسه من محل "أرماني" ومشاهدة فيلم رعب في فيلا الأمراء يوم السبت، ثم الذهاب في رحلة استجمام إلى مدن غربية مثل باريس ولندن ونيويورك.
إنه الجانب غير المعروف من شخصية محمد السادس حين كان وليا للعهد، ومن تفاصيلها أيضا أنه كان مدخنا شرها للسجائر الشقراء الأمريكية، ويُفضل قراءة رواية بوليسية من النوع الأسود، أو القصص المصورة، على إجهاد الذهن في مطالعة مقالات الصحافة الدولية التي يختارها له موظفو سكرتاريته الخاصة. وفي هذا الإطار يروي مصدر مطلع أن الحسن الثاني ضجر مرة، في أواخر أيام حياته، من عدم "جدية" قراءات ابنه وولي عهده، فكان أن استدعى أحد مستشاريه (ما زال على قيد الحياة) معروف بتكوينه المُعرب، في المجالات الثقافية والفكرية، وطلب منه أن يُنظم له بعض القراءات، ويُناقشها معه، غير أن سلسلة تلك القراءات، حسب رغبة الحسن الثاني، لم تستمر لأن هذا الأخير غادر الحياة في إبانها.
كيف أصر الحسن الثاني على تكوين ولي عهده؟
بالنسبة لولي عهد آنذاك، فإن لحظات الاستمتاع التي كان يقضيها في الخارج، تنتهي دائما عند حائط مشيئة أبيه الملك، فهذا الأخير كان مشغولا بإعداد وريثه لهنته المقبلة كملك، حيث كان يرى ضرورة تزويده بالمقومات الثقافية والفكرية، التي كان يراها ضرورية، ولم يكن الحسن الثاني يتورع عن القول بأنه "يُبرمِج ملكا" وفي ذلك الاتجاه فعل كل شيء.
فبعد التدريب في المكاتب الواسعة للجنة الأوروبية، جاء حينها دور جامعة نيس الفرنسية، ليهيئ دكتوراه القانون في موضوع "التعاون بين المجموعة الاقتصادية الأوروبية واتحاد المغرب العربي" غير أن ولي العهد لم يذهب إلى جامعة نيس سوى مرة واحدة، وكان ذلك بتاريخ 29 أكتوبر 1993 ليناقش أطروحته الجامعية. أما دراساته فكان قد قام بها تحت إشراف رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط ومدير معهد القانون والسلام والتنمية بمدينة نيس، وبالفعل حصل ولي عهد الحسن الثاني على شهادة الدكتوراه من الجامعة الفرنسية المذكورة، وتم نشر أطروحته بفرنسا.
ويمكن القول أن محمد السادس تدجج بالعديد من الدبلومات الجامعية، غير أن هذا لم يمنع البعض من القول أنه لم يكن مُعدا بشكل جيد لتولي شؤون الحكم، لكن الحسن الثاني - حسب صديقه الأثير الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان - "لم يكن يتحدث لأي كان عن مسألة خلافته". حيث إنه كان يحصر الحضور الرسمي لولي عهده في مناسبات بروتوكولية، منها مثلا النيابة عنه في حضور جنازات رؤساء وملوك بعض البلدان، أو بعض القمم الرسمية، أو حمل رسالات منه عبر أنحاء العالم. وبالرغم من أنه كان رسميا يشغل منصب منسق مكاتب ومصالح القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية، أي شكليا القائد الثاني للجيش، وهو المنصب الذي ناله حينما كان في سن الواحدة والثلاثين، فإنه لم تكن تتم استشارته حين اختيار المرشحين للترقية العسكرية، الأكثر من ذلك أنه حين كان يتجرأ على اقتراح أحد ما لنيل الترقية، فإن الحسن الثاني كان يرفض طلبه. كما أنه كان يحضر المجالس الوزارية التي ترأسها والده، لكن دون أن يفتح فمه.
هل كان الحسن الثاني وولي عهده على خصام؟
إذا ما أخذنا على محمل الجد، ما نشره الصحافي الفرنسي "جان بيير توكوا" في كتابه "آخر ملك" المنشور في شهر أكتوبر من سنة 2001 فإن العلاقة لم تكن دائما على ما يُرام بين الحسن الثاني وولي عهده، والفقرات التالية التي نقتطفها من الكتاب المذكور تسير في هذا الاتجاه: "... إن غياب التواصل بين ولي العهد الأمير محمد ووالده، أو (الشيخ) كما كان يُلقبه أبناؤه (...) حيث كانا يتفا ديان بعضهما حين كان المطلوب أن يلتقيا، فالأب كان شديد التعالي، والابن شديد النفور، فعلى حافة كلمة نعم أو لا كانت الخصومات الصاخبة تنطلق، لتسفر عن أيام من الصمت بين الطرفين تدوم شهورا. ومن أسباب ذلك أن الحسن الثاني لم يكن يفهم لماذا لا يتزوج ابنه، حيث كان يؤنبه باستمرار على ذلك. وعبثا كان يفعل ذلك. وبالمقابل كان ولي العهد يتقبل بصعوبة، رفض والده ترسيم مساعديه الأقربين بظهائر ملكية. حيث كان الحسن الثاني يقول لوريثه (لا يجب أن تمزج حياتك الخاصة بحياتك العامة) ليبرر الفيتو الذي كان يضعه أمام اختياراته.
كانت اللقاءات، على قلتها، بين الأب وابنه، تبدو صعبة، غير أنه كان يتم إنقاذ المظاهر، فخلال إجرائه لحوار مع مجلة باري ماتش حينما كان عمره ثلاثون سنة، لم يتوقف ولي العهد عن ذكر والده والاسترشاد به، والإشارة للاقتداء به، حيث نطق اسمه نحو عشرين مرة خلال الحوار القصير المذكور، غير أنه اعترف عند أحد استطراداته، بأنه يعاني غالبا من ضغط الظهور (لوتراك).
فإما أن الحسن الثاني لم يكن يثق في قدراته أو أنه كان يسعى دائما لحمايته، حيث لم يدعه ينخرط في تسيير الشأن العام. أو كان يتظاهر بذلك، فقد حدث في صيف سنة 1996 أن عهد لوريثه بأمر المفاوضات مع صحراويي جبهة البوليساريو، وذلك لإنهاء مشكل الصحراء الغربية - وهو ما لم يكن صحيحا - حيث لم يكن الأمر سوى عبارة عن مسخرة، إذ أنه منذ بدء جلسة العمل الأولى في قصر الصخيرات، فهم مخاطبو ولي العهد أنه خلف الحواجز الزجاجية الداكنة للقاعة، كانت هناك كاميرات تصورهم، وأن الحسن الثاني يشاهد ويستمع للمفاوضات، بالرغم من انه لم يكن حاضرا جسديا. لم يكن ولي العهد يتوفر على أي هامش للمبادرة. وكان يتدخل المرة تلو المرة بلباقة نادرة، ليقول بأنه لا يتوفر على ترخيص لمناقشة مسألة استقلال الصحراء، وهو المطلب الذي كان وفد صحراويي جبهة البوليساريو متشبثين به، كان يقول بالحرف "يمكنني أن أتحدث عما يسبق الاستقلال أما هذا الأخير فيجب مناقشته مع أبي وحده".
وبعد ذلك بنحو سنتين، حين بدأ التناوب السياسي يأخذ شكله، وبدأ مسؤولو حزب الاتحاد الاشتراكي يناقشون مع القصر أمر مشاركتهم في تحمل مسؤولية إدارة الشأن العام، حاول أحدهم، أصبح فيما بعد وزيرا في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، أن يدخل في نقاش مع ولي عهد الحسن الثاني، ليُخبره بما وصلت إليه المفاوضات. فوجد نفسه مأمورا بألا "يحشر الأمير ولي العهد في هذه القضية" وكما قال المعني المباشر بذلك الأمر الصارم فيما بعد "لقد منعني الحسن الثاني من اللقاء بابنه".
غير أنه كان هناك شيء ما قد بدأ يتغير، ففي خريف سنة 1999 كان الحسن الثاني قد بلغ ستة وستين عاما من العمر، وسقط ضحية لضربة برد بمدينة نيويورك، خلال زيارة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية، لحضور اجتماع الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة. وحدث أن أطباءه الذين استبد بهم الهلع، عجزوا عن فرض أي شيء على ملكهم، فاكتفوا بوصف بعض حبات أسبرين له، فكان أن تركوا العلة تستفحل. حيث كان الحسن الثاني يشكو من التهاب رئوي حاد، إذ أن رئتيه كانتا مكدودتان، بالتبغ وخشب الصندل، الذي كانت روائحه تملأ أبهاء القصر. كان الظرف حرجا، وحينما تم إخطار ولي العهد ذهب إلى جانب والده، وهناك فرض أن يتم طلب خدمات أحد الأطباء الأمريكيين المتخصصين، ومنح ترخيصه بنقل الملك من مقر إقامته بفندق بلازا إلى مستشفى نيويورك. لقد كان ذلك أول قرار اتخذه ولي العهد باعتباره رئيس الدولة. منذ تلك اللحظة، لم يعمد ولي العهد إلى تجاوز أبيه، بل إن علاقاتهما تحسنت، حيث ربح " سميت سيدي" الثقة. لذا حينما ظل أباه متوعكا لبضعة أيام كان تقريبا هو ملك المغرب".
الملك عاشق السيارات الفخمة
لا أحد يجهل تعلق الملك محمد السادس الشديد بالسيارات، وتُعتبر هذه الخاصية الوحيدة تقريبا ، فيما يتعلق بميولات الذوق، التي ورثها عن جده محمد الخامس وأبيه الحسن الثاني، حيث تحدث البعض عن عشرات المئات من السيارات، من مختلف الأنواع والأحجام، وكذلك الأجيال، تربض في مرائب القصور الملكية، التي امتطى أغلبها الملك محمد السادس منذ كان يافعا، وحرص على سياقتها بنفسه، وعُرف عنه أيضا حبه الكبير للسرعة، وهو ما كاد يتحول إلى كارثة في إحدى سنوات بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث كان ولي عهد آنذاك في طريقه ذات أصيل إلى قصر "الرميلات" بضواحي سلا، عبر طريق المعمورة، معتمدا أقصى سرعة لسيارة الميرسيديس التي كان يمتطيها، وفجأة لاحت أمامه عربة على متنها رجل ويجرها بغل.. يا للهول.. ولم يكن في وسع السائق سوى إتيان انعطافة بتقويسة 180 درجة حتى لا تصطدم سيارته المسرعة بالرجل الممتطي لوسيلة النقل العتيقة، وبطبيعة الحال، كاد الظرف يتحول إلى فقدان الحسن الثاني لوريثه على عرش المغرب، حيث كانت سيارة هذا الأخير قد أصبحت في حال سيئة بعد حركة الدوران المفاجئة التي أتاها سائقها.
وكان أن دخل الحسن الثاني حينها في سورة غضب كبيرة، حينما بلغه الأمر، وعندما استعلم عن حيثيات ما حدث، قيل له بأن ثمة فضاء خلاء بين حي قرية أولاد موسى الشعبي بسلا العليا، والطريق المؤدية لقصر ولي عهده، يستعمله - أي الفضاء - سائقو العربات لنقل الركاب الذاهبين إلى باقي أحياء الهامش بسلا. فكان أن أمر الحسن الثاني ببناء سور بين قرية أولاد موسى والطريق المؤدية إلى قصر ابنه.
إنها واحدة من وقائع علاقة "الغرام" بين الملك محمد السادس والسيارات.
وحاليا فليس سرا أنه مُهتم كثيرا بآخر طراز من سيارات الميرسيديس، والفيراري وهامر الكبيرة، والسيارات الأقرب إلى أشكال الشاحنات، ونعني بها ذات الدفع الرباعي (كاط كاط) من طراز رانج روفر الرياضية، الأمريكية الصنع، وهي آخر عشق لمحمد السادس في مجال السيارات، ومن الطريف، كما أفادت بذلك إحدى الجرائد الفرنكوفونية، أن إحصائيات بيع "الرانج روفر" في سنتي 2003 و 2004 لم تكن تحقق مبيعات بالحجم الذي يستحق الذكر، في السوق المغربية، بالنظر إلى فخامتها وغلاء سعرها، وكان يجب انتظار مناسبة زلزال مدينة الحسيمة المُدمر، في شهر فبراير من سنة 2004 ليظهر الملك ممتطيا السيارة الفاخرة الأمريكية المذكورة، لتقفز مبيعاتها بعد ذلك إلى خمسة عشرة سيارة سنة 2005 ، ثم أربعة وتسعين خلال سنة 2006 ، هذا مع العلم أن السيارة المعنية تُعتبر جوهرة بأربع عجلات، ولا يستطيع إليها سبيلا سوى قِلَّة القِلَّة، فثمن فصيلتها الأرخص لا يقل عن 714000 درهم، أما أغلاها فيصل ثمنها إلى... (شُدوا أحزمتكم رجاء) مليون ونصف مليون درهم.
ولم يفت الجريدة الفرنكفونية المعنية، أن تشير إلى أنه كان كافيا أن يظهر محمد السادس، على متن سيارة "هامر" بيضاء بمناسبة زيارة رسمية لغامبيا، حتى ظهرت، أشهرا قليلة بعد ذلك، بضع سيارات من نفس الفصيلة في شوارع المدن المغربية، لتتساءل الجريدة: هل كان ذلك محض صدفة؟
ملك على "صهوة" الجيت سكي
لعل الكثيرين من قراء أسبوعية "لوجورنال" ما زالوا يتذكرون الضجة الصامتة التي أثارتها صورة لمحمد السادس ، وهو يمتطي وسيلة الرياضة البحرية "الجيت سكي" نشرتها الأسبوعية المذكورة على غلافها، وذلك أياما قليلة بعد توليه الحكم صيف سنة 1999 ، حيث تلقت إدارة تحرير لوجورنال، التي كانت ما زالت على علاقة طيبة بمحمد السادس، منذ كان وليا للعهد، ومحيطه، عتابا شديدا، غير أنه، للمفارقة، فقد ساهمت تلك الصورة "الحداثية" في تسويق الجانب العصري في شخصية الملك الشاب، حيث أدت دورها، إلى جانب العمل الذي قام به فريق مُستشاري البلاط، في جعل الناس ينظرون إلى الجوانب "العصرية" في شخصية الملك الجديد.
وحسب بعض المعطيات المتوفرة، فإن محمد السادس شديد التعلق بمستلزمات رياضته المفضلة، لدرجة أنه لا يفوته اقتناء آخر صيحة في مجال الابتكارات التكنولوجية المرتبطة بأداة "الجيت سكي" وهنا يجدر أن نذكر هذه الواقعة التي حدثت منذ بضعة أشهر في مطار مدينة نيويورك الدولي، حيث كان مدير مقتنيات محمد السادس عبر أنحاء العالم السيد "عبد الرزاق الجعيدي" يُحاول نقل "جيت سكي" آخر ابتكار ضمن مقتنياته الخاصة بمحمد السادس، من الأسواق الأمريكية غير أن موظف الجمارك الأمريكية اعترض لسبب من الأسباب المرتبطة بالقانون الجاري به العمل في مطارات بلاده، سيما في جو الخوف من المحاولات الإرهابية عقب الحادي عشر من شتنبر، فكان أن دخل "سخار" الملك في سورة غضب، وهدد بأزمة ديبلوماسية، وتطلب الأمر بِضع مكالمات هاتفية عالية المستوى، ليتمكن محمد السادس من الحصول على معشوقه التكنولوجي الجديد.
ودائما فيما يتعلق ب"ثقافة" الجيت سكي الطارئة فإنه أصبح ملفتا أن تتوفر جل المدن المغربية الواقعة على مدى السواحل الممتدة بطول 3500 كلم، على فريق "جيت سكي" خاص بها، الأكثر من ذلك أن مدينتي الرباط وسلا، أصبحتا تنظمان مرة كل سنة "ليلة الجيت سكي" تحت رعاية محمد السادس، للتباري على جائزة تحمل اسم هذا الأخير، حيث يشارك فيها بعض كبار أسماء هذه الرياضة على المستوى الدولي، ويتم تخصيص إنارة بطريقة اللايزر، وتُنقل أطوار المنافسة مباشرة، عبر القناتين التلفزيتين الأولى والثانية، بل إن إدارة هذه الأخيرة تُصدر مجلة خاصة بالرياضات البحرية اسمها "نوتيكا"، وقد أصبح للمغرب بطل عالمي في "الجيت سكي" هو "جمال بلحسني" الذي تُوج في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2005.
ملك يكره القصور ويفضل عليها الإقامات الخاصة
كان الحسن الثاني يحب الفخامة في كل شيء، ومنها أن يظهر خلال استقبالاته لضيوفه وسط الأبهاء الفخمة الشاسعة لقصوره المتعددة عبر أنحاء المغرب، وبالأخص منها في مدن الرباط ومراكش وفاس والدار البيضاء، أما وريثه محمد السادس، فنُقِل عنه أنه ينفر من تلك الأماكن الرسمية بالذات، ويُفضل عليها الإقامات الخاصة، فضلا عن قصور أقل مستوى وفخامة من تلك التي كان يفضلها والده، في مدن نادرا ما وطأتها أقدام الحسن الثاني، مثل طنجة وتطوان وضواحيهما.
ثمة منها مثلا إقامة عبارة عن فيلا في طريق دار السلام، بالعاصمة، هي بمثابة السكن الاجتماعي الثابت للملك وأسرته الصغيرة، أما العطل التي يقضيها داخل المغرب فتكون في الغالب بين أكَادير وطنجة وتطوان، وفي هذه الأخيرة، وبالتحديد في قرية المضيق، ثمة فيلا تقع مباشرة أمام البحر، وهو ما حول قرية الصيادين البسيطة، إلى ملتقى سياحي لعلية البرجوازية المغربية، وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، خلال أشهر الصيف، وذلك للتواجد على مقربة من الملك.
ثمة أيضا نقطا حضرية وسياحية عديدة، أصبح لها "شأن" بعدما كانت نسيا منسيا، مثل العديد من النقط السياحية "الخلوية" في مدن طنجة وأكَادير والحسيمة... إلخ أصبحت تعج بالنشاط المالي. أما القصور التي كانت منسية، مثل تلك التي في مدن طنجة وتطوان والناظور، فكانت عبارة عن أطلال في عهد الحسن الثاني، أما الآن فإنها عبارة عن إقامات ملكية رسمية في شتى فصول السنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.