قرار محكمة العدل الأوروبية: نواب أوروبيون يعبرون عن امتعاضهم من قرار يمس بالمصالح الاقتصادية الأوروبية    "البيجيدي": قرار المحكمة الأوربية ابتزاز سياسي وتدخل في سيادة المغرب    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون قرار محكمة العدل الأوروبية    قافلة المقاول الذاتي تصل الى اقليم الحسيمة    وزير الإعلام الفلسطيني يزور مقر الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بالدار البيضاء    انطلاق بيع تذاكر مباراة المنتخب المغربي ضد نظيره من إفريقيا الوسطى    جماعة تطوان تصادق على ميزانية 2025.. والبكوري: تنتظرنا تحديات وستنطلق إنجازات    اعتداء على رجل سلطة بعد دخوله منزل مزارع للكيف دون استئذان    الحسيمة.. السجن لشخص ابتز خطيبته بصورها للحصول على مبالغ مالية    تركيا.. شخص يقتل شابتين وينتحر والسبب مجهول    بعد قرار محكمة العدل الأوروبية.. هنغاريا تؤكد على الشراكة الاستراتيجية مع المغرب وتدرس تطويرها وتوسعتها لمجالات عدة    استياء أوربي وردود فعل قوية على حكم محكمة العدل الأوروبية: المغرب سيظل شريكًا استراتيجيًا للاتحاد الأوروبي    الحسيمة.. تخليد الذكرى 69 لانطلاق العمليات الأولى لجيش التحرير بالشمال    ردا على محكمة العدل.. هنغاريا تتشبث بالشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    محكمة التحكيم الرياضي تخفف عقوبة توقيف بوغبا        المحكمة تأمر بإفراغ بركة زوج المنصوري بالقوة من منازل قرب ضريح مولاي عبد السلام    كيوسك السبت | مثقفون ورجال قانون وأجانب قاطعوا الإحصاء العام للسكان والسكنى    "ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    طقس السبت ممطر في بعض المناطق    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر        منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جان بيير توكوا : محمد السادس ملك غير ديمقراطي
نشر في هسبريس يوم 16 - 05 - 2008

"" جان بيير توكوا صحافي فرنسي معروف.. فهو مراسل جريدة "لومند" في منطقة المغرب العربي، ومؤلف كُتُب عديدة هي عصارة تجربته المهنية، منها واحد عن الملك محمد السادس بعنوان "آخر ملك" صدر سنة 2001 تضمن معطيات مذهلة من خبايا الحياة الخاصة للحسن الثاني، نقلنا منه بعض الأجزاء في مقالنا المنشور بهسبريس بعنوان "داخل غرفة نوم الحسن الثاني" حيث أورد "توكوا" تفاصيل ضافية عن نمط الحياة الغريب داخل القصر، وذلك انطلاقا من منهجية بحث أوجزها في هذه الجملة "لفهم الابن علينا فهم الأب" لذا كانت تلك المعطيات المُنتسبة للقرون الوسطى، التي فرضها الحسن الثاني - على القرن العشرين.
في الحوار التالي الذي أجريناه معه، يتحدث الزميل "توكوا" عن شخصية محمد السادس، باعتباره رجل سلطة وجد نفسه، بحكم عامل الوراثة، يحكم المغرب بشكل مطلق.

س: مرت نحو سبع سنوات على صدور كتابك "آخر ملك" الذي تضمن آراء سلبية في شخصية الملك محمد السادس، وتوقعات سيئة بالنسبة لمآل حُكمه، هل ما تزال تحتفظ بمثل هذه الآراء عن شخصية وحكم محمد السادس؟
ج: لم أغير رأيي بالنسبة لشخصية محمد السادس، بالمقابل هناك جانب تغير فيه رأيي، ويتعلق برؤيته وتدبيره لشؤون الحكم، لقد عرف كيف يسترد إرث الحكم الذي تركه له والده، وإذا كان قد نجح في ذلك فلأن هناك أمرا لم أقدره حق قدره، من قبل، وعلى كل حال لستُ الوحيد الذي ارتكب سوء التقدير بهذا الصدد، لقد ترك الحسن الثاني لابنه عرشا، ترك له بالأخص، وهذا أمر تعرض لسوء التقدير من طرف الكثيرين، دولة وإدارة يعملان، إنه شيء أساسي، ومعنى هذا أن الملك الشاب كان قد وجد بين يديه مغربا يسير على العموم، حيث هناك موظفون يعملون، وإدارة تؤدي مهامها إلخ، وهذا شيء كبير.
س: تقصد الجانب الهيكلي للدولة؟
ج: نعم، إنه أمر أساسي ومهم جدا، فمثلا حينما تريد الاستثمار في المغرب، فإنك تعرف الجهة المعنية التي عليك التوجه إليها.
س: ألا ترى أن هذا يظل على المستوى الشكلي؟
ج: لا، إن الأمر يرتبط بما هو أعمق، ما دام أن المغرب يُعتبر دولة تعمل، من خلال الإدارة والتشريعات وقواعد التعامل، إن الحسن الثاني هو الذي أوقف هذه الأمور على أقدامها، وذلك على مدى قرابة الأربعين سنة التي دامها حكمه، حيث صنع دولة بكل ما تتطلبه هذه الأخيرة من تدابير وإجراءات، وهنا تجدر المقارنة مع الجزائر، حيث أن وضع هذه الأخيرة ليس مريحا من هذا المنظور. إذن لقد عرف محمد السادس كيف يسترد هذا الإرث، ويبدو أن الأمور مرت بشكل جيد بالنسبة له.
س: لقد كان هناك حديث كثير خلال بداية حكم محمد السادس، عن الجانب الديمقراطي في شخصيته، و عن ميوله للقضايا الاجتماعية، ونوايا إصلاح الوضع السياسي... إلى غيرها من المميزات التي قيلت عنه، يقول البعض الآن بعد مرور ثمان سنوات من حكمه أن الأمر كان مجرد وهم، هل تتقاسمون هذا الرأي؟
ج: يجب أن ننظر إلى هذا الأمر بمنظار نسبي، وعلى كل حال، لا أعتقد أن محمد السادس أكثر ديمقراطية من أبيه، وإلا فقد كان عليه أن يُغير الدستور، فهناك جزء من اليسار المغربي يرفع هذا المطلب، الذي كان من شأنه أن يجعل المغرب يُحاول اللحاق بالنموذج الإسباني، أو الإنجليزي، ونحن نعرف أن محمد السادس قال منذ البداية أن هذا لن يحصل، وأُذَكِّرك هنا بأول حوار أجراه بعد توليه الحكم، حيث قال بأنه لن يُغير الدستور الموجود، وهذا يؤكد أنه ليس ملكا ديمقراطيا، ونحن نعرف كيف جاءت صورة "الملك الديمقراطي" فهي تعود إلى آخر أيام وجود الحسن الثاني على قيد الحياة، وبالتحديد حين كان هذا الأخير مريضا جدا، حينها فكر بعض مستشاري الملك، في تسويق صورة إيجابية للملك المستقبلي، وهي صورة لا تعكس الحقيقة، حيث كان العكس سيدفع محمد السادس إلى تغيير الدستور الحالي الذي يضع بين يديه كل السلطات، ويجعله يفعل ما يريد.
س: كيف تُفسر بعض مظاهر الحياة لدى محمد السادس، التي تجعله يبدو مقبلا على الحياة، وفق الطريقة الغربية، وفي نفس الوقت، يصر على الاحتفاظ بذات نمط الحكم، أي بالشكل والمضمون العتيقين، اللذين ورثهما عن والده؟
ج: هنا أيضا لا أرى أن الأمر يدعو للمفاجأة، فقد قال منذ البداية، أنه لن يُغير أي شيء، كما أكد حين الحديث عن نوع التربية التي سيتلقاها ابنه الحسن، أن هذا الأخير سيتلقى نفس التربية التي تلقاها هو، صحيح إنه ملك يعيش عصره، حيث يمارس أنواع الرياضة الحديثة المنتشرة بين شباب اليوم، مثل "الجيت سكي" وفي نفس الوقت يُصر على الاحتفاظ بأشكال "إيتيكيت" الحكم كما تركها له والده، إن هذا على كل حال هو الجانب المُفارق في نمط الملكية المغربية، حيث يُمكننا أن نتساءل، عما إذا كان بلد مثل المغرب على مرمى حجر من أوروبا، يُمكنه أن يحتفظ بملكية تبدو عدة جوانب منها مُظلمة..
س:هل ذلك ممكن بالفعل؟
ج: إن المستقبل سيمنح الجواب.
س: ألا تعتقد أن الجانب الذي تراه أنت مفارقا في الملكية المغربية، بين نزوعات محمد السادس إلى نمط الحياة الحديثة، وفي نفس الوقت، الاحتفاظ بأشكال ومضامين الحكم التقليدية، يعكس في العمق انشطار المجتمع المغربي بين قيم المحافظة، ومظاهر حياة العصر الحديث؟
ج: هذا صحيح، ففيما يتعلق بالملك محمد السادس، فأنتم المغاربة، لا تتوفرون على أية صورة له، وهو يمارس بعض أشكال حياته العصرية المنطلقة..
س: ( أقاطعه ) هناك صورته وهو يُمارس رياضة الجيت سكي؟
ج: نعم لكنها تعود إلى ثمان سنوات خلت، وحسب علمي فإنه منذ ذلك الحين لم تكن هناك صور اخرى مشاع بين الناس، من نفس النوع، إن الصور التي نشاهدها له اليوم في التلفزيون، تُظهره فقط في مناسبات رسمية، كأي سلطان علوي قديم، وأنا مُتفق معك حينما تقول بأن ذلك يعكس، بطريقة ما، ازدواجية الشخصية لدى المجتمع المغربي، حيث نجد أن جزءا ضئيلا منه مُتَغَرِّب جدا ، في حين أن الأغلبية ظلت كلاسيكية وتقليدية، بشكل كبير، وهو ما نراه من خلال أهمية التيار السياسي الإسلامي في المغرب، سواء من خلال حزب العدالة والتنمية، أو جماعة العدل والإحسان، وأعتقد أن الملك يعي جيدا هذه الأمور، وإذا كان لا يُظهر بعض أوجه حياته العصرية، فذلك يعود لهذه الأسباب..
س: (أقاطعه) هل تقصد أنه يخاف من ردود فعل الاتجاهات الإسلامية؟
ج: نعم أعتقد ذلك. فبالرغم من أنه يرفل في لقب أمير المؤمنين، إلى أنه شديد الحذر من الاتجاهات الإسلامية، وشخصيا كنتُ دائما على اعتقاد جازم، أن محمد السادس لن يدع حزب العدالة والتنمية يقود العمل الحكومي، وأعتقد أيضا، أن لديه خوف أزرق، بل يمكن أن أقول خوف جسدِي من الإسلاميين، وهو - أي محمد السادس - يوجد على بُعد سنوات ضوئية من النموذج المُجتمعي الذي تحلم به الاتجاهات الإسلامية المغربية.
س: لكنه لا يتوفر على أحزاب قوية لمجابهة الإسلاميين؟
ج: أعتقد أنه لهذا السبب يُحاول أن يخلق حزبه الخاص.
س: وهل تعتقد أن هذا معقول؟
ج: لا... لا أعتقد أنه بذلك سيخلخل المشهد السياسي المغربي، فقد فعل والده نفس الشيء من قبل.
س: قصدك تجربة حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، الذي كان قد صنعه رضا أجديرة في بداية ستينيات القرن الماضي بالاتفاق مع الحسن الثاني؟
ج: نعم، تماما، وأيضا كل تلك التنظيمات السياسية، التي كانت مًصطنعة بشكل كامل، والتي كانت معروفة بلقب الأحزاب الإدارية، والتي تختفي حينما لا تعود هناك حاجة إليها، وأعتقد أن محمد السادس ومستشاريه هم بصدد الإعداد لما فعله الحسن الثاني في زمنه، وهذه أمور مُصطنعة، ولا أظن أنه بهذه الطريقة، سيكون بمستطاع محمد السادس تحديث الحياة السياسية المغربية.
س: تقصد أنه عمل عبثي؟
ج: نعم.
س: قال الحسن الثاني مرة، جوابا عن سؤال لأحد الصحافيين الفرنسيين، بصدد المقارنة بينه وبين ابنه، بأنه يحاول جعل ابنه يستوعب مضامين عبارة شهيرة ل "بوفون" هي: " الأسلوب هو الرجل" هل تعتقد أن محمد السادس لديه أسلوبه الخاص في الحكم، مقابل الأسلوب الذي كان لوالده؟
ج: نعم أعتقد أن لديه أسلوبه الخاص، فهو كثوم ومتوار بشكل أكبر من أبيه، لقد كان الحسن الثاني طاغية، لكنه كان أيضا وجها سياسيا محترما، على ساحة السياسة الدولية، في حين أن ابنه لا يهتم بهذا الجانب، ولدي إحساس أنه يتهرب من اللقاءات الدولية الكبيرة، مفضلا عليها الزيارات الخاصة، لذا فإن كل شيء يجعل الرجلين - الحسن الثاني ومحمد السادس - مُختلفين.
س: ألفت انتباهك، بصدد اللقاءات الدولية الكبيرة، أن محمد السادس قال بشأنها أن الأسبقية بالنسبة له هي للقضايا المغربية؟
ج: يُمكنه أن يقول ما يُريده، لكن كانت هناك مناسبات لقاءات دولية، لم يحضرها ولم تكن هناك ملفات مغربية مُلحة اضطرته للبقاء حيث هو، بقدر ما كان مشدودا إلى أمور حياته الخاصة.
في الحوار التالي الذي أجريناه معه، يتحدث الزميل "توكوا" عن شخصية محمد السادس، باعتباره رجل سلطة وجد نفسه، بحكم عامل الوراثة، يحكم المغرب بشكل مطلق.

س: مرت نحو سبع سنوات على صدور كتابك "آخر ملك" الذي تضمن آراء سلبية في شخصية الملك محمد السادس، وتوقعات سيئة بالنسبة لمآل حُكمه، هل ما تزال تحتفظ بمثل هذه الآراء عن شخصية وحكم محمد السادس؟
ج: لم أغير رأيي بالنسبة لشخصية محمد السادس، بالمقابل هناك جانب تغير فيه رأيي، ويتعلق برؤيته وتدبيره لشؤون الحكم، لقد عرف كيف يسترد إرث الحكم الذي تركه له والده، وإذا كان قد نجح في ذلك فلأن هناك أمرا لم أقدره حق قدره، من قبل، وعلى كل حال لستُ الوحيد الذي ارتكب سوء التقدير بهذا الصدد، لقد ترك الحسن الثاني لابنه عرشا، ترك له بالأخص، وهذا أمر تعرض لسوء التقدير من طرف الكثيرين، دولة وإدارة يعملان، إنه شيء أساسي، ومعنى هذا أن الملك الشاب كان قد وجد بين يديه مغربا يسير على العموم، حيث هناك موظفون يعملون، وإدارة تؤدي مهامها إلخ، وهذا شيء كبير.
س: تقصد الجانب الهيكلي للدولة؟
ج: نعم، إنه أمر أساسي ومهم جدا، فمثلا حينما تريد الاستثمار في المغرب، فإنك تعرف الجهة المعنية التي عليك التوجه إليها.
س: ألا ترى أن هذا يظل على المستوى الشكلي؟
ج: لا، إن الأمر يرتبط بما هو أعمق، ما دام أن المغرب يُعتبر دولة تعمل، من خلال الإدارة والتشريعات وقواعد التعامل، إن الحسن الثاني هو الذي أوقف هذه الأمور على أقدامها، وذلك على مدى قرابة الأربعين سنة التي دامها حكمه، حيث صنع دولة بكل ما تتطلبه هذه الأخيرة من تدابير وإجراءات، وهنا تجدر المقارنة مع الجزائر، حيث أن وضع هذه الأخيرة ليس مريحا من هذا المنظور. إذن لقد عرف محمد السادس كيف يسترد هذا الإرث، ويبدو أن الأمور مرت بشكل جيد بالنسبة له.
س: لقد كان هناك حديث كثير خلال بداية حكم محمد السادس، عن الجانب الديمقراطي في شخصيته، و عن ميوله للقضايا الاجتماعية، ونوايا إصلاح الوضع السياسي... إلى غيرها من المميزات التي قيلت عنه، يقول البعض الآن بعد مرور ثمان سنوات من حكمه أن الأمر كان مجرد وهم، هل تتقاسمون هذا الرأي؟
ج: يجب أن ننظر إلى هذا الأمر بمنظار نسبي، وعلى كل حال، لا أعتقد أن محمد السادس أكثر ديمقراطية من أبيه، وإلا فقد كان عليه أن يُغير الدستور، فهناك جزء من اليسار المغربي يرفع هذا المطلب، الذي كان من شأنه أن يجعل المغرب يُحاول اللحاق بالنموذج الإسباني، أو الإنجليزي، ونحن نعرف أن محمد السادس قال منذ البداية أن هذا لن يحصل، وأُذَكِّرك هنا بأول حوار أجراه بعد توليه الحكم، حيث قال بأنه لن يُغير الدستور الموجود، وهذا يؤكد أنه ليس ملكا ديمقراطيا، ونحن نعرف كيف جاءت صورة "الملك الديمقراطي" فهي تعود إلى آخر أيام وجود الحسن الثاني على قيد الحياة، وبالتحديد حين كان هذا الأخير مريضا جدا، حينها فكر بعض مستشاري الملك، في تسويق صورة إيجابية للملك المستقبلي، وهي صورة لا تعكس الحقيقة، حيث كان العكس سيدفع محمد السادس إلى تغيير الدستور الحالي الذي يضع بين يديه كل السلطات، ويجعله يفعل ما يريد.
س: كيف تُفسر بعض مظاهر الحياة لدى محمد السادس، التي تجعله يبدو مقبلا على الحياة، وفق الطريقة الغربية، وفي نفس الوقت، يصر على الاحتفاظ بذات نمط الحكم، أي بالشكل والمضمون العتيقين، اللذين ورثهما عن والده؟
ج: هنا أيضا لا أرى أن الأمر يدعو للمفاجأة، فقد قال منذ البداية، أنه لن يُغير أي شيء، كما أكد حين الحديث عن نوع التربية التي سيتلقاها ابنه الحسن، أن هذا الأخير سيتلقى نفس التربية التي تلقاها هو، صحيح إنه ملك يعيش عصره، حيث يمارس أنواع الرياضة الحديثة المنتشرة بين شباب اليوم، مثل "الجيت سكي" وفي نفس الوقت يُصر على الاحتفاظ بأشكال "إيتيكيت" الحكم كما تركها له والده، إن هذا على كل حال هو الجانب المُفارق في نمط الملكية المغربية، حيث يُمكننا أن نتساءل، عما إذا كان بلد مثل المغرب على مرمى حجر من أوروبا، يُمكنه أن يحتفظ بملكية تبدو عدة جوانب منها مُظلمة..
س:هل ذلك ممكن بالفعل؟
ج: إن المستقبل سيمنح الجواب.
س: ألا تعتقد أن الجانب الذي تراه أنت مفارقا في الملكية المغربية، بين نزوعات محمد السادس إلى نمط الحياة الحديثة، وفي نفس الوقت، الاحتفاظ بأشكال ومضامين الحكم التقليدية، يعكس في العمق انشطار المجتمع المغربي بين قيم المحافظة، ومظاهر حياة العصر الحديث؟
ج: هذا صحيح، ففيما يتعلق بالملك محمد السادس، فأنتم المغاربة، لا تتوفرون على أية صورة له، وهو يمارس بعض أشكال حياته العصرية المنطلقة..
س: ( أقاطعه ) هناك صورته وهو يُمارس رياضة الجيت سكي؟
ج: نعم لكنها تعود إلى ثمان سنوات خلت، وحسب علمي فإنه منذ ذلك الحين لم تكن هناك صور اخرى مشاع بين الناس، من نفس النوع، إن الصور التي نشاهدها له اليوم في التلفزيون، تُظهره فقط في مناسبات رسمية، كأي سلطان علوي قديم، وأنا مُتفق معك حينما تقول بأن ذلك يعكس، بطريقة ما، ازدواجية الشخصية لدى المجتمع المغربي، حيث نجد أن جزءا ضئيلا منه مُتَغَرِّب جدا ، في حين أن الأغلبية ظلت كلاسيكية وتقليدية، بشكل كبير، وهو ما نراه من خلال أهمية التيار السياسي الإسلامي في المغرب، سواء من خلال حزب العدالة والتنمية، أو جماعة العدل والإحسان، وأعتقد أن الملك يعي جيدا هذه الأمور، وإذا كان لا يُظهر بعض أوجه حياته العصرية، فذلك يعود لهذه الأسباب..
س: (أقاطعه) هل تقصد أنه يخاف من ردود فعل الاتجاهات الإسلامية؟
ج: نعم أعتقد ذلك. فبالرغم من أنه يرفل في لقب أمير المؤمنين، إلى أنه شديد الحذر من الاتجاهات الإسلامية، وشخصيا كنتُ دائما على اعتقاد جازم، أن محمد السادس لن يدع حزب العدالة والتنمية يقود العمل الحكومي، وأعتقد أيضا، أن لديه خوف أزرق، بل يمكن أن أقول خوف جسدِي من الإسلاميين، وهو - أي محمد السادس - يوجد على بُعد سنوات ضوئية من النموذج المُجتمعي الذي تحلم به الاتجاهات الإسلامية المغربية.
س: لكنه لا يتوفر على أحزاب قوية لمجابهة الإسلاميين؟
ج: أعتقد أنه لهذا السبب يُحاول أن يخلق حزبه الخاص.
س: وهل تعتقد أن هذا معقول؟
ج: لا... لا أعتقد أنه بذلك سيخلخل المشهد السياسي المغربي، فقد فعل والده نفس الشيء من قبل.
س: قصدك تجربة حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، الذي كان قد صنعه رضا أجديرة في بداية ستينيات القرن الماضي بالاتفاق مع الحسن الثاني؟
ج: نعم، تماما، وأيضا كل تلك التنظيمات السياسية، التي كانت مًصطنعة بشكل كامل، والتي كانت معروفة بلقب الأحزاب الإدارية، والتي تختفي حينما لا تعود هناك حاجة إليها، وأعتقد أن محمد السادس ومستشاريه هم بصدد الإعداد لما فعله الحسن الثاني في زمنه، وهذه أمور مُصطنعة، ولا أظن أنه بهذه الطريقة، سيكون بمستطاع محمد السادس تحديث الحياة السياسية المغربية.
س: تقصد أنه عمل عبثي؟
ج: نعم.
س: قال الحسن الثاني مرة، جوابا عن سؤال لأحد الصحافيين الفرنسيين، بصدد المقارنة بينه وبين ابنه، بأنه يحاول جعل ابنه يستوعب مضامين عبارة شهيرة ل "بوفون" هي: " الأسلوب هو الرجل" هل تعتقد أن محمد السادس لديه أسلوبه الخاص في الحكم، مقابل الأسلوب الذي كان لوالده؟
ج: نعم أعتقد أن لديه أسلوبه الخاص، فهو كثوم ومتوار بشكل أكبر من أبيه، لقد كان الحسن الثاني طاغية، لكنه كان أيضا وجها سياسيا محترما، على ساحة السياسة الدولية، في حين أن ابنه لا يهتم بهذا الجانب، ولدي إحساس أنه يتهرب من اللقاءات الدولية الكبيرة، مفضلا عليها الزيارات الخاصة، لذا فإن كل شيء يجعل الرجلين - الحسن الثاني ومحمد السادس - مُختلفين.
س: ألفت انتباهك، بصدد اللقاءات الدولية الكبيرة، أن محمد السادس قال بشأنها أن الأسبقية بالنسبة له هي للقضايا المغربية؟
ج: يُمكنه أن يقول ما يُريده، لكن كانت هناك مناسبات لقاءات دولية، لم يحضرها ولم تكن هناك ملفات مغربية مُلحة اضطرته للبقاء حيث هو، بقدر ما كان مشدودا إلى أمور حياته الخاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.