تتدلى دمية من عامود للإنارة تعبر عن المصير الذي يتمناه بعض المحتجين في مدينة السويس المصرية للرئيس السابق حسني مبارك لكنهم لا يصدقون أن الجيش سيسمح بحدوث هذا لقائده السابق. يقول محمد محمود (33 عاما) وهو منسق لإحدى الحركات الشبابية في السويس والتي كانت واحدة من النقاط الأكثر عنفا في الثورة التي أطاحت بمبارك «انطباعنا الآن هو أنه لا يزال هناك من يحمي مبارك ربما المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو جهة خارجية. بعض الدول مازالت تحميه». بعد أن تحدث بقليل خرج عشرات المحتجين في مسيرة مرت من أمام مقر الشرطة المحترق بالسويس واتجهوا إلى ثكنات عسكرية وهم يرددون شعارات مناهضة للجيش تتهمه بالتباطؤ. وأغلقت الأسلاك الشائكة ومركبات الجيش الطريق المؤدي إليها. ومن المقرر أن تبدأ محاكمة مبارك في الثالث من غشت مما يضع الجيش في موقف حرج. ويرى محللون أن المجلس العسكري يقع تحت ضغط من المحتجين الذين يطالبون بمحاسبة الرئيس السابق ومن ناحية أخرى يتعرض لضغوط من دول خليجية محافظة تحث مصر سرا على ألا تهين حليفا سابقا لأن هذا قد يمثل سابقة خطيرة لحكام تلك الدول. ويعترف ضباط في أحاديث خاصة بأن الجيش ليست لديه رغبة في محاكمة القائد العسكري السابق الذي تقلد الأوسمة والنياشين وقاد القوات الجوية المصرية في حرب عام 1973 ضد إسرائيل. غير أن العسكريين يؤكدون في تصريحاتهم العلنية أنهم لا ينحازون إلى جانب على حساب الآخر وأن الأمر في أيدي القضاء. وبغض النظر عن عدم ارتياح الجيش فإن مصير مبارك سيأتي في مرتبة تالية لهدف حماية سمعة الجيش وتأمين دوره المستقبلي والذي ربما ينطوي على حضور له على هامش الحياة السياسية مثلما فعل الجيش في تركيا لسنوات. وقال شادي حامد من مركز بروكينجز الدوحة إن الجيش «لن يحمي مبارك لأن الحفاظ على كيان ومؤسسة الجيش أهم. أعتقد أنه إذا كان هذا يعني إلقاء مبارك تحت حافلة فانه لن يتردد في هذا». وأضاف «السؤال هو هل هذا شيء هو مضطر للقيام به أو يشعر بالحاجة إلى القيام به في هذه المرحلة.. أعتقد أن هذا الأمر لم يحسم بعد». وربما تكون هناك سبل لتقليل حجم الإهانة أمام الجماهير مع السماح باستمرار العملية القضائية. ويقيم مبارك (83 عاما) في مستشفى شرم الشيخ الدولي منذ أبريل حين تم استجوابه للمرة الأولى. ولم ينقل إلى سجن بالقاهرة حيث يحتجز ابناه ومسؤولون سابقون آخرون لأسباب صحية. ومن الممكن استغلال مرضه حتى يتجنب المثول أمام المحكمة. ويعتبر الكثير من المصريين أن مرضه حيلة تستخدم لحمايته. ويقول محمود المحتج من السويس إن الجيش ربما تكون لديه خطة أخرى. وأضاف «إنهم يريدون أن يضيعوا الوقت إلى أن يموت. هذه هي اللعبة». وإذا أدين بالضلوع في قتل المحتجين وهي أخطر تهمة يواجهها مبارك فقد يصدر حكم بإعدامه. وعلى الرغم من أن محتجين في ميدان التحرير بالقاهرة أو ميدان الأربعين في وسط السويس قد ينادون بإعدامه في هتافاتهم فإنه ليس بالضرورة أن يكون هناك إجماع بين المصريين على هذه الرغبة. لكن حتى إذا كان هناك كثيرون لا يريدون له الموت فإنهم يريدونه أن يتحمل مسؤولية ما يعتبرونه إساءة لاستغلال السلطة خلال حكمه الذي استمر 30 عاما. وهم يتهمونه بسحق المعارضين والسماح لحلفائه ونخبة تتمتع بالحظوة بالتصرف وكأنهم فوق القانون. ويتبنى هذه الآراء كثيرون ممن يعيشون في البلدة التي ينتمي لها مبارك بدلتا النيل. يقول فتحي راضي (52 عاما) وهو إداري بمدرسة بينما كان يرعى زراعات في بلدة كفر المصيلحة «سيحاكمونه كأي أحد آخر لأن الثوار يقولون إنه إذا لم تتم محاكمته فإنهم سيطيحون بالجيش. لابد من العدالة». لكن هناك البعض في بلدته وأجزاء أخرى من مصر ممن يشككون في الحاجة إلى محاكمته. ويقولون إن الجيش يرضخ لضغوط من المحتجين في ميدان التحرير بالقاهرة الذين يتسببون في استمرار الاضطراب الاقتصادي الذي يضر بالمصريين. وقال سعيد عبد العزيز (36 عاما) الذي يعمل في إدارة المحافظة لكنه يكوي الملابس كعمل إضافي في الشارع الذي كان مبارك يعيش فيه ذات يوم «إذا طلب الناس هذا فإنهم سيحاكمونه. لكن هؤلاء المحتجينلا يفهمون. يجب أن يعمل الناس. إنهم يسببون المشاكل للبلاد». وفي حين يضغط المحتجون على الجيش لمحاكمة مبارك فإن دولا عربية وخاصة دول الخليج التي تعهدت بتقديم مليارات الدولارات من المساعدات لمصر تحث المجلس الأعلى للقوات المسلحة على ألا يحدث سابقة تسبب حالة من عدم الارتياح في المنطقة. يقول كمران بخاري المحلل في مؤسسة ستراتفور لتحليل معلومات المخابرات العالمية «ما يحدث في مصر تكون له أصداء في أنحاء المنطقة... دول الخليج تعلم هذا وهي تريد أن تتمكن من السيطرة على هذه النزعات». وقال مسؤول مصري طلب عدم نشر اسمه لحساسية الموضوع إن دول الخليج أوضحت أنها ترفض محاكمة مبارك. وأشار إلى ضغوط من السعودية التي قدمت مساعدات مالية سخية لإسكات أي شكاوى بين مواطنيها وأرسلت قوات في إطار قوة خليجية إلى البحرين حين تحدى محتجون الملكية هناك. ورفض سفير الكويت بالقاهرة رشيد حمد الحمد فكرة وجود أي سياسية خليجية رسمية لمنع محاكمة مبارك. لكنه قال إن هناك مواطنين في الخليج لا يريدون أن يروا أي رئيس في وضع كهذا. وكان مبارك ثاني رئيس عربي يسقط بعد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. لكنه الأول الذي سيحاكم في وطنه. وفر بن علي إلى السعودية وتمت محاكمته غيابيا. وفي حين أن دول الخليج تمارس نفوذا من خلال خزائنها الممتلئة فإن من غير المرجح أن تمارس هذا النوع من الضغط لمنع محاكمة مبارك إذا كان سيغرق مصر في مزيد من الاضطراب السياسي في الوقت الذي تكافح فيه في مواجهة اقتصادها المتعثر. وقال بخاري «سيضغطون ويواصلون الضغط ولكن بقدر». *رويترز