حين يتأمل المرء الأوضاع في المغرب، ويربط ذلك بسياقه الإقليمي العربي والدولي، يتساءل حول مسار ومحطة المقبلة التي يتجه نحوها قطار التغيير المغربي الذي دشنته حركة شباب عشرين فبراير، خصوصا في وقت نرى فيه ما يقع من تطورات يومية اضطرابات وأمور لم ترض الكثيرين في ليبيا واليمن وسوريا بل والبعض قال حتى في مصر وتونس الأوضاع تتجه نحو الأسوأ. كثيرا ما يتردد على لسان البعض هل تريدون أن نصبح مثل مصر أو تونس أو ليبيا... انظروا هاهم لا يعرفون كيف سيصبح يومهم الغدد في حيرة وقلق وترقب كل يوم ينذر بالأسوأ حسبهم بل ويحكي لي أحد شباب 20 فبراير سبق وان اعتقل من طرف رجال الأمن وتم التحقيق معه، سأله أحد ضباط الذين حققوا معه هذا السؤال. هناك أمور ينبغي الاعتراف بها وأعتقد بأنه لا جدال حولها رغم أنه قد سبق للكثيرين أن استفاضوا في هذا الصدد لكن التكرار يفيد الإقرار كما يقال: - حركة 20 فبراير دشنت مسيرة ستكتب بمداد من ذهب ولن ينساها التاريخ ، كما دشن البوعزيزي ربيع التغيير العربي وغير مجرى تاريخ أنظمة الاستبداد والاستكبار في كل الوطن العربي سواء تلك التي سقطت أو التي في الطريق أو تلك التي تنتظر، وهي بذلك حركة 20 فبراير تكون قد تجاوزت كلية النخب السياسية في المغرب والأحزاب بل والنظام بأكمله، بقرارها التاريخي بالانحياز علنا قولا وفعلا إلى الشعب ومطالبه المشروعة والعادلة. - حينما نتحدث عن حركة 20 فبراير بالضرورة لا نتحدث عن شباب مجهول كما يريد البعض أن يسوق لذلك، بل بالمباشر نتحدث أولا وفعلا عن شباب مغربي مستقل أيس يأسا شديدا من مسرحيات هزيلة أكل الدهر عليها وشرب كما نتحدث بالمباشر أيضا عن الجهات الداعمة للحركة والتي أكدت للرأي العام أنها قوة قادرة على فعل الكثير بتماسكها واستعدادها للتنازل من أجل مصلحة البلد ومحاربة الاستبداد والمستبدين. - حركة 20 فبراير استطاعت أن تقطع بسفينة الشعب المغرب نحو تحقيق الحلم التاريخي أشواطا كثيرة جدا وذلك بنجاحها في تذويب الفوارق الكبيرة والخطيرة بين الأطراف العاملة في الحقل السياسي لعقود خاصة التياران الإسلامي واليساري اللذان لم يتمخزنا طبعا ، دون التطاول على حرية كل طرف رافعة شعار ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا متجاوزة أوهام الماضي وأساطير التي كثيرا ما روج لما النظام ومن ينحو منحاه خاصة مثقفيه ومنظريه. - استطاعت الحركة إلى جانب هذا كله وهذا هو الأساس أن تعيد للشباب المغربي ومعه الشعب كاملا حلم إمكانية انتظار وتحقيق مغرب أفضل بمستقبل زاهر وفتوح تكون فيه الحرية للجميع والكرامة للإنسان الإنسان وفي مجتمع تسود فيه العدالة بعيدا عن الفوارق الطبقية، هذا في وقت نسمع فيه أن أعداد شباب وطننا الذين يقطعون نجو الضفة الأخرى يزداد ويضاعف شهورا بعد أخرى. - استطاعت الحركة ومعها الجهات الداعمة لها أن تكون في مستوى المرحلة التاريخية التي يعيشها المغرب والعالم مقترحة على كل القوى الحية في المغرب أن تكون في مستوى المرحلة بسعيها نحو إسقاط الفساد والاستبداد الذي يعتبر العدو التكبر للإنسانية منذ وجودها. لكن وللأسف لم تستطع أن تكون عند مستوى المهمة التاريخية سوى فئة فخانت الأخرى اللحظة بقرارها اللعب نفس الدور في نفس المسرحية بنفس الدور ونفس السيناريو فلم لا تكون النتيجة نفسها، بل طبيعي ولا جدال. يبقى الأساس بعد كل هذا حول مستقبل ومسار قطار الحركة خاصة بعد نجاحها في تجاوز عقبات ومنعرجات خطيرة بدءا بتجاهل مطالبها وقمع تظاهراتها ونشطائها مرورا بمسرحية الاستفتاء الدستوري بعد الترويج لكون مطالبها تتلخص في تعديل الدستور وصولا إلى حملة إعلامية شرسة ضدها وضد من يدعمها ويدعم تحركاتها. الزمن وحده هو القادر على الإجابة الصحيحة والنهائية لمثل هذه التساؤلات. لكن الذي ليس فيه شك هو أن السلطة لن تمتلك القدرة على الاستمرار بنفس الأسلوب ونفس الطريقة التي تعاملت بهما مع الحركة طيلة أكثر من أربعة شهور في المستقبل. والدليل على ذلك هو محاولتها التسريع بالانتخابات وتصريف الرأي العام الوطني نحو أمور هامشية أخرى. على ما يبدو أن الحركة لن تتوقف بل هي في صعود داخليا وبدعم خارجي مباشر وغير مباشر، والسلطة لن تفلح باعتماد المقاربة الأمنية بل هي أكثر الحلول صعبا ومرارة والدرس الماضي خير دليل. مما يعني أن الكفة لصالح الحركة كيف ما كان الحال فامتداد حركتها زمنيا يزيدها قوة ويساعد على معرفة كل صادق ويعطي للشعب عربون على من معه ومن ضده هنا يتضح جليا بأن انحياز الحركة منذ الوهلة الأولى نحو الشعب ومطالبه كان قرارا تاريخيا. تبقى الإشارة إلى أن أكبر تحدي قد تواجهه الحركة هو مدى قدرة الشعب على الانخراط الكلي معها رغم أن الكثيرين يؤكدون على أن الفئة التي تقود التغيير عادة ما تكون قليلة، وإن كان البعض يشير غلى صعوبة بناء الشعب المغربي لتورثه قائلا بأنه الذي قد يفعل شيئا هو المؤسسة العسكرية و تدخل الجيش. وهنا يطرح سؤال آخر كبير يستدعي نقاشا آخرا.