فجأة بعثت الروح في مشروع قانون الصحافة الجديد الذي كان محفوظا في ثلاجة وزارة الاتصال منذ مغادرة نبيل بنعبد الله لهذه الوزارة سنة 2007. والواقع أن وزير الاتصال ليس مسؤولا إلا جزئيا عن «تبريد» هذا الملف، لأن جهات أمنية نافذة، أصبحت منذ سنوات تدبر ملف الإعلام في هذه البلاد هي التي كانت تضغط لتبقي رؤوس الصحافيين تحت سيف قانون ينظم الرقابة على الصحافة، ويعطي لقضاء تابع صلاحيات بلا حدود لتجريم كل صحافي قادته الحكومة أو رجال السلطة النافذون إلى ردهات المحاكم. الآن تجري مناقشات ماراطونية لإخراج قانون جديد للمهنة أكثر ليبرالية لأن ذلك يدخل في مخطط «تبريد» الأجواء التي تنهجها الدولة من أجل استيعاب مطالب حركة 20 فبراير، وإظهار مرونة أكبر في هذا المناخ «الثوري» الذي عصف، إلى حد الآن، برئيسين عربيين، ومازال يعد بالكثير... الآن هناك حاجة ملحة ومناسبة سانحة لإعداد قانون جديد للصحافة، أو بالأحرى مدونة متكاملة لمهنة «المتاعب» و«المخاطر» هذه. وأول هدف هو التوفر على مدونة تنظم حرية الصحافة وقدسية الحق في التعبير، وليس قانونا ينظم الرقابة ويجرم المهنة، ويضع أمامها ألف قنطرة وحاجز لإسقاطها عند اللزوم. ثانيا: لا بد من إلغاء كل العقوبات الحبسية من هذا القانون، ولا تقولوا لنا إن فرنسا، مهد الديمقراطية، تنص قوانينها على سجن الصحافيين. هذا «ضحك على الذقون».. أعطونا نصف عدالة ونزاهة القضاء الفرنسي ونحن نسمح لكم بوضع عقوبة الإعدام في قانون الصحافة المغربي... الواقع لا يرتفع، وعدالتنا مريضة، والعطب فيها قديم، ولن يصلح أمرها بين عشية وضحاها، لهذا لا بد من وضع كل الاحتياطات والمحاذير في القانون لتضييق الخناق على حرية «بطش» بعض القضاة بأقلام الصحافيين. ثالثا: لا بد من تعريف دقيق وعلمي لعدد من الجرائم، وعدم ترك حرية التأويل «السيئ» للقضاة مع إزالة بدعة الخطوط الحمراء من القانون الجديد. ما معنى عبارة «المس بالوحدة الترابية أو الدين الإسلامي أو المؤسسة الملكية»... إذا قلت إن تدبير ملف نزاع الصحراء سيئ، سيقولون هذا فيه مس بالوحدة الترابية، وإذا قلت أنا مع قراءة عقلانية لنصوص الوحي، سيقولون هذا مس بالدين الإسلامي وربما بالمذهب المالكي. وإذا قلت أنا مع ملكية تسود ولا تحكم، سيقولون إن هذا مس بالمؤسسة الملكية... وهكذا. رابعا: لا بد من التنصيص صراحة على منع القضاة من اللجوء إلى القانون الجنائي، أو أي قانون لمحاكمة الصحافي، وهذا ما شهدناه في محاكمة «أخبار اليوم»، حيث خرج القاضيان، نور الدين قاسين وحسن جابر، عن قانون الصحافة، ولجآ إلى القانون الجنائي وإلى فصول أعدت خصيصا لانفصاليي البوليساريو الذين يحرقون الأعلام الوطنية، وجرى إخراج هذه النصوص من سياقها، ولي أعناق الوقائع، فحكموا على مدير هذه الجريدة بأربع سنوات حبسا وب320 مليون كغرامة، بسبب تهم لم تعرف إلى الآن... خامسا: لا بد من التنصيص على إحداث مجلس أعلى للصحافة يتكون من وسط المهنة، ويعهد إليه بتنظيم شؤون هذه الحرفة التي لم تعد لها قيمة ولا سلطة ولا حتى احترام، مرة بفعل أيادي السلطة، وتارة بأيادي المحسوبين على المهنة الذين يتصور بعضهم الصحافة مثل العاهرة تتنقل بين الأحضان كل ليلة، وتذهب مع من يدفع أكثر أو من يخيف أكثر!