عادت سنوات الرصاص بالنسبة إلى الصحافة المغربية. فالتقرير السنوي الجديد 2008 لمنظمة «صحافيون بلا حدود» يشير من جديد إلى المغرب كأحد النقط السوداء في الخريطة الدولية. سنة 2007 كانت سنة جميع المخاطر بالنسبة إلى الصحافيين المغاربة، يقول تقرير المنظمة الدولية، الذي نشر مجموعة من المشاكل التي تواجه الإعلاميين المغاربة. ويقول تقرير المنظمة الأخير إن المنظمة لاتزال «تنتظر التعديلات الضرورية لقوانين الإعلام النافذة في دول المغرب والشرق الأوسط»، حيث «اصطدمت المفاوضات بين وزارتي الاتصال والعدل من جهة، ونقابات الصحافيين وأصحاب المؤسسات الإعلامية من جهة أخرى بحائط مسدود». ويشير التقرير، في الصفحة المخصصة للمغرب، إلى أنه في «سنة 2007 واجه الصحافيون المغاربة كل المخاطر والمفاجآت السيئة التي يشهدونها يوميا»، مضيفا أن الدولة «أوحت إليهم بأنها ترغب في إخضاع قانون الصحافة للإصلاح، فيما لم تتورع في زج بالبعض منهم في السجن ومصادرة منشوراتهم، مؤكدة أن نظام الملك محمد السادس «لايزال يسعى بإرباك فاضح إلى المحافظة على صورته في الخارج وذلك بالسيطرة على الصحافة المستقلة المغربية». تقرير المنضمة المدافعة عن حرية الصحافة والصحافيين في كل أنحاء العالم سرد مجموعة من الأحكام القضائية ضد الصحافيين المغاربة، موضحا أن «النظام الملكي المغربي أظهر حدود قدرته على الانفتاح الديمقراطي بالرغم من آلاف الوعود بتحقيقه»، يقول التقرير السنوي في فصله المخصص للمغرب، مضيفا أنه تكفي بضعة أرقام لإبراز الصعوبات التي اعترضت سبيل الصحافيين في المملكة هذا العام، موضحا أن الصحافي حرمة الله قضى 56 يوما في سجن عكاشة بالدار البيضاء، لأنه نشر مقالا حول الجيش، مثلما صادرت وزارة الداخلية حوالي 92 ألف نسخة من أسبوعيتي «نيشان» و«تيل كيل» لتتلفها في مقر المطبعة بسبب افتتاحية اعتبرت مخلّة بالاحترام الواجب لشخص الملك. وفي المجموع، يشير التقرير السنوي إلى أنه «تخضع ما لا تقل عن 34 مؤسسة صحافية للرقابة، وتم الحكم على 20 صحافيا بعقوبات بالسجن منذ تسلّم محمد السادس مقاليد السلطة». وفي شهر يناير 2007، أجبر مدير أسبوعية «لوجورنال إيبدومادير»، التي تعد إحدى أولى المنشورات المستقلة في البلاد، على الاستقالة تفاديا لإقفال هذه المؤسسة الإعلامية، عندما حكم على أبو بكر الجامعي بتسديد غرامة قدرها ثلاثة ملايين درهم». كما خصصت المنظمة في تقريرها عن المغرب فصلا بعنوان: «الصحافيون في مواجهة دولة غريبة الأطوار»، تطرقت فيه إلى أن الدولة المغربية «فازت بكل القضايا التي رفعتها ضد بعض الصحافيين بموجب قانون الصحافة أو القانون الجزائي». ففي عام 2007، تماما كما في السنوات السابقة، «لم يتمكن القضاء من إثبات استقلاليته»، حيث «لايزال يخضع لإمرة حكم يتلاعب به ليمارس الضغوطات على أولئك الذين يجرؤون على تخطي الخطوط الحمراء، وأخذ عدد هؤلاء يزداد من دون أن يمثلوا أمام المحاكم»، يقول التقرير، مستدلا على ذلك بأن «ردود فعل الدولة باتت غير متوقّعة، وأصبح الصحافيون متحيرين من أمرهم. وفي حالة الشك، تبقى الرقابة الذاتية الوسيلة الأفضل لتفادي كل المشاكل». في السنة الماضية، عملت وزارتا الاتصال والعدل على تطوير قانون الصحافة بالتشاور مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية والاتحاد المغاربي للناشرين، «إلا أنه لم يتم تقديم أي مشروع قانون إلى البرلمان، لأن الأطراف المعنية لم تنجح في التوافق على نسخة نهائية»، كما أن السلطات المغربية أظهرت «أنها ليست مستعدة تماما لإلغاء العقوبات في جنح الصحافة». وبالرغم من حذف عدة عقوبات بالسجن في النسخة المؤقتة لمشروع القانون، إلا أن هذه النسخة لاتزال تنطوي على مواد أساسية استخدمت في السنوات الأخيرة لإدانة الصحافيين. وفي الأساس، لم يكن اعتماد هذا النص بصيغته الحالية ليريح العاملين المحترفين في القطاع الإعلامي أبدا. كما ختمت منظمة مراسلون بلا حدود تقريرها السنوي بجرد لمختلف المواضيع «الحساسة» التي قد تعالجها الصحافة في المغرب، حيث أشارت إلى دخول عدة صحافيين مستقلين في نزاعات قضائية، كما فرضت الرقابة على عدة مواقع في شبكة الأنترنيت شأن موقع «يوتوب» والمواقع المقربة من جبهة البوليساريو «لإقدامها على معالجات تتطرق لمواضيع النظام الملكي، أو الجيش، أو الدين الإسلامي، أو الصحراء الغربية»، كما هبت «زوبعة صيفية على وسائل الإعلام»، حيث كانت المفاوضات لإصلاح قانون الصحافة جارية على قدم وساق عندما تعرض صحافيان مغربيان للاعتقال من منزلهما في شهر يوليوز الماضي، مثلما تعرضا للاحتجاز على ذمة التحقيق لمدة ثمانية أيام وسط ذهول تام. ففي الواقع، يقول التقرير، أن القضية لم تكن «بسيطة»، فقد لاحقت السلطات مدير نشر أسبوعية «الوطن الآن»، عبد الرحيم أريري، والصحافي مصطفى حرمة الله بتهمة «حيازة مستندات تم الحصول عليها بواسطة الجريمة» بموجب القانون الجزائي، إثر نشرهما ملفا بعنوان: «العلاقات السرية وراء حالة الذعر في المغرب». واستندت إحدى المقالات إلى مذكرة صادرة عن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني «DST»، تطلب فيها من كل الأجهزة الأمنية اتخاذ اليقظة إثر بث تسجيل عبر الأنترنيت لجماعة إرهابية «تطلق نداء إلى الجهاد ضد المغرب». وقد احتجز مصطفى حرمة الله طيلة مدة محاكمته التي حكم عليه في نهايتها بالسجن لمدة ثمانية أشهر، فيما حكم على مديره بعقوبة مع وقف التنفيذ. أما محكمة الاستئناف التي منحت مصطفى حرمة الله إفراجاً مؤقتاً بعد 56 يوما من الاعتقال، فصادقت على الحكم، مخففة العقوبة شهرا واحداً فقط للصحافيين، ولاتزال هذه القضية، التي تتوالى مجرياتها أمام محكمة النقض، «سيفا مسلطا» على عنق أسرة التحرير، يقول تقرير المنظمة.