فاجأ العديد ممن حضروا الندوة الصحافية التي نظمتها منظمة " مراسلون بلا حدود" يوم الثلاثاء الماضي، والتي منعتها السلطات المغربية، بمعرفته الكبيرة بالمشهد الصحافي والسياسي المغربي، فالعديدين كانوا يعتقدون أن هذا الأمين العام الجديد الشاب، لن يكون مثل سلفه المحنك، "روبير مينار"، لكن هذا المدير المسؤول الشاب بمجرد أن بدأ بالحديث أمام عشرات الصحافيين أكد للجميع أنه يعرف كل صغيرة وكبيرة في المملكة، وأن تصريحاته ومواقفه قد تذهب أبعد من "مينار". - خلال ندوتكم الصحافية التي نظمتموها بالدار البيضاء، رغم منعها من طرف السلطات، قلتم إن الصحافة المستقلة في المغرب صارت اليوم بمثابة العدو الأول للسلطة والقصر، هل صار هذا الموقف قناعة لدى "مراسلون بلا حدود"؟
ما قلته بالضبط هو إن هناك اليوم جزء من رجال السلطة في المغرب يعتبرون الصحافة المستقلة عدوا لهم، وإذا لم يغير هؤلاء موقفهم لن يكون هناك أي تقدم في هذا المجال.. يجب على السلطات المغربية أن تتوقف عن اعتبار الصحافة المستقلة عدوا لها.. الصحافة ليست عدوا للسلطة ولا لأي أحد، الصحافة سلطة مضادة، وحرية الصحافة هي إحدى أسس الديموقراطية في أي بلد، ولذلك يجب على السلطات المغربية أن تتخلى اليوم والآن عن مثل هذه الأفكار.
• هل معنى هذا أن السلطة والقصر في المغرب صارا يعتبران جزءا من الصحافة المغربية "المعارض الأول" للحكم؟
هذا صحيح، وهو موقف السلطة المغربية عموما، فهناك تشدد لهذه الأخيرة تجاه الصحافة المستقلة، وبالفعل فاليوم يبدو أن كل الصراعات في المغرب تقع ما بين السلطة والإعلام، وهذا نتيجة لضعف الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني في المملكة. لدينا إحساس اليوم أن الطبقة السياسية والمعارضة في هذا البلد أصبحتا ضعيفتين إلى درجة أن مكونات الصحافة المستقلة هي من صارت تلعب دور المعارضة السياسية في المغرب، وهو ما فرض على هذه الصحافة أن تتموقع في الصفوف الأمامية في مقابل السلطة، وهذه الأخيرة صارت تقمع بكيفية مباشرة وعنيفة الصحافيين والصحف المستقلة، في الوقت الذي كان ينبغي أن تكون هذه الصحافة سلطة مضادة طليعية. الصحافة ليست حزبا سياسيا.. الصحافة ليست رأيا عاما لأو معلرضة سياسية، الصحافة هي سلطة مضادة وفقط.
• في الندوة الصحافية الممنوعة أشرتم أيضا إلى أن هذا الهجوم على الصحافة المستقلة من طرف السلطة بدأت تظهر معالمه بوضوح سنة 2002، فما هي مرجعيات هذا التاريخ لديكم؟
من الصعب أن نتموقع هنا بالنظر إلى أحداث صحافية معينة، لكن لدينا إحساس أن الأمور تسير في المغرب بمراحل، فبالنسبة إلينا كانت هناك مرحلة صحافية ما بين 1999 و2002، حيث كانت الأمور تسير جيدا نوعا ما، وكانت هناك آمال كبيرة منتظرة مع اعتلاء محمد السادس العرش، ولكن بعد سنة 2002 تغيرت الأمور وبدأت معالم الأزمة تظهر، وتطورت مع قضية علي المرابط، ومع ما حدث لمجلة "لوجورنال" آنذاك، لتبرز أولى معالم التشدد مع الصحافة المستقلة. السؤال: لماذا في ذلك الوقت؟ لا يمكن أن تعرف رغم أنه يمكن تقديم قراءات. ولماذا الأزمة بعد ذلك التاريخ؟ لا أعرف.. لكنني أتساءل كما يتساءل العديدون في المنظمة: هل هناك جهات داخل القصر تقول للملك اليوم إنه يجب الإنهاء والقطع مع هذه الصحافة المستقلة؟ هل أصبح الملك واثقا من نفسه بعد عشر سنوات من الحكم إلى درجة أنه صار يجيز لشخصه التضييق في الحريات العامة؟ لا يمكن فهم ردود فعل السلطة في المغرب، وفي أحيان كثيرة يصير من المستحيل توقع ردود أفعال السلطة في المملكة، مما يجعل من المستحيل تفسير لماذا يمر رسم أو مقال في مرحلة ما أو في تارخ ما أو في مجلة ما دون أن يثير أي ردود من طرف السلطات المغربية، ولماذا يتسبب نشر نفس الرسم أو نفس المقال أو نفس الصورة في غضب السلطة وعنفها في وقت آخر.
• لماذا تعتقدون في منظمة "مراسلون بلا حدود" أن الصحافة المستقلة في المغرب اليوم تخيف القصر؟
هذه فكرة صحيحة.. الصحافة المستقلة في المغرب تخيف القصر، لأنها أولا صحافة قوية، ولأن لها تأثيرا حقيقيا في المغرب، وهذا التأثير يتعدى حتى نسبة من يقرؤون الصحف في المملكة.. صحيح أن الصحافة المغربية لم تصل بعد إلى 500 ألف قارئ يوميا، لكنها صحافة تؤثر بقوة على المغاربة، ولذلك أعتقد أن السلطات المغربية تخاف فعلا من الصحافة المستقلة، وهو ما يفسر أيضا خوفها من النقد، وخوفها من وجود سلطة مضادة، وهذا واقع يؤسف له صراحة، لأن السلطة لا ينبغي أن تخاف من الصحافة، كما أن هذه الأخيرة لم نوجد لتخيف السلطة.
• صرحتم أيضا أنكم في المنظمة، وإلى وقت قريب، كنتم تعتبرون أنه يوجد في المغرب هامش معقول لحرية التعبير، مقارنة بالدول المغاربية والعديد من الدول العربية، هل تظنون أن الأحداث الأخيرة ستغير هذه الصورة؟
إذا لم يتغير التوجه الحالي، فأنا أؤكد ذلك.. إذا لم تتوقف هذه المتابعات، وهذه الاعتقالات، وهذه الغرامات تجاه الصحافيين والصحف المستقلة، فالمغرب سيفقد بالتأكيد هذه الصورة لبلد أكثر انفتاحا وأكثر حرية مقارنة بجيرانه كالجزائر وتونس أو حتى مصر.. بالفعل واقع الحال الصحافي المغربي اليوم لا يشبه نظيره في تونس مثلا، لكن إذا استمر ما يحدث اليوم للصحافة المستقلة سيكون ممكنا، في وقت لاحق، أن نقارن تونس بالمغرب. • من جهة أخرى، هذه هي أول مرة تقرر فيها السلطات المغربية منع ندوة صحافية لمنظمة "مراسلون بلا حدود". كيف تلقيتم هذا المنع؟
بالنسبة إلينا هذا أمر يؤسف له، رغم أن الندوة لم تمنع في حد ذاتها، لأننا تمكنا من تنظيمها، رغم أننا لم نعقدها في القاعة التي حجزناها لهذا الغرض بأحد الفنادق بالدار البيضاء، تحت ذريعة "عدم وجود تصريح للندوة"، وهذا التعامل معنا في حد ذاته مرتبط بالأزمة التي يعيشها المشهد الصحافي المغربي في علاقته بالسلطة، والمنع الذي طالنا كمنظمة دولية وأجنبية نعتبره ملازما للمنع الذي طال العديد من الصحف الأجنبية.. وأكرر أن ما حدث مؤسف جدا لأنهم في مرات عديدة تركونا ندخل إلى المغرب بدون مشاكل، حيث كنا نتحرك كما نشاء ونقابل من نشاء ونعمل في حرية، وجاءوا اليوم ليمنعونا من تنظيم ندوة صحافية بقاعة بأوطيل..إنه قرار عبثي ومثير للسخرية، لأنهم لا يعرفون أنهم بمنعنا فهم يمنحون إشعاعا أكبر لهذه الندوة.
• كشفتم في لقاء لكم مع صحافيين مغاربة عن بعض تحركاتكم الدولية من أجل الدفاع عن الصحافيين والصحف المغربية، إلى أي حد يمكنكم أن تصلوا في دفاعكم؟
هذا أيضا يعتمد على إمكانية اشتغالنا في المغرب بعد هذا المنع، وما إذا كانت السلطات ستتركنا نعمل بحرية.. نحن مستعدون في منظمة "مراسلون بلا حدود" لإرسال محامين للدفاع ولمساندة الصحافيين المغاربة، لكن في المقابل هل ستسمح السلطات المغربية بدخول محام فرنسي أو أمريكي أو إسباني؟ هل ستتركه يساند زملاءه المغاربة ويقوم بعمله بحرية ويشارك في هيئات الدفاع؟ هذا أيضا لا نملك جوابه الآن.. يجب أن نختبر مدى انفتاح السلطة وتقبلها هذا الأمر.