الحق أننا إذا قلنا عن العصر الذي نعيش فيه أنه ( عصر تحيزات الإعلام ) لم نكن مبالغين في القول ، وإذا وصفناه بأنه ( عصر المتخاذلين المتحذلقين ) لم نكن مسرفين في الوصف ، وإذا أشرنا إليه بأنه ( عصر سلطة الشعوب المحتجة إلم نقل الثائرة) لم نتجاوز الواقع الملموس ...فلماذا هذا التحيز الذي لازالت مختلف القنوات تصر على اعتناقه وكأنه الضامن لاستمرارها والحال أن استمرارها لا يمكنه أن يتم إلا من داخلها . إن سؤال أزمة غرس الثقة لدى المواطن المغربي بخصوص التحديات الآنية راجع على الأرجح إلى التناقض التالي : هل وظيفة الإعلام هي التعيير عن صوت الشعب/ الرأي العام ؟ أم السيطرة عليه وتسطيحه و التحكم فيه وتوجيهه وجهات محددة بالذات ؟ إن اغتصاب الجماهير في مقابل تصاعد الحركات الاحتجاجية ، هو ما تجنح إليه الحكومة المتلاشية التي تقف عاجزة أمام مطالب المحتجين، والأحزاب السياسية المريضة عن طريق الإعلام ممتطين ومُكَلفينَ أنفسهم عناء الدفاع عن المطالب الشبابية المشروعة من دون إذن مسبق، هذا الأمر، هو ما يجعل من الحكومة ،و جهات أخرى تعتبر الإعلام ذراعا من أذرعها [ لا ترضى بأن يلوى لها ] ، أو جزءاً من جهازها العصبي [لا ترضى أن يصيبه التقزز ] على حد قول كارل دويتش ، فالإعلام يشكل سلطة التأثير على العقل البشري ، فهو المؤثر على اتجاهات وأفكار الأفراد والجماعات إن على المستوى المتوسط أو البعيد ...ولعل ذلك ما يجعل من الوسائط الإعلامية المغربية تلجأ لمعابر التوجيه والتحكم في المادة الإعلامية - خدمة لمصالحها الذاتية ومصالح آمريها- فتستخدم التحيز ، والتشويش و تحريف الأنباء واستطلاعات الرأي ، والتضليل ، والغربلة " حراسة البوابة" . إن السياسة الإعلامية المغربية التي تسن قوانينها الدولة أو الحكومة غالبا ما تركز على صناعة الرأي ، بالتأثير في آراء وأفكار الجمهور وتشكيلها . فالدولة لهذا الغرض تسخر لنفسها مختلف وسائل وأساليب الإعلام والاتصال الجماهيري ، علها تكشف عن الاتجاهات والآراء والمواقف السائدة في المجتمع ، حتى تتمكن من إصدار تعليقات وتوجيهات تعبر عن سياسات و إيديولوجيات معينة ، تريد الدولة عن طريق أجهزة الإعلام نشرها وإذاعتها بين الناس ، وتغيير الآراء السائدة بواسطة ما يعرف بتقنيات سبر الغور . وللاقتراب أكثر من مفهوم التحيز نقترح التعريف التالي: التحيز لغة من حاز الشيء ، ويتضمن معنى "الجمع و التجمع"، وضم الشيء إلى آخر ، "وكل من ضم شيئا إلى نفسه فقد حازه و احتازه "، و الحيز ما انضم إلى الدار من مرافقها ، و كل ناحية حيز، وانحاز عنه : انعزل ، و انحاز المتحزبون تركوا مركزهم إلى آخر، و الانحياز : الانضمام ، و سياسة عدم الانحياز (في الاصطلاح الحديث ) :عدم الانضمام إلى فريق دون فريق، والتحيز والتحوز كذلك : التلوي والتقلب، من العرب من خص به الحية ، فقالوا :تحوزت الحية و تحيزت أي تلوت ، ومن كلامهم : مالك تحوز كما تحيز الحية؟ و تحوز الحية ، وهو بطء القيام إذا أراد أن يقوم ، و منه بطء القيام بالواجب والمسؤوليات على أكمل وجه ، و "الحوز من الأرض أن يتخذها رجل و يبين حدودها فيستحقها ، فلا يكون لأحد فيها حق معه ، فذلك هو الحوز"، و يدخل في معناه تحوز الأحزاب و استحواذها على رفع ما تسميه المطالب الشبابية من دون إشراك فعلي للشباب أنفسهم . والتحيز بما هو ظاهرة إنسانية ، معروف ، وإن لم يقعد له بعد ، ذلك لكونه منتشرا في حياتنا بدرجة أكبر مما يمكن أن يتصوره أهل من العلماء و المفكرين ،فضلا عن العامة ، وهو لا يقتصر في أوساطنا على الإعلام ووسائطه المختلفة ،وإنما هو أمر قد طال جميع أوجه حياتنا و سائر مناشطنا و توجهاتنا ، ففي تشريعنا و اقتصادنا و مناهج تربيتنا و صور تعليمنا ، بل وحتى في أشكال احتجاجنا وفي سلوكاتنا و لغة حديثنا اليومي شواهد عديدة لا تخطئها عين عاقل على هذا "التحيز" الذي أقام علينا حجرا نفسيا عقليا وسلطانا أدبيا معنويا قد ننكر أصله و نغالط في حقيقته ، ولكن آثاره و تراكماته هي الشاهد و البرهان عليه أمام الصمت الإعلامي المغربي الذي يلعب دورا مهما في تكريس بنياته .فإلى متى -إذن- سيلتفت هذا الخطاب الإعلامي باعتباره مرتعا لمجالات اشتغال التحيز إلى هذا الأداء العام الذي صار هو النمط المعتاد لإنساننا المغربي إن على المستوى الفردي أو الجماعي، خاصة أمام غياب أدنى شروط التحري النزيه من قبل الإعلام المغربي في نقل مجريات الاحتجاجات المطلبية المشروعة من قبل قطاع التعليم والعدل والصحة..... فضلا عن مطالب من يسمون أنفسهم بالحركات..