انعقاد الدورة ال 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب بمشاركة المغرب    المغرب يطالب بمواجهة الإرهاب والانفصال.. وهذه رؤيته لتحقيق الاستقرار في إفريقيا    "مشروع قانون المسطرة الجنائية ورهانات حقوق الانسان " موضوع ندوة وطنية بالقصر الكبير    حملة تضليلية تستهدف الملك محمد السادس    رئيس "الأنتربول" يؤكد ثقته في قدرة المغرب على تنظيم نسخة استثنائية لكأس العالم 2030    البطولة: الوداد البيضاوي يعمق جراح شباب المحمدية بخماسية في شباكه مقربا إياه من الهبوط للقسم الثاني    الحسيمة.. أحداث لا رياضية في ملعب ميمون العرصي    المضيق تسدل الستار على الدورة الخامسة لسباق 10 كم    الوقاية المدنية تواصل البحث عن شاب غريق بمرقالة طنجة بعد تحدٍّ خطير على تيك توك    العرائش تتألق في البطولة الوطنية المدرسية لكرة السلة بزاكورة وتتوج بلقبين    في إشارة لوزير العدل.. ابن كيران: هناك من يحرض النيابة العامة والرئاسة الأمريكية ضدي!    عبد اللطيف حموشي يوشّح بوسام الأمير نايف للأمن العربي    تعبئة 133 مليون درهم لحماية مدينة تطوان من الفيضانات    منتخب السيدات يواجه غانا وهايتي    تحيين جديد يخفض أسعار الغازوال ب 12 سنتيما .. والبنزين في استقرار    نتنياهو يتعهد بتنزيل "رؤية ترامب"    تصريحات بركة حول دعم الأضاحي تثير مطالب بتتبع عمليات الاستيراد    إجهاض محاولة لتهريب 12 ألف قرص مخدر بتطوان وتوقيف شخصين    سلا تتصدر مقاييس الأمطار بالمغرب    تساقطات مهمة تعم إقليم ميدلت    "نفس الله".. رواية جديدة للكاتب والحقوقي عبد السلام بوطيب    لماذا لا تتحدثون عن شعرية النقد الأدبي؟    تعدد الأنظار إلى العالم    إسرائيل تتسلم شحنة قنابل ثقيلة بعد موافقة ترامب    المغرب أفضل وجهة سياحية في العالم لعام 2025    لطيفة العرفاوي تغني لتونس    تقرير: المغرب يحصل على تصنيف أحمر في مؤشر إنتاج الحبوب    المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب يبرم اتفاقا بشأن الإغلاق المالي لمشروع إنشاء محطة الغاز "الوحدة"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    حريق يلتهم 400 محل تجاري بسيدي يوسف بن علي مراكش    رشيدة داتي وزيرة الثقافة الفرنسية تزور العيون والداخلة والرباط    ميارة: قانون الإضراب يساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص الشغل وفق تعاقد اجتماعي واضح    مسؤولون وخبراء يجمعون على أن المغرب يسير في اتجاه عصرنة وسائل النقل المستدام    أكادير.. افتتاح الدورة الثانية للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني    بين الاحتفال بشعيرة الأضحية وإلغائها بسبب الجفاف.. "برلمان.كوم" يرصد آراء مواطنين مغاربة (فيديو)    التصويت في الاتحاد الإفريقي.. من كان مع المغرب ومن وقف ضده: مواقف متوقعة وأخرى شكلت مفاجأة في مسار التنافس    افتتاح الخزانة السينمائية المغربية في الرباط: خطوة هامة نحو حفظ التراث السينمائي الوطني    إعادة انتخاب نزهة بدوان رئيسة للجامعة الملكية المغربية للرياضة للجميع    حمزة رشيد " أجواء جيدة في تربص المنتخب المغربي للمواي طاي " .    مصرع 18 شخصًا في تدافع بمحطة قطار نيودلهي بالهند    نتنياهو يرفض إدخال معدات إلى غزة    فتح باب المشاركة في مهرجان الشعر    ريو دي جانيرو تستضيف قمة دول "بريكس" شهر يوليوز القادم    غوفرين مستاء من حرق العلم الإسرائيلية في المغرب ويدعو السلطات للتدخل    رفْعُ الشِّعار لا يُخفِّض الأسْعار!    بنعلي تؤكد التزام المغرب بنظام تنموي قوي للأمم المتحدة    الصين: 400 مليون رحلة عبر القطارات خلال موسم ذروة السفر لعيد الربيع    في أول زيارة له للشرق الأوسط.. وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يصل إلى إسرائيل    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    حقيقة تصفية الكلاب الضالة بالمغرب    خبير يكشف التأثير الذي يمكن أن يحدثه النوم على التحكم في الوزن    "بوحمرون" يصل الى مليلية المحتلة ويستنفر سلطات المدينة    تفشي داء الكوليرا يقتل أكثر من 117 شخصا في أنغولا    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدرسة المغربية؟ أم النظام الأساسي؟
نشر في لكم يوم 18 - 11 - 2023

إن سؤال: المدرسة المغربية؟ أم القانون الأساسي؟ أصبح يملك كل شرعيته عند كل من يتتبع ما يقع في المدرسة المغربية العمومية، وحجم التعنت الحكومي في وجه مطالب نساء ورجال التعليم، حتى صار يبدو كأن الوزارة الوصية ومعها الحكومة مستعدة لإحراق المدرسة العمومية بمن فيها، على أن تسحب النظام الأساسي؟
لقد صارت هذه المدرسة مشلولة أو شبه مشلولة، فيما الوزارة تبدو وكأنها غير معنية بما يحدث، واختارت في كثير من الأحيان تجاهل ما يقع في الساحة، وتقديم تصريحات تناقض ما يعاينه الجميع على أرض الواقع حول نسب المشاركة في إضرابات القطاع، أو حول استمرار الدراسة بشكل عاد، أو شبه عاد، في معظم المؤسسات.
وفي نفس الوقت يبدو أنها غير قادرة على استيعاب ما يحدث، وغير قادرة على إنتاج الحلول الرصينة التي يمكن أن تجنب البلاد أزمة لم يسبق لها مثيل في العقود الأخيرة في المدرسة المغربية. وأهم من هذا، وهذا هو الأسوأ، لا تتعلم من أخطائها، فلا تني تكررها.
أكبر من هذا أن الحكومة نفسها يبدو عليها الارتباك، فبعد أن تدخل رئيس الحكومة شخصيا في الملف، بما يعنيه ذلك من نهاية تدبير وزارة التربية الوطنية له، يعود وزير القطاع إلى الواجهة في محطات مختلفة. وليس هناك، لحدود الساعة، أي مبادرة حقيقية وعملية من شأنها إطفاء فتيل الغضب، وإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي.
بالعكس ما يوجد هو مجموعة من المناورات والمناوشات تنحدر أحيانا إلى تجريب أساليب الحرب القذرة (التهديد بالاقتطاع، احتجاز تراخيص الأساتذة، تجييش الإعلام، محاولة خلق التوتر بين الأسر والأساتذة عن طريق اللعب بورقة مصلحة التلميذ . . .) التي تؤكد أن المسؤولين عندنا لا يحسنون قراءة الأحداث، أو أنهم يبنون على تقارير غير قادرة على وصف حقيقة ما يقع داخل المدرسة المغربية، لأتها ببساطة لم تستوعبه، فهو فعلا مخالف لكل توقعات ردود الفعل السابقة.
لقد خرج نساء ورجال التعليم هذه المرة ليقولوا للجميع بصوت موحد وقوي: بلغ السيل الزبى. ولا شيء سيسكتهم عن الصهيل إلا تحقيق مطالبهم العادلة. وهذا ما ينبغي أن يفهمه الجميع.
تاريخ التهميش والإقصاء والاستصغار في مهنة التعليم هو تاريخ طويل، تتناقض فيه الشعارات الرسمية مع حقيقة ما تعيشه المدرسة المغربية، ولذلك ظل قطاع التربية هو الأكثر احتضانا للحركات الاحتجاجية، سواء داخل التنظيمات النقابية أو التنسيقيات التي تناسلت بفعل تراكم الإقصاء والتهميش. ولكن لم يسبق أبدا أن عاش القطاع احتقانا شبيها بما يقع اليوم، وهو أمر يستدعي من القائمين على الشأن التعليمي الانتباه والفهم. فما الذي وحد كل هؤلاء الغاضبين الذين كانوا من قبل متفرقين، فاجتمعت كلمتهم، والتأمت حناجرهم على شعار واحد، يتشكل من قسمين: إسقاط النظام الأساسي وتحسين أوضاع نساء ورجال التعليم بما يليق بمكانتهم، وبما ينسجم مع شعارات الدولة، ويتلاءم مع وعود الحكومة الحالية.
لا أحد جادل في الشق الثاني. فالتقارير الرسمية والتقارير الدولية تؤكده. لكن كم يستحق نساء ورجال التعليم ليشعروا بتحسن أوضاعهم؟ وهل ستعامل الدولة، أخيرا، المدرس كما تعامل باقي القطاعات عندما تتحدث عن تحسين الأوضاع المادية؟
هذا هو الذي يحدث فيه الاختلاف بين مقاربتين: واحدة تستصغر نساء ورجال التعليم وتحتقرهم، وتستكثر عليهم أن يكونوا مثل غيرهم من الموظفين؛ وتعتقد، بالتالي، أن الفتات يكفي، وإن أنتجت على المستوى الرسمي خطابا مخالفا، يدعي بأن التعليم هو القضية الوطنية الأولى بعد قضية الوحدة الترابية. أما المقاربة الثانية فهي وإن اعترفت بضرورة تحسين الأحوال المادية لنساء ورجال التعليم إلا أنها تشهر، دائما، ورقة العدد الكبير لموظفي القطاع وضعف الموارد المالية للدولة. ونتيجة المقاربتين، معا، واحدة، وهي أن نساء ورجال التعليم يجدون أنفسهم محرومين من السخاء الحكومي الذي يرونه يوزع بلا أدنى تحفظات في عدد من القطاعات العمومية الأخرى حتى وإن لم يشر الخطاب الرسمي إلى أولويتها (أجور أعلى، تعويضات نظامية وغير نظامية، منح ترافق المناسبات الاجتماعية والدينية، أجرة الشهر الثالث عشر، بل الرابع عشر في بعض القطاعات، خدمات اجتماعية أرقى وأقل تكلفة، سفريات دولية مغلفة في وعاء التكوينات . . . ). وهو ما يؤثر على جاذبية مهنة التدريس، ويضعها على المحك، بل يجعلها المهنة الأقل جاذبية، خصوصا الآن مع هذا النظام الأساسي الجديد. وهذا أحد المدخلات التي تفسر كثيرا من الاختلالات المتصلة بمهنة التدريس.
إن الأمر كله في تقديري لا يرتبط بالعدد أو بشح الموارد، ولكن فيما تعتبره الدولة أولوية فعلا. فالمغرب يستثمر، بشكل غير مباشر، في الفساد، أكثر من أي قطاع آخر، من خلال التغاضي عن محاربته. وهو الذي يستنفذ من خزينة الدولة ما يقارب الخمسين (50) مليارا (بالدرهم) سنويا (الجريدة الإلكترونية هسبريس بتاريخ 22 يناير 2020). ومن المؤسف جدا أن يسمع المواطن المغربي المنظمات الدولية وهي تتحدث عن «تراجع المغرب في الترتيب العالمي [لمؤشرات الفساد] ب 7 مراكز» (الندوة التي نظمها الفرع المغربي لمنظمة الشفافية الدولية بتاريخ 31 يناير 2023، وكذا الموقع الرسمي لمنظمة الشفافية الدولية "ترانسبرانسي إنترناشيونال")، وهو التراجع الذي تكرس في الأربع سنوات الأخيرة. وتدل كل المؤشرات على تعاظمه، خاصة أن الحكومة الحالية تعمل على قدم وساق لتوفير البيئة المناسبة لحمايته، بدءا من «سحب الحكومة لمشروع القانون المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي من مجلس النواب والمتضمن لمقتضيات تجريم الإثراء غير المشروع» (المذكرة التي أصدرها المكتب التنفيذي لترانسبرانسي إلى رئيس الحكومة، بتاريخ 6 يونيو 2022)، وكذا «التصريحات التي أدلى بها وزير العدل [المتعلقة] بإقرار مشروع قانون يمنع منظمات المجتمع المدني من تقديم شكاوى ضد منتخبين من أجل شبهة هدر واختلاس المال العام في تجاهل لنص الدستور والقوانين المنظمة للنظام القضائي والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في هذا الصدد.« (نفس المذكرة).
ومن جهة أخرى يمكن استحضار حرمان خزينة الدولة من مداخيل مهمة بسبب خيارات الأغلبية الحكومية، والمثال الفاضح هو إسقاطها، في المؤسسة التشريعية، مقترحا للرفع من الضريبة على أٍرباح شركات المحروقات والاتصالات ضاربة عرض الحائط توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. حدث ذلك خلال جلسة التصويت على تعديلات الفرق النيابية على مشروع قانون المالية برسم سنة 2024 بلجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، يوم الجمعة 10 نونبر 2023.
إن الدولة إن كانت جادة في رغبتها في النهوض بقطاع التعليم فستوفر له الموارد التي تكفل النهوض الفعلي به، ولن يعجزها ذلك. المسألة، إذن، هي مسألة قرار سياسي بالأساس، وليست مسألة موارد أو عدد.
أما الشق الأول فقد اتخذ الجواب عنه، في البداية، شكل المناورة، فليس هناك بحسب الوزارة عيب في النظام الأساسي، وإنما العيب في عدم فهمه من طرف نساء ورجال التعليم، والحل هو إنفاق المال العام من أجل شرح هذا النظام عبر كبسولات تم إعدادها على عجل، أو خرجات إعلامية، تثير في أكثرها الشفقة، إن لم يكن شيئا آخر.
ظهر فيما بعد أن نساء ورجال التعليم هم من سيشرح النظام الأساسي للوزارة، عبر مختلف الأشكال التي أنتجوها، من صور وملصقات وفيديوهات وتدوينات ومقالات . . . وعلى الرغم من الحصار الذي فرض على وجهة نظر نساء ورجال التعليم في الإعلام الرسمي، إلا ما ندر، فقد تمكن هؤلاء من تحقيق اختراق إعلامي مهم عبر الوسائط الجديدة، وعبر بعض وسائل الإعلام المستقلة، ما جعل الأسر المغربية تفهم حقيقية ما يجري وتختار، عن وعي، الاصطفاف إلى جانب نساء ورجال التعليم.
من جانب آخر، دخل هذا النظام إلى الفضاء العام، وأصبح عرضة للنقاش والتحليل، من طرف عدد من الخبراء والمختصين، أجمعوا كلهم على وجود عيوب كبيرة وخطيرة في هذا النظام. وحدها الوزارة ظلت متشبثة برأيها في أن هذا النظام جيد، لكنه لم يُفهم. بل في إحدى الخرجات البئيسة يحاول أحد المسؤولين الأكاديميين إقناع نساء ورجال التعليم بأن نظام العقوبات المثير للجدل جاء لمصلحتهم [كذا بلا حياء]. وهو ما فعله، أيضا، رئيس مجلس النواب المعروف عند المغاربة بعبارته الشهيرة «ضربونا بالحجر» والذي أقر بأنه لم يطلع على النظام الأساسي، ولكنه مع ذلك جاء إلى قناة رسمية ليقنع الناس بجودة ذلك النظام الذي لم يطلع عليه، دون الشعور بأي تناقض أو حرج، الشيء الذي يكشف درجة الاستهتار وانعدام المسؤولية السياسية والأخلاقية، مما يدفع المرء إلى التساؤل إن كان هناك درجة من الانحطاط والانحدار السياسي لم نصل إليها بعد.
كل هذا ولا تجد الحكومة لمخاطبة نساء ورجال التعليم سوى أسلوب التهديد والوعيد. وهكذا خرج ناطقها الرسمي يوم 9 نونبر بتصريحات مستفزة، وهو الذي كان حتى وقت قريب منتسبا لهيأة التدريس، وممن خبر ويلات مهنتها. هذا التصريح نجح في شيء واحد هو مزيد من الاحتقان والغضب، أخذ في صورته الأولى البحث في ماضي الناطق الرسمي، والمطالبة بفتح تحقيق في ثرائه المفاجئ، وأخذ في صورته الثانية تأكيد مختلف التنسيقيات المعنية بالملف استمرار الأشكال النضالية إلى غاية تحقيق المطالب العادلة والمشروعة، بل كسبت هذه التنسيقيات دعما معنويا قويا من خلال الاصطفاف الواضح وغير المراوغ للنقابة الوطنية للتعليم التابعة للكونفدرالية الديموقراطية للشغل إلى جانب نضالات الأساتذة، بعدما نجحت الحكومة في تحييد تنظيمات نِقابية أخرى.
لم تهدأ الزوبعة التي خلفتها تصريحات الناطق الرسمي، حتى جاءت خرجة وزير العدل، وكأن الحكومة تخطط لإشعال الأوضاع بإصرار وصلف لا يمكن إيجاد مبرر لهما.
وماذا بعد؟ ما الذي تنتظره الوزارة أو الحكومة لتقديم عرض مقنع لنساء ورجال التعليم، يؤدي إلى إغلاق القوس، في وقت مازال بالإمكان فيه تدارك الزمن الضائع وإنقاذ السنة الدراسية.
لماذا تطالب نساء ورجال التعليم بالاكتفاء بالثقة والعودة إلى حجرات الدرس؟ وكان بإمكانها القيام بمبادرات أكثر إقناعا. خاصة أنها عوض أن تعمل على بناء الثقة مع نساء ورجال التعليم، فعلت كل شيء لتقويض هذه الثقة.
هذا عدا أن الحديث عن الثقة ينبغي أن يصدر عن أهله. مَن مِن هؤلاء الذين تكلموا يملك رصيدا سياسيا يسمح له بمخاطبة الأساتذة بتلك اللغة. منذ سنين والعقلاء يحذرون من أن الاشتغال على تكسير وتدمير الرموز النضالية في المغرب، وعلى تبخيس العمل السياسي والنقابي سيكون له ثمنه الباهظ عاجلا أو آجلا. والآن تجتاح المغرب أزمة لم يسبق لها مثيل في القطاع الذي ينبغي أن يكون الأكثر حيوية، ولا تجد الدولة من تحاور به، وتقدم به ضماناتها سوى أشخاص باهتين سياسيا، إن لم نقل عديمي الطعم. فرئيس الحكومة يرتبط عند المغاربة بملف المحروقات الذي تكتوي بناره جميع فئات الشعب المغربي، ويرتبط كذلك بما اصطلح على تسميته، في وقته، بالبلوكاج السياسي الذي عطل مصالح البلد لشهور عديدة لصالح حسابات سياسوية ضيقة، كما يرتبط أيضا بإفشال برنامح الدعم المباشر على عهد الحكومة التي كان يقودها حزب العدالة والتنمية، على الرغم من استماتة هذا الحزب آنذاك من أجل إخراجه، قبل أن يصبح الآن من المتحمسين له.
أما وزير العدل فذكراه عند المغاربة مرتبطة بفضائح متعددة، آخرها لم يجف بعد مداد الحديث عنها، وهي مباراة المحامين، ولا يتذكرون منه سوى رجل يخاطبهم بأسلوب لا يمكن أبدا أن يقبل رجل دولة ان يصدر عنه.
تأسيسا على ذلك لا بد أن يكون من يجرؤ على مطالبة نساء ورجال التعليم بالاكتفاء بالثقة مصابا بفقدان الذاكرة.، خاصة أن هؤلاء قد وثقوا بالفعل في الوزارة وفي المؤسسات التمثيلية الشرعية (النِّقابات)، وانتظروا سنتين كاملتين، وهم يحسنون الظن، ولا يأتون ببعضه، لكنهم فوجئوا بأن الوزارة أخطأت الموعد مع التاريخ عندما قامت بتهريب النظام الأساسي، وانفردت بإصداره، لتجمع بين دورين يفترض أنهما في الأعراف الديموقراطية منفصلان: دور السلطة التشريعية ودور السلطة التنفيذية. الحكومة نفسها وقعت اتفاق 26 أبريل 2011، أي التزمت بتنفيذ مجموعة من القرارات كانت موضع تفاوض مع الشركاء الشرعيين، ولحد الآن لم تنفذ كل بنود ذلك الاتفاق.
تاريخ العلاقة بين نساء ورجال التعليم والحكومة والوزارة هو، إذن، تاريخ نقض للعهود. ألم تتعهد هذه الحكومة نفسها في برنامجها الحكومي بالزيادة في أجور نساء ورجال التعليم؟ ألم يبن الحزب الحاكم حملاته الانتخابية على استحقاق المغاربة الأحسن؟ ألم يستهدف نساء ورجال التعليم ووعدهم بزيادة 2500 درهما في أجورهم؟ قبل أن تقوم الخرجات الإعلامية لأعضائه الآن بخلط مقصود لأوراق هذه الزيادة بين فعلين مختلفين ومنفصلين، هما الزيادة في الأجور والترقيات. كيف إذن نتجرأ ونطلب من نساء ورجال التعليم الاكتفاء بالثقة والعودة إلى أقسامهم.
الثقة هي فعل يُستحق، وهي أمر يُبنى من خلال احترام الأطراف بعضها بعضا، ومن خلال احترام الالتزامات التي تنتج عن علاقات التفاوض بين الطرفين. غير هذا لا مجال لهذه الثقة، خاصة أننا ننتسب إلى ثقافة «لا يلدغ [فيها] المؤمن من جحر واحد مرتين».
أما الذين يتحدثون عن استعمال الأساتذة التلاميذ للي ذراع الوزارة، فهم يتجاهلون أن هناك فرقا كبيرا بين من دخل المعركة مُكرها ومجبرا، وهم الأساتذة، ومن بدأها وواصلها متعنتا متجبرا. وهي الوزارة. وأكثر من هذا يتجاهلون الفرق بين من يملك القدرة على إنهاء هذه المعركة ومن لا يملك سبيلا إلى ذلك.
لم يخرج نساء ورجال التعليم إلا مضطرين باحثين عن حقوق لا أحد يجادل في شرعيتها، فكيف سيعودون إلى أقسامهم وهم لم يحققوا شيئا. الحكومة وحدها، إذن، بإمكانها أن تنهي الأمر باتخاذ إجراءات مستعجلة، ومعاملة نساء ورجال التعليم بنفس الاحترام والسخاء الذي تعامل به موظفي باقي القطاعات فتستجيب لتطلعاتهم، وتفي بالالتزامات الحكومية اتجاههم، وتضع حدا للاحتقان الذي هو سيد الميدان.
وعليها أن تضع في حسبانها أن من يسعى لهزم نساء ورجال التعليم ينسى أن هزيمتهم هي هزيمة للمدرسة العمومية وهزيمة للوطن. فمهنة الأستاذ ليست هي فقط التدريس، بل هي صناعة الرجال. الرجال الذين سيحتاجهم الوطن لبناء نفسه، وللدفاع عن قضاياه، ولمواجهة مختلف التحديات التي ستعترض طريقه، ضمن هذا السياق العالمي الموسوم بالوحشية والتنافسية المدمرة. لنفترض جدلا أن الوزارة تمكنت من إدخال نساء ورجال التعليم عنوة إلى أقسامهم، فما هي النتيجة؟ ماذا تنتظر؟
لا يمكن لأحد أن يحارب بجيش مهزوم. الأستاذ المهزوم سيلقن تلاميذه درسا فظيعا عنوانه الخنوع بدل الكبرياء. لن يجرؤ أن يكلمهم عن الأمل الذي يحتاج إليه الصغار. ولا يمكن أن يقنعهم بأن وطنهم يحبهم وعليهم أن يبادلوه حبا بحب. لا يمكن أن يكلمهم عن الكرامة، إذ ستنحني عيناه خجلا عندما ستلتقي بعيونهم. لا يمكن أن يقنعهم بأن يبقوا في أوطانهم عندما يكبرون ويحصلون على الشواهد العليا، ويحصنهم ضد إغراءات من يسرقون كفاءات البلد. سيكون من الصعب عليه أن يعلمهم أن يكونوا رجالا. لن يستطيع أن يقنعهم بقيم تكافؤ الفرص والاستحقاق. لن يمكنه أن يجادلهم عندما يخبرونه أن الانتهازيين والوصوليين وحدهم في هذا البلد ينجحون، ويمكنهم أن يصيروا وزراء فاشلين، يراكمون الثروات لأنفسهم، ويصنعون الأزمات لبلدهم، وربما ظهروا في القنوات الإذاعية يوجهون الكلام إلى زملائهم الشرفاء بكل وقاحة وصلف. هزيمة الأستاذ، بالنتيجة، معناها بناء جيل خنوع، يفتقر إلى قيم المواطنة، وغير قادر بالتالي على مواجهة التحديات التي سيجد فيها المغرب نفسه بفعل تاريخه وجغرافيته.
كما أن الأساتذة، في الواقع، لا يريدون أن ينتصروا على أحد، ولا أن يهزموا أحدا، ولا يريدون أن يظهروا أنهم الأقوى. أعرف مديرا صديقا مؤمنا بالمدرسة العمومية بكى لأنه رأى خيرة تلاميذه الذين نذر عمره ووقته لبنائهم رفقة فريقه التربوي يهاجرون إلى المدارس الخاصة التي ستجني ثمار تفوقهم وتستغل نجاحهم لبيع منتوجها التعليمي. إنهم فقط يريدون استرجاع كرامتهم التي أفقدها النظام الأساسي وجودها بالقوة مؤسسا لفقدانها بالفعل.
أمر آخر ينبغي أن يفهمه المسؤولون جيدا هو أنه قد يكون بإمكانهم إدخال الأستاذ إلى القسم، ولكن ليس بإمكانهم، ولا بإمكان أي أحد غيرهم، إجباره على العمل داخله. شيء واحد يمكن أن يفعل ذلك. هو إحساس المدرس بالانتماء إلى المدرسة العمومية وانخراطه الطوعي في مشروعها. وليحدث ذلك ينبغي أن تغير الوزارة نظرتها إلى نساء ورجال التعليم، وتكف عن اعتبارهم مدانين ينبغي أن يثبتوا براءتهم (ذلك ما يظهر بشكل صارخ في بناء النظام الأساسي الجديد وفي بناء عدد من المذكرات، أشهرها مذكرة البستنة)، وتبني علاقتها بهم على الثقة، من خلال الإنصات الفعلي إلى ملاحظاتهم وآرائهم، والعمل على تحسين شروط عملهم، وإفساح المجال لمبادراتهم، وتوفير البنيات التحتية الملائمة، ومصاحبتهم بالتكوينات المستمرة المنتجة، وليس الشكلية السائدة الآن. أما النظرة الأخرى فإنها لا تنجح إلا في الإساءة إلى شرفاء المهنة والمنتسبين إليها شغفا، وتضييق الخناق عليهم، فيما ينعدم أثرها على النماذج السلبية التي توجد، للأسف، في هذا القطاع مثلما توجد في غيره. وهذا أمر يحتاج فعلا إلى علاج، ولكنه علاج ينبغي أن يتأسس على مقاربة أخرى تبدأ أساسا بمدخلات المهنة وليس بمخرجاتها.
أمر أخير لا بد منه إذا كان هناك فعلا بحث عن أجواء الانفراج، وهو ضرورة تغيير طريقة مخاطبة نساء ورجال التعليم، فمن كان عديم الشرف والمروءة، أو كان لسانه والغا في الوحل فليتم إبعاده عن منابر الخطباء التي لا ينبغي أن يعتليها إلا العقلاء؛ لأن أول ما ينبغي أن يتعلمه من يتوجه بالخطاب إلى نساء ورجال التعليم هو أن يتأدب في حضرتهم.
(أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي) 17 نونبر 2023 الجديدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.