يرى محللون أن دول الخليج الغنية بالنفط وخصوصا السعودية، تحاول من خلال دعم أسعار الخام وخفض الانتاج ألا تخسر اتفاقها في تحالف "اوبك بلاس" مع شريكها الروسي، ولكن ها تسعى أيضا للدفاع عن مصالحها. وأعلن ممثلو الدول ال13 الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وحلفاؤهم العشرة الأربعاء خلال اجتماعهم في فيينا خفضا كبيرا في حصص الانتاج بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من نونبر. وأثارت هذه الخطوة غضب الولاياتالمتحدة وأعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن "خيبة أمل من قرار "أوبك+" القصير النظر". ورد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بالإشارة إلى "الشكوك" التي تحوم حول الاقتصاد العالمي وإمكان حدوث ركود، والحاجة إلى القيام بخطوات استباقية من أجل المحافظة على "استقرار السوق". وبحسب الخبيرة في مؤسسة "إنرجي انتليجنس" المتخصصة بالطاقة أمينة بكر، فإن قرار خفض الانتاج "يمنح المجموعة مزيدا من الطاقة الاحتياطية التي يمكن استخدامها لاحقا لإعادة التوازن إلى الأسواق". وأضافت أنه منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ساعدت قرارات الكارتل النفطي في احتواء تقلبات أسعار النفط على عكس أسعار الغاز أو الفحم. رغم ارتفاع أسعار "الذهب الأسود" منذ بداية الحرب في فبراير، قاوم "الكارتل" دعوات الغرب لزيادة الانتاج، مشيرا إلى محدودية القدرات بسبب نقص الاستثمار الكافي في هذا القطاع في السنوات الأخيرة. وتنتج معظم الدول الأعضاء بالفعل أقل من الحصص المخصصة لها، وستتحمل التخفيضات المعلنة بشكل أساسي السعودية والإمارات والكويت، على أمل تعويض النقص عبر انتعاش الأسعار في الأشهر المقبلة. لكن السيطرة على كميات الانتاج تتطلب الحفاظ على الاتفاق بين الدول المنتجة الرئيسية، ولا سيما روسيا، حتى لو كان ذلك يعني تجاهل مصالح واشنطن، الشريك الرئيسي الآخر لدول الخليج قبل الانتخابات الاميركية النصفية. وقال جيم كرين من معهد بيكر في جامعة هيوستن بالولاياتالمتحدة لوكالة فرانس برس "ربما لا يدعم السعوديون الحرب في أوكرانيا، لكنهم لا يريدون أن يفقدوا التعاون الروسي في السوق". أما الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا كارين يونغ فرأت ان هدف دول الخليج هو الحفاظ على مستوى معين للأسعار وتجنب حدوث انخفاض مفاجئ فيها. وقد عانت اقتصادات مجلس التعاون الخليجي جراء انهيار الأسعار خلال مرحلة تفشي وباء كوفيد-19، علما أن الأسعار شهدت انخفاضا كبيرا قبل ذلك منذ 2014. ومن المتوقع أن تحقق اقتصادات هذه الدول نموا بنسبة 6,9 بالمئة هذا العام، و3,7 بالمئة في عام 2023، وفق أحدث توقعات البنك الدولي. تشكل الإيرادات الإضافية التي يمكن أن تتجاوز ألف مليار دولار بحلول عام 2026 وفقا لصندوق النقد الدولي، وسيلة لقادة المنطقة للاستعداد للمستقبل. وشرحت يونغ ان "عمان بصدد شراء جزء من ديونها (…) والسعودية تكدس احتياطيات لدعم مشاريعها التنموية والإمارات تبني مدخرات للاستثمار في الخارج وفي أصول استراتيجية في المنطقة". ووفقا لوكالة بلومبرغ المالية، ضخ صندوق الاستثمارات العامة السعودي سبعة مليارات دولار في سوق الأسهم في النصف الثاني من العام الحالي، وحاز أسهما في شركات أميركية رائدة مثل أمازون وبلاك روك. وترى الدول المنتجة للنفط، التي تعتقد أنه جرى تجاهلها في السنوات الأخيرة على خلفية المعركة ضد التغير المناخي، أن أزمة الطاقة فرصة غير متوقعة لإعادة قطاع الهيدروكربونات إلى مجده السابق. ففي الشهر الماضي، دعا رئيس شركة أرامكو السعودية العملاقة أمين الناصر إلى زيادة الاستثمار العالمي في الوقود الأحفوري، منتقدا خطط تحول الطاقة "غير الواقعية". غير أنه على المدى الطويل، لا مصلحة لدول الخليج في الدفاع عن أسعار مرتفعة للغاية حتى لا تدفع الدول الأخرى نحو تسريع تبني الطاقات البديلة، وهو بحسب جيم كرين "سيناريو مخيف" خصوصا بالنسبة الى السعودية التي "يمكن أن تنتج (النفط) لمدة 75 عاما" بالمعدل الحالي.