عبيد أعبيد/ حميد المهدوي دخلت مصر، من جديد، في ثورة ثانية، وهذه المرة، لإسقاط الرئيس "الإخواني" محمد مرسي، بعد ثورة ال25 من يناير التي أسقطت الرئيس حسني مبارك. واليوم تعيش بلاد النيل على صفيح ساخن، بعد مقتل 8 أشخاص وجرح العشرات على خلفية هذه التطورات المصرية، قبل أن يصدر الجيش، دون الرجوع للرئيس مرسي، بيانا أمهل فيه القوى السياسية مدة 48 ساعة لإيجاد حل للأزمة، وهو البيان الذي رأى فيه أنصار الرئيس المصري انقلابا على الشرعية، ما دفع الرئاسة المصرية للرد عليه ببيان شديد اللهجة، صباح يوم الثلاثاء 2يوليوز الجاري. ويتابع الشارع المغربي، ومعه الطبقة السياسية المغربية بكثير من القلق ما يجري في مصر، ويتساءل البعض منهم: أي تداعيات لما يجري في أرض الكنانة على المغرب؟ فيما آخرون يتساءلون هل دقت ساعة نهاية التجربة الإسلامية في الحكم؟ في هذه المادة الإخبارية التحليلية يحاول فاعلون سياسيون مغاربة عبر موقع "لكم. كوم" الإجابة عن هاذين السؤالين وعن تقييمهما لما يجري بأرض النيل. ماذا يجري في مصر؟ بالنسبة للسلفي، القيادي بحزب "النهضة والفضيلة" عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص)، فإن ما يجري في مصر هو أمر طبيعي لتجربة أولى في الحكم، تخوضها جماعة الإخوان المسلمين بمصر، ما جعلها ترتكب "الأخطاء"، مستدركا في تصريحه لموقع "لكم.كوم" :" لكن أعداء المشروع الإخواني خاصة والاسلامي عامة تصيدوا هذه الأخطاء وشحنوا الجماهير ضد مرسي ومن معه في تحالف يجمع خليط غير متجانس من المتذمرين من الوضع وفلول النظام السابق ". إلياس العمري، وهو أحد أبرز قياديي حزب "الأصالة والمعاصرة"، هذا الأخير المعروف بخصومته الشديدة لمشروع الإسلاميين، يعتبر ما يجري في مصر تطور موضوعي لصيرورة الثورة، فالقوى الحداثية في مصر، يوضح الياس، مستمرة في ثورتها وهي "ترفض أن تقف عند حدود رحيل مبارك، مواصلة ثورتها حتى إسقاط أركان النظام الشمولي المجسدة في حركة الإخوان المسلمين تحت الرعاية الأمريكية". ولا يتفق العمري مع من يعتبرون مرسي أخطأ التقدير أو أنه لم يتفاعل مع مطالب الشارع، مؤكدا على أن مرسي لا يمكنه أن يجيب على كل المطالب، لأن مشروع مرسي هو مشروع المرشد العام للإخوان المسلمين، كما الغنوشي يطبق في تونس مشروع المرشد نفسه. أما نبيلة منيب، الأمينة العامة ل"لحزب الإشتراكي الموحد" فترى ما يجري في مصر تطورا طبيعيا للديمقراطية التي ترفض أن ترتهن لخصوصيات، فالمشكل، توضح منيب، أن البعض يعتبر "أن الديمقراطية هي فقط صناديق الإنتخابات وهذا خطأ فادح، إنهم ينسون أن الأساسي هو تجسيد الإرادة الشعبية وتنفيذ مطالبها". في حين يعتبر قيادي جماعة "العدل والإحسان" عمر أحرشان ما يجري في مصر نتيجة طبيعية لعوامل متعددة ومتداخلة منها مخلفات عقود من "الفساد والاستبداد، ومقاومة لفلول النظام السابق الذين ما زالوا يتحكمون في مفاصل مهمة من السلطة أو ما يسمى بالدولة العميقة ومسلحين بوسائل تأثير كثيرة منها الثروة والإعلام والعلاقات، وتكالب قوى إقليمية ودولية كثيرة كل همها إفشال صحوة الشعوب التي بدأت منذ 2011، وعدم نضج كل مكونات الساحة المصرية التي عجزت عن الوصول إلى صيغ توافقية لتدبير المرحلة والتأسيس لعهد جديد، وأخطاء تدبيرية كثيرة لمن يقود التجربة الحالية، وخاصة الإخوان المسلمون". ثم يمضي نفس المتحدث في تحليله:" ما يجري الآن هو السمة الغالبة لمجتمعات في طور الانتقال الديمقراطي والخارجة من خيار ثوري إلى عهد مخالف لأن نجاح هذا المسلسل يتطلب، إضافة إلى تغيير الأشخاص والمؤسسات، تغيير الثقافة السياسية للنخب والمجتمع. وهذا هو الرهان الذي فشل فيه لحد الساعة الجميع". لكن هل فعلا ما يذهب إليه أحرشان بأن ما يجري في مصر اليوم هو فقط صنيعة لفلول النظام السابق؟ فيرد عضو المكتب السياسي لحزب "الإتحاد الإشتراكي" عبد الحميد جماهيري، في مقاله الأخير الصادر في جريدة حزبه يوم الثلاثاء 2يوليوز، وكأن هذا السؤالوجه إليه، قائلا: إذا كان النظام السابق قادرا على تعبئة كل الملايين التي نزلت في الميدان وفي الإسكندرية والمحلة والإتحادية فلماذا سقط ؟ قبل أن يسترجع جماهيري، في نفس المقال، شريط الأحداث خلال ثورة 25 يناير من سنة 2011 ليؤكد على أن الإخوان ترددوا فجر الثورة "التي سموها لعب عيال في البداية". هل فشلت تجربة حكم الإخوان في مصر ؟ مباشرة بعد خروج الملايين إلى ساحة التحرير بالقاهرة، سارعت عدد من سائل الإعلام الورقية والإلكترونية إلى نشر صور كبيرة للتظاهرة تعلوها عناوين تتحدث عن نهاية المشروع الإسلامي، فهل حقا دقت ساعة رحيل المشروع الأخضر كما يسميه البعض؟ أبو حفص ل"لكم.كوم"، يستبعد هذا الأمر و يعتقد بأن المشروع الإسلامي لم "يفشل"، معتبرا أن ما يقع اليوم هو "أمر طبيعي بعد أي ثورة من الثورات". وفي ذات السياق، يشير القيادي في جماعة العدل والإحسان، عمر أحرشان، بأن الوقت ما يزال مبكرا للحكم على فشل الإخوان في مصر من عدمه، داعيا بأن يستوعب الجميع بأنه لا يمكن طبع مرحلة إنتقالية أو تأسيسية ب"بصمة فصيل سياسي" معين، مؤكدا بأنه "خطأ كبير" يرتكبه الإخوان وغيرهم، داعيا إلى "التوافق والبحث عن المشترك" . غير أن القيادي البارز في حزب الأًصالة والمعاصرة (معارضة)، إلياس العمري، إستبعد بشدة وجود ربيع عربي بالمفهوم الإسلاماوي، بقدر ما كانت هناك -يضيف العمري- صرخات ضد الظلم والاستبداد وتحولت إلى انفجارات شعبية تبحث عن مضمونها الفكري والسياسي، قبل أن "يسرق الإخوان في مصر ذلك المضمون الشعبي" . من جهته، يرى القيادي وعضو المكتب السياسي لحزب الإتحاد الإشتراكي (معارضة)، عبد الحميد جماهري، في نفس المقال المشار إليه أعلاه إلى أن أنصار مرسي فشلوا في امتحان آخر أكثر تعقيدا وخطورة، وهو التخويف بإسم الدين، مشيرا إلى أن سنة واحدة من حكم مرسي كانت كافية بأن تنتفض مصر إنتفاضة غير مسبوقة ضد حكم الإخوان، وينزل ملايين المصريين والمصريات للميادين، بقوة غير مسبوقة لإعلان رفض التحالف الإخواني الحاكم . بالمقابل، شددت افتتاحية صحيفة "التجديد"ن والتي كتبها القيادي وعضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية – القائد للحكومة المغربية- بلال التليدي، على دحض "أطروحة الفشل" لتجربة الحكم لدى الإسلاميين، التي ذهب إليها القيادي الإتحادي، مشيرا إلى "أن خطأ مثل هذه الأطروحات..أنها لا تأخذ بعين الإعتبار سيناريوهات ما بعد "الفشل" وهل سيكون بالإمكان إستعادة وضع ما قبل الربيع العربي، أم أن محددات ما بعد "فشل الإسلاميين" ستكون عصية عن الفهم، فبالأحرى إنتاج شروط للتعاطي معها". هل تنتقل "العدوى" للمغرب ؟ لم يستبعد القيادي السلفي بحزب النهضة والفضيلة، عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص)، إحتمال انتقال "العدى" للمغرب، معتبرا بأن الوضع المتطور في مصر ستكون له تداعيات على المغرب، بحكم أن الحراك الذي عرفه المغرب كان متأثرا بما وقع في مصر"، مشيرا إلى أن فشل تجربة الإخوان بمصر سيكون لها تأثير سلبي على مسار الإصلاح والتغيير في المغرب". عمر أحرشان، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، هو الأخر يرجح وجود إنعكاس سلبي لما يجري بمصر على المغرب، بسبب وزن الدولة المصرية والدور الإقليمي الذي تلعبه، مشيرا إلى أن ما يؤكدونه في جماعة "العدل والإحسان" هو أن هذا التأثير السلبي من شأنه أن يتحول إلى "إنعكاسات إيجابية" إن استفاد المغرب من الدرس المصري وقام بتحصيل "توافقات كبرى" تمكن من زرع الثقة وتحديد المشترك وصياغة الاتفاقات الكبرى، التي تنظم الاختلاف وتحترم تنوع المجتمع وإرادة الشعب وتستوعب ثقل الإرث الاستبدادي . وحول تأثير ما يجري في مصر على المغرب، قال القيادي في حزب "الأصالة والمعاصرة"، إلياس العمري إن ما يجري في مصر ستكون له انعكاسات على مشروع الحركات الدينية الجديدة في المغرب، بحكم الارتباطات الفكرية والإيديولوجية. ويعزو العمري قناعته إلى كون تجربة الإخوان المسلمين في المغرب بمختلف تعبيراتها السياسية والدعوية الجهادية لها علاقة تبعية بحركة الإخوان المسلمين عمليا وبالمشروع الوهابي بشكل عام ستتأثر طبعا. وحول السؤال ذاته، تؤكد الأمينة العامة ل"حزب الإشتراكي الموحد"، أمينة منيب، بأن ما يجري في مصر له تأثيرات وتداعيات على أوضاعنا بالمغرب، مشيرة إلى كون مشكل الإخوان المسلمين، أنهم لم يستوعبوا الفكر السياسي في تدبير حياة المجتمع، ولم يستوعبوا مفهوم السيادة الشعبية والديمقراطية المرتبطة أساسا بمفهوم المواطنة. تضيف منيب، بأن الإخوان "أسرى مفهوم العشيرة والجمعة ولم ينتقلوا بعد لإدراك مفهوم المواطنة". ربيع حقيقي أم ردة نحو المجهول؟ وبصرف النظر عن كل ما سبق ذكره، فإن المؤكد أن مصر دخلت فصلا سياسيا جديدا، بالضرورة ستكون له تداعيات على المنطقة العربية عامة، ولعل السؤال المؤرق الآن هو: هل ستفتح هذه التطورات الجديدة في مصر المنطقة على فصل ربيع حقيقي بعد أن تحدثث مصادر عدة على أن كل ما جرى لحد الساعة مجرد خريف، أم أن التطورات الأخيرة في مصر ستدق آخر اسفين في نعش ما تسمى ب"الأمة العربية والإسلامية"؟