لم يكن من المتوقع أو في الحسبان أن يندحر حزب العدالة والتنمية لأسفل سافلين انتخابيا ومؤسساتيا على المستويين الوطني والمحلي، بل لم تكن انتخابات 2021 رحيمة بهذا الحزب الذي أتى محمولا على أنقاض الحراك الشعبي الذي عرفة المغرب أواخر سنة 2010. إن الحصول على 12 مقعدا- وهو سقف لا يسمح بتشكيل فريق نيابي داخل البرلمان- قد لا يسعف الإسلاميين إلا في الاحتجاج داخل قبة البرلمان لأجل توقيف الجلسات بغية أداء صلاة العصر. هي سخرية القدر أن يعود إلى نقطة الصفر وعصر البدايات الأولى التي كان الحزب يشق فيها طريقه للبحث عن الشرعية لا غير، وكأن عقارب الساعة عادت إلى الوراء بسرعة لا متناهية وفي غفلة من الجميع. عدة تساؤلات وعلامات استفهام كبرى لا يمكن القفز عليها بخصوص هذه الانتكاسة المدوية لهذا الحزب الإسلامي، لاسيما وأن عشر سنوات من تصدر المشهد السياسي لا يمكن أن تبرر بأي حال من الأحوال هذه النتائج التي تقترب من حيث التوصيف إلى " أفول" أو"نهاية تجربة" الإسلاميين المشاركين في اللعبة السياسية في المغرب بطريقة دراماتيكية. إن محاولة فهم وتحليل النتائج المفاجئة التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية خلال هذه الانتخابات، يتطلب استحضار بعض العوامل الداخلية والخارجية، بالإضافة للجوانب المرتبطة بسوسيولوجيا الانتخابات، وما يتعلق بها من دور الوعي الجمعي في تشكيل القناعات والاختيارات. ويمكن إجمال مسببات وعوامل هذا السقوط المدوي للإسلاميين فيما يلي : أولا، عدم تصويت أنصار ومنتسبي الحزب الإسلامي، في إشارة واضحة أن الحزب الإسلامي خسر كذلك كتلته الناخبة (التي تقارب المليون وتماني مائة صوت)، ولم يستطع أن يحصل على الأصوات المرتبطة بشبكته العلائقية والزبونية التي استطاع أن يشكلها طيلة العقدين الماضيين، بالإضافة ربما لمقاطعة جزء مهم من العدل والإحسان وعدم تصويتهم لصالحه. ثانيا، حياد أو فشل حركة الاصلاح والتوحيد في حشد الدعم والتعبئة للحزب خلال هذه الانتخابات، إذ تعتبر الحركة الجناح الدعوي والدينامو الذي يعتمده الحزب في الاستحقاقات الانتخابية'، وهو ما يفسر هزيمة الحزب في بعض الدوائر والمدن التي تمتلك فيها الحركة قواعد انتخابية قارة وقوية. ويمكن تفسير فشل الحركة في حشد الدعم أو حيادها، بالتوقيع على التطبيع مع إسرائيل. حيث تعتبر هذه الحركة دعوية وترتكز في اشتغالها على الدعائم العقائدية والمذهبية في الاستقطاب والتوسع. ثالثا، السياسات والاختيارات اللاشعبية التي أنتجها الحزب الإسلام منذ ترأسه الحكومة، حيث غدت الوعود والبرامج الانتخابية وحتى الجوانب القيمية مجرد شعارات سقطت سهوا، وبدا الحزب الإسلامي خلال العشرة سنوات الماضية منتشيا بالصدارة وعينه على دفة التسيير وما تتيحه من امتيازات رمزية ومادية، كما أبان بطريقة لم تكن محسوبة عن استعداده إلى أبعد الحدود إلى تبني التوجهات الليبرالية في شقيه الاقتصادي الرأسمالي الذي لم يكن أي حزب قادرا على اعتماده أو على الأقل تبريره والدفاع عنه. الامر الذي أثقل كاهل الطبقة الوسطى التي تشكل قطب الرحى في المعادلة الانتخابية، وهو ما جعلها ربما تصوت بطريقة انتقامية أو على الأقل جزء منها فضل عدم التصويت. رابعا، الضعف التواصلي خلال الحملة الانتخابية، حيث ظهر جليا أن رئيس الحزب سعد الدين العثماني يفتقر إلى المقومات والأدوات التواصلية وفن الخطابة، مقارنة مع قدرة بنكيران وخطابه الشعبوي على التعبئة والحشد وتبرير السياسات والاختيارات. حيث استطاع الحزب في عهد بنكيران أن يتصدر المشهد انطلاقا من اعتماد خطاب يرتكز على المظلومية والشعبوية. هذا، بالإضافة، إلى الضعف المسجل على المستوى الرقمي والإعلامي بخلاف باقي المنافسين. خامسا، السياق الإقليمي والدولي، إذ من خلال استحضار التجارب التي مرت بها بعض الدول التي عرفت مشاركة وصعود الإسلاميين خلال الحراك الشعبي الذي شهدته الرقعة العربية أواخر سنة 2010، يلاحظ أنها أفضت إلى تراجع شعبيىة هذه التيارات، لاسيما وأن الخطاب الأخلاقي/القيمي/الطوباوي التي كانت ترفعه في البدايات، فقد بريقه واصطدم مع اكراهات الواقع والتدبير اليومي، خاصة وأن الجماهير لها انتظارات اجتماعية واقتصادية وحقوقية أبعد ما تكون لما هو أخلاقي أو هوياتي. وانطلاقا من هذه المعطيات، وبالنظر إلى بروفيلات النخب الإسلامية والصعود السريع وفي ظل الصعوبات الموجودة، لم تستطع هذه التيارات أن تتكيف مع الواقع وأن تبحث عن أجوبة عملية للمشاكل اليومية للمواطنين، بل راهنت بطريقة عاطفية على شعار نظافة اليد، وتعايشت مع الفساد بدعوى البراغماتية والواقعية.