تحل اليوم السبت، الذكرى العاشرة لانطلاق حركة 20 فبراير، التي نادت بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وطالبت بإسقاط الفساد والاستبداد، في سياق تشير فيه الجمعيات الحقوقية إلى وجود تراجعات عن المكتسبات التي حققتها الحركة إبان انطلاقها سنة 2011. ويؤكد نشطاء الحركة أن المطالب التي نادوا بها، لم تتحقق على مدى عقد من الزمن، وهو ما تعكسه الاحتجاجات التي يشهدها المغرب، والتي تأججت أكثر في الآونة الأخيرة، في سياق يعرف التفافا على المكتسبات التي حققتها. مطالب لم تتحقق اعتبرت سارة سوجار الناشطة بحركة 20 فبراير أن مطالب الحركة لم تتحقق، وهو ما تدل عليه مؤشرات المغرب على مستوى التنمية البشرية والاقتصاد والديمقراطية والحريات، إذ لا نزال في مراتب متأخرة، وهو ما تؤكده التقارير الرسمية وخطابات أعلى سلطة في البلاد. وأضافت سوجار في تصريح لموقع "لكم" أن ثاني مؤشر على عدم تحقق المطالب هو استمرار الاحتجاجات على الأوضاع القائمة، خصوصا المرتبطة بالفقر والجوع والبطالة والتفاوتات المجالية والاجتماعية، وهي الاحتجاجات التي تطالب بنفس ما طالبت به الحركة قبل 10 سنوات. وأكدت أنه وبعد عقد من الزمن لم نحقق ما خرج من أجله المغاربة، ورغم ترويج مجموعة من الشعارات بكون المغرب خطى خطوات كبيرة، إلا أن الواقع بمؤشراته العلمية والتقارير الرسمية يظهر العكس. ومن معيقات تحقق هذه المطالب، غياب فاعل سياسي حقيقي قادر على أن يعبر عن مطالب الاحتجاجات ويفاوض من أجلها، على مدى هذه السنوات، وتحويلها إلى عرض سياسي متكامل يقنع به المواطنين والمواطنات. غياب الضمانات من جهته، أشار الناشط خالد البكاري إلى أن "المكتسبات السياسية" التي حققتها الحركة خلال الأشهر الأولى من انطلاقها تميزت بعدم وجود ضمانات تمنع التراجع عنها. وأشار البكاري في تصريح لموقع "لكم" أن غياب الضمانات يعد سمة من سمات علاقة الدولة بمعارضتها، حيث إنه وفي فترات تاريخية متعددة، كانت الدولة تقدم تنازلات لصالح المعارضة، ولكن لعدم وجود ضمانات حقيقية كانت تتراجع عنها، وبالتالي ما وقع بعد 20 فبراير أن الدستور أصبح مجرد وثيقة استئناس، ولم يعد التجاوز يطال روحه بل حتى نصوصه. لكن الحركة، حسب البكاري، استطاعت في أشهر قليلة تحقيق بعض الأمور التي لم نكن نعتقد إمكانية تحققها قبل انطلاقها، ومنها التعديلات الدستورية، والانتخابات السابقة لأوانها، والتي تميزت بأنها كانت أكثر نزاهة من حيث احترام مخرجات الصناديق، ثم إنها حملت لأول مرة الإسلاميين للحكومة الذين كان هناك فيتو على وصولهم، بل وكان يتم تقزيم ترشيحاتهم. كما أن وصول الإسلاميين إبان الحركة أسقط مخطط محاكاة النموذج التونسي، بوصول حزب الدولة الأصالة والمعاصرة إلى الحكومة، لكن الإسلاميين وعوض أن يعملوا من داخل موقعهم الجديد على توسيع هوامش الديمقراطية، انحازوا لصف السلطوية وأصبح همهم الحصول على ثقة النظام، لنعود الآن بعد 10 سنوات لمرحلة أسوأ من المرحلة التي كانت قبل انطلاق 20 فبراير. مقاربة أمنية وإذا كانت الاحتجاجات مستمرة على مدى هذا العقد من الزمن، إلا أن ما ميز تعامل الدولة معها، حسب سوجار، هو التصدي لها بلغة قمعية كانت فيها اعتقالات وقمع وتضييق وحصار، وهو تفاعل سلبي للدولة غلبت عليه المقاربة الأمنية بدل تقديم أجوبة سياسية وتنموية. وهذه المقاربة الأمنية، أكد عليها خالد البكاري، الذي أشار إلى أمننة الدولة لكل الفضاءات، بما فيها القضاء والحقل السياسي والإعلام، وقد تم استغلال الحرب على الإرهاب وعلى كورونا للمزيد من تثبيت هذا المنحى الأمني. ولفت البكاري إلى ضعف الأحزاب السياسية، خصوصا المعارضة، ما يجعل الحقل المضاد للسلطوية ضعيفا، وليس له أي تجذر، ما يجعل كل الاحتجاجات محدودة في الزمان وفي المكان، لعدم وجود تعبير سياسي يمكن أن يرافع من أجلها ويتفاوض، وبالتالي فميزان القوى مختل لصالح السلطوية. سياق معاكس وأشار كل من سوجار والبكاري إلى السياق الدولي المعاكس لتحقق المطالب التي نادت بها حركة 20 فبراير، فهو سياق يحتكم لأجندة أمنية، وحتى في الدول التي تسمي نفسها ديمقراطية هناك عنف في التعامل مع المحتجين، وهناك لغة أمنية، ما أدى إلى تراجع أجندة حقوق الإنسان. فورقة حقوق الإنسان لم تتعد تستعملها القوى الكبرى، والخروقات الكبيرة في نظام السيسي الذي يتم استقباله في كبريات العواصم الدولية دليل على ذلك، فضلا عن الثورات المضادة، والتدخلات الخارجية، ما جعل المطلب الأساسي للمواطنين اليوم هو الاستقرار وليس الحرية. وعلى المستوى الداخلي أشارت سوجار إلى "أننا لم نستطع توفير شروط لإنتاج جبهة حقيقية تضم مختلف الفاعلين يلتقون على مطلب مشترك، هو الديمقراطية والحريات والحقوق، لنجابه الطرف الآخر وتكون نوع من التوازنات وفرض ميزان قوى جديد لصالح التغيير والديمقراطية". مستقبل غامض وبخصوص المستقبل، أشارت سوجار إلى أن ديناية الاحتجاجات مستمرة، وتعبر عن الرفض بتعابير مختلفة تقليدية وحديثة، وهي التعبيرات التي قد تتطور لشكل آخر أكثر تجميعا، كما يمكن أن تستمر بهذا الشكل وتضغط أكثر، ولا أحد اليوم يمكنه أن يتوقع تطورها. واعتبرت أن المرحلة المقبلة هي مرحلة جد حساسة للخروج من عنق الزجاجة الذي دخلنا فيه، وأعطانا صورة القمع مقابل الاحتجاج، من أجل تجاوب ديمقراطي ولغة الحوار والإنصات والاستجابة، ونحن على مقربة من الانتخابات، فإذا لم يتم بناء الثقة فإن المؤشرات الحالية تبين أن المغاربة لن يصوت أغلبهم، لعدم وجود الثقة في المؤسسات وفي الفاعل السياسي. وأكدت أن اللحظة المقبلة فرصة حقيقية لبناء أرضيات للحوار وعروض سياسية حقيقية لنقنع المواطن وللاستجابة لمطالب الديناميات الاحتجاجية. ومن جهته، سجل البكاري أنه لا يمكن حاليا أن نتوقع عودة حركة 20 فبراير أو شبيهة لها، لأن سياق الحركة كان مرتبطا بتلك المرحلة، واليوم المرحلة مختلفة، لم يعد هناك طلب على السياسة بقدر ما هناك طلب على الحقوق الاجتماعية بالدرجة الأولى، وبالتالي سنشهد موجة احتجاجات ذات طبيعة اجتماعية ومجالية، لا يمكن التكهن بمدى تطورها، فهذا التطور مرتبط بكيفية رد الدولة، وهل ستنحاز للمقاربة الأمنية أو ستقتنع أن توسيع فضاء الحقوق والحريات يمكن أن يستوعب هذه الاحتجاجات. لكن الواضح، حسب البكاري، أن الأمور لا يمكن أن تبقى في هذا الوضع الحالي، معبرا عن أمله في أن تكون للدولة رؤية استباقية، وأن تزيل عنها النظارات الأمنية وتفهم أن ما يقع في الجوار وفي العالم يجعل من الاستمرار في منحى مواجهة المطالب بالمقاربة الأمنية منحى لن يصب في نهاية الأمر في مصلحتها.