شهدت نهاية الأسبوع الماضي ثلاث وقفات احتجاجية في أكادير والدار البيضاء والرباط تضامنًا مع فتاتين في انزكان تابعهما نائب وكيل الملك بتهمة "الإخلال بالحياء العام"، وذلك بسبب "ارتدائهما لباسًا قصيرًا" حسب ما ردّده الحقوقيون الذين تعاطفوا معهما. الوقفات طالبت بعدم تجريم ارتداء الفساتين والتنانير القصيرة، وبضمان حريّة المرأة في ارتداء ما تشاء من لباس، وباحترام الحريات الفردية. وإن كانت مواقع التواصل الاجتماعي قد شهدت الكثير من النقاشات التي تصبّ في تجاه تدعيم هذه المطالب، فإن هناك آراء أخرى اعتبرت أن موضوع التضامن أخذ أكبر من حجمه، وأن هناك قضايا أخرى أكثر إلحاحًا من رفع شعار "الصاية ماشي جريمة"، بما أن المغرب، حسب هذه الآراء، تنتظره رهانات أكبر من حصر النقاش المجتمعي في الأزياء. حسن بناجح، القيادي بجماعة العدل والإحسان، أشار في منشور له على صفحته بفيسبوك إلى وجود صمت أمام "قمع حرية التجمع والرأي واستهداف عدد من الصحف والصحافيين"، في مقابل متابعة "الأمور الفارغة والنفخ في نار فتنة كامنة تحت الرماد". وأضاف بنجاح في تصريحات لهسبريس أننا نحتاج في الوقت الحالي إلى أن "ينشغل المجتمع وقواته الحية الواعية بطبيعة الصراع الحقيقي وبطبيعة أولويات كل مرحلة، وأن ينشغل الجميع بالعمل من أجل دولة تتوفر فيها أركان ومقومات دولة الحق والقانون"، مشيرًا إلى أن النقاش حول هذه القضايا يبقى أمرًا عاديًا، إلّا أنه يجب استحضار، عند المطالبة بالحريات الفردية، أن هناك كذلك حريات المجتمع، وأن هناك قوانين تميّز بين الفضاءين الخاص والعام. وزاد بناجح: "إذا عدنا إلى عام 2011، فسنجد أن الكثير من النشطاء رفعوا شعار إسقاط الفساد والاستبداد، وطالبوا ببناء دولة يسود فيها الإنصاف وربط المسؤولية بالمحاسبة. دولة بهذه المقاييس وهذه المواصفات تضمن تعايش الجميع، وتتيح إيجاد منظومة قانونية تحمي حريات المجتمع وأفراده، إلّا أنه، وما دمنا في طريق البحث عن هذه الدولة، فالأجدى عدم فتح نقاشات أخرى أقلّ إلحاحية". ولم يستبعد بناجح أن يشير إلى إمكانية "فتح هذه النقاشات من جهات مخزنية لإلهاء الشعب عن قضاياه، وذلك عبر قوله: " من أثار هذه القضية في الأصل؟ أليست السلطة هي من اعتقلت الفتاتين ووجهت لهما تهمة الإخلال بالحياء العام؟ أليست هي السلطة نفسها التي نادت على جينفير لوبيز وهي السلطة التي تحرس أوكار الفساد؟ إزدواجية السلطة واضحة ومقصودة لمزيد من حشد الانتباه". في الجانب الآخر، دافعت سارة سوجار، إحدى الداعيات إلى الوقفة بالدار البيضاء، عن شعار "الصاية ليست جريمة"، مبرزة أن من دعوا إلى الاحتجاج لأجل احترام حرية النساء في ارتداء ملابسهن، سبق لهم أن كانوا في قلب الدفاع عن خفض الأسعار والتنديد بالاعتقال السياسي واحترام الحريات الأساسية، وأن منهم من دفع الضريبة غالية لأجل تحقيق هذه المطالب الآنية. وزادت سوجار في تصريحات لهسبريس أن الاحتجاجات المذكورة لم تكن لأجل حرية اللباس فقط، بل كانت بمنزلة "رفع الشارة الحمراء في وجه العنف اليومي الذي تعيشه النساء بسبب عقليات تختزل كينونة النساء في جسد يفتن العقول الضعيفة"، لافتة إلى أن هذه العقليات تعدّ "أرضًا خصبة لنمو التطرّف والارهاب والعنف خصوصًا إن كانت تدعمها قوانين تمييزية وأحكام قضائية جائرة". وتابعت سوجار: "المتابعة القضائية في حق الفتاتين تُشرعن تدخل البعض في حرية النساء لذلك كانت الصاية رمزًا لنقول إن قضية الحرية مقدسة لا تنازل فيها وإن النضال من أجل الحقوق كل لا يتجزأ. قضية المرأة هي قضية مجتمعية ترتبط ببناء الديمقراطية وتحقيق الحرية ولا يجب استصغارها أو السخرية منها، لأنها المحدد في صنع التغيير الذي يحقق العدالة الاجتماعية والمساواة". وعن إمكانية اختلاق أو تشجيع جهات سلطوية لهذا النقاش لأجل إلهاء الشعب عن قضايا أخرى، قالت سوجار: "في كل معركة، لا بد من تدخل المخزن لأنه الجهاز الذي نواجهه، لكن في النهاية، نحن من يجب أن يحافظ على منحى الصراع، من خلال تحديد مشروعية المطالب، خاصة إن استحضرنا أن مطلب الحريات الفردية ليس هامشيًا أبدًا".