إذا استأسد الجمل على الحمل، وطارد القط الفأر، ونبحت الكلاب، ونعق الغراب، ونهق الحمار، وصرخ البراح، وذبل النبات، وشح الماء، وتهافت النمل على القصعة، وسكنت الأكواخ، وجعل من المراحيض منازل، ووضع الشريف، وعلا شأن العريف، وتطاول القاصي على الداني، واستؤصل المعارض، ثم استأسد السفهاء، وتم البيع بالرخيص، والشراء بالزهيد، وتلوث الماء، وقطع الكهرباء وفاض الوادي، فصرخوا أن هبوا لنجدة الأهالي، فقد انفجرت القنوات، وهدمت البيوت، وركب الناس الفلك في الشوارع، وانجرفت الأراضي، أن الحقوا بالمحاصيل، وآنهارت المباني فوق رؤوس المواطنين و أسقف المساجد فوق رؤوس المصلين ، لأن خطط التعمير فشلت، ، ولأن المساجد دولت وأممت، والأوقاف حبست فانحبست، والميزانيات آستنفذت، والمخازن أفرغت، والأموال العامة هربت، في بنوك سويسرا كدست! وإذا سخطت النفوس، وذاقت الأرض بما رحبت، وتبرمت الوجوه، وتهجمت الملامح، ونفرت الطبائع، وآثاقلت الأرواح إلى الأرض، وآمتدت الأيادي، وآرتفعت الأسعار، وفاحت الروائح، وكثرت العطالة، وتناسلت الأرحام، وآختنقت الشقق وأسطح العمارات، لأن السكان سكنوا تحت الأدراج، بينما تبنى بأموالهم زينة الأبراج ! و تغافل الناس عن رب الأرباب بسبب آحتكار الخبز من طرف الأرباب، ثم هشمت الرؤوس، وكسرت العظام، وأطعم الفقراء القطمير، وأووا بالقصدير، وأشربوا المرارة شرب الهيم، وألقمو الخوف على الريق؛ وإذا آرتعش الفؤاد، وتلعثم اللسان، ولان الجانب، وخفض الجناح للبعوض، وتوالدت الأدواء، فقل الدواء، ووخز الجراح، وأجهض الطبيب، وترك الطريح حتى يأتي "البقشيش"، وإلا فالمصير ما بعد الكورنيش! وإذا رأيت الفيل يدوس على النمل، ورأيت الأسود تكبرت على البرايا، فأعلم أنك تحت عرش الغاب ! وإذا تكشرت الأسنان، وآفترست الأجساد، ونهشت اللحوم، وهي في القبور، وتعددت الأفهام، وقلت الأعلام، ورفعت الأقزام، ونكست الأقلام، ذلك لأن البطانة على العروش، للحرير توسدت فوق الفروش، وملئت "الكروش"، قد حصلت "القروش"، في رمشة عين قررت، أن أطلقوا الوحوش لتفترس النفوس في النعوش ! وإذا رأيت القطار قد انقلب، والمطار اضطرب، والطريق تعب، فأعلم أن القانون سحب، والصندوق سلب والمسؤول كذب ! ثم رأيت الشوارع أنشأت، والأرصفة نقيت، والأزقة سودت، والجدران صبغت، والحانات أغلقت،فآعلم أن الموازين والنموزين قد مرت ! وأما المعامل فللسموم أفرزت ونفثت ثم لوثت. وأن الموانئ استوردت أكثر مما صدرت، والقوارب للأدمغة والبشر أغرقت والشوطىء لهم تقيئت ورمت...! فأعلم أن الدولة قد حزمت، والوزارة رخصت، والمندوبيات أمضت، والبرلمانات مررت، والبلديات بلعت... ! وكل ذلك لأن الشيوخ صبروا، والقواد نصروا، والبشاوات سهروا، والعمال والولاة، وما فوقهم للرعية قد راودوا! هو إذن حق ظاهر وقانون صارم ودستور باهر ! تلك إذن ديمقراطية أزلفت، وحداثة لبست، ومخزنية تطورت وتبدلت، ودبلوماسية فاشلة في الملفات أنهكت، وخارجية في الرحلات والجولات مسكينة قد تعبت وملت، وسفارات بضجيج الوفود صخبت، وقنصليات لجوازت الجالية راقبت، وأن الكفاءات والأطر استنفرت، فهجرت! ثم آعلم أن هناك مثقفين لكل ذلك في أبراجهم العاجية نظروا، وعبر الأبواق عن ذلك عبروا، وأن فنانين أبدعوا، وعدائين هرولوا، ولأنفاسهم كتموا، وأن مذيعين صرخوا بحناجرهم حتى بحوا، وأن صحفيين بأقلامهم لأعاجيب حرروا وظللوا، وأن المراسلين من الأقاصي للتهميش والحرمان والفساد....قد نقلوا! هي إذن جيوش في قواعدها على آستعداد قد تدربت، ودرك وشرطة بلا قانون ارتشت فرشيت، و للأصوات قمعت، وجمارك ما بين هربت وحجزت، ومخابرات آحتوشت وآحتوت، ثم آستحوذت... ! ولا تنسى المنتدبين والمستشارين ولا تلهى عن النائبين، فإنهم من المجالس العليا، نهلوا ومن حكومة الظل الظليل استظلوا، ومن حكومة الظل الوفير تحت العريش قطفوا، ولمن - انتخبوا- ترصدوا وتربصوا حتى يرتعدوا وهذا مصير من ب2ذا الوضع قبلوا ! هو إذن حكم جائر وشعب خاسر. هي إذن رسالة لأنظمة أينعت، لأن رؤوسا قد قطعت، ومن الكراسي اقتلعت، وأن شركة طيفال باللصاق بعثت، لصناعة كراسي الحكم استبدلت ! وما تأت ذلك إلا لأن ربيعا وأزهارا تفتقت، وشعوبا غضبت، ثم انتفضت للياسمين والفل أفرزت،وللعقيد مسخت فقذفت، والأمة للباقي انتظرت وللإستبداد والفساد تربصت فما ملت .