الفساد المقدس نظام تحكمي بصبغة دينية لنهب أموال وثروات الشعوب، يستمد سلطاته من الله مدعيا ويأخذ أشكال متعددة، مرة في جبة إمام أو خادم أو مرشد بتبريرات لاهوتية لأهداف ومصالح سياسية. وهو نوع من فكر شمولي / استئصالي كان إسلاميا أم علمانيا، مهمته الجمع بين السلطة والمال والدين بطرق غير ديمقراطية للتحكم وليس لرفاهية الشعوب. الجمع بين هذا الثالوث الخطير، هو إصرار على معاكسة رغبة الجماهير في التغيير والقطع مع الماضي الذي من شأنه أن يفتح باب الديمقراطية، وهو نوع من '' الذئبية '' في سياسة التخفي وإلصاق الإخفاقات بالآخرين للظهور بمظهر المنقذ الذي لا أحد سواه. لهذا لا بد من توحيد الرؤى والاتفاق على الحد الأدنى من الديمقراطية بين الفرقاء المختلفين إيديولوجيا، لمواجهة أي استبداد يريد التحكم في رقاب الناس، بتشبيه نفسه خليفة من خلفاء الإسلام وجب طاعة '' الناهب المسلم '' حيث المظلة تساوي الشجرة!، وألاعيب الأنظمة المستمدة من ماكيافلي في كتابه '' الأمير '' غير خافية على أحد. والخلفاء ليست لهم لا أموال ولا جمال ولا قصور ولا سيارات فاهرة..، ومن يريد التشبه بهم يجب أن يكون مثلهم. ضحك على الذقون باسم الشرف والقداسة التي تعلو عن المحاسبة لخدمة الاستبداد وتختلف باختلاف الدول والنتيجة تعرفونها في (المغرب، السعودية، إيران، سوريا..) عكسا النموذج التركي. فالديمقراطية شرعيتها من القوانين الوضعية، عكس الإمامة المفترى عليها والتي تستمدها من خالق الإنسان مبتكر هذه القوانين وهي فوق المسائلة؟، هنا تكمن اللعبة في عدم التفريط في الدين كآلية سياسية للحكم والضبط لانقياد الجماعة وليست مسألة شخصية للتعبد مما يهدد آليات الحكم المستبدة.. المجتمعات العربية متدينة والقيم مفقودة، حيث الفساد ضارب أطنابه والسلوك المدني مغيب نحو البيئة والملك العام والمعاملات..، نتح عنه انفصام الشخصية التقليدية التي تئن تحت الجبر والظلم، كان نظاما أم حزبا أم جماعة. وليس المشكل، أن تطلق لحية أو تضع سجادة الصلاة على الكتف أو تفطر رمضان أو تصدر فتوى..، فهذا شأن شخصي، مع عدم المس بحياة الآخرين حيث يتم توظيف البعض أحيانا حسب الحاجة، من طرف المفلسين فكريا وسياسيا للعودة إلى نقطة الصفر. لهذا، لابد من اجتهادات دينية في تناغم مع المواثيق الدولية، لقطع دابر الفساد والاستبداد لرفعة المجتمعات وليس للالتفاف عليها. ويلزم تحرك مفكرين وعلماء وسياسيين وصحافيين..، المناضلين في آرائهم والمستقلين في أفكارهم والمهنيين في نقل الحقائق، لعمل شيئا ما و المساهمة في تقدم المجتمعات، في حين العقلاء منهم لا يريدون أن يموت الناس في مواجهة مختلف الأسلحة المحيطة بالكراسي وليس صوب حماية الحدود.. ، أما الذين باعوا مبادئهم وراحوا يتشدقون بماضيهم النضالي بعدما تم ترويضهم وشرائهم ولم يحافظوا على شيء من الاستقلالية فالزمن كفيل بهم. والاستثناء كيفما كانت الدول التي تتبناه، هو مطية لعرقلة مسيرة الشعوب تحت مسميات كثيرة واستعمال كلمتان متناقضتان تساوي: التقليد والحداثة = الأصالة والمعاصرة = الدولة الدينية والمدنية والخلاصة هي التأخر أو التقدم، ولا يمكن الجمع بينهما، من أجل الخصوصية العربية للاستحواذ على خيرات الشعوب من، مناجم ونفط وعقارات وأموال الحج..، و لا يتورعون في المطالبة بحقوقهم لدى الدول الديمقراطية حيث تستغل أجواء الحرية لفرض شروطهم على الآخرين لأسلمة المجتمع الأوربي ولا يريدون تنصير المجتمع الإسلامي؟ إنها الشكيزوفرينية داخل الأنظمة الاستبدادية الملكية والجمهورية، التي تعلق فشلها على الآخرين لمزيد من التحكم في الخيرات وإلهاء الشعوب بأحداث قديمة / جديدة بمسوغات إيديولوجية، ما تلبث أن ينكشف زيفها بعد عقود من الخدع والتفقير والإرهاب..