تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    بيت الشعر في المغرب والمقهى الثقافي لسينما النهضة    الزمامرة والوداد للانفراد بالمركز الثاني و"الكوديم" أمام الفتح للابتعاد عن المراكز الأخيرة    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول    اعتقال بزناز قام بدهس أربعة أشخاص    النقابة المستقلة للأطباء تمدد الاحتجاج        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الإيليزي يستعد لإعلان حكومة بايرو    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مطالب الفبرايريين وعقائد العدليين
نشر في هسبريس يوم 05 - 10 - 2011

منذ الإعلان عن تأسيس حركة 20 فبراير للمطالبة بإحداث إصلاحات دستورية وسياسية تنقل المغرب إلى دولة تعتمد القيم الديمقراطية في بعدها الكوني ، سارعت جماعة العدل والإحسان إلى الانخراط في الحركة ودعم نضالاتها من أجل الحرية والكرامة والمساواة . ولم تترك الجماعة مناسبة إلا وأعادت التأكيد على أن حركة 20 فبراير لن تتوقف ، بل ستستمر إلى أن يسقط الفساد والاستبداد . وللجماعة مفهومها الخاص للاستبداد ممثلا في النظام الملكي ، ليس فقط في ممارسته ولكن أساسا في طبيعته كنظام تعتبره عقائد الجماعة مناهضا للدين ( آفة المغرب أن اللاييكية ، بعد الاستقلال تقنعت .. في بلادنا المغربية دخلت اللاييكية غازية ميدان الشريعة ، مجندة في جيش الاحتلال . فلما انصرف الاستعمار من المغرب نبغ جيش من أبناء البلد ، وتعلم قادته من جامعات الغرب ومن التراث المخزني صيغة تلفيقية تعرض وجهين ، كما يعرض المنافقون ، لعصرنة تقليدية وتقليدية عصرية أيها أدهى وأمر وأشد نكاية في المسلمين، وفي شريعة المسلمين ، اللادينية السافرة البورقيبية الأتاتوركية ، أم التظاهر المخزني الملفق ؟ )(ص 114، 112 الشورى) . لهذا فالجماعة ترفض النظام الملكي مهما كان ديمقراطيا أو سعى لأن يكون كذلك . وهذا ما أعاد التأكيد عليه مرشدها في شريط فيديو منتصف شهر يوليو 2011 كالتالي " المُلك العاض التوريثي تخلف بميزان الدنيا وبميزان الديمقراطية، وتخلف عن ما يريده الله سبحانه وتعالى في هذه الأمة من فضل على سائر الأمم... نحن لا نعارض المَلِكَ، نعارض المُلْكَ العاض أصلا". ومن يتتبع تصريحات أعضاء الجماعة وقياداتها منذ انطلاق حركة 20 فبراير يلمس حرصهم على استغلال شعارات الحركة حتى وإن كانت تناقض عقائدهم . فالهدف الذي تراهن عليه الجماعة هو الدفع بالحركة إلى أن تتحول إلى ثورة شعبية ضد النظام على النحو الذي اتخذه الحركات الاحتجاجية في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن . لهذا نجد الجماعة تعلن في البداية التزامها بمطالب الحركة كتكتيك منها لتنتقل إلى الإعلان عن تبني مطالب الشعب كما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الجماعة في الحوار الذي نشرته صحيفة" اليوم السابع" بتاريخ 8 شتنبر 2011 (حدود التغيير الذي ترغب الجماعة في تحقيقه هي ذات الحدود التي يرغب فيها الشعب، فنحن من الشعب ومع مطالب الشعب في نظام حكم عادل قائم على دستور ديمقراطي تصوغه هيئة منتخبة من الشعب، ومؤسسات حقيقية تمثله فعلا وواقعا، وحاكم لا يرقى إلى درجة القدسية ولا يكون فوق المحاسبة ) . وحتى نختبر صدق مطالب الجماعة يتوجب عرضها على العقائد الثابتة التي تحدد توجهاتها وتحكم ممارسات أعضائها وهياكلها التنظيمية . وهذه نماذج منها :
1 مطلب الديمقراطية : إن الديمقراطية من حيث هي قيم وقواعد باتت مكتسبا إنسانيا كونيا تطمح إليها الشعوب النامية ؛ فهل يلتقي مفهوم الشعب المغربي للديمقراطية مع مفهوم الجماعة ؟ بالتأكيد أن الشعب المغربي لا يحكم على الديمقراطية ولا يحاكمها بالدين ، كما لا يرى أي تعارض بينهما . وجسامة التضحيات التي قدمها من أجل الديمقراطية تشهد له على تطلعه وسعيه إلى تجسيد قيمها وقواعدها على النحو الذي تعيشه شعوب العالم المتقدم . أما ما تذخره الجماعة من فهم وموقف من الديمقراطية فيتناقض كليا مع مطالب الشعب المغربي وقواه الحية وشباب حركة 20 فبراير . ذلك أن الديمقراطية بالنسبة للجماعة هي اللادينية ، أي الكفر .ولا تكون الشعوب إسلامية إلا إذا طبقت حكما يستمد كل قوانينه ونظمه من "شرع الله" ، وامتثلت لنظام حكم محدد هو نظام "الخلافة" الذي تكون فيه "الحاكمية" لله التي لا مكان لها في النظم الديمقراطية كما حدد معناها الشيخ ياسين ( نفرده سبحانه بالعبادة ، ومن العبادة ، من أعلاها عروة الخضوع لحاكميته . وهانحن في سياق الشورى لا في المساق الديمقراطي. لا نكون مسلمين إن زعمنا أننا نعبده في الصلاة والزكاة ، ونحكِّم غير شريعته في الشأن العام )(ص 65 الشورى والديمقراطية). وبناء على هذا الفهم الياسيني تصير الدولة المغربية في حكم "الكافرة" ( والذي وجدناه أمامنا دولة بلا دين ، دولة تستخف بالدين ، دولة تنكر الدين )(ص 70 العدل) . من هنا فالدولة المغربية لا تكون مسلمة إلا إذا خضعت لنظام حكم "إسلامي" يقطع مع الديمقراطية التي تقر بسيادة الشعب والمساواة بين المواطنين وسمو القانون . وهنا يطرح السؤال ك هل حقا مطالب الجماعة هي مطالب الشعب وحركة 20 فبراير ؟ هل الدولة الديمقراطية كما هي متعارف عليها كونيا هي ما تنشده جماعة العدل والإحسان ؟ لنترك مرشد الجماعة يجيب :
أ بخصوص قدسية الحاكم : من مطالب حركة 20 فبراير رفع القداسة عن الملك التي كان ينص عليها الدستور المراجع ، من منطلق أن الملك هو مواطن كباقي المواطنين شخصه يحترم لكن لا يُقدس . وهذا ما نص عليه الدستور الجديد في الفصل 46 "شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام" . وإذا كانت الجماعة تتبنى مطلب رفع القدسية عن الملك ،وتؤسس عليها انتقادها للملك ورفضها للمُلك ، فمن الواجب عليها سياسيا ودينيا وأخلاقيا أن ترفع القدسية عن مرشدها وعن الحاكم في مشروع نظامها . إلا أنها لم تفعل إذا أحاطت عقائدُ الجماعة المرشد داخل التنظيم والحاكم داخل النظام بالقدسية وأوجبت له الطاعة التامة والخضوع الأعمى . وسطر الشيخ هذه العقائد على شكل شروط للانتماء إلى الجماعة كالآتي :
1 / اليقين / الاقتناع التام بوجود حياة أخروية دائمة تعقب الحياة الدنيوية الزائفة/الزائلة.
2/ اليقين المبني على الإيمان وليس على الاستدلال بوجود الله الخالق المدبر له يكون الخنوع والامتثال.
3/ اليقين بالفوز بنعيم الجنة .
4/ الكف عن الآثام والفواحش والتعبئة الخالصة لإقامة حكم شوري.
5/ امتلاك زمام النفس الغاضبة.
6/ الاستجابة التلقائية لولي الأمر.
7/ إقامة الصلاة .
8/ الالتزام بأداء الواجبات تحت طائلة الرقابة الإلهية والمحاسبة الأخروية.
9/ الزكاة والإنفاق في سبيل الله .
10/ مقاومة البغي والظلم.
لأجل ذلك يحرص الشيخ بشدة على اعتماد مبدأ " الوَلاية" قاعدة أساسية للعلاقة التي تربطه بالمحكومين في ظل دولة " القرآن" ( والولاية بين المؤمنين واجبة ، وهي اللحام الكلي الجامع لوحدة المؤمنين .. هي القاعدة العاطفية الإيمانية العملية للعمران الأخروي .. الإخلال بالولاية وروحها حب الله والحب في الله والبغض في الله نوع من الردة . ارتكاس وانحلال )(ص 243 ،244 العدل) . فتكون الولاية بالتالي خضوعا طوعيا للحاكم / الإمام ، يتخلى بموجبها المحكوم على استقلالية رأيه واختياره ، ويذوب في القائد الرباني ( فالولاية بين المؤمنين ليست من قبيل إضافة سياسية أو قرابة نَسَبية تُلحِق هؤلاء بأولئك . بل هي لحمة عقدية وروح سارية وتناصر واجب . لا يتم إيمان أحد بدون تغلغل هذه الولاية في كيانه القلبي ، يصدِّقُ هذا التغلغلَ الفعلُ والمشاركةُ والالتزام الجهادي بالنفس والمال )(ص 244 العدل) . فتصير الرابطة بين الحاكم والمحكومين في دولة ياسين هي نفسها بين العباد وخالقهم . فمتى تعرضت للانحلال صارت ردة وكفرا . كما أن إيمان المحكومين لا يتم إلا بتغلغل هذه الولاية في قلوبهم وتمكنها من تفكيرهم وسلوكهم ، بحيث يستجيب المحكومون للشيخ بسلاسة وطواعية كما يستجيب المؤمن لربه . ولتكريس هذا الاعتقاد في نفوس الأتباع عمد الشيخ إلى التوظيف المغرض للآية القرآنية الكريمة ( إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) الأنفال: 73 . إذ حصر معناها في وجه واحد هو " الولاية" بقوله ( سميتها أم الفتن لقول الله عز وجل ( إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) الأنفال: 73 . وما كبَّره الله سبحانه فهو كبير خطير . والشيء الذي يترتب على فعله الفتنة والفساد الكبير هو الوَلاية بين المؤمنين )(ص 493 العدل) . فهل سيقبل الشعب المغربي ومعه حركة 20 فبراير بهذا المشروع الذي تحمله الجماعة وتجعل أساسه تقديس الحاكم والخضوع له ؟
ب بخصوص سلطة وصلاحية الحاكم التي تجعلها الديمقراطية مقيدة بالدستور وبالقوانين ، بل تطالب حركة 20 فبراير بتقييد صلاحيات الملك وجعل السلطة للشعب ، نجد مرشد الجماعة يضع الحاكم في جماعته التي هي صورة مصغرة لما ستكون عليه دولته المنشودة خراج كل مراقبة ومحاسبة وتقييد ( للأمير المرشد العام أن يعزل كل نقيب أو عضو في مجلس التنفيذ القطري أو موظف .. وله أن يحل كل مجلس ..وله أن يرفض قرارات المجالس ويتخذ العقوبات في حق الأعضاء . وله التصرف العام في أمر الجماعة ولو اعترض بعض أعضاء مجلس الإرشاد العام )(ص 64 المنهاج ) . فهل يمكن لجماعة لا تؤمن بالديمقراطية ولو كآلية لإدارة شؤونها الداخلية أن تقبل بالاحتكام إليها الديمقراطية في إدارة الشأن العام ؟ هل ستقبل الجماعة بسيادة الشعب الذي له وحده سلطة القرار ؟ يجيب مرشدها ( ما يسمى بلسان العصر قيادة جماعية لا مكان له في الإسلام ، ولا معنى له في علم السياسية وممارسة السلطان . فالأمير هو صاحب الأمر والنهي في كل صغيرة وكبير ة )(ص 66 المنهاج) . نحن هنا أمام مفارقة تدعو الذين ينسقون مع الجماعة داخل حركة 20 فبراير التعامل معها الجماعة وفق عقائدها لا شعاراتها . فالجماعة تحشد أتباعها داخل الحركة من أجل إسقاط الفساد والاستبداد ، وفي نفس الوقت تؤسس لاستبداد أعمى وأشرس . إذ كيف يمكن مساندة جماعة تحمل مشروعا موغلا في الاستبداد من أجل إسقاط نظام أقل استبدادا وأكثر استعدادا للتغيير في اتجاه الدمقرطة والحداثة والانفتاح على قيم وثقافة حقوق الإنسان ؟ لذا وجب على مكونات حركة 20 فبراير الانتباه إلى إستراتيجية الجماعة وطبيعة المشروع السياسي الذي تحمله وتسعى لإقامته . والتنسيق الحالي بين الجماعة وباقي مكونات الحركة هو تنسيق مرحلي وتكتيكي هدفه عزل النظام ثم إسقاطه . بعد ذلك تشرع الجماعة في تصفية حسابها مع باقي المكونات من أجل الانفراد بقرار وضع أسس لنظام يخص الجماعة وحدها لكنها تفرضه على عموم الشعب باسم الإسلام كما تفهمه وتؤول أحكامه لا باسم الديمقراطية . فالديمقراطية ليست سوى أداة تمكّن الجماعة من الوصول إلى الحكم لتنقلب عليها . يقول الناطق الرسمي للجماعة في حواره لليوم السابع ( إنما همنا أن نوحد جهودنا ونضالنا من أجل التأسيس لدولة تضمن الحريات والتداول على السلطة ، وتكون فيها السيادة للشعب، حتى يكون لجميع المشاريع حق التنافس على الاختيار الشعبي، هذا هو السقف الذي يجمعنا في حركة 20 فبراير، ونحن نحترمه والواقع أثبت ذلك. أما مشروعنا الخاص فهو واضح ويعرفه الجميع، وكافحنا من أجله أكثر من ثلاثة عقود، وسنبقى متشبثين به، ونأمل من دولة الحريات التي نتطلع إليها جميعا أن تضمن لنا بسطه أمام الشعب بالقدر الذي يضمن ذلك لجميع الأطراف.) . فهل مكونات حركة 20 فبراير تعرف تفاصيل المشروع السياسي للجماعة ؟ وهل تدرك الوضع الذي ستكون عليه داخل النظام السياسي للجماعة ؟ لتستحضر هذه المكونات عقائد الجماعة التالية :
2 مطلب المساواة في المواطنة :إن من مطالب حركة 20 فبراير تحقيق المساواة الكاملة في المواطنة ، بحيث يسود الإقرار بالحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية ثم تكريس التمتع بها لفائدة جميع المواطنين . فهل مشروع الجماعة يقر بهذه الحقوق ويعد باحترامها وضمان ممارستها ؟ يقوم المشروع السياسي للجماعة على التمييز بين فئتين من المواطنين : أعضاء الجماعة وعامة المواطنين . ويعطي المشروع لأعضاء الجماعة حق التصرف واتخاذ القرار دون غيرهم من المواطنين . يقول مرشد الجماعة :( وبعد القومة لا بد أن تتألف الأمة الخاصة ، أي " الجماعة" (= أعضاء جماعة ياسين ) من كتيبتين رئيسيتين تؤديان مهمة التجديد والسعي للخلافة الراشدة:
1 ) دعوة تتمثل في مؤسسات ورجال مهمتهم تربية الأمة ومراقبة التطبيق . ولها الهيمنة على مصير الأمور وعلى الرجال .
2 ) دولة تتمثل في مؤسسات ورجال وأجهزة وإدارات تسير الشؤون المادية والنظامية والاقتصادية . وهي تحت مراقبة وتوجيه الدعوة ورجالها .
وتجتمع مقاليد الدعوة والدولة معا في يد الإمام القطري قبل التحرير العام ، والخليفة بعده ، ينسق ، ويأمر ، وينهى ، وينظر إلى الأسبقيات ، وينصب ، ويعزل )(ص 410 المنهاج) . واضح ألا مكانة للمواطنين ولا دور لهم في تسيير الدولة ولو في المستويات الدنيا . كل الدولة تبلعها الدعوة . بل لا إقرار من المرشد بوجود مؤسسات دستورية تتولى التشريع والمراقبة وتدبير الشأن العام . كل هذه المهام يتولاها رجال الدعوة أي أعضاء الجماعة . وهذا نموذج للحزب الواحد الذي يتحكم في مصير الشعب ، إلا أنه أهون مما تدعو إليه الجماعة . فالحزب الوحيد ، سواء في تونس أو مصر أو سوريا أو اليمن وحتى في ليبيا يترك للمواطنين فرص الانخراط في دواليب الدولة ، أي الوظائف العمومية . أما مشروع الجماعة فيقوم على حصر الوظائف العمومية على أعضائها دون بقية المواطنين . ويستند الشيخ ياسين في إرساء دعائم مشروعه السياسي على تنظيرات المودودي ،إذ يقول بهذا الخصوص ( كتب الأستاذ أبو الأعلى المودودي رحمه الله في كتاب " نظرية الإسلام وهديه" ما يلي : " وبالجملة ، فإن كل من أُعِدَّ لإدارة الدولة اللادينية ورُبِّيَ تربية خلقية وفكرية ملائمة لطبيعتها ، لا يصلح لشيء من أمر الدولة الإسلامية . فإنها ( أي الدولة الإسلامية ) تتطلب وتقتضي أن يكون كل أجزاء حياتها الاجتماعية ، وجميع مقومات بنيتها الإدارية من الرعية والمنتخبين والنواب والموظفين والقضاة والحكام وقواد العساكر والوزراء والسفراء ونظار مختلف الدوائر والمصالح ، من الطراز الخاص والمنهاج الفذ المبتكر " ) . ويشدد الشيخ على عزمه تنفيذ منهاج المودودي بقوله ( قلت : هذه عبارة أمسكوها أيضا أيها الفضلاء ، ولعل صياغتها تناسب مدارككم )(ص 534، 535 العدل). وحتى يزيل كل لبس عن مراده ومخططه القائم على إبعاد كل من ليس عضوا في جماعته ويدين له بالولاء والطاعة عن المشاركة في إدارة الدولة ، كتب الشيخ موضحا ( أبناء الدنيا لا يصلحون لنظم أمر المسلمين في غد الخلافة الثانية )( ص 120 العدل ) . إذن من سيصلح لإدارة الدولة وتدبير الشأن العام إذا لم يكن المواطنون دون تصنيف أو تمييز بينهم ؟ هل كل النضالات التي تخوضها حركة 20 فبراير ستنتهي بتكريس استبداد أفظع مما هو عليه اليوم ؟
3 الفصل بين المجال الديني والمجال السياسي : لعل القضية التي استأثرت أكثر بالنقاش والنقد داخل حركة 20 فبراير هي المتعلقة بصلاحيات الملك ، وضمنها الصلاحيات الدينية المجسدة في إمارة المؤمنين ؛ بحيث يصبح الملك يسود ولا يحكم . أي تسند صلاحيات الملك إلى ممثلي الشعب مع تكريس مبدأ فصل السلط . فهل المشروع السياسي للجماعة يستجيب لمطالب الحركة ؟ بمعنى هل تضمن الجماعة مبدأ فصل السلط ، ونقل صلاحيات الحاكم إلى ممثلي الشعب ؟ يقول مرشد الجماعة قاطعا الشك باليقين ( وعلى ناصية الحكم موجهين مراقبين ومن ورائهم الشعب المسلم يسود رجال الدعوة )(ص570 العدل) وبالتالي فالدولة تكون ملكا للدعوة ورجالها ( لا شك أن جهاز الدولة عندما تتسلمه الأيدي القوية الأمينة ، هو الآلة الأقدر على التنفيذ . والدعوة الماسكة بالآلة هي الجهة الأجدر بقيادة المجتمع وتنسيق الجهود)(ص148 الإحسان2). إذن ، لا مجال للحديث عن فصل السلطة وسلطة الشعب ، بل كل السلطات بيد رجال الدعوة المتحكمين في مصير الدولة والدعوة والأمة . بحيث يصير الدين جزءا من السياسة ، والسياسة جزءا من الدين ( ما الدين عقيدة رسمية لدولة تفرض على الناس الخضوع لها . ما الإسلام مذهبية حزب سياسي يقوم تنظيمه على انضباط ثوري . وما الدين بمعزل عن الدولة وعن التنظيم السياسي . وما الدين قضية شخصية يتسامح بصددها المسلم مع الكافر ، والتائب مع المرتد )(ص 141 الشورى ) . هل يدرك مناضلو حركة 20 فبراير أبعاد هذا المشروع ومصير الحقوق والحريات ؟ هل سيوافق الفبرايريون على تضخيم صلاحيات الحاكم ، وإسناد أمور الدولة لرجال الدعوة بما تعنيه من كهنوت بحيث لا مجال لإخضاعهم للنقد والرفض ؟
أكيد أن مفهوم الدولة الديمقراطية التي يتطلع إليها عموم الشعب والفبرايريون لا مكان له في أدبيات الجماعة وعقائدها وتوجهاتها . فالجماعة تؤسس لمفهوم نقيض يجعل الدعوة أساس الدولة ، ولا دعوة بدون شخص يمتلك كاريزما دينية وقدسية روحية سماه مرشد الجماعة "قائم"( ينبغي أن تكون نقطة الانطلاق ، أولى الأولويات ، من وجود قائم ، قائم مؤمن بالله وباليوم الآخر ، عالم بما فرض الله عليه ، عارف بتكليف الشريعة ، منبعث للتنفيذ ، مخلص صادق ، منتظم في جماعة المؤمنين )(ص 346 العدل ) .هنا ستتحول الجموع البشرية المطالبة بالحرية والديمقراطية مجرد قطيع آدمي يوجهه القائم ويحدد أهدافه . ومتى استتب الأمر للقائم وللدعوة ، تحولت الدولة إلى أداة تخدم الدعوة لإقامة نظام حكم بديل لا مجال فيه لإرادة الشعب . بل السلطة الوحيدة هي التي يمتلكها الحاكم ويمارسها باسم السماء لا الشعب . يقول المرشد ( الخلافة تعني ممارسة الحق الإلهي)(ص 444 المنهاج النبوي) . وبمقتضى هذا الحق الإلهي تصير الدولة ملكا للدعوة ( حقيقة التمكين في الأرض أن تكون الدولة والسلطان بيد رجال الدعوة الساهرين على الدين ، القائمين بالقسط . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حالة التمكين تصرف متكامل شامل بيدي القرآن والسلطان ، بالترغيب والترهيب ، بالتطوع والطاعة. )(ص 391 المنهاج النبوي ) . هذا هو المشروع السياسي الذي تريده الجماعة وتسعى لتطبيقه وفرضه بكل الأساليب بما استعمال العنف والسلاح والترهيب . وخيار العنف والسلاح منصوص عليه في أدبيات الجماعة وتقره عقائدها ويشرعنه المرشد في أكثر من كتاب مثل : ( نبرز بمشروعنا ، ونعلنه ، ونحارب دونه بأساليب السياسة ما انفتح لنا فجوة ، وبكل الأساليب إن اضطهدنا )(ص 27 المنهاج ) ، وأيضا ( مقاومة الظلم حتى الموت ولو نشرا بالمناشير .. ثم مقاطعة الظالمين : لا نواكلهم ولا نشاربهم ولا نجالسهم . وهذه هي الصيغة المثلى للقومة . فلو قدرنا أن نتجنب استعمال السلاح ضد الأنظمة الفاسدة ، ونقاطعها حتى تشل حركتها ، ويسقط سلطانها ، وترذل كلمتها )(ص 36 رجال القومة والإصلاح). وما يدل على أن خيار العنف هو من صميم عقائد الجماعة ، ارتكاب عدد من طلبتها بالجامعة جرائم قتل في حق بعض الطلبة ،وإصرار الجماعة على إنكار الجرم واعتبار أحكام الإدانة التي أصدرها القضاء في حق أعضائها "انتقام المخزن" منها . إذ تحاول الجماعة لعب دور الضحية ووضع النظام موضع اتهام كما هو واضح من حوار الناطق الرسمي (وقد لقينا ولا نزال نلقى من هذا النظام الحصار والبطش وحملات التشويه وتشميع بيوت أعضاء الجماعة وطردهم من وظائفهم والتضييق عليهم في أرزاقهم، أما المعتقلون فتاريخنا هو تاريخ اعتقالات ظالمة .. والحكم بعشرين سنة سجنا على 12 طالبا من طلبتنا لم يخرجوا منها إلا قبل عام، ومن آخرها اعتقال سبعة من قيادتنا العام الماضى مدة ستة أشهر، وتعرضوا للتعذيب الوحشى قبل أن تبرِّئهم المحكمة. واللائحة تطول عن عد آلاف الاعتقالات في صفوف الجماعة منذ نشأتها، وقد اعتدنا على حملات الاعتقالات التي لا يسلم منها حتى النساء الحوامل والرضع.) . قد يكون هذا الكلام سليما لولا أن الواقع يدحضه من ناحيتين :
الناحية الأولى : إقرار أحد قياديي الجماعة عبد الواحد المتوكل في حوار مع قناة"الحوار" أن الجماعة لم تعان مما عانت منه فصائل اليسار خلال سنوات الرصاص ، بل كانت الجماعة تنشط بكل حرية ( حتى ما سمي بسنوات الرصاص الآن ، نحن بعض الأنشطة كان وضعنا فيها أفضل ، وسنوات الرصاص المعروفة بالاستبداد وبالتحكم وإلى غير ذلك من الأمور ، كنا ننظم مخيمات ، بعض المخيمات كانت تؤوي سبعين ألف مشارك . هذا في عهد الملك الراحل ).
الناحية الثانية :أن الجماعة قدمت إحصائيات تخص الملفات المعروضة على القضاء من 1/06/ 2006 إلى 24/11/2007 كالتالي :
عدد الملفات الرائجة: 173
عدد الملفات التي صدر فيها حكم ابتدائي: 118
عدد الملفات التي لم يصدر فيها حكم بعد: 47
عدد الملفات التي صدر فيها حكم بالإدانة: 85
عدد الملفات التي صدر فيها حكم بالبراءة: 33
عدد الملفات التي صدر فيها قرار استئنافي بالبراءة: 09
عدد الملفات التي صدر فيها قرار استئنافي بالإدانة: 19
والملاحظ من هذه الأحكام أن الجماعة استفادت من أحكام البراءة في 42 ملفا . ولو أن النظام فعلا يشدد الخناق على الجماعة لكانت أحكام الإدانة وحدها هي نصيب كل الملفات . فضلا عن هذا ، فإن النظام حاول مرارا فتح حوار مع الجماعة ودعوتها إلى تأسيس حزب سياسي يشارك في الحياة العامة . لكن الجماعة ظلت على موقف الرفض والسعي لإسقاط النظام ، لأن عقائدها لا تسمح لها بالتعايش معه ( تربيتنا وتنظيمنا ينبغي أن يعدا القوة الإسلامية الذاتية التي لا تعتمد على سند جاهلي ، لتقاوم آثار الفساد في مجتمعاتنا وجند الإفساد الجاثم على صدرنا ، حتى نستقيم على أقدامنا ، ونكسب المناعة ضد الغزو الفكري ، .. في بلادنا الإسلامية صنائع للجاهلية ، وسدنة من بني جلدتنا لمصالحها وفكرها ، يحكموننا بغير ما أنزل الله )(ص 10 المنهاج النبوي). نحن ، إذن ، أمام تباين صارخ بين مطالب الفبرايريين ومطالب العدليين ، مما يستدعي إعادة النظر في طبيعة التحالف بين الطرفين داخل حركة 20 فبراير ، أو على الأقل الوعي بضرورة احترام سقف المطالب التي تأسست عليها الحركة ومقاومة كل نهج يروم استغلال الحركات الاحتجاجية والدفع بها نحو تأزيم الأوضاع وزعزعة استقرار المغرب . وبالمناسبة ينبغي التنويه بموقف حزب اليسار الاشتراكي الموحد الذي قرر عدم المغامرة باستقرار المغرب ، في إشارة إلى ما تخطط له جماعة العدل والإحسان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.