من يتابع ما يتداوله رواد المواقع الاجتماعية والإخبارية، التي أصبحت تعد بالمئات والآلاف، سيلاحظ بدون شك بأن هناك سخط شعبي لم يسبق له مثيل موجه ضد بنكيران وحزبه. لا غرابة من أن يزداد منحنى السخط الشعبي هذا تصاعديا، خصوصيا وأن حزب العدالة والتنمية وقيادييه قد حققوا أمانيهم ولم يعد يهمهم لا هموم ولامعاناة الشعب المغربي ولا انشغالاته. ولمن يشك في هذا الكلام عليه أن يراجع تصريحات قياديي الحزب الإسلامي. على رأسهم وزير النقل ، عبد العزيز الرباح، الذي صرح لوسائل الإعلام منذ شهور بأن حزبه سيتخذ قرارات لا شعبية في المستقبل من أجل الإصلاح المرجو. لا الوزير الرباح ولا أي حد من إخوانه قالوا وصرحوا ولو بأقل من نصف هذا الكلام أيام المظاهرات الضخمة التي قادها شباب 20 فبراير وكذلك خلال حملاتهم الانتخابية. كل ما كنا نسمعه آنذاك هو أن الحزب فضل خيار الإصلاح في ظل الاستقرار ثم إنه سيقطع، إذا ما وصل إلى تدبير الشأن العام، بمعنى قيادة الحكومة، وهو الذي تم، مع الفساد والمفسدين واقتصاد الريع ... لذلك قرر عدم مناصرة حركة 20 فبراير، رغم إقرار بعدالة مطالبها والأكثر من ذلك أنه يدعو إلى استمرار الاحتجاج بعيد وصوله إلى الحكومة. اليوم، وبعد مرور شهور وطول الانتظار مع كثرة الانتظارات وقلة تحقيق ولو بعضها، بدأت الأمور تتضح للجميع، وخاصة البعض من الذين يعتقدون بأن البيجيدي هو البديل ومنقذ هذا البلد من الدماء لانجاز ربيع مغربي ما دون الحاجة إلى ضحايا وشهداء ... وقد صرح بنكيران بأنه لم يخرج حزبه يوم 20 فبراير إلا لسبب وحيد وهو الخوف على الملكية. الكلام هذا يتضمن في طياته إشارات مهمة. أولا، فبنكيران لم يقل يوما إنه ضد مطالب الشباب، على الأقل قولا. ثانيا، هل الذين خرجوا يوم 20 فبراير هم ضد الملكية ولذلك لم يخرج حزب بنكيران خوفا عليها. ثالثا، وإذا تأملنا مطالب شباب الحركة والذين ناصروها، الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، كعناوين فما علاقتها بالخوف على الملكية التي حالت بين بنكيران والانضمام إليها؟ أسئلة قد تبدو شيئا ما جريئة، لكن من يتابع بدقة مجريات الأحداث في المغرب خلال بضع سنوات خلت، سييستشف فكرة واحدة ووحيدة، مفادها أن الواقع الذي يعيشه البلد اليوم أريد له كذلك وصنع في مختبرات الظل والكواليس يبقى الإخراج، مع انتظار الفرص لاستغلالها، بالطريقة التي نعرفها وتابعناها جميعا. الملك في خطابه الأخير هو بنفسه اعترف بهذا الكلام وجاء في خطابه الكلام التالي: " لقد دخلت بلادنا مرحلة جديدة، لم تكن محض مصادفة ٬ ولا من صنع ظروف طارئة ...". بعد التذكير بهذا، أعود للحديث عن ما يتعرض له بنكيران وحزبه وحكومته من انتقاد، فأقول للفايسبوكيين وغيرهم، ولا شك أن الانتقادات تتجه نحو إرادة الخير والمصلحة للشعب وللبلد.: من فضلكم، رفقا ببنكيران وحزبه وإخوانه. من فضلكم، لا تحملوهم ما لا يطيقون. اعلموا بأن البييجيدي هو حزب كباقي أحزاب الدولة. فقد ولد من رحم الدولة كاسيا لباسا غير اللباس الذي كسته الأحزاب الأخرى لكن الجوهر هو هو نفسه. فهل تريدون أن يعوق ويعصي أهل بيته وجيرانه ... يتعجب الكثيرون حين يرون كل هذه الأحزاب المغربية، وهي بالعشرات، وهي تمثل كل الجهات والتيارات والإديولوجيات، على الأقل على مستوى التسمية. لكننا قد لا نجد ولو فارقا بسيطا جدا بينها على مستوى الجوهر والاديولوجيا والبرنامج. فهذا حزب من أقصى اليسار يتحالف مع حزب من أقصى اليمين والبقية تعرفونها. كثيرون اليوم ينتقدون بنكيران لأنهم يعتقدون بأنه حزبه هو الذي سينجز ما عجزت بقية الاحزاب التي تداولت على السلطة سنين. وآخرون ينتظرون من بنكيرا أن يحقق حلم المغاربة في الظفر بانجازات الربيع الديمقراطي دون الحاجة إلى ثورة سلمية كانت أم غيرها. أحيانا يكون الحل الوحيد لإقناع بعض الناس هو تركهم لتلقي أجوبة الأيام والزمان، لذلك نقول اليوم لأولئك الذين علقوا امالهم على هذا الحزب، وفي الحقيقة نعيد القول ونذكر بما يلي: (لا نكم إلا على الأقوال وعلاقتها بالأفعال أخذا بعين الاعتبار المعطيات التريخية، أما النوايا فالله يعلمها). إن حزب العدالة والتنمية لو لم يكن راضيا عليه من طرف المخزن لما وصل إلى ما وصل إليه، بل لما دخل قبة البرلمان. إن أقصى ما كان يطالب به الحزب هو الوصول إلى رئاسة الحكومة بأي وجه أو ثمن كان. ولذلك لابد من استغلال أي فرصة تتاح حتى ولو كان ذلك على حساب المسؤولية التاريخية وعلى حساب المطالب الشعبية. إن كل التصريحات التي نسمعها يوميا لا تنم سوى على أن بنكيران لا يفكر اليوم سوى في طريقة الحفاظ وضمان ولاية ثانية، حتى ولو كان ذلك على التضحية بعضوية بعض الإخوان (المشاغبين) داخل المناصب الحساسة في الحزب بعدما تم النجاح في عدم ظفرهم بأي منصب حكومي سامي. إن بنكيران الذي يفتخر اليوم بتدبيرها واعتلائه رئاسة المؤسسة التنفيدية يمتلك ماشض مشكوك فيه غاية التشكيك. فما صرح به الخلطي، الذي كان يتولى ملف الحركة الإسلامية لدى المخابرات طيلة عقود، عن علاقته بهذا الرجل لا يمكن أن تنينا إياها الأيام. لقد ذاق الحزب فعلا كثير معاناة على مستوى الانتخابات يوم كان في المعارضة فهاهو ينسى كل \لك وكأن الأمر يتعلق بأخطاء بسيطة، فيتعامل ودير البلاد اليوم مع جلاديه بالأمس. لهذا كله لن يفاجئنا ما نسمعه من وزراء هذا الحزب وهم يسعون لاتخاذ قرارات لا شعبية. التصريح الأخير للسيد زير العدل بأن لا وجود لمعتقلين سياسيين ولمعتقلي رأي بالمغرب، وهو الذي ترافع من أجل عدد منهم إلى أن أصبح وزيرا يتولى ملفهم فتركهم ونسيهم، ربما قد ينفع لفهم هذا بشكل جيد. ولكن هذا هو المخزن وهكذا يصير من يدخل داره. من فضلكم، أرفقوا عليهم فلا طاقة لهم على ما وعدوكم به. إنهم قد بلغوا أقصى ما يمكن، أما دون ذلك فأمره بيد المخزن. أختتم هذه السطور بكلمات مهمة أوردها الصحفي علي أنوزلا مؤخرا في أحد مقالاته: " لقد كان أحد أكبر أخطاء بنكيران ورفاقه، التي لن يغفرها لهم التاريخ، هو ارتمائهم في أحضان السلطة، واختيارهم معسكرها لكسر الإرادة الجماعية التي عبرت عنها المسيرات الاحتجاجية التي شهدتها أكثر من مدينة وقرية وبلدة مغربية للمطالبة بالتغيير، وهاهم اليوم يؤدون الثمن غاليا عندما وجدوا أنفسهم بدون ظهر شعبي يحميهم للدفاع عن "إصلاحاتهم"، يهانون ويذلون ويجرون إلى التحقيق معهم وهم في "السلطة"! لقد نسي هؤلاء أنه بفضل تلك "الإرادة الجماعية" المعبر عنها شعبيا تم إخراج قياديهم من السحن (ماء العينين العبادلة، وجامع المعتصم)، وفتح لهم باب "المشور السعيد" بعدما كان كل طموحهم هو الجلوس في إحدى "المجالس الاستشارية" الشكلية، والحفاظ على مقاعدهم داخل برلمان "صوري". إلى اللقاء.