العفو الذي اصدره جلالة الملك بالامس، في قضية هاجر الريسوني ومن معها، ليس مجرد قرار صادر عن ممارسة حق سيادي يتمتع به الملك، طبقا لنص الفصل58 من الدستور الذي ياتي مباشرة بعد اختصاصين جوهريين في بنية القضاء المغربي، المتمثلين في رئاسة جلالته للمجلس الاعلى للسلطة القضائية وموافقته بظهير على تعيين القضاة من قبل نفس المجلس، و انما هو بالاضافة الى ذلك يشكل اي القرار، الصادر بالعفو رسالة قوية من ملك البلاد وامير المؤمنين، الى كل من له بحكم صلاحياته ومهامه وادواره علاقة بالحقوق والحريات والحقوق الانسانية للنساء خاصة ، سواء تعلق الأمر بمؤسسات الدولة الدستورية أو بالاحزاب السياسية او غيرها . رسالة قد تخضع لتأويلات وقراءات متعددة فيمكن النظر اليها كاستدراك و معالجة لقضية قضت مضجع الكثير من المغاربة نساء ورجالا محافظون وحداثيون، وان اختلفت خلفياتهم وزوايا قرائتهم للوقائع، لكن وحدهم جميعا الشعور بالظلم والحكرة فالقضية شوهت صورة المغرب وأظهرته كدولة لازال فيها من يتجرأ "باسم القانون "على تفتيش الارحام، وكأنها مسرح جريمة يتطلب التتثب منها افتضاض حميمية النساء، تماما كما يقع في بلدان ذات أنظمة تيوقراطية استبدادية تحكم باسم الدين والعقيدة والعشيرة، حيث العدالة فيها جلد وقصاص وتشويه، و تكبيل و تنكيل وضرب لإنسانية الإنسان وكرامته في مقتل، إنها قضية مؤلمة لكل ذي حس انساني، و مؤذية للوطن بكل مقاييس الايذاء، هي قضية استوجبت لكل هذه الاعتبارات على الاقل تدخلا ملكيا دستوريا، في الوقت المناسب لتعطيل و إيقاف حكم قضائي صادر عن ابتدائية" عاصمة الانوار "، و إلغاء كل نتائجه ومؤدياته التي كانت حصادا لشريط ميزته الأساس اتخاذ قرارات وتدابير ومواقف معلنة، ماسة بالحياة الشخصية والسلامة الجسدية والحصانة المهنية …..وكلها انبت شكلا و مضمونا على سوء تقييم العواقب وسوء تطبيق القانون و المغالاة في توظيف الملائمة والقسوة في تقدير العقوبة. وعلاوة على البعد التصحيحي والإستدراكي للعفو الملكي كما تم بيانه سلفا فان هناك دلالات وأبعاد أخرى يمكن استنباطها من القرار ولعل أبرزها : أولا : القرار يتضمن إشارات رمزية قوية، على أن الأصل في التعامل مع الحريات الشخصية والعلاقات الإنسانية هو التفهم والتقدير الانساني والاجتماعي، و أن "شراسة" القانون وقساوته وتخلفه أحيانا عن تطورات المجتمع، يمكن أن تواجه بالتسامح و التجاوز والرحمة والرأفة في انتظار الغاء تلك القوانين في أقرب الاجال و استبدالها بما يضمن ممارسة المواطن لحرياته الفردية، دون خوف و لا ترهيب و بما يكمل سيرورة إحقاق الحقوق الإنسانية للنساء كاملة غير منقوصة. ثانيا : العفو الملكي لم يصدر مقتضبا ومقتصرا، على النطق بالعفو، بل تضمن الاسباب الكامنة وراء اتخاذه فيما يشبه " تعليل الاحكام القضائية ". حسبما يستفاد من البلاغ الصادر عن وزارة العدل، الذي تضمن تعابير انسانية تمتح من القاموس الحقوقي والانساني، تكريما واحتراما لأطراف القضية، مع احترامه لقرينة البراءة عند التشكيك في الخطأ "المفترض"، مع ما يرمز اليه ذلك من اعلاء لقرينة البراءة كمعطى وكقيمة دستورية تعد من صميم حقوق الإنسان قبل ان تكون شرطا مؤسسا للمحاكمة العادلة . ثالثا: إن المساواة أمام القانون وباعتبار أن جلالة الملك هو أمير المؤمنين، ورئيس المجلس العلمي الاعلى، ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو المطوق دستوريا في المرتبة الاولى بصيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، فإن اثار العفو، من الناحية المبدئية ينبغي ان تتجاوز البعد القانوني والمؤسساتي لتعانق بعدا حضاريا وحقوقيا وانسانيا يأخذه القضاء بعين الاعتبار ويستحضره في النوازل المماثلة حتى لا يشعر المواطن "العادي " بالتمييز او يشعر ان العدالة لا ترحمه ان كان معزولا او دون سند . رابعا : القضية من بدايتها الى نهايتها بالعفو الملكي تسببت في "اهتززات" مست الافكار والقناعات وكثير من المسلمات وقربت بين وجهات كانت الى وقت قريب على طرفي نقيض في موضوع الحريات الفردية وكثير من القضايا المرتبطة بالمراة اساسا وهي أمور نتمنى أن تشكل بوابة لفتح نقاش مجتمعي هادئ و ناضج يعكس قيم الانفتاح والتسامح والبناء المشرك لمغرب افضل ينهي مع قوانين ما قبل الحضارة !