الرباط.. الإعلان عن إطلاق "شبكة الأمناء العامين لمنتدى الحوار البرلماني جنوب-جنوب"    كيف ساهم الربط الكهربائي المغربي الإسباني في إنقاذ إسبانيا من أسوأ أزمة طاقة؟    بنعلي: 93 بالمائة من شواطئ المغرب صالحة للسباحة    أزيد من 220 عاملًا بشركة "أتينتو Atento" بتطوان يواجهون الطرد الجماعي    الديبلوماسية الموازية مهمة جوهرية للحزب    وزارة الأوقاف: تأشيرات السياحة أو الزيارة لا تخول أداء مناسك الحج    يضرب اليوم موعدا مع تنزانيا في النهائي القاري .. المنتخب النسوي للفوتسال يحقق تأهل مزدوجا إلى نهائي كأس إفريقيا وبطولة العالم    أخبار الساحة    تنظيم ماراتون الدار البيضاء 2025 يسند إلى جمعية مدنية ذات خبرة    الوداد يمنح موكوينا عطلة استثنائية ويكشف موعد الانفصال عنه    نقابة الكونفدرالية بالمحمدية تطالب بعقد اجتماع عاجل مع السلطات الإقيليمية لإنقاذ عمال مجموعة "الكتبية"    مشروع مستشفى بالقصر الصغير في طي النسيان منذ أكثر من عقد يثير تساؤلات في البرلمان    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: المؤرخ ابن خلدون … شاعرا    البطولة.. أربعة فرق تحاول تجنب خوض مباراتي السد وفريقان يصارعان من أجل البقاء    هلال يكشف لمجلس الأمن تزييف الجزائر للحقائق حول قضية الصحراء المغربية    استعادة التيار الكهربائي تنهي ساعات من العزلة والصمت في البرتغال    خبير اقتصادي ل"رسالة 24″: القطار فائق السرعة القنيطرة مشروع استراتيجي يعزز رؤية 2035    أرسنال يستضيف باريس سان جرمان في أولى مواجهتي نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    مهرجان كان السينمائي.. لجنة تحكيم دولية برئاسة جولييت بينوش وعضوية ليلى سليماني    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    شباب خنيفرة يسقط "الكوكب" ويحيي الصراع على الصعود    المكتب الوطني للمطارات يعلن عن عودة الوضع إلى طبيعته في كافة مطارات المملكة    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    كيوسك الثلاثاء | بنعلي تعلن قرب تحقيق الأهداف الطاقية قبل أربع سنوات من الموعد المحدد    السايح مدرب المنتخب النسوي للفوتسال: "التأهل للنهائي إنجاز تاريخي ونعدكم بالتتويج بلقب الكان.. والفضل يعود لهشام الدكيك"    منظمة العفو الدولية: "العالم يشاهد عبر شاشاته إبادة جماعية مباشرة في غزة"    الصين: تسليط الضوء على دور القطاع البنكي في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الصين والمغرب    وزير التعليم يربط تفشي العنف المدرسي بالضغط النفسي    مراكش: تفاصيل توقيف أستاذ جامعي يشتغل سائق طاكسي أجرة بدون ترخيص    وهبي: تعديل القانون الجنائي سيشدد العقوبات على حيازة الأسلحة البيضاء    انقطاع كهربائي واسع في إسبانيا والبرتغال يربك خدمات الإنترنت في المغرب    كندا.. الحزب الليبرالي يتجه نحو ولاية جديدة بعد فوزه في الانتخابات التشريعية    فاطمة الزهراء المنصوري: عدد الطلبات الاستفادة من الدعم المباشر بلغ 128 ألف و528    طقس الثلاثاء .. أجواء حارة في عدد من المدن    تمارة.. اعتقال أب وابنه متورطين في النصب والاحتيال بطريقة "السماوي    الصين تتوقع زيادة بنسبة 27 في المائة في السفر عبر الحدود خلال عطلة عيد العمال    الصين: الحكومات المحلية تصدر سندات بحوالي 172 مليار دولار في الربع الأول    عودة الكهرباء بنسبة 99 % في إسبانيا    حصاد وفير في مشروع تطوير الأرز الهجين بجيهانغا في بوروندي بدعم صيني    جسر جوي جديد بين تشنغدو ودبي.. دفعة قوية لحركة التجارة العالمية    سانشيز يشيد بتعاون المغرب لإعادة الكهرباء    البوليساريو تنهار… وتصنيفها حركة ارهابية هو لها رصاصة رحمة    لماذا يستحق أخنوش ولاية ثانية على رأس الحكومة المغربية؟    حصيلة الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا وحدة ولا سيادة
نشر في لكم يوم 07 - 07 - 2019

دفع فشل المغرب في احتضان مباريات كأس العالم لسنة 2026 إلى التفكير في التنسيق مع إسبانيا والبرتغال لاستضافة كأس 2030، من أجل تحقيق هذه الغاية التي ظلت تراوده منذ 1994 سنة. وحين قرأت خبرا يفيد بأن إسبانيا والبرتغال تريدان تقديم ترشيحهما بدون المغرب تساءلت مع نفسي لماذا لم يفكر المغرب في ذلك بالتنسيق مع الجزائر وتونس؟ ولم لم يفكر في التنسيق معهما لتحقيق هذا الهدف الذي لا يمكن إلا أن يسعى إليه كل من البلدين المغربيين أيضا منذ التسعينيات من القرن الماضي؟ ولم أكن في حاجة إلى بذل جهد للجواب عن هذا السؤال: فاستحالة العمل الوحدوي بين العرب لا يمكنه إلا أن يجعلنا نرى أن التفرقة العربية هي قدر العرب، وأن الوحدة هي ما يشغل الغرب لفرض هيمنته وسيادته، من جهة. وأن الشعور بأن الشرق شرق، والغرب غرب هو ما يطبع تفكير الغربيين في علاقتهم بالعرب، من جهة أخرى رغم ما يبذله العرب من جهود لإعلان علاقتهم بالغرب وسعيهم الدائم للتقرب منه، والخضوع لسيطرته، وإن كان بعض مثقفي هذه الأنظمة يدعون عكس ذلك، وهم يتحدثون على المستوى الفكري والثقافي عن التبعية للغرب والاستيلاب لدى بعض المثقفين الذين يطالبون بالتفاعل مع الثقافة الغربية.
فما الذي يجعل الغرب يتعامل مع العرب بهذه الكيفية في الفترات الحرجة والحاسمة التي تتصل بتحقيق حلم عربي ما في الوقت الذي نجد العرب يتهافتون على التقرب من الغرب في كل الظروف والملابسات حتى وإن كانت تتعلق بقضايا مصيرية تهم مستقبل حياتهم بين الأمم والشعوب؟ هذه الأسئلة البسيطة والمبتذلة جعلتني أستعيد نصا لمحمد عبده درَسته عندما كنت في الباكالوريا، ودرَّسته عدة سنوات لطلبة هذه السنة. جاء هذا النص في مجلة "العروة الوثقى" وفيه كتب محمد عبده منذ بداية القرن العشرين: "أمران خطيران تحمل عليهما الضرورة تارة، ويهدي إليهما الدين تارة أخرى، وقد تفيدهما التربية وممارسة الآداب. وكل منهما يطلب الآخر ويستصحبه بل يستلزمه. وبهما نمو الأمم وعظمتها ورفعتها واعتلاؤها، وهما الميل إلى وحدة تجمع، والكلف بسيادة لا توضع". وبعد تحليل دقيق للعلاقة بين الوحدة والسيادة يكتب: "إذا أحسست من أمة ميلا إلى الوحدة فبشرها بما أعد الله لها في مكنون غيبه من السيادة العليا والسلطة على متفرقة الأمم". وفي الحالة النقيض حين يكون الميل أكثر نحو التفرقة وتكريس التجزئة فلا يمكن إلا أن تتوقع الخضوع والخنوع وحياة الذل، وصورة الواقع العربي حاليا خير تمثيل لهذا التعبير.
كانت مطالب الوحدة العربية والإسلامية من بين أهم ما اعتنى به رجالات الإصلاح منذ بداية الاحتكاك بالآخر (الغرب الاستعماري)، ولم تكن الاستقلالات السياسية إلا نتاج وحدة الوطنيين الذين اجتمعوا على كلمة واحدة هي طرد المستعمر. لكن تشكيل الدول الوطنية أدى إلى الانشغال ب"بنائها"، وكل دولة عربية كان لها قدرها الخاص في ذلك. لكن تناسي الوحدة الجامعة بين العرب، وإن تحولت إلى شعار للاستهلاك دفع في اتجاه تكريس "النعرة" الوطنية في مرحلة، وفي أخرى تعميق الطائفية والعرقية، وإن ظل الحلم الجماعي بالوحدة كامنا في النفوس التي بقي يراودها بشكل لا شعوري.
يمكننا تجسيد هذا التمايز بين الشعور واللاشعور العربيين في ما يجري حاليا في كأس إفريقيا للأمم. فكل العرب قلوبهم مع الفرق المغاربية. ويبدو لنا الجليد المغربي الجزائري، مثلا، يذوب ويتبخر من خلال ما يعبر عنه جمهور البلدين من فرح وغبطة لتسجيل أي طرف منهما لهدف في مرمى غيرهم. لكن بانتهاء الحلم الكروي ستعود دار لقمان إلى حالها. إذا كانت مطامح الشعوب العربية تكمن في تحقيق الوحدة نجد الأنظمة العربية تعارضها بل وتعمل على تكريس التجزئة عبر تقوية النعرات المختلفة عن طريق فرضها بتسخير كل الإمكانات لجعلها واقعا دائما. وما نشاهده من صراعات عربية عربية سوى تمثيل لذلك.
لكم استبشرنا خيرا باتحاد المغرب العربي، وبمجلس التعاون الخليجي. لكنها لم تكن سوى أحلام يقظة. ظهر الكابوس الحقيقي ليعلن أن التفرقة هي الأساس الذي تسعى الأنظمة إلى فرضه على شعوبها. فبسبب الدفاع عن أطروحة الانفصال تحت شعار "تقرير المصير"، وانطلاقا من مناهضة "الإرهاب" يُمارس التقسيم وتُبث روح السجال والحروب الكلامية، وتُعمق الهوة بين الحلم الشعبي، والواقع السياسي. جاء الربيع العربي ليقول نريد حدا أدنى من الحلم الكبير، فيصير بدوره مكرسا للتجزئة، بانقسام الأنظمة إلى مناهض له باسم نشر الفتنة والفوضى، ومدافع عنه باعتباره مطلبا شعبيا. وفي كل حقبة من تطور العرب في العصر الحديث نجد العمل من أجل وأد فكرة الوحدة من المتخيل العربي. كان الانقسام بين الدول العربية على أساس نظام الحكم (جمهوري ملكي)، وانكشف مع الزمن أن لا فرق بينهما. ثم صار بين معارض للربيع العربي ومنتصر له. وبدا أن عدواه وصلت إلى السودان والجزائر في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب في اليمن وسوريا وليبيا نجد تدخل بعض الأنظمة ليس لحل المشاكل، ولكن لتكريسها وإدامتها بالانتصار لطرف على طرف آخر.
في مقابل هذا الوضع نجد الغرب وعلى رأسه أمريكا والصهيونية يستغلون هذا الواقع لتعميق التجزئة والانقسام بين العرب، من جهة، كما تقوم روسيا وتركيا وإيران، من جهة أخرى، بالعمل نفسه، وإن كانت الشعارات مختلفة إذ لكل مقاصده من إضعاف العرب وإبقاء منازلهم مخربة بأيديهم وأيدي أعدائهم. وما فضيحة القرن سوى التعبير الأجلى والأوضح لما انتهى إليه العرب من تشرذم وضعف، يحققون من خلالهما ما يسعى إليه أعداؤهم، وهم يعملون على إبقائهم خارج العصر، بلا حول لهم ولا طول.
هل يمكننا في غياب الوحدة، أو حتى التفكير فيها، أن نتحدث عن السيادة؟ من أين تأتي السيادة، وكل ما يتصل بها، يدل على العجز التام عن اتخاذ القرارات التي تهم الأوطان والشعوب. أنى لنا الحديث عنها في نطاق الخضوع لقرارات أمريكا والصهيونية وهما ترسمان خرائط مستقبل المنطقة؟ أو أمام ما تضطلع به روسيا وإيران وتركيا من أجل احتلال موقع رئيسي يغيب فيه العرب؟ أين هي "المفرقة" العربية التي كانت تسمى "الجامعة" في الوقت الذي نجد الدول الإفريقية تتدخل وسيطا بين المعارضة السودانية والعسكر، تماما كما كنا نرى روسيا وتركيا وإيران تجتمع لتقرير مصير سوريا في غياب أي دولة عربية؟
إذا أحسست من أمة ميلا إلى التفرقة فأنذرها بما أعد الله لها في مكنون غيبه من الخضوع والانبطاح أمام الأمم المتوحدة. هل هذا هو القَدر العربي الذي لا تني قِدره فوق الغليان الذي لا يؤدي إلا إلى المزيد من الاحتراق؟ إلى متى سيظل العرب كرة تتقاذفها أرجل الدول التي تحترم شعوبها، وتعمل من أجل إرضائها، وتحقيق الرفاهية لها؟ إن وحدة الدول المتقدمة وليدة تمثيلها لإرادة شعوبها. أما الدول العربية فمشكلتها الرئيسية التي تجعلها غير قادرة على تحقيق الوحدة والسيادة فتكمن في كونها لا تعمل من أجل شعوبها، ولا علاقة بها. إن بينها وبين شعوبها مسافة ضوئية، وهي لذلك لا تمثلها. حين تتوحد هذه الأنظمة مع شعوبها تتحقق الوحدة والسيادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.