دخلت القنوات الإذاعية الخاصة بالمغرب عقدها الثاني وأصبحت جزءا من المشهد الإعلامي الوطني بل ومن مكوناته الأساسية، بكل سلبياته وإيجابياته. وإذا كان مرور أزيد من عشر سنوات على ميلاد هذه الإذاعات الخاصة التي جاءت في سياق مسعى لم يكتمل لتحرير قطاع السمعي البصري ، يمنح حيزا زمنيا كافيا لدراسة وتقييم مضمون ما تبثه هذه القنوات بشكل علمي وشامل ودقيق، فإن هذا المقال لا يطمح لأكثر من تسجيل انطباع عام عن مضمون برامج هذه الإذاعات وخصوصا منها البرامج ذات الطابع الاجتماعي والموجهة لشرائح محددة من المواطنين المستمعين. ومن المؤكد اليوم أن ظهور الإذاعات الخاصة لم يرفع في شيء من سقف حرية الصحافة والتعبير حيث لم تتجاوز وسائل الاتصال الجماهيري الجديدة السقوف القائمة بل وقد لا تكون سعت حتى إلى بلوغها لأسباب متعددة منها ولاءات سياسية ومصالح اقتصادية وتجارية وإكراهات سوق الإشهار وضعف الاستثمار. وإذا كانت الإذاعات الخاصة( باستثناء قناة تبث باللغة الفرنسية ولها حوض بث محدود تقدم برامج حوارية سياسية يومية ) لم تذهب بعيدا في إبداع برامج سياسية جريئة مع الانطلاقة ،على غرار ما قامت به القناة التلفزية الثانية عند انطلاقتها كقناة خاصة مثلا، فإنها ركزت وتركز ، وبنجاح متفاوت، على تقديم برامج اجتماعية تخاطب المواطن المستمع بخصوص قضايا حياتية يومية، بعضها ظل غير مطروق سابقا. إن هذه النوعية من البرامج تحقق تفاعلا كبيرا ومن شرائح واسعة من المستميعين بالنظر لتنوعها، وهي في الوقت نفسه برامج غير مكلفة سياسيا أي " برامج آمنة" خصوصا بالطريقة التي تقدم بها والزاوية التي تتم من خلالها معالجة المواضيع المطروقة وهو ما يتعين التوقف عنده لتسجيل بعض ملاحظات أولية تحتاج بالتأكيد إلى تمحيص علمي كمي وكيفي لتأكيدها بهذا القدر أو ذاك أو دحضها تماما. فهناك ما يمكن أن نصفه بالخيط الناظم لأغلب برامج القنوات الإذاعية الخاصة فهي تنطلق من تشخيص موحد وواحد للوضع الاجتماعي لكل الفئات ولكل المشاكل مفاده أن الأصل والمنتهى هو وجود سوء تقدير أو سوء تدبير من طرف الفرد ( المستمع). إن أفضل تجسيد لهذا المنحى تمثله البرامج التي تسعى لتلقين الأسر كيفية تدبير ميزانية البيت مثلا حيث لا يتردد الخبير الضيف في أن يلقي باللائمة على الأب أو الأم الذي يشتكي من صعوبة تلبية حاجيات الأبناء والحياة ليقول له ولها بشكل ضمني أو واضح إن المشكلة ليست في حجم الدخل الشهري او السنوي بل المشكلة في تدبيره. وإذا كان البرنامج ( البرامج) يحمل المستمع الفرد مسؤولية صعوباته الاقتصادية فإنه يرسخ لديه أيضا فكرة أن المشكلة تبدأ معه وتنتهي عنده وبالتالي لا داعي للبحث عن مسببات أخرى لضيق ذات اليد خارج هذه الحدود. ومن البرامج التي لقيت رواجا كبيرا في أغلب الإذاعات الخاصة هي تلك التي تستضيف من يمكن وصفهم ب"أصحاب كل التخصصات"، حيث يعمد الضيف إلى تقديم وصفات النجاح أو السعادة على المقاس وعلى الفور. إنها وصفات تقوم بشكل صرف على ما هو ذاتي لتكرس هذه البرامج أيضا فكرة مفادها أن النجاح والفشل مسألة ذاتية صرفة لا علاقة لها بما هو موضوعي أو بما هو فوقي وبالتالي على الفاشلين والعاطلين والمتروكين على الهامش أن لا يلوموا إلا أنفسهم فكل شيء يبدأ عندهم وينتهي عندهم، ولا داعي مرة أخرى للبحث عن مسببات خارج هذه الحدود. ويمتد هذا المنطق ليشمل بعض البرامج التي تهتم بالشأن السياسي والمحلي منه بالخصوص فغالبا ما يتردد فيها أن المواطن الناخب هو من اختار السياسي الذي يشتكي منه اليوم . والرسالة هنا أيضا واضحة فإذا كان هناك من فساد أو إفساد للحياة السياسية فالمواطن المستمع وحده هو المدان. ولأن المرأة ، وخصوصا الأم والزوجة، كانت وما تزال الهدف المفضل لكل وسائل الإعلام باعتبارها في غالب الأحيان صاحبة قرار الإنفاق أو توجيه الانفاق وبالتالي فهي من المستهدفين الأوائل بالإشهار، لأن المرأة كذلك، فإن الضغط عليها يكون مضاعفا. فالمرأة حسب البرامج الاجتماعية في الإذاعات الخاصة والتي تحظى فيها بنصيب الأسد، مسؤولة عن صحتها وعن صحة زوجها وعن صحة أبنائها وعن تفوقهم الدراسي وعن جمالها وعن راحة بالها وعن النجاح في عملها وعن ألوان صالونها ولذة طبيخها وسلامة أظافرها وأيضا عن لعب دور فاعل في الحياة السياسية والاقتصادية وكتابة قصص نجاح لتقديمها دليلا على ما تحقق من تقدم. وبالإضافة إلى الرسالة التي تبعث بها أغلب هذه البرامج لمستمعيها فإن الأهم يبقى أن القناة أو البرنامج وهي تحمل المستمعين مسؤولية مشاكلهم ، فإنها تحرص في أغلب الأحيان على مخاطبتهم كأفراد ، بمعنى أن رسالة هذه البرامج تقول أيضا إن المشاكل مشاكل فردية خالصة وبالتالي فإن الحل لا يمكن إلا أن يكون إلا حلا فرديا خالصا أيضا. و يتجسد النجاح في تكريس هذه الرسالة من خلال البرامج التفاعلية عندما يتصل مستمع ليقترح حلا على مستمع آخر اشتكى من مشكلة حيث يتصرف المتصل وكأنه طبيب غير معني إلا بخدمة " التعيس" الذي باح بمعاناته فلا شيء مشترك ولكل فرد مشكلته ولكل مشكلة حلها. إن البرامج الاجتماعية للقنوات الإذاعية الخاصة تبعث في أغلبها برسالة للمستمع المواطن الفرد مفادها" أنت السبب ... أنت المشكلة" وربما للتخفيف من وطأة الرسالة فإن كل هذه البرامج تستقبل أوفياءها بعبارة " عزيزي المستمع".