إلهام بنجدية لا تنفك بعض الإذاعات الخاصة في برامجها الموصوفة ب"التفاعلية" عن إثارة الجدل حولها، سواء في الحقل الإعلامي أو الاجتماعي.. إذ كشفت لنا آراء ومعطيات مختلفة، وعقوبات الهيئة العليا للسمعي البصري، عن حقائق أكثر إثارة من "الإثارة" التي تنعت بها هذه البرامج من قبل المستمعين والمحللين الذين استضفناهم في هذا الخاص، إذ منهم من يقول إن هاته البرامج منها من يخاطب المستمع في حاجياته ويحقق التواصل الاحترافي معه، ومنها من يظل محل اتهام بالابتذال و التفاهة و"الشعبوية الإعلامية" التي تجعل الدور التأطيري للمنشط ضعيفا وباهتا، حيث يصبح الجمهور في نهاية المطاف هو المتحكم في التنشيط لا المنشط، على رأي عبد الوهاب الرامي، خبير الإعلام والاتصال، بل إنها لا تعدو كونها "دعارة من نوع آخر.. تقدم حلولا معطوبة بفعل المقاربة "الفرجوية" التي تتبناها للفوز بأكبر نسبة من المستمعين" على حد توصيف مصطفى شكدالي، الباحث في علم النفس الاجتماعي وأستاذ السوسيولوجيا.. منشطون شبههم يحيي اليحياوي، الباحث في المجال السمعي البصري ب"علماء الدولة العباسية"، الذين يدلون بدلوهم في كل حدث وزمان ومكان، أمام تراجع واضح ل"الهاكا" على حد قول اليحياوي، لاسيما بعد دسترتها. برامج طبخ وتجميل وتحليل نفسي وكوتشيغ وبوح تفاعلي.. ولدت صخبا، وبرامج طب بديل أفرزت ضجة أكبر بعد أن كشفت وزارة الصحة أن مركزها القومي لمحاربة التسمم سجل منذ "أشهر ارتفاعا ملحوظا لعدد الأشخاص المصابين بالتسمم نتيجة استهلاكهم لمواد قدمت بشأنها نصائح في برامج إذاعية"، لتظل الأسئلة التالي التي تطرح نفسها في مجالنا السمعي البصري: متى سنسمع عن برامج ترقى بالمستمع وتخدم انتظاراته، وتخاطب فيه العقل لا الغرائز؟ وهل من الممكن أن تتحول الإذاعات التي تقدم البرامج المثيرة للجدل إلى إذاعات "موسيقية" فقط خوفا من العقوبات المتلاحقة؟ وإلى متى سيظل "الطابو" طاغيا على البرمجة الإذاعية في ظل حرية قد تفقد من يمارسها بشكل غير مفهوم مصداقيته؟ وهي استفسارات تظل مطروحة إزاء "زخم الإذاعات الخاصة"، والمؤسسات والشخصيات الأخرى التي تسعى جاهدة للحصول على تراخيص بغية إطلاق جيل آخر من "الإذاعات". منبر إعلامي تقف عند أبوابه المترعة، كلمات وأحاسيس المستمع في انتظار من يعيد ترتيبها، ووسيط إعلامي يحاول أن يكون الأذن الصاغية للمواطن بمختلف مشاربه، إنها الإذاعة. هل يمكن القول أن القطاع السمعي البصري تحرر فعلا? فالمؤكد أنه حتى المستمع/المشاهد صار يصيخ السمع إلى المضمون الأثيري بتفاعل كبير، في ظل عقارب مستجدات الحياة المتسارعة، ليصبح الآن ونحن معه أمام موجة من البرامج، لعدد من الإذاعات الخاصة التي تعتبر المتنفس والفسحة، للإعراب عن ما يخامر الخلجات وما يعتمل بأروقة العيش اليومي. فهل أصبحت بعض إذاعاتنا الخاصة تشكل قوة تنافسية فيما بينها؟ وقوة اقتراحيه وتأثيرية في المجتمع المغربي؟ وما حدود التشنج بينها وبين الهيئة العليا للسمعي البصري، التي كانت تضرب بقوة على الطاولة قبل أن تتم دسترتها؟ ألا يعني تدخل «الهاكا» من ذي قبل تقلصا في مساحة الحريات، وتدخلا في شؤون المتعهدين؟.. «الهاكا» التي على رأي الأستاذ يحيى اليحياوي -الذي أدلى لنا بدلوه في هذا الخاص- توارى تدخلها عن الأنظار -منذ أن أصبحت مؤسسة دستورية- في برامج ومنشطين اعتبرهم اليحياوي الباحث في المجال السمعي البصري «منشطين بالمعنى القدحي للكلمة، كما منشطي الحفلات» و«ناس كيصورو طرف ديال الخبز».هذا فضلا على أن عددا من هذه الإذاعات الخاصة الموضوعة في قفص الاتهام وفي أحايين كثيرة سمحت بظهور برامج بلا فحوى، وأخرى يكون فيها عدد المنشطين والضيوف ربما أكثر من عدد المستمعين، فيما يشبه حلقة من «حلقات جامع الفنا» تستخف بالمستمع، وثالثة تتناول المسكوت عنه من «الطابوهات» الجنسية بنوع من المبالغة وتخطي الخط الأحمر. كما أن مثل هذا التوصيف جاء في جملة من الآراء التي استقتها «المساء» من بعض المستمعين، ومن الباحثين المهتمين بالميدان، أمثال الأستاذ عبد الوهاب الرامي الخبير في الإعلام والاتصال، والذي عزا ما تلجأ إليه الإذاعات «إلى ما يمكن تسميته بإشهار الحياة الخاصة أو 'إشهار الحميمية' والذي يشكل عامل جلب للمستمعين الذين يمارسون من جانبهم لعبة التلصص على الآخرين». في الوقت الذي قال لنا فيه مصطفى الشكدالي الباحث في علم النفس الاجتماعي وأستاذ السوسيولوجيا، إن نتيجة تسونامي برامج الإذاعات الخاصة التي اجتاحت إعلامنا المغربي هي»تقديم حلول معطوبة بفعل المقاربة «الفرجوية»، التي تتبناها للفوز بأكبر نسبة من الاستماع، واعتبرها «دعارة من نوع آخر» تلعب فيها بعض البرامج والتي تبث ليلا، دور «الوسيط» والمشجع على المزيد من إفراز المكبوت الجنسي وبطرق بذيئة». الأمر الذي لا ينفي -طبعا -وجود جملة من البرامج الجادة والمنشطين الأكفاء، الذين وصلوا لمستمعيهم بخطاباتهم الخاصة مباشرة دون ساعي بريد، وبين هذا وذاك يبقى ائتلاف واختلاف في وجهات النظر، وجدل وحب وعتاب، في هذا الخاص الذي أنجزته «المساء»، والذي طرقت الجريدة من خلاله غير قليل من الأبواب الموكولة بها مهمة ترتيب البيت الإذاعي والإعلامي، والأبواب الإذاعية المعروفة في البرمجة والبرامج التفاعلية للبوح الليلي والطبخ والتحليل السوسيولوجي والنفسي..أبواب منها من أدار المفتاح ومنها من علق لافتة على الباب عنوانها:»ممنوع الاقتراب». مسلسل تحرير القطاع السمعي البصري بالمغرب انطلق عمليا في 17 ماي 2006، حين منحت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري(الهاكا)، عشرة تراخيص لإحداث واستغلال خدمات إذاعية غير عمومية، شملت إذاعة «أصوات»و «أطلنتيك»و «كاب راديو»، و»شدى إف.إم»و «هيت راديو»، و» سايس إف.إم»و»أطلس إ.ف.ام»و»راديو بلوس مراكش»، و»راديو بلوس أكادير»، لتأتي بعدها دفعة جديدة من خلال الجيل الثاني من التراخيص لأربع إذاعات أخرى في 29 فبراير 2009 وهي «راديو مارس»، «مدينة إف.إم»، «راديو لوكس»و «ميد راديو»، بالإضافة إلى «إذاعة سوا» و»ميد1» الأجنبيتين، الهدف من هذه التراخيص، حسب الهاكا، هو «دمقرطة العرض السمعي البصري الخاص لفائدة المواطنين المغاربة عبر تمتيعه في مجموع المناطق الجغرافية، بعرض سمعي بصري خاص ومتنوع وذي جودة في المضامين، غير أن ما لوحظ حسب محللين هو تراجع دور «الهاكا» بعد تحولها إلى مؤسسة دستورية، لتحل محلها وزارة الاتصال التي راحت تبرم اتفاقيات وتعقد شراكات مع الإذاعات الخاصة لدعمها والمساهمة في إغناء برمجتها.. وهو الدور الذي هو في الأصل موكول ل»الهاكا»، ليطرح السؤال إلى متى ستبقى الأخيرة مكتفية بالمراقبة، رغم أنها مؤسسة دستورية مكلفة بتسيير السمعي البصري؟ شرطي اسمه «الهاكا» أقر التقرير التركيبي الذي أصدرته ''الهاكا'' سنة2009 (والمخصص لمدى احترام التعددية داخل نشرات الأخبار والمجلات الإخبارية والبرامج الأخرى )، بأن مبدأ الإنصاف وضمان تعددية الفكر والرأي اخترق داخل جل الإذاعات الخاصة، وهذا ما يطرح علامة استفهام بخصوص جدلية السياسي والإعلامي في تجربة تحرير قطاع السمعي البصري في المغرب، وقد أمطرت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري الإذاعات الخاصة «بوابل» من العقوبات المتعلقة بأخلاقيات البرامج، تتراوح بين الإنذار والعقوبة المالية ووقف بث برنامج وتخفيض مدة الترخيص. وفي هذا المضمار لم يسبق لأي من الإذاعات الخاصة أن رفضت تطبيق عقوبات الهيئة العليا للسمعي البصري أو طعنت فيها أمام المحاكم الإدارية، رغم أن القانون يمنحها هذه الإمكانية، بل تسارع إلى الامتثال، مما أثار نقاشا حادا في المشهد الإعلامي والسياسي المغربي، الجانب غير المشرق في عقوبات «الهاكا»هو الضغط على الإذاعات وتضييق هامش الحرية،علاوة على الدفع بها –الإذاعات-إلى الخوض في مواضيع عادية لا تثير سجالا، و«قد تتحول جل الإذاعات إلى إذاعات موسيقية حتى لا تثير أي مشكل»، و»على «الهاكا» أن تأخذ بعين الاعتبار أن الميدان جديد في المغرب، وأن الكوادر العاملة في المجال مازالت في طور التكوين، كما عليها أن تتفهم بأن الإعلام المغربي يعيش مرحلة انتقالية، وأن تخفف من المراقبة و«قمع» الإذاعات، وأن لا تتدخل إلا عندما يكون هناك إخلال صريح وواضح بالثوابت أو الأخلاق»والكلام هنا لأحد المسؤولين الإذاعيين. كثيرة هي عقوبات «الشرطي الهاكا»على الإذاعات الخاصة، نذكر منها: إذاعة « شدى إف إم»بخصوص برنامج اشتمل على دعاية تجارية غير معلنة لصالح مجموعة عقارية، فكانت العقوبة غرامة مالية قدرها 35.000 درهم، مع وقف البرنامج لمدة سبعة أيام، ثم إنذار في حق الإذاعة نفسها، بسبب التحريض على العنف ضد المرأة والإساءة إلى صورتها وتقديم تصريحات ذات طابع تمييزي وعنصري والتشجيع على الغش في الامتحانات. كما سبق وأوقفت الهيئة العليا للسمعي بتاريخ 2 يونيو 2010 بث الخدمة الإذاعية ''راديو مارس'' كليا لمدة ثمانية وأربعين ساعة، وفرضت عقوبة مالية قدرها 57 ألف درهم، بسبب إخلالها بثوابت المملكة المغربية كما هي محددة في الدستور، ومنها بالخصوص تلك المتعلقة بالنظام الملكي، حيث سجل أن إذاعة»راديو مارس» استضافت في أحد برامجها المخرج هشام عيوش، وقال جوابا عن سؤال وجه له أنه يريد أن يصبح رئيس الجمهورية. ولم تسلم شركة «إم. إف.إم». إذاعة وتلفزة بدورها، إذ أصدر المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري عقوبة مالية قيمتها 120 ألف درهم لعدم احترامها شروط الرعاية والإشهار، وذكر قرار المجلس أن برنامج «عين على السوق» الذي تقدمه الخدمتان الإذاعيتان «كازا إف.إم» و»إم.إف.إم أطلس»، وبرنامج يوميات السوق الذي تقدمه الخدمة الإذاعية .»إف.إم سايس». تضمنت إخلالات في مخالفة للمقتضيات القانونية والتعاقدية المفروضة على المتعهد بمقتضى القانون رقم 03,77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري. جل القرارات الزجرية التي سبق ل»الهاكا» أن اتخذتها في حق الإذاعات الخاصة. مرتبطة «بأخلاقيات البرامج» مثل ما يصطلح عليه في أدبياتها القانونية بعدم التحكم في البث والمس بالكرامة الإنسانية والأخلاق العامة، وعدم احترام الجمهور الناشئ والتلفظ بكلمات نابية. وقد كان «مومو» دائما، وراء فرض عدة عقوبات في سنوات 2007، 2008 و2010، من خلال برنامجيه «ليبر أونتين» و«لومورنينغ دو مومو»، والمشكل دائما ذو طبيعة أخلاقية. أحد الإذاعيين المعروفين صرح مؤخرا أن بعض الإذاعات الخاصة تتنافس في الميوعة،فحسبه لا يُعقل أن تبث إذاعة خاصة أغاني يصف فيها المغني بطريقة شهوانية جسد امرأة ما، ولا يعقل أن تبث أغاني تتغنى بالخمر وبالعلاقات غير المشروعة.ليفجر القنبلة في الأخير ويصف ما يسمعه بنوع من البورنوغرافية المسموعة المتجسدة في أغاني وبرامج بدون هوية. في هذا السياق يقول مستمعون استقينا أرائهم أن ما ترومه برامج بعض الإذاعات الخاصة هو «الإثارة»و»إيقاظ الغرائز»وخلق نوع من الجرأة غير المعهودة، ليضيف الأستاذ يحيى اليحياوي الباحث في المجال السمعي البصري:»لا يوجد «طابو»، لأن هناك قضايا موجودة لا تنكر مثل المثلية والدعارة..وبعض الظواهر الاجتماعية.. السؤال هو هل يمكن تناولها في الإذاعة؟ هناك من يقول إنها أمور حميمة تصدم المجتمع، وثمة من يقول لا حرج..إذن من اللازم تقييم موضوعي لخطاب الإذاعات ولصحفييها وتكوينهم وغايتهم ..وهل لما يفتح «الطابو» تكون له أهداف تربوية أم لمجرد تشويق وفرجة إذاعية يتلذذ المواطن الأمي فيها بجلد الذات..إن العيب كل العيب في طريقة المعالجة وليس في فتح الطابو «. «الفقهاء في كل شيء» «تفشي مفهوم العيادة النفسية الإذاعية في الآونة الأخيرة، والذي يعني تفريغ الشحنات النفسية والوجدانية بالكلام عن المشاكل المعيشة، ويتم في البرامج التي تتبنى هذا التصور تجاوز الخلوة المعروفة في الطب النفسي، والتي تعبر عن الالتقاء بالذات بمساعدة الطبيب النفساني»القول هنا لخبير الإعلام والاتصال عبد الوهاب الرامي،عن موجة الطب النفسي التي اكتسحت برامج عدد من إذاعاتنا الخاصة، ليشبه الأستاذ يحيى اليحياوي منشطي بعض برامج الإذاعات «بفقهاء الدولة العباسية «غير أن الفرق هو أن أولائك العلماء كانت لديهم يد في كل علم، ومع ذلك كانوا لا يتجرؤون على الخوض في كل حادث وحديث، لينعت بعدها متخصصي التحليل النفسي الإذاعي بأنهم «أناس بيع وشراء»، تماما كما صرح لنا بعض المستمعين أن هدف هؤلاء المحللين النفسيين هو استقطاب المستمعين لعياداتهم الخاصة، ويعلق على متخصصي الطب البديل قائلا:» ظاهرة الأعشاب كونية، وجيدة لكنها لا تعفي من الطبيب، فالتداوي بالأعشاب في البادية مجرب ومعمول به، ولكن أن يتحول إلى حرفة طبية متخصصة فيها نظر». وصفات الطب النفسي أثارت سجالا كبيرا ووصفات التداوي بالأعشاب ولدت سجالا أكثر، جعل وزير الصحة الحسين الوردي يعترف بفشله في منعه وصفات «أطباء» الأعشاب في الإذاعات،ويدعو الهيئة العليا لتقنين الإذاعات والتلفزيون، إلى التدخل من أجل وقف بث «البرامج الخاصة بالنصائح الطبية» على أثير الإذاعات المغربية الحكومية والخاصة، إذ كشفت وزارة الصحة أن مركزها القومي لمحاربة التسمم، سجل منذ «أشهر ارتفاعا ملحوظا لعدد الأشخاص المصابين بالتسمم نتيجة استهلاكهم لمواد» قدمت بشأنها نصائح في برامج إذاعية. نجاح قياسي ولكن كلام جاد، وآخر عنوانه الإثارة، عن الضوابط المهنية والأخلاقية، منطق تجاري يتحكم وبحث عن الربح، عبر نسبة استماع عالية وإشهار لإذاعات خاصة حققت نجاحا كبيرا جدا، نظرا لحرية التعبير التي منحت لها، والتي جعلتها تتميز وتتفوق على الإذاعات الرسمية، التي ظلت لردح من الزمن محتكرة المجال السمعي، هذا بينما يظل عدد من المؤسسات في سعيها الحثيث للحصول على تراخيص بغية إطلاق جيل آخر يرى المستثمرون أنه سيعمق الأزمة، بينما يرى غيرهم أنه سيزيد من فرص التشغيل والتنوع والمنافسة. إذ تستقطب الإذاعات الخاصة بالمغرب ما يقرب ثلاثة ملايين مستمع مغربي يوميا، مما يجعلها قطبا مهما لتفاعل المجتمع مع الإعلام. إذاعات في بدايات تجربتها قدمت برامج ثقافية وعلمية واقتصادية هادفة، بينما الآن نجد أنفسنا وجها لوجه أمام الترفيه والبرامج الاجتماعية والإنسانية الليلية، وقلة البرامج التفاعلية، فهل الخلل في البرمجة؟ أم الخلل في الحاجة إلى البوح أكثر عبر الأثير؟ يقول الأستاذ عبد الوهاب الرامي: «أصبحت بعض البرامج داخل الإذاعات الخاصة بالمغرب، موعدا للقاء بين الجنسين، وذلك للتداول ومناقشة جملة من القضايا ذات الطابع الاجتماعي، وهو شيء لا يخلو من فائدة. إلا أن المعيب هنا أنه يتم الدفع بالمستمعين أحيانا، وبشكل مفتعل، نحو استعراض البواطن، والبوح بالمستور الذي يدخل في دائرة الخصوصية. ويجب على المنشطين عدم الانغماس في هذه المواضيع كما لو كانوا في دردشة بمقهى التجار، كما عليهم تأطيرها حتى تؤدي الغاية المرجوة، وبما أنه لا يمكن التثبت من الهوية الحقيقية للمستمع الذي يشارك في برامج الدردشة الجماعية، فإن المشاركات الخارجية تكون منفتحة على النصب والاحتيال وانتحال الشخصية والدجل، والدليل على ذلك القصص الخيالية التي تثار أحيانا، والتي لها قدرة استقطاب كبيرة لغرائبيتها، أما بعد، فلا يصح أن يؤخذ الكلام السابق على وجه التعميم، إذ هناك داخل الإذاعات الخاصة منشطون جيدون، وبرامج لا يمكن نعتها بالرديئة». إذن تبقى هذه جملة من الآراء والشهادات والكلمات وغيض من فيض يحمل الكثير ويفتح الأكثر لنقاش هادئ وبناء مع إذاعاتنا الخاصة المغربية وبرامجها التفاعلية التي يظل أصبع الإبهام موجها إليها بالاتهام حتى وإن إلى حين. مومو.. «حرية» مثيرة للجدل «هيت راديو» كانت أول إذاعة يستدعى مديرها للاستماع إليه أمام أعضاء «الهاكا»، وأول إذاعة تعاقبها الأخيرة بأداء مبالغ مالية مهمة جدا أكثر من مرة، بسبب منشطها مومو. وبرنامجيه المثيرين «ليبر أونتين»و»لومورنينغ دو مومو». «مومو هو من اختيار مارك شورير الشخص الذي ساعدني في بداية مشواري بالمجال الإذاعي، يختصرون بفرنسا اسم محمد ب 'مومو'، و منذ ذلك الحين اعتمدت لقب مومو في مسيرتي، المستمع يتفاعل معنا في البرنامج بشكل مستمر و يتواصل معنا، حتى أننا ننبهر في بعض الحالات بما يطلبه وبطريقة تفاعله الجيدة والعالية، نتلقى اتصالات مكثفة طيلة الأربع ساعات من البرنامج وبشكل يومي من جميع الفئات العمرية ذكورا وإناثا، أما عن طريقتي الخاصة في الإلقاء والتفاعل وانتقاء الكلمات هل وصلت بها إلى المستمع، فاعتقد أن الأخير من له كامل الحرية في الإجابة عنها، بناء على نظرته لمومو، ففي برنامج»مورنيغ دو مومو»لنا كامل الحرية «للتطرق إلى أي موضوع بطريقتنا الخاصة، وليس لنا مع الهيئة العليا للسمعي البصري أي مشكل يذكر». هذا ما صرح به لنا منشط إذاعة «هيت راديو، فالمنشط «المشاكس»كبد الإذاعة الشبابية «هيت راديو» غرامة مالية ثقيلة في سنوات 2007 2008 و2010، من خلال برنامجيه «ليبر أونتين» الذي يناقش مجموعة من القضايا الحساسة اجتماعيا وثقافيا، مثل استهلاك المخدرات والكحول والخيانة الزوجية والاغتصاب والشذوذ الجنسي.. و»لومورنينغ دو مومو»، لينص قرار الهيئة العليا للسمعي البصري على أن حلقة برنامج بث حر، التي تم بثها خلال شهر غشت 2008 وخصوصا تلك التي بثت من 18 إلى 21 منه، تضمنت حوارات ذات طبيعة «بورنوغرافية» تمس صراحة بالأخلاق العامة، تم التحريض عليها بطريقة متكررة وبدون تحفظ من طرف منشطي البرنامج». بل ذهب قرار «الهاكا» إلى أبعد من ذلك، عندما أكد أن مومو قام بالتحريض على القيام بهذه الحوارات البورنوغرافية، إذ ذكر نص القرار أنه «ثبت تحريض منشطي البرنامج وبدون تحفظ وبطريقة متكررة على هذه الحوارات»، كما عاد مجلس «الهاكا» إلى تذكير أصحاب الإذاعة بأن «الحرية يجب أن تمارس في ظل احترام الكرامة الإنسانية والقيم الدينية والنظام العام والأخلاق العامة، مما يفرض على المتعهد ضمان التحكم في البث في كل الظروف، وخصوصا في البرامج التفاعلية التي تستهدف فئة الشباب والمراهقين والجمهور الناشئ». بوصفيحة ضمن حوار سابق له مع موقع إعلامي قال:» أنا ضد البرامج التي تعرضها العديد من الإذاعات، والتي تبقى بعيدة عن معالجة المشاكل الجنسية لدى البعض، أو توضيح ما يجب توضيحه للناس، فتبقى البرامج ذاتها مستعملة كوسيلة استقطاب خادشة للذوق العام».» وهو بذلك لم يكف قط عن إثارة الصخب من حوله، فقد كان قسم المراقبة والتتبع داخل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، سجل سابقا جملة من الخروقات التي شابت برنامج «ليبر أنطين»، والتي كانت وراء إصدار القرار العقوبة، خاصة في ما يتعلق بثلاث حلقات (بثت في نونبر 2007)، إذ تحدثت مستمعة شابة في إحداها عن موضوع خيانتها لصديقها، وهو ما رد عليه مومو، منشط البرنامج بالقول «واش خيانة ديال البوسان ولا أرا برع». كما سخر مومو أيضا من اتصال مستمع تحدث عن تعرضه للاغتصاب في سن مبكرة، وقال له ضاحكا أنه غالبا في تلك الليلة لم تكن هناك فتيات، مما اضطر المغتصب لملء الفراغ برجل، ليعلق في الحلقة ذاتها على كلام مستمع تعرض كذلك للاغتصاب من طرف صديقه ويكتشف بعدها ميولاته الجنسية ، بقوله»واش وقع ليك هادشي في الليلة نفسها اللي تغتاصب فيها صاحبنا اللي قبل»، ويستمر المنشط الإذاعي الشاب الملقب بمومو، ليطرح السؤال من جديد. أديب سليكي.. «بصراحة» تقول إلى التوفيق سبق وأن قررت «الهاكا» وقف بث برنامج «بصراحة»، الذي تقدمه الخدمتان الإذاعيتان «راديو بليس مراكش» و»راديو بليس أكادير» لمدة أسبوع كامل، وفرضت عقوبة مالية على شركة «راديو بليس»قدرها ثلاثون ألف (30.000) درهم، وجاء في البرنامج الذي بث يوم 9 أبريل 2010، تصريح وشهادة أم طفل تعرض لاستغلال جنسي، وفي حلقة يوم 13 أبريل 2010 تم إيقاظ الطفل الذي تعرض لهذا الاستغلال من النوم على الساعة الحادية عشرة ليلا، لسرد التفاصيل المتعلقة بعملية الاستغلال الجنسي الذي تعرض له، وكان من أسئلة المنشِط للطفل: «واش تتبقى لابس حوايجك أو تتحيدهوم؟..تتحيد غير السروال؟.. شحال تتبقاو ديال الوقت نتا وإياه؟.. هو تيحد حوايجو أولا ما تيحيدهومش؟.. شحال مرة مشيتي معاه؟»، فاتضح للهاكا «أن البرنامج لم يراع الوضعية النفسية الصعبة للطفل الذي تم أخذ شهادته، وعرضت سلامته النفسية للخطر». البرنامج الذي طرح أكثر من علامة استفهام في وسط الإعلاميين والمستمعين، لأديب السليكي، المقدم الذي أفضى لنا بسر «صراحته»الذي اعتبرها البعض زائدة عن اللزوم في برنامجه»بصراحة» فقال:»عندما قررنا إخراج برنامجنا بصراحة للوجود قال لنا الإعلامي عبد الرحمان العدوي مالك الإذاعة: 'إذا أردتم النجاح في برنامج بصراحة « خاطبوا الناس بصدق، تكلموا معهم من قلوبكم ليسمعوكم بقلوبهم'، هذه خارطة الطريق التي نهجها البرنامج: الصدق في الكلام والإحساس العميق بمشاكل الناس، فضلا عن البساطة في التواصل والقرب الحقيقي من الناس..»، كما أكد لنا أن المشاركين في برنامجه يحكون مشاكلهم بواقعية صادقة، وأنهم ظلوا يتكلمون بلسان الحال مذ بداية البرنامج سنة 2007 لما كنا نستقبل المشاكل على المباشر، وبعدها بسنتين بدأ فريق الأعداد يدرس الحالات قبل عرضها على المباشر . ليطرح اللبس من جديد هل «المباشر» هو المتهم الذي يجعل المنشط يحيد عن الطريق، ولا يتحكم في المضمون أم المنشط نفسه؟ من الطرائف التي تذكر في هذا الإطار أن مقدم برنامج بإحدى المحطات الإذاعية الخاصة تعرض لهجوم، من طرف أحد الأشخاص عند خروجه من باب الإذاعة التي يشتغل بها، والسبب هو أن المذيع تلقى اتصالا على الهواء من طرف مستمعة تشكو له سوء معاملة زوجها لها، فنصحها مقدم البرنامج بالابتعاد عنه، وهو ما أثار حفيظة الزوج الذي كان يستمع للبرنامج، بحيث انتقل فورا إلى مقر الإذاعة وقام بالاعتداء على المذيع، مسببا له كدمات في الوجه. مهما كان مستوى اللغة الإذاعية ونوعية الأسلوب التنشيطي يبقى الرهان الأساس على المنشط بعينه، سيما إن كان وجها معروفا، في هذا السياق يقول الأستاذ عبد الوهاب الرامي: «الإذاعات الخاصة تعيش سباقا محموما من أجل استقطاب المنشطين النجوم، والتهافت لدى بعض المنشطين على النجومية دون امتلاك أدواتها المهنية، يسقطهم في وهم أن الشرعية الوحيدة التي يستندون إليها من أجل الاستمرار، هي الإمعان في محاباة الجمهور. وهنا لا بد من الحديث عن مفهوم الشعبوية الإعلامية (على غرار الشعبوية السياسية)، والتي تجعل الدور التأطيري للمنشط ضعيفا وباهتا، إذ يصبح الجمهور في نهاية المطاف هو المتحكم في التنشيط لا المنشط، وانقلاب الأدوار بين المنشط الإذاعي ومحاوريه دليل على ضعف الأداء المهني». يحيى بلحسن.. بوح في سكون الليل في سؤال له عن دور البرنامج التفاعلي لدى المتلقي المستمع أجابنا يحيى بلحسن معد ومقدم برنامج احكيلي باذاعة «كاب راديو»:» أن برنامجه نموذج استطاع خلال ست سنوات من عمره، المساهمة بشكل بناء في تشكيل الوعي وتكوين الصورة الذهنية لدى المجتمع،عبر تغيير الرأي العام الذي لم يعد مستقبلا للمعلومة أو الخبر فقط، بل أصبح يتفاعل ويتأثر عقليا وفكريا وسلوكيا مع مختلف المستمعين.. المواضيع والتجارب، التي يطرحها المستمعون على الهواء مباشرة تكون في قالب يسوده الاحترام. وكل مستمع من حقه المشاركة في البرنامج وتقاسم موضوعه أو آرائه مع المجتمع، شريطة التقيد ببعض الضوابط الأخلاقية، دون الخوض في سرد بعض المواضيع التي يكون أساسها جنسيا فقط، وإن كانت هناك برامج تفاعلية أخرى تسمح بطرح هذا النوع من المواضيع». ليضيف يحيى بلحسن معلقا على عملية بوح المستمع خاصة في الفترة الليلية أن ما يميز الليل عن النهار هو السكينة والهدوء، اللذين يساهمان في خلق مناخ مناسب لحسن الاستماع والبوح». وهو القول الذي يتنافى مع مستمعين أخذنا شهاداتهم، لينعتوا قضايا البوح الليلي خاصة بأنها تتخطى الخط الأحمر وتشاكس وتستفز المستمعين مع عائلاتهم. سناء كناني.. نصائح في الطبخ والتحميل قالت لنا سناء كناني مقدمة ومعدة برنامج للا مولاتي ب»ميد راديو» إن:»كل الإذاعات قامت بنفس التصور الخاص ببرنامج»للامولاتي» في نفس المضمار بلا تغيير، وهذا ما يفرحنا كثيرا لأننا قمنا بنقلة كبيرة سايرتنا فيها غالبية الإذاعات». منشطة برنامج الطبخ والتجميل التي يعرف برنامجها هدوءا نسبيا، بحكم أنه يهتم بكل ما يخص المرأة المغربية، من تجميل وتغذية وعناية بالأطفال وشهيوات وطبخ، البرنامج الذي تعترف مقدمته قبل مستمعيه ومستمعاته بنجاحه:» من المستمعات الآن من صرن حادكات ويشهد لهن محيطهم الأسري بالحداكة، وأصبح هناك انفتاح كبير على عالم الطبخ ..كثير من المستمعات تصالحن مع المطبخ، بل استطاع البرنامج أن يصل إلى قلوب المستمعات داخل وخارج المغرب، وخاصة المرأة المغربية في الأقاليم الصغرى والبوادي، من خلال نصائح وتواصل مباشر لمتخصصين.. هناك بعض الرجال أيضا يشاركون ليستشيروا بدورهم مع أطباء أو اختصاصيين في الإعشاب، بخصوص نصائح تهمهم مثل تحضير «جيل طبيعي» لتساقط الشعر.. كثير من الرجال المستمعين ينصحون زوجاتهم بالمشاركة، ويشجعنهن على أن يخرجن معرفتهن في الطبخ من داخل الأسرة إلى الإذاعة، ليحس هؤلاء الرجال في النهاية أن زوجاتهم خرجن من الروتين اليومي ووجدن متنفسا لهن» ويبقى المشكل نفسه في اعتماد الأعشاب وما يخلق من بلبلة كما أشرنا آنفا، ولذلك نعتنا البرنامج بالهدوء النسبي أضف إلى ذلك تذمر مستمعات من فشل وصفات الطبخ والتجميل عند تحضيرها، تضيف سناء الكناني في هذا الصدد:» البرنامج فقراته مفتوحة ببساطة وبأسلوب سهل وممتع، نتعامل وكأننا عائلة كبيرة، وبالنسبة للوصفات ومدى نجاعتها، بصدق لما تتصل بي مستمعة لم ينجح لها الاقتراح، أعود وأنسق مع صاحبة الوصفة، لأجد أن المستمعة نسيت مكونا ما فيها، الحمد لله لحد الآن لم نجد مشاكل لأننا نتكلم بالدارجة المغربية المبسطة جدا، ولا نحصل إلا على «دعاوي الخير». حسن ندير.. المستمعون هم الحكم «المستمعون هم مقياس درجة نجاح أو فشل أي برنامج، فبدونهم تتحول الإذاعة إلى ما يشبه ذلك المنادي الذي يصيح في وادي ذي فج عميق ولا يسمع سوى صدى صوته»، و» البرامج سواء الاجتماعية أو الأسرية أو الترفيهية، والمرونة في وضع شبكتها هو سر نجاحها، إذ على الرغم من الالتزام بالتقويم الكلاسيكي، الذي يستند على وضع شبكة برامج للدخول الاجتماعي والسياسي، وشبكة برامج صيفية وشبكة برامج لرمضان يبقي الباب مفتوحا لتعديل شبكة البرامج كلما دعت الضرورة إلى ذلك، ارتباطا بالمستجدات السياسية أو الرياضية أو حدث ما مثلا يستدعي بالضرورة تعديل شبكة البرامج.» كانت بعضا من الكلمات التي ثمن فيها حسن ندير مدير الإخبار والبرامج بإذاعة «شدى إف إم» أهمية المستمعين وشبكة البرمجة لنا، وفي جوابه عن المعايير المتبعة في انتقاء البرامج التفاعلية أجابنا:» القاعدة التي يتم اعتمادها تحددها بالضرورة انتظارات المستمعين ودرجة تفاعلهم معها، إذ تمكن الآليات المتوفرة من قياس درجة ونسبة المتابعة لهذه البرامج، بدءا بالاتصالات الهاتفية والرسائل النصية، ثم قياس نسب الاستماع التي تزود بها مؤسسة «راديو ميتري» كل ثلاثة أشهر، وكلها وسائل تمكن من المراجعة المتواصلة لطبيعة شبكة البرامج والتوقيت، وأيضا لمدى نجاح هذا المنشط /ة». ليردف أنه يمكنه الجزم بأن نوعية البرامج التفاعلية التي يتم التجاوب معها أكثر، تتراوح بين البرامج الاجتماعية التي تتناول المعيش اليومي للمواطن، وكذلك البرامج الترفيهية، والخدماتية ذات الطبيعة الاستشارية في المجال الطبي والقانوني والكوتشيغ..إلخ. يذكر أن إذاعة «شذى إف. إم»، التي سبق لها التورط في عمل دعائي إشهاري تم تمريره ضمن برنامج إذاعي في 10 يوليوز 2008 اعتبر محتواه بمثابة مس صريح بالفصل 9 فقرة 3 من القانون 03,77؛ الذي ينص على أن لا يكون من شأن هذه البرامج تمجيد مجموعات ذات مصالح سياسية أو عرقية أو اقتصادية أو مالية أو إيديولوجية أو خدمة مصالحها وقضاياها الخاصة فقط. رشيد الادريسي.. متنفس إذاعي ولكن في حديثنا مع رشيد الإدريسي مقدم برنامج»معاك رشيد» قال لنا إن الرهان على اسمه، سؤال يجب طرحه على الإعلامية سناء الزعيم مديرة برامج راديو أصوات، والتهامي الغرفي الرئيس المدير العام للإذاعة نفسها،»وأجابنا عن عفوية المستمع لما يروي تجربته عبر الأثير، دون تدخل من أي طرف آخر، وهو ما يشكل في حد ذاته-وفق رأي المنشط- متنفسا له لأجل تفريغ آلامه وهمومه. برنامج «معاك رشيد»التفاعلي تحوم حوله الكثير من الآراء التي في مجملها، ترى أنه كان من الأفضل لمنشطه النجم التلفزيوني، البقاء في حدود الشاشة الصغيرة، وتسليم «مشعل الميكرفون» لآخرين، ليجيب على سؤالنا حول الفرق بين المجال السمعي والبصري –وكأنه يرد على هذه الآراء وهو في الحقيقة لم يرد عليها-:» الفرق شاسع وكبير جداً بين الإذاعة والتلفزيون، الإذاعة برهنت عن كسبها لهذا الرهان من خلال برامج مباشرة تتفاعل بشكل كبير مع المستمع». رغم ما قيل في حق قصص الأثير الإذاعي من مبالغة، فالإدريسي أعلن لنا صراحة عن تأثره بها إلى حد كبير:»تبكي عندما تستمع لامرأة مريضة ووحيدة متخلى عنها، وحينما تستمع لشابة مغربية في مقتبل العمر يتم تعذيبها بأبشع الطرق من طرف والدها، ولما تستمع لأخرى عمرها 17 سنة وحلمها الوحيد هو الدراسة، لكن الأبوين لا يريدان وكل همهم هو تزويجها، وأيضا عندما تستمع لأب لم يعد يعرف ما يفعله من أجل ضمان مستقبل جميل لأبنه الطائش والتائه وراء المخدرات، وحالما تستمع لزوجة تم صفعها من طرف زوجها وهي تتحدث لنا مباشرة عبر الهاتف، وأخرى يضربها زوجها وهي تستحم عارية، وأخريات وآخرون يقتسمون معك معيشهم اليومي المرير..كل هذا لا يؤدي فقط للبكاء، بل لكره البشر والبشرية..» ليضيف أنه يشعر بالطمأنينة النفسية عند الوصول إلى حلول عند نهاية كل اتصال، رغم أنه اعتبر نفسه «ليس طبيبا نفسيا ليجزم بذلك». شكدالي : المستمع بالنسبة لبرنامج البوح الأثيري مجرد رقم في معادلة نسبة الاستماع - هل البرامج التفاعلية على أثير بعض الإذاعات الخاصة، جاءت لتلبية احتياجات المستمع المتعددة، بما فيها البوح بما يمكن نعته بالطابو؟ مبدئيا، يجب علينا أن نلاحظ أن وتيرة هذه البرامج التي تطلق على نفسها صفة «التفاعلية» وهي ليست كذلك، أخذت في التكاثر تزامنا مع الإعلان عن قياس وترتيب الإذاعات بالمغرب من حيث نسب الاستماع. إن استحضار هذا المعطى يعتبر مؤشرا قويا على أن هذه البرامج جاءت أولا لغاية المنافسة والرفع من عدد مستمعيها، من هنا يمكن أن نفهم طبيعة القضايا التي تتناولها في «تفاعلها» مع المستمعين، إذ أن أغلبها يدخل في خانة المسكوت عنه و»الطابو» مما يجعلها «طعما» مغريا لاستمالة أكبر عدد من المستمعين، إنها بهذا المعنى لا تلبي حاجيات المستمع بقدر ما تستعمله ليصبح مجرد رقم في معادلة رفع نسبة الاستماع. هذه البرامج الأثيرية والمتعددة بتعدد الإذاعات الخاصة، أصبحت في أغلبها، مكانا للبوح بقضايا تعبر عن التحول القيمي الذي يعرفه المجتمع المغربي، خاصة فيما يتعلق بالقيم المتمحورة حول الذات في بعدها العلائقي مع الآخر. إن الإذاعات الخاصة وهي تتطرق ل»الطابو» كالجنس بكل «مشتقاته»: كالجنسية المثلية والاستمناء والدعارة وغيرها، تقوم فقط بتسهيل عملية إفراز المكبوت بطرق بذيئة، تكون غايتها تحويل الأعطاب النفسية والاجتماعية إلى موضوع للفرجة والاستهلاك، إنها تخوض في مواضيع كان الأولى أن تتم مقاربتها بطرق البحث العلمي الميداني. إن هذه البرامج والتي يدعي أصحابها المساهمة في معالجة قضايا الناس تصبح انطلاقا من الاعتبارات الآنفة الذكر، موضوعا للمساءلة العلمية نظرا لما تفصح عنه من إفرازات مكبوتة ومن حلول معطوبة. - الخلل إذن في المضمون أم المنشط أم المستمع؟ الحديث عن الخلل بخصوص هذه البرامج، قد يكون أعمق من حصره في هذا الثلاثي (المضمون والمنشط والمستمع) إذا ما نظرنا إلى المجتمع وما أصبح يعرفه على المستوى التحول القيمي، إلا أن الإعلام بصفة عامة والإعلام السمعي بصفة خاصة باعتباره مؤسسة تنشئوية يتحمل المسؤولية الكبرى في هذا الخلل، إن المستمع الذي يلجأ إلى البوح بمشاكله الحميمة، غالبا ما يجد بطريقة لاشعورية الفرصة مواتية ليعبر عن كنه معاناته، معتقدا أنه سيجد الحل المناسب لها من طرف منشطي و»خبراء» هذه البرامج. وهنا لابد من طرح أسئلة حول الكيفية التي يتمثل بها المستمع الإذاعة: هل يتمثلها كمصدر من مصادر «الحقيقة» التي لا يطولها باطل؟ أم هل يتمثلها بمثابة الحل المناسب لمشاكله في غياب بدائل أخرى في محيطه؟ أم أن الإذاعة بالنسبة إليه تعتبر فضاء لإسماع صوته والتباهي بذلك؟ أما المضامين الإذاعية فهي متعددة بتعدد القضايا النفسية والاجتماعية، غير أن أخطرها وأكثرها إثارة هي تلك المتعلقة «بالجنس» و بطريقة طرحها ومعالجتها على الهواء، إن المتتبع لهذه البرامج سيكتشف أن هناك خلطا واضحا بين المعالجة التي تبني مقارباتها على التربية الجنسية، وتلك التي تلجأ إلى ما يمكن تسميته «بالتربية على الجنس»، فالبرامج التي تخوض في هذه القضايا تجد نفسها في الحالة الثانية، مادامت تقدم حلولا معطوبة بفعل المقاربة «الفرجوية» التي تتبناها للفوز بأكبر نسبة من الاستماع، إنها «دعارة من نوع آخر» تلعب فيها بعض برامج الإذاعات الخاصة والتي تبث ليلا، دور «الوسيط» والمشجع على المزيد من إفراز المكبوت الجنسي وبطرق بذيئة. أما بخصوص المنشطين و»الخبراء» العاملين في هذه البرامج، فقد يمكن نعت أغلبيتهم بالمتخصصين في كل شيء ولاشيء. إنهم يمارسون من خلال مداخلاتهم أدوارا متعددة تذهب إلى حد التناقض الصارخ. إننا نجد مثلا من يدعي ممارسة التحليل النفسي وفي الآن نفسه يتحول إلى فقيه يلجأ إلى القرآن الكريم في أجوبته للمستمعين، هذا الإدعاء لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نجد له نظيرا في مجتمع متعلم وعلى دراية بأسس ومناهج التحليل النفسي، كما يمكن أن نجد على أثير هذه البرامج من يدعي المقاربات السوسيولوجية وفي الوقت نفسه يقدم حلولا منمطة لمشاكل اجتماعية لم يبت فيها البحث العلمي أصلا، إن ما يمكن أن نلاحظه بهذا الخصوص أن الحلول المقدمة للمشاكل المطروحة لا تختلف عن إدراك الحس المشترك مما يجعلها تذهب في اتجاه إعادة إنتاجه وتعزيزه. - ما دور المؤسسات الوصية على هذه البرامج وما هي الحلول المقترحة؟ بخصوص هذا السؤال يجب أولا، الإشارة إلى الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه الإذاعة من خلال برامج تفاعلية حقيقية، إن هذه الأخيرة تعتبر مطلبا ملحا لما لها من دور تنشئوي فعال، ولكن على أساس الرقي بالفكر والدفع بالمستمعين لاكتساب الحس النقدي حتى يمكن بناء شخصية قوية، قادرة على التفكير والخروج من فكر الوصفات والقوالب الجاهزة، أما بخصوص المؤسسات الوصية على هذه البرامج وفي مقدمتها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، فإن عملية الزجر التي تقوم بها بين الفينة والأخرى، في حق بعض البرامج لا تكفي للدفع بها نحو التفاعل الإيجابي والخلاق. إن المتتبع لنوعية خاصة من هذه البرامج قد يتساءل في استغراب عن الترخيص، الذي بموجبه أصبحت تروج لخطابات هجينة باسم «العلم» ثارة وباسم «الدين» ثارة أخرى. الأنكى أن هذه البرامج تحولت ليس فقط إلى «مصحات» أثيرية، ولكن كذلك إلى مواقع على الهواء متخصصة في بيع الوهم للمستمعين من أدوية وأعشاب ووصفات نفسية وفتاوى اجتماعية، القضية في العمق تتعلق بوسيلة تنشئوية، ويجب النظر إليها على هذا الأساس، وليس من منطلق استهلاكي يحول العملية برمتها إلى معادلة في عملية الرفع من نسب الاستماع. الحل الوحيد لهذه المعضلة، لا بد أن ينطلق من إعادة النظر في هذه البرامج لتقييمها على أسس علمية، والعمل على تكوين منشطين على دراية بأسس التواصل المعرفي الاجتماعي. أما إذا ظل الحال كما هو عليه، فإننا حتما نساهم في إعادة إنتاج الأعطاب النفسية والاجتماعية بطرق أكثر تشويها. بيان الجمعية المغربية لمهني الإذاعة والتلفزيون ..عقدت الجمعية المغربية لمهنيي الإذاعة والتلفزيون عدة اجتماعات خصصت لتدارس واقع مهن الإذاعة والتلفزيون بالنسبة للقطاعين العام والخاص. لتسجل الجمعية ما يلي: بالنسبة للقنوات الإذاعية الخاصة: -غياب أي وازع مهني لدى معظم هذه القنوات وتركيزها على تحقيق الربح المادي. -الاعتماد على منشطين ومعدي برامج لا يتوفرون على التجربة والرصيد المهني. -الاعتماد على أطباء وأساتذة جامعيين وممثلين ومحاولة تحويلهم إلى مذيعين ومنشطين. -تحول عدة إذاعات متخصصة إلى إذاعات شمولية دون أدنى اعتبار لدفتر التحملات الذي يربطها بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. -معاناة المهنيين العاملين بهذه الإذاعات على قلتهم من ظروف عمل لا تمت للمهنية بصلة، بالإضافة إلى معاناتهم فيما يخص التماطل في الحصول على مستحقاتهم المالية غير المنصفة أصلا. -عدم الاكتراث بالثوابت والهوية المغربية. -الاعتماد الكلي على الهاتف في إعداد البرامج وتغييب باقي الأجناس الصحفية من «ربورتاجات» وتحقيقات ميدانية. -استعمال لغة بذيئة في التواصل بغية تحقيق الشعبوية المفضية في نظر مسيري تلك القنوات إلى حث عينة من المتلقين على المشاركة في نقاشات فارغة بواسطة الرسائل النصية القصيرة، وذلك لتحقيق مداخيل مالية على حساب ترسيخ الغربة اللغوية داخل المجتمع المغربي. -اشتغال معظم هذه الإذاعات دون هدف واضح ولا إحساس بضرورة الإسهام ومواكبة التحولات التي يعرفها المغرب، ومن تم تثار إشكالية المقاولة(الإذاعة) المواطنة وبشكل ملح في هذه الظرفية. دراسة حول الإذاعات الخاصة دراسة المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة حول الإذاعات الخاصة، التي قام بها الباحث علي الباهي، توصلت إلى طغيان برامج الترفيه والخدمات والموسيقى على البرامج الإذاعية الأخرى، ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والتربوي والتثقيفي. كما سجلت الدراسة عند تفحص دفاتر التحملات التي سمحت لهاته الإذاعات بالبث، أن المساحة الزمنية لبث الخدمات لم يتم الحسم فيها لدى أغلب المتعهدين، إذ وردت بصيغة: 15 في المائة على الأقل من مدة البث مخصصة للخدمات بالنسبة ل(كاب راديو، راديو بلوس مراكش، أطلس إم إف إم، شدى إف إم، هيت راديو، كازا إف إم، راديو بلوس أكادير،) ونسبة 20 في المائة لإذاعتي (أطلنتيك وأصوات)، ذلك أن العبارة وردت مرتبطة بصيغة ''على الأقل''، هذا الربط جعل معظم الإذاعات لا تلتزم بالحصة المتعهد بها. وأثبتت معطيات الدراسة أن مجموعة من الإذاعات الأخرى تعطي أهمية قصوى لبرامج الخدمات باعتبارها برامج لجلب ''الموارد المالية'' الأفضلية من حيث زمن البث، أو من حيث الموارد المادية والبشرية المخصصة لها، كما أكدت اعتماد بعض الإذاعات الخاصة (شدى إف إم وهيت راديو نموذجا) على إستراتيجية إدراج بعض البرامج ''الجريئة '' بهدف استمالة المستمعين إلى برامجها، والتي تركز فيها على فئة الشباب باعتبارها الفئة الأكثر تجاوبا مع البرامج الجريئة، وتعتمد هذه البرامج، بحسب الدراسة ذاتها، ''على طرح مواضيع تسمى ب ''الطابوهات'' خاصة قضايا الجنس والثقافة الجنسية وظواهر أخرى مثل اغتصاب الأطفال والشذوذ الجنسي والمصاحبة والصداقة البريئة.. مع منح فرص تنشيط مثل هذه البرامج لمنشطين شباب يمتلكون الجرأة ''الزائدة'' لمسايرة جمهور المستمعين (مومو وشادو نموذجا)، فضلا عن عدم الاعتماد على مبدأ ''الرأي والرأي الآخر'' في مثل هذه المواضيع الاجتماعية الحساسة، وعدم الاعتماد على رأي المختصين، إذ في حالة استدعاء ضيف متخصص تكون رؤيته غالبا تجسد الطروحات نفسها التي يتبناها القائمون على البرنامج. فضلا على أن الدراسة خلصت إلى غياب البرامج الدينية عن شبكة برامج البث في معظم الإذاعات الخاصة، باستثناء بعض البرامج الدينية أحيانا أو خلال شهر رمضان ضمن البرمجة الموسمية الاستثنائية، واعتبرت أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لم تلزم متعهدي القطاع السمعي البصري من الناحية القانونية، عبر دفاتر التحملات لبث برامج الهدف منها تلبية الحاجيات الروحية للمستمعين، وسجلت الدراسة نجاحات لصالح الإذاعات الخاصة، ذلك أنها استطاعت عبر عدد من البرامج التفاعلية المباشرة مخاطبة الجمهور، وعدم التعالي عليه وطرح قضايا قريبة من صميم المجتمع، بصيغة جديدة مبنية على مبدأ القرب. نماذج من تدخلات «الهاكا» قرار»م.ا.ت.س.ب»رقم 28-07 الصادر في 03 ذي القعدة 1428 (14 نونبر2007) والمتعلق ببرنامج بث حر الذي تبثه إذاعة هيت راديو حلقات 02 ،05 ،و06 نونبر 2000 1 قرر المجلس الأعلى توجيه إنذار لشركة «هيت راديو المغرب». 2 أمر بفرض عقوبة مالية على شركة «هيت راديو المغرب «قدرها مائة ألف 100.000.00 درهم تدفع، طبقا للقوانين الجاري بها العمل داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ تبليغ هذا القرار لشركة «هيت راديو المغرب». 3 أمر المتعهد «هيت راديو المغرب»، تنفيذا لمقتضيات المادة2.33 من دفتر تحملاته، أن يبث الخطاب التالي على خدمة «هيت راديو» في بداية التوقيت المخصص لحلقة «بث حر» الموالية لتبليغ هذا القرار أو، إن اقتضى الأمر، في بداية التوقيت المخصص عادة لبثه في اليوم الموالي للتبليغ المذكور.