منذ أزيد من أربع سنوات من ظهور الإذاعات الخاصة بالمغرب، والإنتاج المعرفي الإذاعي في تناقض مستمر، ويخشى البعض من المهتمين بالشأن الإذاعي، إن استمرت الحال على ما هي عليه، أن يدجن المستمع تماما وأن يستبعد المتلقي من ساحة كسب وإنتاج الوعي المجتمعي نتيجة استبعاد الكفاءات عن محور المعلومات والإتصالات ورسالة الإعلام. هناك إهمال واضح ومقصود للكفاءات، ومازالت أغلبية الإذاعات، بما فيها الإذاعة الوطنية، يجدون صعوبة بالغة في اعتبار الكفاءة مصدرا لرقي الوعي المجتمعي، وهناك خصومة مفتعلة بين من يمتلكون هذه الكفاءة، مع مسيري ومدراء هذه الإذاعات، تتحكم في دوالبها جهات رسمية وغير رسمية بطريقة غير مباشرة، من أجل كبح جماح الوعي المجتمعي، وبالتالي استغلال تدني الثقافة وانحصار المعرفة في استبعاد المستمعين من المشاركة في القرارات المتعلقة بمشاريع التنمية داخل البلاد والذي يكون الإعلام والصحافة عصبها الأساسي وشريكها الرئيسي، إلى جانب إخماد الدافع إلى المطالبة بالحقوق الأساسية التي قد يثيره برنامج حواري سياسي أو ثقافي عبر الأثير. تتسم أغلب البرامج التي تبثها بعض الإذاعات الخاصة بالمغرب، بميلها إلى التبسيط حد الإسفاف باللغة والمعنى، كطغيان الدارجة بشكل بشع لا يخدم الهوية، وإن كان أصحابها يتذرعون بالقرب من المجتمع، ثم إن طغيان البرامج الترفيهية وبرامج المنوعات على حسب البرامج السياسية والثقافية، يؤكد أن رهان أغلب أصحاب هذه الإذاعات هو رهان تجاري محض. إذ لا يجب أن نطبع مع التمييع ودعم الرداءة، سواء إن على مستوى المضامين أو إن على مستوى الأصوات النشاز، التي تهيمن على أغلب الحصص البرامجية في فترة الذروة. فقد أصبحنا ومن خلال بعض البرامج الإذاعية نعاني ما يمكن أن نطلق عليه تصحرا معرفيا، بعد أن استبعدنا مؤشرات إعلامية لإعلاميين وإذاعيين أكفاء، يملكون حمولة كبيرة من المعلومات ورصيد معرفي ينتج المعرفة ثانية، يمكن ربطها بما يعانيه المواطن العادي من مشكلات. وفي هذا السياق يقول أحد المهتمين بالشأن الإذاعي بالمغرب: «تجربة الإذاعات الخاصة بالمغرب عموما لم تعط نفسا جديدا للإنتاج البرامجي، انتصارا للكفاءة والتميز، بل اعتمدت على أصوات منشطين مبتدئين لازالوا يبحثون عن بصمتهم الخاصة». ويضيف: «اللوم هنا ليس موجها لهم بل لمن يراهن عليهم ، وأعني مدراء المؤسسات الإعلامية، إذ يطغى هاجس الربح، فضلا عن المحسوبية والزبونية التي تتحكم في اختيار منشطات ومنشطين يفسدون على المستمع لحظات كان أحرى بأن يستمتع فيها لأصوات إذاعية متميزة تحاور بعيدا عن الجعجعة والفراغ وتبث بعض الإذاعات برامج موجهة للشباب والمراهقين تطرح من خلالها مواضيع مثيرة، من قبيل الخيانة الزوجية، والاغتصاب، والشذوذ، ويطلب من المستمعين إبداء آرائهم وتقديم تجاربهم الشخصية حولها عن طريق الاتصالات الهاتفية، بيد أن طريقة مناقشة المواضيع تخرج في كثير من الأحيان عن نطاق اللياقة، لتتحول إلى تحريض على الرذيلة والاستهتار بالأخلاق سواء من طرف المتصلين أو المذيع نفسه.