يبدو أن قضية الأساتذة المتعاقدين بدأت تأخذ منحى تصاعديا، وجاء ذلك اعتبارا من الإشكالات التي ظل يطرحها مخطط التعاقد منذ أن تم العمل به، حيث اختار الأساتذة المتعاقدون التصعيد في احتجاجاتهم ضد التعاقد الذي فرض عليهم، ومن خلال المظاهرات الحاشدة التي نظمتها التنسيقيات الخاصة بهؤلاء الأساتذة، والتي لقيت قمعا متواصلا من طرف المخزن، بالإضافة إلى الإضراب الذي شارك فيه الأساتذة المتدربون في المراكز الجهوية مساندة للقضية التي تعنيهم، من خلال ذلك يبدو أن هذه القضية لا يتم التعامل معها بجدية من طرف الوزارة المسؤولة، كأنها لا تعنيهم، وكأنه لا يعنيهم حال المدرسة المغربية، والتي باتت تسير نحو المجهول في ظل هذا الإضراب الذي يخوضه الأساتذة، وفي ظل الأسباب التي دفعت هؤلاء الأساتذة إلى خوض هذا الإضراب، هذا إذا اعتبرنا بأن الأستاذ هو ركيزة هذه المدرسة، وبالتالي فحرمان الأستاذ من حقوقه أو إجباره على الشروط التي لا تناسب وضعيته، فذلك ضرب للمدرسة، وانتهاك لكرامة الأستاذ، وهذا الأمر لا يليق بما تطمح إليه المنظومة التربوية المغربية. إن هذه المطالب التي يحملها الأساتذة حق مشروع، كما أن هذه المظاهرات التي خاضوها هي حق مشروع أيضا، لكن القمع والتعنيف الذي تعرضوا له ليس فعلا مقبولا بثاثا، وهو الفعل الذي استنكره الجميع، إذ لا يعقل أن يمارس المخزن حق القوة من أجل منع تظاهرات تهدف إلى إحلال قوة الحق، وهذه المطالبة بالحق في الترسيم جاءت كنتيجة للتمييز الذي يعيشه الأساتذة سواء بناء على مخطط التعاقد، وداخل المؤسسات التي يعملون فيها، وهو التمييز الذي يشعر هؤلاء الأساتذة بأن علاقتهم بوظيفتهم مهددة بالتوقف في أية لحظة، وبالتالي فهم يسيرون في خط مجهول لا يتضمن ما يؤكد على أن مستقبلهم المهني مضمون تماما، وهذه الأمور هي التي دفعت هؤلاء الأساتذة إلى الإضراب والتظاهر والمطالبة بحقوق مشروعة، وهذه الحقوق لا محيد عنها من أجل معالجة هذه القضية. باتت قضية الأساتذة المتعاقدين قضية وطنية بكل ما تحمل القضية من هموم، لأنها تتداخل مع قضية أخرى أكبر وهي قضية التعليم، وبقدر ما تتداخل هاتان القضيتان، بقدر ما تدفعان بالمنظومة التربوية الوطنية نحو مسار غامض لا يليق بالمسعى الذي ينبغي أن تكون عليه هذه المنظومة، وإذا كان الأستاذ يشكل جزء مهما من المنظومة، وإذا كان هذا الأستاذ يعيش وضعا لا يحسد عليه، وإذا كانت هذه المنظومة في حاجة إلى إصلاحات صارمة، فإننا أمام أزمة حقيقة، هذه الأزمة التي يعيشها التعليم المغربي تؤكد أن مسألة الإصلاح التي يتم الحديث عنها بين الفينة والأخرى ما تنفك تكون إفسادا أو بالأحرى تدميرا لهذه المنظومة ومكوناتها والأستاذ جزء منها. كاد المعلم أن يكون مقتولا، أصبحت هذه المقولة تنطبق على حال الأساتذة المتعاقدين، فبعد التعديلات والإجراءات التي قامت بها الدولة في حق هؤلاء الأساتذة، وبعد أن بات التعليم المغربي يعاني من عدة هفوات، قرر هؤلاء الأساتذة ممارسة الحق الذي خوله لهم الدستور المغربي، وهو الحق في التظاهر والمطالبة بتغيير الوضع الذي يجب أن يتغير، وهكذا نظمت التنسيقيات الخاصة بهؤلاء الأساتذة إضرابا وطنيا تم خلاله تنظيم تظاهرات في العاصمة الرباط، وهدفت هذه التظاهرات إلى المطالبة بتغيير الأوضاع التي لا تناسب حاضر ومستقبل الأستاذ، لكن هذه التظاهرات لقيت عنفا وقمعا يتعارض مع حق التظاهر الذي يكفله الدستور المغربي، وأصيب العديد من الأساتذة جراء هذا القمع والعنف الذي مارسه المخزن عليهم، وهذا الفعل هو الذي وضع حياة الأستاذ على المحك، والحق أن حياته تظل على المحك في ظل مخطط التعاقد. يمكن أن نعتبر بأن هذا المخطط الارتجالي، والذي كان سببا في كل ما يحصل الآن، والذي يؤثر سلبا على الأستاذ بالدرجة الأولى، هذا المخطط يمكن وصفه بأنه مخطط إذعان وتحايل وتربص، كما أنه عشوائي ومرتجل، إذ أنه في اللحظة التي أصبحت فيها المنظومة التربوية تعيش عدة أزمات أبرزها الاكتظاظ داخل الأقسام، سعت الوزارة إلى مواجهة هذه الأزمة عن طريق توظيف عدد مهم من الأساتذة، لكن هذا التوظيف سيتم بواسطة تعاقد تحدد من خلاله الوزارة الشروط التي ستجعل الأستاذ لقمة سائغة في يدها، بدل التركيز على الشروط التي يمكن أن تساهم في معالجة هذه الأزمة، ثم التركيز على دور ومكانة الأستاذ في معالجة هذه الأزمة، وذلك عن طريق تحفيزه وتشجيعه لممارسة مهمته بارتياح. لعل هذا القانون المرتبط بالتعاقد هو تعسفي في حق الأستاذ، ذلك أنه لم يأخذ ظروف الأستاذ بعين الاعتبار، ذلك أنه جاء نتيجة الخصاص الطارئ، كما أن هذه الاستراتيجية غير مدبرة بشكل عقلاني، وهي كلها أمور عقدت من الأزمة وورطت التعليم المغربي في إشكالات أخرى لا تتناسب مع ما تسعى إليه المدرسة المغربية، فلطالما كانت هذه الأخيرة تتخبط في مشاكل متعددة، لتنضاف إليها أزمة الأستاذ، وفي ظل هذا المخطط الذي لم يعد فيه تكوين مناسب وملائم للأستاذ من أجل تمكينه من ضبط العملية التعليمية التعلمية، يبدو أن الأمور تحتاج إلى البحث عن حلول ملائمة لوضعية الأستاذ، كما أن هذه القضية يجب أن تؤخذ على محمل الجد، في ظل التصعيد الذي تتوعد به تنسيقيات الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد. في ظل كل هذه الإشكالات التي تحيط بالأستاذ المتعاقد، تسعى تنسيقيات الأساتذة المتعاقدين لمواصلة الإضرابات والتصعيد والتظاهر من أجل تحقيق هدفها المنشود وهو إلغاء ملاحق العقود، وإدماج الأساتذة في سلك الوظيفة العمومية، لأن هذا الأخير هو الحل الوحيد الذي يمكن أن يجعل الأمور تسير كما ينبغي، كما من شأنها أن تدفع بالمنظومة التربوية لكي تحقق الغايات والمبادئ الكبرى التي تهدف إليها، وهذه الأمور لن تتم إلا بتشجيع الأستاذ وتحفيزه على ممارسة دوره ووظيفته بارتياح، ومن ثم بات لزاما أن يتم التعامل مع هذه القضية المعقدة بعقلانية، ومعالجة الإشكالات التي تطرحها، من أجل الارتقاء بالمنظومة التربوية المغربية. فاعل حقوقي