رغم أن عمل اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور ما زال في بدايته، إلا أن تساؤلات تطرح، منذ الآن، في المغرب حول ما إذا كانت بعض الفصول، التي ظلت على الدوام محط جدل سياسي وقانوني، ستخضع للتعديل أم لا. تتطرح تساؤلات في المغرب حول الفصل التاسع عشر من الدستور الذي ما زالت تحيط به علامات الاستفهام، رغم ترجيح فقهاء قانونيين الاحتفاظ به، لكونه يخول للملك صلاحيات واسعة لها علاقة بالدستور. ويتوقع الفقهاء أن تعرف مجموعة من الفصول الأخرى نقاشا كبيرا، قبل التوصل إلى صيغ نهائية بشأنها. في أي إطار ستقرأ المادة 19؟ قال عبد العالي حامي الدين، أستاذ القانون الدستوري بكلية طنجة، إن المرتكزات السبع المحددة في الخطاب الملكي تحمل مجموعة من القراءات، التي يمكن أن تكون قراءات ديمقراطية تصل إلى درجة الملكية البرلمانية، ويمكن أن تحتمل قراءات تصل إلى درجة النظام شبه الرئاسي. وأضاف الأستاذ الباحث، في تصريح ل "إيلاف"، "فمثلا، دسترة مجلس الحكومة يقتضي إعطاء اختصاصات من مجلس الوزراء. فهل سنصل إلى درجة إلغاء مجلس الوزراء؟ حامي الدين يؤكد بأن "الخطاب الملكي لا يغلق الباب في هذه الحالة، قبل أن ينتقل إلى الجانب المتعلق بإشراف الوزير الأول على التعيينات، ليتسائل مجددا "هل سيشمل التعيين جميع المسؤولين، حتى في الإدارات الترابية، على رأسهم الولاة والعمال، أم يقتصر الأمر على المديرين والكتاب العامين للوزارات؟ وإذا بقي مجلس الوزراء، هل سنصبح أمام سلطة تنفيذية برأسين، وما هي طبيعة العلاقة بينهما؟ يشير أستاذ القانون الدستوري إلى أنه "على عكس ما يشاع أن السلطة التنفيذية تسير برأسين، فإن هذا خطأ، لأن السلطة التنفيذية بيد الملك"، مبرزا أن السلطة برأسين نظام فرنسي، أما في المغرب فبمجرد ما يعين الوزير الأول من طرف الملك، فإن أول تصريح يدلي به للصحافة هو أنه سيقوم بتطبيق برنامج الملك. إذن، يتسائل حامي الدين، هل سنخرج من الثنائية التي تطبع العلاقة بين الحكومة ومجلس الوزراء في تجاه إعطاء سلطات تنفيذية لفائدة الوزير الأول، تجعله على رأس السلطة التنفيذية الفعلية... بالألف واللام؟ سؤال رد عليه الأستاذ الباحث أيضا بالقول "الخطاب الملكي لا يغلق الباب في هذه الحالة كذلك". نقطة أخرى تتعلق بربط السلطة والمسؤولية العمومية بالمحاسبة، طرح بشأنها أستاذ القانون الدستوري سؤال مفاده "هل الأمر يتعلق بقاعدة عامة تعني أن كل من له سلطة يخضع للمحاسبة والمراقبة؟". في هذه الحالة، يؤكد حامي الدين، "ليس من اللائق أن يتحدث أحد عن محاسبة الملك، وهو ما يعني تفويض السلطة بالكامل للمؤسسات التي يمكن محاسبتها ومراقبتها، وفي هذه الحالة نكون في قلب الملكية البرلمانية"، قبل أن يكرر الجواب نفسه "الخطاب الملكي لا يغلق الباب في هذه الحالة أيضا". وتوقع أستاذ القانون الدستوري أن "هناك نقاش سيثور حول علاقة المعاهدات الدولية بالدستور الوطني، وبدون شك هذا سيثير نقاش له علاقة بحدوث الانسجام المطلوب بين الثوابت الراسخة التي لا تقبل التعديل، وهي الإسلام، والوحدة الوطنية، والخيار الديمقراطي. والموضوع له علاقة بمؤسسة البرلمان أيضا. والسؤال هل ستتوسع اختصاصاته التشريعية لتشمل المصادقة على المعاهدات، وفي هذه الحالة ما هو النصاب المطلوب؟". وأضاف عبد العالي حامي الدين "في حالة تعارض بعض مقتضيات المعاهدات مع الثوابت المذكورة، فما هي الآليات التي سنتجه إليها لإعمال حق المؤسسة التشريعية في التحفظ، كما تضمنت ذلك اتفاقية فيينا لسنة 1969؟. غير أن النقاش الكبير، حسب أستاذ القانون الدستوري، سيدور حول "إشكالية الفصل 19"، متسائلا في الوقت نفسه "هل يتعلق الأمر بقراءة ديمقراطية تحترم اختصاصات باقي المؤسسات، وضمان الوظائف السامية الموكولة بالملك؟". وذكر أن "هذه الوظائف متمثلة في رمز وحدة الأمة، ومرجع للتحكيم في القضايا الخلافية الكبرى، والإشراف على الشأن الديني والروحي"، مشيرا إلى أنه "في هذه الحالة لا بد من تدقيق هذه المادة حتى نتمكن من قراءتها في إطار الدستور الجديد، وليس العكس، أي قراءة الدستور بأكمله في الفصل 19". فصول مرشحة للتعديل قال محمد زين الدين، أستاذ جامعي في القانون الدستوري والعلوم السياسية، في تصريح ل "إيلاف"، إن "الكثير من الفصول ستعرف تعديلات، إما بالإضافة، أو بالحذف، أو مع إعادة تبويب بعض الأبواب الخاصة بالدستور، بدءا بالديباجة إلى كل ما يتعلق بالمؤسسات الدستورية، باستثناء الأحكام الانتقالية لكل ما يتعلق بالثوابت الأساسية للدولة المغربية، فهذه لن يشملها أي تعديل، أو تغيير، أو تحوير". ويتعلق الأمر، حسب أستاذ القانون الدستوري، ب "الدين الإسلامي، والوحدة الترابية، والمؤسسة الملكية، وبطبيعة الحال البنية الفوقية للدستور، التي نسميها بالفصل 19، الذي لن يشمله أي تعديل أو تحوير، على اعتبار أنه محط إجماع وطني لمختلف الفرقاء السياسيين بشكل عام". وخارج هذا الإطار، يوضح زين الدين، "ستبدأ عملية التعديلات والإصلاحات بكل ما يتعلق ببنود الوثيقة الدستورية، بدءا بالديباجة، وهنا سنتكلم على دسترة الأمازيغية كلغة وطنية رسمية للبلاد، وكذلك الباب الأول للدستور المغربي المتعلق بالحقوق والحريات، إذ سيقع توسيع في هذا الباب، وهذا أكده جلالة الملك في خطابه". كما سيعرف الفصل الثامن، يشرح الأستاذ الجامعي، "إضافات حتى ينسجم مع ما جاء به الإطار المرجعي لقانون الجهات الجديد، الذي يقول على أنه من الضروري جدا أن يكون ثلث أعضاء المجلس الجهوي مشكلين من الشباب والنساء، مضيفا "لهذا يجب أن يقع نوع من التكييف بينه وبين الفصل الثامن، الذي يقول بأن الرجل والمرأة متساويين". وقال زين الدين "يمكننا أن نضيف مع وجود قوانين تشجع على التمييز الإيجابي، وهذا سيجعل المغرب يكون لديه رفع على مستوى توسيع وعاء المشاركة السياسية، الذي هو من بين الأهداف الاستراتيجية لهذا الإصلاح الدستوري". الأمر نفسه، يبرز أستاذ القانون الدستوري، "سنراه مع الفصول المتعلقة بمؤسسة الوزير الأول، لأننا كنا نتكلم فقط عن الجهاز الحكومي، اليوم جلالة الملك يتكلم عن مؤسسة دستورية قائمة الذات. إذن ستقع تعديلات كثيرة جدا على مستوى دسترة الجهاز الحكومي، وكذلك على مستوى الاختصاصات الممنوحة للوزير الأول، بشكل عام". كما أن هناك أيضا، يوضح زين الدين، "إمكانية توسيع تعيين الوزير الأول للموظفين العموميين في المناصب العمومية. وهذه النقطة سيكون فيها نقاش قوي جدا حتى تكون دستورة قوية جدا، وتقوية لمؤسسة الوزير الأول، كما سيكون أيضا تعديل مفاده أن الوزير الأول يأتي من الحزب الأغلبي". وأضاف أستاذ القانون الدستوري "يمكننا أن نرى صيغة في المادة 24 تفيد أن الوزير الأول يأتي من حزب أغلبي، ويجري تعيين الحكومة من قبل جلالة الملك، وهذه صيغة مقترحة من قبلي، بناء على الخطاب الملكي". كما يمكننا، يؤكد الأستاذ الجامعي، أن "نتكلم بشكل عام عن مؤسسة البرلمان، وسنذهب مباشرة إلى الفصل 46، إذ قال جلال الملك، بصريح العبارة، إنه سيجري توسيع مجال القانون، وعندما نقول ذلك فالأمر ينطبق على مقتضيات الفصل 46، بمعنى أن اختصاصات البرلمان سيجري توسيعها. وهذا سيعطي دفعة قوية جدا للعمل البرلماني على مستوى التشريع. دون أن ننسى تعزيز آليات جديدة على مستوى الرقابة، إذ يمكن أن يكون الاستجواب حاضرا، كآلية من آليات الرقابة". وقال زين الدين "أتصور أن يكون المفوض البرلماني حاضرا في آلية الرقابة، ويمكن أن نرى كذلك مجموعة من المؤسسات، التي لها صبغة استشارية، تصبح لها صبغة تقريرية، كديوان المظالم والمجلس الوطني لحقوق الإنسان". مجال آخر ستشمله التعديلات، التي هي كبيرة جدا، يوضح أستاذ القانون الدستوري، ويتعلق الأمر ب "مجال استقلالية القضاء، الذي سيكون بشأنه نقاش وطني قوي جدا. لأنه لأول مرة في تاريخ المغرب الدستوري يتم الإشارة إلى أن القضاء هيئة مستقلة، لأننا كنا نتحدث فقط على مجرد أجهزة". وأكد زين الدين "نحن أمام دستور جديد بمقتضيات جديدة على أكثر من صعيد، لا على مستوى الانتقال من مفهوم الأجهزة إلى مفهوم المؤسسات، ولا حتى على مستوى المنهجية المعتمدة في صياغة هذا الدستور". كما تحدث عن تقنية الاستفتاء، التي قال بأنها "طريقة ديمقراطية، ولكن فيها نوع من الديمقراطية التشاركية، بمعنى أن جلالة الملك عين لجنة استشارية لمراجعة الدستور، تضم 19 عضوا، أغلبهم فقهاء في القانون الدستوري، غير أنه طلب منهم أن يقدموا إطارا مرجعيا فقط سيكون بناء على تصورات مختلف الفاعلين، وليس فقط على تصورات الأحزاب السياسية، والنقابات، ولكن حتى فعاليات المجتمع المدني، أي أن حتى الشباب سيقدمون تصوراتهم الخاصة حول هذا الدستور، الذي يشكل جيل جديد من الإصلاحات في إطار تعاقد سياسي جديد بين المؤسسة الملكية وكل مكونات المجتمع المدني". وذكر أن "هذه اللجنة ستشتغل من بنية دستور سنة 1996، بمعنى أنها لن تضع دستور جديدا، ولكن ستنطلق من الدستور المشار إليه، غير أن النتيجة، من خلال قراءة المستجدات السبع، ستضعنا أمام دستور جديد".