بقلم: عمر حمداوي مما لا شك فيه أن الأهداف الخبيثة للقائمين على الشأن التلفزي ببلادنا قد اتضحت جليا خاصة فيما يتعلق ببث أعمال فكاهية لا تصب بمضامينها في واقع المشاهد المغربي المرير الذي يتطلع لأعمال جادة ولكن بدون جدوى "العام اللي جا يلقانا كفس من ذاك اللي مشى وخلانا"، سخفات وتفاهات لا أساس لها من الصحة في صناعة فكاهة ترسم الابتسامة الصادقة على شفاه المشاهدين، مما يدفع بهم إلى الرحيل صوب قنوات أخرى لمتابعة مسلسل تاريخي أو ديني أو الاستفادة من برنامج توعوي...ولسان حالهم يقول "يلا طردك البخيل عند الكريم تبات" فأي بخيل هذا أكثر تلفزتنا التي تحاول على قدم وساق استنزاف مكارم الأخلاق والقيم بعد أن استنزفت الجيوب بضرائبها وأتعبت الحناجر بصرخات الاحتجاج على ما تقدمه ولكن "حول الجبل لا تحول الطبايع" إلا أن الطامة الكبرى هو انخراط بعض الفنانين المتميزين والمعروفين بأعمالهم الجادة في هذه التفاهات "الفقيه اللي ترجينا بركتو دخل الجامع ببلغتو". ومن هؤلاء الذين دفعوني لكتابة هذا السطور الفنان الساخر الحسين بنياز الذي شارك في سلسلة درامية فكاهية – إن لم أقل هو المخرج- تعاد حاليا على القناة الثانية للتلفزة المغربية والتي تحمل عنوان «سعدي ببناتي»، وهي سلسلة "ساخرة"سبق للقناة الثانية تقديمها خلال شهر رمضان المنصرم مع منتصف الليل، هذا التوقيت الذي اعتبره الحسين بنياز في حوار له مع جريدة بيان اليوم أنه "جد مناسب، فبعد أن يكون الناس قد تناولوا وجبة العشاء، وبعد أن يكونوا قد أدوا صلاة التراويح، فإنهم يعودون إلى بيوتهم للاستمتاع بهذه السلسلة، بعيدا عن زحمة السيتكومات التي تعرض عادة في ساعة الفطور، والتي تخلق في نظري نوعا من الفتنة داخل الأسر". تدور أحداث هذه السلسة حول أسرة مكونة من أربع فتيات مراهقات، فيما رب الأسرة عبارة عن مفتش تعليم متقاعد يلازمه هاجس الخوف من انحراف بناته اللواتي يقضين وقتهن في الحديث عن علاقتهن العاطفية، بالإضافة إلى أحداث أخرى يحاول بنياز صناعتها بذيل طاقيته الطويل وحركاته البهلوانية السخيفة التي تبين - والحق يقال- مدى الفرق الشاسع بين فكاهة الحسين بنياز سابقا والتي تحمل في طياتها رسائل ذكية لكل من يهمه الأمر، وسلسلة سعدي ببناتي التي تستخف بذكاء الجمهور الذي يتذكر سنوات الثنائي الجميل "بزيز أباز" التي عاش من خلالها نشوة الفكاهة الساخرة الجادة، إلا أن الأقدار شاءت أن يحاصر الفنان أحمد السنوسي "بزيز" ويمنع من أداء عروضه الساخرة على شاشة قنوات التلفزة المغربية وفي القاعات العمومية، أما الحسين بنياز "باز" فقد حاصرته الرداءة في معتقلاتها العلانية "على عينك أبن عدي" علما أنه يقول بلسانه "الفنان الحقيقي، هو الذي يتابع الأحداث الآنية، الفنان هو ابن بيئته، وعليه بالتالي أن يساير الوقت" فهل بهذا الشكل يعالج موضوع التقاعد بكونه حدثا من الأحداث الآنية أم صدق من قال "اللسان ما فيه عظم". ولعل المتتبع لهذا العمل وغيره من الأعمال الفكاهية التي قدمت خلال شهر رمضان المبارك والتي لا تمت للفكاهة بصلة، يلاحظ أنه لا يخلو عمل ما من فنانين مقتدرين من العيار الثقيل عرفوا بجديتهم وأعمالهم المرموقة ولكن جرفهم السيل وأصبحوا من ضحايا الرداءة. لهذا نتساءل هل الوضع المادي المزري لهؤلاء الفنانين هو الذي يدفع بهم لدخول عالم الرداءة من بابه الواسع ولو على حساب الأخلاق والقيم؟ أم أنها موجة التعمد في الاستخفاف بمشاعر المشاهدين الذين سيسحبون ثقتهم في جميع الممثلين – لا قدر الله – إذا استمر الأمر على هذا الوضع؟ ففي انتظار جواب من يهمهم الأمر أملنا أن يعود فنانونا المقتدرين إلى رشدهم بتقديم أعمال جادة تشفي الغليل، أو على الأقل عدم المشاركة في التفاهات التي تعكر على المغاربة الأجواء الروحانية والجلسات الأسرية الحميمية، وتخلف من وراءها موجة غضب وسخط، لا نريدها أن تشمل بعض الوجوه الفنية.