يبدو أن أحداث العيون الاخيرة لم تخلف ضحايا في أرواح رجال القوات العمومية ومدنيين إثنين فقط، بل بدأت تسقط ضحايا آخرين، كما كشفت تضايق الجهاز التنفيذي المغربي من الصحافة المستقلة. ------------------------------------------------------------------------ رد وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية خالد الناصري ردا عنيفا على افتتاحية ناشر مجلة "تيل كيل" الأسبوعية المغربية الصادرة باللغة الفرنسية، وقال في مقال نشرته صحف يومية مغربية "لقد تجاوزتم حد الخزي ما كان لكم أن تتجاوزوه. أنتم الذين سمحتم لأنفسكم باحتكار دور ملقني الدروس. لقد دأبتم على لباس جبة المحلل الجسور القادر على النيل من الاختيارات الأساسية لبلاده، مستغلا إلى أقصى حد، مجال الحرية الذي امتلكته هذه البلاد وقواها الحية". وركز الوزير في رده العنيف على ثلاث نقاط، فقال "تؤكدون بدون أدنى خجل أن البوليساريو حقق انتصارا في معركة التواصل، بوسائل بسيطة مقارنة بوسائلنا...وأجدني غاضبا أمام موقف فاضح على الأقل لثلاثة أسباب" وقدم الوزير السبب الأول في أن "البوليساريو، وخلافا لتأكيدكم المزعوم، لم يحقق الانتصار في معركته ضد المغرب"، والسبب الثاني، حسب الوزير، "البوليساريو لا يستعمل وسائل ضعيفة(....) بل يستعمل آلة الدعاية الديبلوماسية والإعلامية للجزائر والآلة القوية للصحافة الإسبانية بكل اتجاهاتها". أما السبب الثالث فيتعلق بانتقاد بنشمسي لوكالة المغرب العربي للأنباء، الوكالة الرسمية بالمغرب، وقال الوزير "فمن واجبي أن أسألك السيد بنشمسي، مدير نشر مجلة أسبوعية تشتغل: ماذا فعلتم أنتم لتعويض نقائص وكالة رسمية أكثر من اللازم في تصوركم....ماذا فعلتم ولو مرة واحدة في الأسبوع لتقديم دعمكم لقضية تعتقدون أنها تدار بشكل سيء.....ربما يتعلق الأمر هنا بخطاب وطني أكثر من اللازم لا يتلاءم مع الخط التحريري ل"تيل كيل" المجلة التي لا تضاهي كل الخطابات المتعارف عليها". وختم مقاله بتوجيه اتهامات واضحة إلى ناشر المجلة "لا، السيد بنشمسي، من خلال مواقفكم المستفزة وتصريحاتكم الكاذبة، من خلال معاركم المشبوهة فإنكم لا تحيطون نفسكم بالعبث فحسب، بل بالخزي والعار، فالحرب التي تتحدثون عنها هي حرب وسائل الإعلام، هذه الحرب التي انسحبت منها". وختم قائلا "إن التزاماتي المهنية تفرض علي أن أقرأ لكم كل أسبوع، إنه الجانب السيء في مهنة الوزير". هذا الرد العنيف جاء على افتتاحية كتبها بنشمسي في عدد مجلة "تيل كيل" المتوفر في الأسواق منذ السبت الماضي. وكان بنشمسي انتقد وكالة الأنباء الرسمية على بلوغها حدا من البروباكاندا لم يعد احد يصدق أخبارها، كما انتقد طريقة تواصل الدولة بعد أحداث العيون ل 8 تشرين الثاني - نوفبر الأخير، مذكرا بمنع الصحافيين من التوجه إلى العيون، معتبرا إياه خطأ فادحا، لأنه سمح لجبهة البوليساريو، المطالبة باستقلال المحافظات الصحراوية جنوب المغرب، بترويج أكاذيب كثيرة. عبارات غير مسبوقة لكن رد الوزير كان عنيفا ولم يرد على تصريحات ناشر المجلة، إذ استعمل عبارات مثل "تجاوزتم حد الخزي" و"تسكبون على هذه البلاد كل أسبوع سيلا من الحماقات ظلت دون رد" و"تأكيدكم المزعوم" و"تصوركم البئيس" و"تعبير كاذب تريدون من خلاله إهانة بلدكم" و"تزعمون يتحميل فشل، غير موجود" وتكيلون المديح في افتتاحياتكم "لخصوم المغرب" و"مواقفكم المستفزة وتصريحاتكم الكاذبة" و"معارككم المشبوهة". وهذه أول مرة يرد فيها مسؤول حكومي مغربي على افتتاحية لجريدة مغربية، وتوظيف الوزير لهذه العبارات كشف أن الدولة متضايقة ليس فقط من الافتتاحية، ولكن من الخط التحريري للمجلة. هذا النقاش العنيف بين الوزير والصحافي جاء على خلفية أحداث العيون الأخيرة. أحداث بدأت تسقط الضحايا، فبعد إقالة الرئيس المدير العام لمؤسسة "العمران" العرايشي بدوي نجيب، وتعيين الملك لبدر الكانوني مكانه نهاية الأسبوع الماضي، جاء الدور على مسؤول الدرك الملكي المغربي الأول في العيون كبرى مدن المحافظات الصحراوية بالجنوب المغربي، إذ أعفي الكولونيل عبد الرحيم نور اليقين، القائد الجهوي للدرك بالعيون وعوضه الكولونيل بوخبزة. وأفادت يومية "الصباح" في عددها ليوم الثلاثاء أن قرار إعفاء القائد الجهوي للدرك جاء على خلفية "قرارات غير سليمة" اتخذها القائد، تتمثل في "إشراك دركيين متدربين في عملية اقتحام مخيم "كديم إزيك". رؤوس تتساقط إذا كانت بعض الرؤوس قد بدأت تسقط، فإن سكان المحافظات الصحراوية بدؤوا إجتماعات لتقييم الوضع، وفي هذا السياق، عقد شيوخ وأعيان القبائل، بالإضافة إلى المنتخبين وفعاليات من المجتمع المدني، الأحد الماضي اجتماعا بمدينة العيون، وتدارس اللقاء غير الرسمي تداعيات الأحداث التي شهدتها المدينة. وقد وجه مشاركون في اللقاء رسالة إلى الملك محمد السادس يلتمسون فيها الإفراج عن المعتقلين الذين لم يتورطوا في أحداث العيون الأخيرة. وعلمت "إيلاف" أن بعض مقترفي جرائم العيون، قد يكونوا تسللوا عبر الحدود وعادوا إلى تندوف، حيث مقر البوليساريو، ولا يعرف لحد الآن العدد الحقيقي لهؤلاء، وإن كان البعض تحدث عن ستة أشخاص، ولم يستبعد مسؤول مغربي رفيع المستوى هذا الأمر، إذ أوضح أن أنصار البوليساريو استغلوا لمدة الحدود لدخول المغرب. ولايزال البحث جاريا على عدد من المتهمين في أحداث العيون. أحمد نجيم من الدارالبيضاء إيلاف