خرج الصحافي الاسباني إكناسيو سيمبريرو عن صمته، عندما كشف الستار عن واقع العلاقة بين بلاده والمغرب، سواء كان ذلك من الناحية السياسية أو الصحافية، ورأى الصحافي البارز بجريدة "إلباييس" الاسبانية، أن العلاقة بين المغرب والصحافة الإسبانية في أسوأ مراحلها، وأن الرباط تتهم جزافاً صحافة جارتها. وقال سيمبريرو الذي سبق وأجرى حواراً موسعاً ونادراً مع العاهل المغربي محمد السادس، أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى تحامل الصحافة الاسبانية على المغرب، وأن أحداث مدينة العيون الأخيرة كانت سبباً مباشراً في تفاقم العلاقة بين الصحافة الاسبانية والرباط. فضلاً عن قضايا أخرى ناقشها الصحافي الاسباني بإسهاب في سياق هذا الحوار. كيف تفسرون الخطأ المهني الذي وقعت فيه جريدة "إلباييس" بنشرها صورة عن أحداث غزة وتقديمها على أنها أحداث وقعت في مدينة العيون ؟ إنه خطأ وقعت فيه العديد من وسائل الإعلام الإسبانية منها يومية "إلباييس". إننا نأسف على ما وقع، وقد قدمت "إلباييس" اعتذارا لقرائها. هذا الخطأ ما كان ليرتكب لو سمح للمصورين الإسبان والدوليين الانتقال إلى مدينة العيون للقيام بعملهم. لقد لجأنا إلى أناس من المدينة بالإضافة إلى أشخاص كان لهم دور في المخيم الذي أقامه السكان ضاحية المدينة، وقد التقطوا عدة صور رغم أنها صور غير مهنية، وقد استغل أحدهم هذا الوضع بسوء نية مبيتة ومرر صورته المغلوطة. لقد اعتذرنا على ما قمنا به، لكن هل اعتذرت وكالة الأنباء الرسمية على ما كتبته في الفترة ما بين 29 أكتوبر إلى 3 نونبر، حينما ادعت قتل الحرس المدني الإسباني لمسلم يبلغ 16 سنة في مدينة مليلية، لا أعتقد أنها فعلت. هذا الخبر وجد طريقه إلى النشر في صحف ومجلات وإذاعات وقنوات، رغم أن الحرس المدني كذبه ثلاث ساعات بعد نشره. لا أعتقد أن وكالة الأنباء المغربية أو وسائل إعلام مثل "القناة الثانية" أو "الأولى"، يمكنهم أن يقدموا لنا دروسا في أخلاقيات المهنة، إذا كنا نستحق هذه الدروس فهناك آخرون يمكنهم تقديمها. تزامن هذا الخطأ مع تصعيد وسائل الإعلام الإسبانية لهجتها ضد المغرب، قنوات وإذاعات وجرائد تنشر أخبارا كاذبة، كما تؤكد السلطات المغربية، لماذا تتخذ بعض وسائل الإعلام الإسبانية هذا الموقف ضد المغرب؟ لا أرى أي تصعيد من قبل الصحافة الإسبانية اتجاه المغرب، لكن المشكلة الكبيرة هي طريقة عمل هذه الصحافة. منذ انطلاق أحداث العيون أغلقت السلطات المغربية الباب أمام الصحافة الإسبانية، باستثناء باب وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري. لقد انتقلت الصحافة الإسبانية خلال شهر أكتوبر الماضي إلى العيون، لكنها لم تستطع لقاء والي الجهة (محافظها) وقد منعت من الانتقال إلى المخيم، لقد كان الصحافيون مراقبون ثم إنهم تعرضوا للإهانة. وفي يوم الجمعة 29 أكتوبر كنت مدعوا للعشاء لدى عائلة بالمدينة، لم يكن الغرض من الدعوة إثارة قضايا سياسية، فالعائلة تقيم في الطابق الرابع، وعندما دخلت تبعني أفراد الشرطة، لم يعرفوا رقم الشقة فدقوا على جميع الشقق. هذا الأمر لم يحدث لي أبدا في المغرب. وفي شهر نونبر، تقرر منع دخول الصحافة الإسبانية إلى العيون، يبدو أن شركة الخطوط الجوية المغربية تعاني مشكلة في نظامها المعلوماتي، إذ أصبح كل حجز في اتجاه مدينة العيون لاسم إسباني ملغيا بشكل أوتوماتيكي. هذه التصرفات جعلت الصحافة الإسبانية تعمل في ظروف غير عادية، فالمصادر الرسمية غائبة لذا اكتفت بمصادر مغربية قليلة. في هذه الأحداث الأخيرة كانت الخسائر البشرية مرتفعة وسط القوات العمومية، رغم ذلك لم تجد هذه الخسائر صدى لدى الصحافة الإسبانية أو لدى السلطات الإسبانية، لماذا في رأيكم هذا التصرف؟ لقد نشرت حصيلة الموتى في صفوف القوات العمومية المغربية في كل وسائل الإعلام الإسبانية، أما صورة فرد من القوات المساعدة الذي تعرض للذبح فقد بعثها أحد المواطنين. كان يمكن للإعلام الإسباني أن يركز بشكل أكبر على الخسائر البشرية لو شرحت لنا السلطات المغربية ظروف ذبح وقتل الضحايا، كما أن هذه الصورة كانت ستجد طريقها إلى النشر لو أن وكالة الأنباء الرسمية (وكالة المغرب العربي للأنباء) وزعت صور الموتى. لقد طلبت تفسيرا حول ظروف تلك الوفيات داخل القوات العمومية، لكنه أجابني بشكل فضفاض، رغم ذلك فأعتقد أن ظروف وفاتهم كانت وحشية، لقد طلبنا من جريدة مغربية أن تزودنا بصور الموتى من القوات العمومية، وعندما تصلنا سننشرها. كيف تفسرون رفض السلطات المغربية السماح للصحافة الإسبانية بدخول العيون لتغطية الأحداث الأخيرة؟ لم يكن المنع من تغطية الأحداث حكرا على الصحافة الإسبانية، إذ منع راديو فرنسا الدولي من الانتقال من الدارالبيضاء إلى العيون، بل منع صحافيون غير إسبان الجمعة الأخيرة من ركوب طائرة على رحلة لاس بالماس إلى مدينة العيون. هذا السؤال يجب أن تطرحه على وزارة الداخلية المغربية، إن أول ما يفكر فيه صحافي عندما يمنع من الانتقال إلى منطقة لتغطية حدث مماثل هو ان السلطات تخفي شيئا ما، لذا يلجأ الصحافي إلى الاتصال بأناس في عين المكان لمعرفة المزيد من الأخبار طبعا ليس هؤلاء من أصدقاء الوالي. إن النتيجة ليست في صالح السلطات المغربية. كان من الممكن إيجاد وسيلة بين الجانبين، بل كان يمكن أن يكون هناك تعاونا بين الصحافة والسلطات. إن الصحافيين الإسبان العاملين في باريس ولشبونة لا يعانون من مشاكل تعيق عملهم، فلماذا يعاني الصحافيون المعتمدون في الرباط مشاكل كثيرة، هل هم من عينة خاصة؟ وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري انتقد بشدة تناول الصحافة الإسبانية لقضايا المغرب، ما ردكم باعتباركم أحد الصحافيين المتخصصين في المغرب، من خلال عملكم لسنوات كثيرة في يومية "إلباييس"؟ لقد سبق أن قدمت بعض عناصر الإجابة، لكن دعني أضيف أمورا أخرى. أغضب هذا الجواب وزير الشؤون الخارجية المغربية أو السلطات المغربية، فإن الصحافيين الألمان والسويديين والإيطاليين المهتمون بمتابعة ما يجري في المغرب حالياً يستقون معلوماتهم من الصحافة الإسبانية وليست الصحافة الفرنسية. إنهم يقرؤوننا ويتصلون بنا لنزودهم بمعطيات يطلبونها، ونزودهم بهواتف المسؤولين. أتلقى عشرات الاتصالات الهاتفية والإيميلات من زملاء أوروبيين وغير أوروبيين، ألا يعني هذا أننا أفضل من الصحافيين الفرنسيين، منذ التسعينات من القرن الماضي أصبحنا نغطي المغرب أكثر من الفرنسيين. لقد أصبحنا وسيلة إخبار عن أوضاع المغرب لكل الأوروبيين. على السلطات المغربية أن تعي هذا التحول. هل تعلم أنني وجهت طلبا إلى جلالة الملك سنة 2008 لزيارة الحدود المغربية الجزائرية بعد عدم تلقي أي رد بخصوص طلب مماثل وجهته إلى السلطات المعنية؟ وهل تعلم أنني وجهت طلبات إلى والي جهة العيون الساقية الحمراء وإلى وزارة الداخلية في موضوع أحداث العيون ولم أتلق أي رد حتى الآن؟ هل تعلم أنني لم أتمكن سنة 2009 من إنجاز حوار حول السجناء الإسبان في المغرب، موضوع سبق أن أنجزته دون مشاكل سنة 2004. هل أسلوب تغطية قضايا المغرب سيساهم في تأزيم العلاقات المغربية الإسبانية المتأزمة أصلا ؟ لا أعتقد ذلك، إن الحكومة الإسبانية التي يقودها الاشتراكيون لا ترغب في مشاكل مع المغرب، إنها حكومة لا تدافع بشكل كاف على الصحافيين الإسبان. وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنير، أدان أمام المجلس الوطني (البرلمان الفرنسي) قرار السلطات المغربية طرد نائب برلماني رغب في زيارة العيون، كما عبر عن غضبه هذا إلى سفارة المغرب بباريس. لن تسمعوا وزيرة الخارجية الإسبانية ترينيداد خيمينيس تدلي بتصريح مماثل في قضايا منع البرلمانيين أو الصحافيين الإسبان المطرودين من المغرب أو الممنوعين من دخول العيون. إن إسبانيا الاشتراكية لا تريد مشاكل مع المغرب. هل عدم إرسال السفير المغربي ولد سويلم إلى مدريد حتى اليوم يعد إشارة إيجابية في نظركم؟ بالعكس إنها إشارة سلبية جدا، فولد سويلم حصل على موافقة مجلس الوزراء الإسباني شهر أبريل الماضي، يعني سبعة أشهر، لكنه لم يعين بعد من قبل جلالة الملك. يمكن لسفير أن يقوم بأمور كثيرة، فلماذا لم يعينه المغرب حتى الآن ليلتحق بمنصبه ؟ ولماذا لم يطرح البرلمانيون هذا الموضوع أمام وزير الخارجية في البرلمان؟ إن مدريد بالنسبة للمغرب، واحدة من أهم خمس سفارات، لكن هذا المنصب لا يزال شاغراً منذ 11 شهرا. نفتقد سفيرا بحجم عزيمان. * موقع " إيلاف " الإلكتروني