سماء العلاقات المغربية الإسبانية ملبدة هذه الأيام بغيوم كثيفة. وكل الأسلحة التي يمكن أن تقع في يد اليمين واليسار الجذري الإسباني صالحة لتمريغ المغرب في الوحل على المستوى الأممي والأوربي. لكن، يحدث أحيانا أن يكون خطاب هؤلاء الخصوم الاقتصاديين متناقضا، خصوصا الذين يغلفون حملتهم على المغرب بغطاء شفاف من الإنسانية، كأن يعطوا الانطباع بأنهم عندما يقومون بإنجاز تقارير لفضح خروقات حقوق الإنسان في المغرب فإن الهدف هو تقديم خدمة للمغاربة، في الوقت الذي يعلم الجميع أن الهدف هو إضعاف المغرب أمام المنتظم الدولي لكي يحققوا أهدافهم السياسية أولا. وعندما نتأمل كيف تتعامل جهات حقوقية وإعلامية وسياسية في إسبانيا معنا كمغاربة، نستنتج أن هذا التعامل فيه الكثير من التعالي والأستاذية والعجرفة. فما يحل لهم محرم علينا، وما يسمحون لأنفسهم بالقيام به ممنوع علينا. فنحن في نظرهم مجرد «موروس» ويجب أن نبقى كذلك إلى الأبد. عندما استطاع مراسل جريدة «إلباييس» في الرباط، من مدريد، أن يحصل على النسخة الأولية من تقرير اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان في الصحراء المغربية، بعد أن سربه إليه أعضاء في اللجنة لديهم تعاطف مع الخط التحريري لجريدته، نشره سيمبريرو في الموقع الإلكتروني لجريدة «إلباييس» وسمى هذا العمل بالسبق الصحافي. وعندما نشرنا خبر هذا «السبق» وعلقنا عليه بتصريحات لشخصيات في الاتحاد الأوربي اعتبرت هذا العمل سابقة غير مهنية في تاريخ تقارير الاتحاد، وأن «سيمبريرو» أضاف من عنده جملا لم يتضمنها التقرير الأولي، استشاط هذا الأخير غضبا وانقطع عن نشر مقالاته في «إلباييس» وتفرغ كليا لكتابة رسائل إلكترونية يحرض فيها الجميع علينا. وعندما استطعنا نحن في «المساء» بوسائلنا الخاصة، الحصول على رسالة إلكترونية يعترف فيها لإحدى زملائه الصحافيين الإسبان المعتمدين في المغرب، بأنه فعلا أضاف جملا من عنده إلى التقرير، وأن ذلك لا يهمه في شيء. اعتبر «سيمبريرو» هذا العمل قرصنة لبريده الشخصي، وبدأ يهدد بمقاضاتنا أمام المحاكم الإسبانية، وكأننا نعيش في إسبانيا وليس في المغرب. والمعنى واضح، عندما يستطيع «سيمبريرو» الحصول بوسائله الخاصة على تقرير سري لم تكتمل بعد صيغته النهائية، وينشره في جريدته يسمي ذلك سبقا صحافيا. أما عندما تحصل «المساء» على وثيقة تثبت أن «سيمبريرو» أضاف جملا إلى التقرير قبل نشره، فإن ذلك يسمى قرصنة وسرقة لمعطيات خاصة. والغريب في الأمر أن أغلب المراسلين الصحافيين الإسبان المعتمدين في المغرب هبوا للوقوف إلى جانب زميلهم. الذي بالمناسبة أغضبه نشر الرسالة في «المساء» وليس اعترافه بإضافة جمل إلى التقرير. فهو إلى حدود الآن لم ينف هذه التهمة. والأكثر غرابة أن هؤلاء المراسلين الصحافيين توحدوا للدفاع عن زميلهم مصور وكالة «رويترز» وطالبوا الحكومة المغربية بإعطائه الحق في ممارسة عمله. وفي نفس الأسبوع تعرض مراسل جريدة «العلم» في الناظور إلى المنع من دخول مليلية المحتلة لإنجاز تحقيق صحافي، ومع ذلك لم يكتب هذا الخبر أي مراسل صحافي إسباني في جريدته، ولم يطالب أحد منهم الحكومة الإسبانية باحترام حق الصحافيين المغاربة في دخول مدينة مغربية محتلة للقيام بواجبهم المهني، كما يصنعون عندما يتعرض أحدهم لنفس المنع. والمخجل في الأمر أن مصور «رويترز» تدخلت للدفاع عنه الحكومة الإسبانية والسفارة الإسبانية بالرباط ووفد من وكالة «رويترز» والصحافيون الإسبان ومنظمة صحافيون بلا حدود. فيما صحافي «العلم» لم يدافع عنه سوى بلاغ يتيم للنقابة الوطنية للصحافة. وكيف نطلب أن يدافع عنه وزير الاتصال وهو يرى أن صحافيي جريدتي حزبه «البيان» و«بيان اليوم» يضربون عن العمل احتجاجا على أوضاعهم المهنية المزرية، ولا يملك لهم شيئا. فسعادة وزير الاتصال لديه الوقت فقط لكي يستقبل وفود الدول الأجنبية التي تأتي للدفاع عن صحافييها المعتمدين في المغرب، أما مدير مكتب جريدة «البيان» الناطقة بلسان حزب وزير الاتصال، فعندما وقف أمام وزارة الاتصال يطالب بلقاء الوزير أرسلوا إليه من أعطاه «سلخة» سيتذكرها طيلة حياته. تناقضات الخطاب الإعلامي والحقوقي والسياسي الإسباني اتجاه المغرب لا حدود لها. فعندما يطالب جزء من الإسبان الموالين لحركة «إيطا» الباسكية بالاستقلال الذاتي يسمونهم بالانفصاليين، ويطالبون حكومتهم بقطع الحوار مع ذراعها السياسي. أما عندما تطالب «البوليساريو» بالاستقلال الذاتي في الصحراء المغربية، فإنهم يسمونهم بالشعب الصحراوي المناضل من أجل حريته. يعني أنهم يطالبون باستقلال ذاتي في الصحراء تحت سيادة البوليساريو، وفي الوقت نفسه يرفضون رفضا مطلقا السماح لإقليم الباسك بالاستقلال الذاتي تحت راية «إيطا». عندما زار الملك خوان كارلوس وزوجته صوفيا مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين يوم 6 نونبر 2007، أي في اليوم ذاته الذي كان يحتفل فيه المغرب بذكرى المسيرة الخضراء التي طردت الجيش الإسباني من الصحراء، اعتبرت الحكومة الإسبانية هذه الزيارة عادية وليس فيها أي احتقار لمشاعر المغاربة. وقالت نائبة الرئيس زاباطيرو أن العلاقلات بين الرباطومدريد جيدة ومبنية على الاحترام المتبادل، رغم هذه الزيارة. وهذا يسير في الاتجاه نفسه الذي سار فيه الصحافي «سيمبريرو» الذي ادعى في كتابه «جاران متباعدان» الصادر سنة 2006 بأن استرجاع سبتة ومليلية لا تشكل أولوية بالنسبة للملكية في المغرب، وأن الملكية المغربية ليست لديها أطماع توسعية بقدر ما لديها طموحات اقتصادية. عام واحد على زيارة الملك خوان كارلوس وزوجته لسبتة ومليلية المحتلتين، ستتجرع العائلة الملكية والحكومة الإسبانية الكأس نفسها التي تجرعتها العائلة الملكية والحكومة المغربية. وكم كانت صدمة خوان كارلوس وحكومة «زاباطيرو» كبيرة وهم يشاهدون فرقة من الحرس العسكري تعزف النشيد البريطاني في مطار صخرة جبل طارق على شرف الأميرة «آن» التي حلت في زيارة للمستعمرة البريطانية. وإذا كانت نائبة الرئيس الإسباني قد اعتبرت زيارة الملك خوان كارلوس وزوجته للمدينتين المغربيتين المحتلتين شيئا عاديا يجب أن يتقبله المغاربة بصدر رحب، فإن وزير الخارجية الإسباني «أنخيل موراتينوس» أعطى بمناسبة زيارة الأميرة البريطانية لصخرة جبل طارق تصريحا ناريا من بروكسيل قال فيه أن هذه الزيارة تعتبر مسا بمشاعر كل الإسبانيين. بعبارة أخرى، عندما يزور فرد من العائلة البريطانية جزءا من التراب الإسباني يقع ضمن الحدود السياسية لبريطانيا الاستعمارية، فإن ذلك يعتبر إهانة للشعب الإسباني. أما عندما يزور الملك الإسباني بنفسه رفقة زوجته مدينتين تعتبران جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي يقعان ضمن الحدود السياسية لإسبانيا الاستعمارية، فإن ذلك شيء عادي وطبيعي ولا يستحق أن يثير غضب «الموروس». كما أن إسبانيا التي لا تمل من مطالبة بريطانيا بإرجاع صخرة جبل طارق إلى أراضيها، هي نفسها إسبانيا التي تصم آذانها عن مطالب المغرب بإعادة سبتة ومليلية إلى حظيرة الوطن الأم. ولعل سياسة الكيل بمكيالين التي تستعملها إسبانيا مع المغرب قد ظهرت بشكل واضح عندما طردت وزارة الداخلية أربعة مبشرين مسيحيين إسبانا وطالبت بمراقبة نشاط الكنائس. فكان أول من انبرى لإدانة هذا الطرد وفتح العين على الكنائس هي جمعية للشواذ الجنسيين، اعتبرت في بيان لها أن ما قامت به الحكومة المغربية فيه تضييق على الحريات الدينية. ولو أن جمعيات دينية هي التي بادرت إلى إصدار هذا البيان لفهمنا الأمر، لكن أن تبادر جمعية للشواذ الجنسيين إلى الدفاع عن التبشير المسيحي، فهذا ما يدعو إلى الدهشة. فالجميع يعرف أن أول عدو للشواذ في أوربا هي الكنيسة المسيحية. لكن يبدو أن جميع الخلافات تغيب عندما يتعلق الأمر بالهجوم على المغرب. والمدهش في الأمر أن هذه الجمعية ومعها الإعلام ليس لديهما مشكل عندما تقرر الحكومة الإسبانية مراقبة نشاط المساجد فوق التراب الإسباني، ولم نسمع أحدهم تجرأ وقال إن مثل هذه الإجراءات فيها تضييق على الحرية الدينية للمسلمين. أما عندما يتعلق الأمر بمراقبة نشاط الكنائس فوق التراب المغربي فإن الجميع يشهر ورقة التضييق على الحريات الدينية. بعبارة أخرى، حلال عليهم مراقبة نشاط مساجدنا فوق أرضهم، حرام علينا مراقبة نشاط كنائسهم فوق أرضنا. فهل بمكيال مختل الموازين كهذا تزن الدول الجارة علاقاتها الثنائية ؟