سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد الواحد أكمير الخبير المختص في العلاقات المغربية الاسبانية في حوار لـ"التجديد": مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية ووضعـية الجالية على ضوء الانتخابات القادمة
يرى عبد الواحد أكمير، الخبير المختص في العلاقات المغربية الاسبانية،أن العلاقات المغربية الإسبانية، كانت وستبقى علاقات معقدة، نتحكم فيها، بالإضافة إلى العنصر الاستراتيجي والجيوسياسي، عناصر بنيوية مثل التاريخ والجغرافية والثقافة، وأخرى مرحلية مثل الاقتصاد والهجرة. واعتبر أن الجالية المغربية هي الأهم عددياً في إسبانيا من بين جميع الجاليات الأجنبية، غير أنهم لا يشكلون منافسة لهم لأن القطاعات التي يشغلون بها لا تغري اليد العاملة الإسبانية. ويعتبرأكمير أن الجالية المغربية والمسلمة بشكل عام، قد تم استعمالها بطريقة غير بريئة في هذه الانتخابات من خلال ما سمي ب عقد الاندماج في برنامج الحزب الشعبي والذي ينبني على إرغام المهاجرين على التعلق أكثر بالعادات والتقاليد الإسبانية، على حساب عاداتهم وتقاليدهم. واعتبر الخبير أنه من خلال هذا العقد مثلاً ستجد المرأة المسلمة صعوبة كبيرة في ارتداء الحجاب، وفي العديد من الحالات ستجد نفسها مجبرة على تركه. وفيما يتعلق بتواجد الإسلام في إسبانيا يرى أكميرأن له خصوصية لا يرتبط بالمهاجرين كما في باقي الدول الاوروبية ولكن ترتبط بالأسبان أنفسهم. وفي الجانب الاقتصادي يؤكد أكميرعلى أهمية السوق المغربية بالنسبة للأسبان وأن اهتمام المستثمر الاسباني بها لن يتأثر بنتيجة الانتخابات. قضايا شائكة يثيرها الدكتور عبد الواحد أكمير، أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، مدير مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات خبير اليونسكو في شؤون الهجرة وعضو أكاديمية أمريكا الشمالية للغة الإسبانية، في حواره التالي مع >التجديد<: هناك صراع على السلطة بين الحزب الاشتراكي الحاكم وبين الحزب الشعبي المعارض، ففي حال نجاح الحزب الشعبي ما هي تصوراتكم للعلاقات الإسبانية المغربية؟ بالفعل هناك صراع غيرمسبوق بين الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي، يتجاوز المنافسة السياسية والمساجلات البرلمانية والجدال عبر وسائل الإعلام. ويكفي أن يتبنى أحد الحزبين مشروعاً أو يقول فكرة، ليقول الحزب الآخر العكس، حتى لو كان ذلك في غير مصلحة البلاد أو المواطنين. هذه الوضعية الشاذة وصفتها بدقة نائبة رئيس الحكومة الحالية ماريا تيريسا فرنانديث دي لافيغا، عندما قالت إن الحزب الشعبي ينهج مع الحكومة نوعاً من المزاد العلني السياسي ويكفي مثلاً أن يقول الحزب الاشتراكي، سنشيد 100 مدرسة، ليقول الحزب الشعبي لو فزنا في الانتخابات سنشيد 120 مدرسة، أو يقول الحزب الاشتراكي، سنخلق 100 ألف منصب شغل، ليقول الحزب الشعبي، لو فزنا سنخلق 120 ألف منصب شغل. هذا الصراع ليس وليد المعركة الانتخابية الحالية، بل يعود إلى أربع سنوات إلى الوراء، أي منذ عودة الاشتراكيين إلى الحكم، أما السبب في تقديري، فهو أن الحزب الشعبي لم يستطع أن يهضم الهزيمة. و لا يجب أن ننسي أنه قبل أسبوع واحد من إجراء انتخابات 14 مارس 2004 كل استطلاعات الرأي أعطت الفوز للحزب الشعبي، وبعضها بالأغلبية المطلقة، لكن حدثت المفاجأة بسبب تفجيرات 11 مارس الإرهابية، التي وقعت ثلاثة أيام قبل موعد الانتخابات. آنذاك عاقب الناخب الإسباني الحزب الشعبي، أولا لأنه جر إسبانيا لتشارك في العدوان الثلاثي على العراق بجانب الولاياتالمتحدةوإنجلترا، ضد إرادة الشعب الإسباني الذي خرج في مظاهرات شارك فيها الملايين ضد الحرب على العراق، وثانياً لأن الحزب الشعبي كذب على الأسبان عندما حاول التأكيد أن التفجيرات هي من تنظيم منظمة إيتا في وقت كانت كل القرائن تؤكد أنها من تدبير تنظيم القاعدة، وبطبيعة الحال لم يغفر الشعب الإسباني لحكام كذبوا عليه. وهنا تجب الإشارة إلى أن الذي كشف تلك الأكاذيب بتلك السرعة القياسية ليس الحزب الاشتراكي، وإنما وسائل الإعلام المستقلة مثل صحيفة البايس، وقناة سير الإذاعية، التي بدأت تعمل ضد الساعة، لأنها وعت أنها أمام مسؤولية تاريخية، هي كشف من يقف فعلاً وراء التفجيرات، قبل يوم الاقتراع العام. وبخصوص الشق الثاني من السؤال وهو مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية في حالة فوز الحزب الشعبي، فأظن أن العلاقات المغربية الإسبانية، كانت وستبقى علاقات معقدة، تمر بفترات توتر ثم بفترات ود دبلوماسي، لسبب بسيط هو أن العلاقات بين الجيران تكون دائمة صعبة، لأن هذه العلاقات يتحكم فيها، بالإضافة إلى العنصر الاستراتيجي والجيوسياسي، عناصر بنيوية مثل التاريخ والجغرافية والثقافة، وأخرى مرحلية مثل الاقتصاد والهجرة. ولذلك لن تكون للمغرب مشاكل سياسية مع الصين أو مع الشيلي، أو مع نيوزيلاندا، لكن المشاكل كانت وستبقى مع إسبانيا والجزائر ودول أخرى مجاورة. وإسبانيا لا يحدث لها هذا فقط مع المغرب، وإنما مع بلدان مجاورة أخرى. فإذا نظرنا مثلاً لعلاقة إسبانيا مع البرتغال أو فرنسا، فهذه البلدان وبالرغم من التكامل الاقتصادي والسياسي والثقافي الموجود بينها، ورغم أنها تشكل جزءاً من الاتحاد الأوربي لا تنتهي المشاكل بينها، ويمكن إعطاء مثال بما جرى في الأسبوع الماضي عندما تم منع شاحنات نقل المنتجات الفلاحية الإسبانية من دخول التراب الفرنسي، ولا نتحدث عن التوتر بين إسبانياوإنجلترا بسبب مستعمرة جبل طارق التي يريد الإنجليز أن يحولوها إلى قاعدة خلفية، تستعمل أحياناً كمزبلة إيكولوجية لرمي النفايات، مثل ما هو الحال هذه الأيام حيث قام الإنجليز بإغراق باخرة مليئة بالنفايات، في منطقة المضيق المحاذية للمياه الإقليمية الإسبانية. ركزت بعض الصحف على ارتفاع معدل البطالة خلال شهر ديسمبر، واعتبرت أنه مؤشر لا يصب في مصلحة الحكومة، خاصة وأن الانتخابات التشريعية على الأبواب، هل في ذلك إشارة لضرب مستقبل الهجرة المغربية؟ عند الحديث عن البطالة وسوق الشغل بشكل عام في إسبانيا، يجب أن نستحضر نقطة أساسية، هي طبيعة عقود العمل، ففي هذا البلد عقود العمل غير المحصورة زمنياً هي في طريق الانقراض تقريباً، بما في ذلك في الوظيفة العمومية. ولا ننسى أن إسبانيا بلد اللامركزية، وكل جهة لها استقلالها الذاتي السياسي والثقافي بل والاقتصادي وجل المناصب، حتى في الوظيفة العمومية، يتلقى أصحابها أجورهم ليس من خزينة الدولة، وإنما من ميزانية الحكومات المحلية، وهذه ليس في صالحها توظيف أشخاص بشكل غير محدود. ألتقي أحياناً مع شبان إسبان جامعيين، من الحاصلين على الإجازة أو الدكتوراه، فأعرف منهم أن الوظائف التي يشغلونها هي وفق عقود محدودة المدة تكون أحياناً قابلة للتجديد وأحياناً أخرى غير ذلك.و هذا يعني أنه لا يجب أن نغتر بالأرقام التي تقدمها الأحزاب السياسية عن عدد مناصب الشغل التي ستخلقها لو فازت في الانتخابات، لأن هذه الأرقام تتضمن كذلك مناصب شغل لا تتجاوز شهراً أو شهرين، مثلاً منصب شغل لتعويض امرأة حامل ذهبت للولادة، أو منصب لتعويض موظف ذهب في عطلته السنوية أو ذهب لإجراء عملية جراحية. بخصوص الهجرة المغربية، وهل تتضرر بارتفاع معدل البطالة، هنا يجب كذلك أن أوضح نقطة محددة تتعلق بالقطاعات التي يعمل فيها المهاجرون المغاربة. صحيح أن الجالية المغربية هي الأهم عددياً في إسبانيا من بين جميع الجاليات الأجنبية، لكن المهاجرين المغاربة في أغلب الحالات يعملون في القطاعات التي لا تمسها البطالة، مثل الفلاحة أو البناء، وهي قطاعات لا تغري اليد العاملة الإسبانية، وبالتالي المغاربة لا يشكلون منافسة لهذه اليد العاملة. ولا يمكن أن نضع هنا مقارنة بين اليد العاملة المغربية في إسبانيا، وفي بلدان أخرى مثل فرنسا أو بلجيكا أو هولندا، ففي فرنسا أوفي بلجيكاوهولندا مر على الهجرة المغربية حوالي نصف قرن، فظهرت أجيال منحدرة من أصول مغربية تشغل مناصب رفيعة سواء في مجال السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة، ودعني أعطيك مثالاً بهذا الحقل الأخير الذي أعرفه أكثر من غيره، في فرنسا تجدين المئات من المغاربة، في مراكز البحث العلمي، كمديري مختبرات، أومؤطرين جامعيين، أو أطباء مشهورين، بعضهم ولد في فرنسا، والبعض الآخر هاجر إلى هناك لإتمام دراسته الجامعية ومكث بها بعد ذلك. هذه الوضعية بدأت تظهر في إسبانيا خلال السنوات الأخيرة، وهي لا زالت تعترضها العديد من الصعوبات. كيف ترون مستقبل الجالية المغربية في إسبانيا في حالة فوز الحزب الشعبي؟ رغم أن آخر استطلاعات الرأي تعطي الفوز للحزب الاشتراكي، فإن أي تكهن بمن سيفوز سابق لأوانه، لأن هذه الاستطلاعات، تجعل الحزب الاشتراكي يتقدم بفارق بسيط جداً، وأظن بخصوص هذه النقطة، أن المواجهتين التلفزيونيتين بين ثباتيروراخوي قد تساهم بشكل فعال في دفع نسبة مهمة من الناخبين، الذين لم يقرروا بعد لمن سيمنحون صوتهم، للتصويت لهذا الحزب أو ذاك. فيما يتعلق بالجالية المغربية والمسلمة بشكل عام، فقد تم مع الأسف استعمالها بطريقة غير بريئة في هذه الانتخابات من طرف الحزب الشعبي. فهذا الحزب والذي يعي أن قطاعات واسعة من المجتمع الإسباني لا تستلطف المسلمين أو الموروس أدرج ضمن برنامجه الانتخابي ما سماه ب عقد الاندماج، والذي سيلزم المهاجرين، بتوقيعه في حالة ما إذا فاز في الانتخابات، وينبني هذا العقد الغريب على إرغام المهاجرين على التعلق أكثر بالعادات والتقاليد الإسبانية، على حساب عاداتهم وتقاليدهم. وهو موجه بالأساس للمهاجرين المسلمين، والذي يمثل المغاربة أغلبهم. ومن خلال هذا العقد مثلاً ستجد المرأة المسلمة صعوبة كبيرة في ارتداء الحجاب، وفي العديد من الحالات ستجد نفسها مجبرة على تركه. وهنا نجد أنفسنا وكما لاحظ خابيير فلنزويلا أمام إعادة إنتاج نموذج جان ماري لوبان. إن هذه القيود التي يريد راخوي فرضها على المسلمين، تستمد مرجعيتها مما يعرف بالوطنية الكاثوليكية، وهي نوع من الأصولية الراديكالية الموروثة من المرحلة الفرنكاوية. لذا عارضتها الأحزاب اليسارية بشكل صارم. وقد طالب ثاباتيرو راخوي بالاعتذار للمسلمين، وذهب حزب اليسار الموحد إلى أبعد من ذلك، حيث قال إنه إذا كان لا بد من رفع الحجاب الذي يستر رأس المرأة، فلنبدأ أولاً بالراهبات. لقد عبر المسلمون الأسبان من خلال كونفداليتهم، صراحة عن دعمهم لأحزاب اليسار في الانتخابات، وطالبوا بالتصويت عليها، لأنها تتبنى خطاباً تقدمياً متشبعاً بالتعددية الثقافية وبحوار الحضارات، بخلاف ذلك تبنت الكنيسة خطاباً يمينياً محافظاً، وطالبت بشكل ضمني بالتصويت على الحزب الشعبي، كعقاب للحزب الاشتراكي الذي قام بعدة خطوات لا تصب في مصلحة الكنيسة، مثل إلغاء مادة الدين من المدارس وتعويضها بمادة المواطنة. إن دخول الدين، مسيحية وإسلاماً في الانتخابات الإسبانية هو شيء يثير الاستغراب إذا علمنا أن الأمر يتعلق بدولة علمانية السياسة. كما أنه يكشف لنا عن حقيقة يرفضها الغرب عادة، وهي أنه ، وفي الحالة التي نتحدث عنها، تمثل الكنيسة الاتجاه الرجعي وتمثل كونفدرالية المسلمين الأسبان الاتجاه التقدمي. وأقول المسلمين الأسبان وليس المهاجرين، ذلك لأن للإسلام في إسبانيا خصوصية لا نجدها في أي بلد أوروبي آخر، هي أن هذه الديانة في فرنسا مثلاً ترتبط في أصولها بالمهاجرين المغاربيين، وفي ألمانيا بالمهاجرين الأتراك، وفي إنجلترا بالمهاجرين الباكستانيين أو الهنود، أما في إسبانيا فهي ترتبط بالأسبان أنفسهم، أولاً لأن إسبانيا لم تتحول إلى بلد للهجرة إلا خلال السنوات الأخيرة، وثانياً لأن الإسلام لم ينقرض أبدا من إسبانيا. فقد استمرت ممارسته في الخفاء قروناً بعد طرد الموريسكيين. ولما عادت الديمقراطية لإسبانيا، وصدر دستور جديد سمح بحرية الأديان، أشهر هؤلاء المسلمون إسلامهم، لكن مع عدم التخلي على هويتهم وثقافتهم ووطنيتهم الإسبانية. عزز المغرب مكانته الاقتصادية كأول شريك لإسبانيا في الضفة الجنوبية، ماذا يعني ذلك؟ ذلك يعني تصحيح وضعية شاذة وغير مفهومة، وإسبانيا لم تكن أبداً قوة اقتصادية إلى أن انضمت إلى السوق الأوربية المشتركة سنة 1986. قبل ذلك وبحكم الغموض الذي كان يلف المرحلة اللاحقة لحكم فرانكو، بدأت الرساميل والاستثمارات تفرمن إسبانيا، لكن بعد أن تبين نجاح المرحلة الانتقالية، وأدرك العالم أن خيار الديمقراطية أصبح حقيقة ثابتة، لم ترجع فقط الرساميل التي تم إخراجها، بل بدأت الشركات العالمية يابانية وأمريكية وخصوصاً ألمانية تتوافد على إسبانيا، و ذلك مما ساعد إسبانيا على الاندماج السريع في الاقتصادي العالمي، وبطبيعة الحال بمساعدة السوق الأوربية المشتركة التي لم تتوقف عن تقديم المساعدات لها من أجل معادلة مستوى معيشتها بمستويات بقية بلدان السوق. لهذه الأسباب لم تكن إسبانيا بشريك مغر للمغرب، لكن اليوم تغير الوضع، وأصبحت إسبانيا قوة اقتصادية عالمية، وبالتالي يجب أن نهيئ السبل لإغراء المستثمرين الأسبان. وأظن أن هؤلاء بدئوا يعون النجاح الكبير الذي تعد به السوق المغربية في بعض القطاعات مثل العقار، الذي يمر في الوقت الحاضر بمرحلة انخفاض مفاجئ للأسعاره في السوق الإسبانية، مما يشجع المنعشين العقاريين الأسبان على الاستثمار في المغرب، خصوصاً وأنهم يعون ما تمثله أهمية امتلاك سكن خاص في ثقافة المواطن المغربي. غير أن السوق المغربية تجلب كذلك مستثمرين في قطاعات أخرى. ويكفي التوقف عند مجالات الاستثمار التي ينتمي لها وفد رجال الأعمال الأسبان، الذي استقبله الوزير الأول عباس الفاسي في الأسبوع الماضي، وكان يضم أكثر من 50 عضواً لنعي بأهمية السوق المغربية بالنسبة للأسبان. هؤلاء سيواصلون الاستثمار في المغرب بكل تأكيد، بغض النظر عن من سيفوز في الانتخابات المقبلة، لأنهم يشكلون مجموعة ضغط وازنة تملي قراراتها في العديد من الحالات على الساسة كيفما كان توجههم السياسي، ولعلك تتذكرين أن أهم اتفاقية اقتصادية في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية هي التي وقعها أثنار بمراكش، مع أن هذا الأخير لم يتردد أبداً في التعبير عن عدائه للمغرب بخصوص مختلف القضايا السياسية.