يبدو ان الشعب المغربي قد قدر عليه ان يعيش الاحزان و النكبات فرغم الأفراح العارمة التي اجتاحت الشعب المغربي مؤخرا نتيجة لمجموعة من الأحداث الوطنية و الدولية سواء على المستوى السياسي او الرياضي او التكنولوجي، فعلى المستوى السياسي تمثل في إعفاء الملك لعدد من الوزراء و كبار المسؤولين من مهامهم جراء تهاونهم في انجاز مشاريع ملكية بمنطقة الحسيمة بعدما أتبث تقرير المجلس الاعلى للحسابات مسؤليتهم الجسيمة في ذلك و هو ما استبشر به المغاربة خيرا حيث اعتبره البعض عهد جديد للسلطة و تجسيد فعلي للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، اما على المستوى الرياضي فيتعلق الأمر بمجموعة من الأحداث الرياضية الكروية التي تألق فيها المغاربة دوليا كان أبرزها فوز فريق الوداد البيضاوي بدوري أبطال افريقيا على فريق الأهلي المصري، لكن الحدث الأبرز كرويا كان فوز المنتخب الوطني المغربي على منتخب الكوت ديفوار و تأهله لمونديال روسيا 2018 و ما عقبه من احتفالات شعبية خرج خلالها ألاف المغاربة في سابقة من نوعها الى الشوارع تعبيرا عن الاحتفال بهذا الانجاز الكروي الهام و الذي انتظره الشعب المغربي مند عشرين سنة بعد سنوات من الانهزامات و الانكسارات وكأن المغرب بهذا الانجاز الرياضي انتقل الى مصاف الدول المتقدمة و حقق بذلك كل الأهداف و البرامج التنموية ، أما على المستوى التكنولوجي فقد تمثل في إطلاق المغرب للقمر الصناعي "محمد السادس" هذا الأخير الذي لم يحضى باهتمام الفئات الشعبية العريضة ربما لعدم الالمام بهذا المجال او ربما للتعتيم الإعلامي الذي واكب هذه العملية لطابعها الأمني الذي تطلب نوعا من التكتم على التفاصيل حتى ان بعض المغاربة لم يصدقوا هذا الحدث الهام بل منهم من دهب الى السخرية من الأمر بالقول استنادا إلى المثل الشعبي المغربي "اش خاصك ألعريان قمر صناعي أ مولاي" و في خضم كل هذه الافراح و المسرات التي اجتاحت الشعب المغربي على حين غرة و ألهبت فيهم الحماس و الروح الوطنية التي كاد ان يفقدها المغاربة بسبب السياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة تأتي فاجعة الصويرة التي راح ضحيتها حوالي عشرين امرأة جراء التدافع للحصول على مساعدات غدائية تمثلت في كيس دقيق و سكر و زيت ،لتنغص على الشعب المغربي افراحه و مسراته الوهمية و المؤقتة و تعيد الى الأذهان الواقع العنيد للشعب المغربي الذي لا يرتفع انه واقع الفقر و التهميش انه واقع الهشاشة و الحاجة انه واقع البؤس و الجهل فرغم كل المحاولات الفاشلة لتغطية الواقع الهش بالغربال غربال المبادرات الوطنية للتنمية البشرية و غربال الإعلام اللاوطني الذي لا يلامس واقع المغاربة و لا يرصد معناتهم و تطلاعاتهم غربال الاحزاب السياسية اللاشعبية التي بمجرد وصولها للسلطة تنسى هموم الشرائح الاجتماعية المهمشة كل هذا لم يستطع تغطية واقع الشعب المغربي الذي طفى على السطح منذرا باحتقان اجتماعي قريب و لعل حادثة الصويرة و ماخلفته من ضحايا و من ردود افعال متباية خير دليل على ذلك و تبقى اهم ردود الافعال هي تلك التي قامت بها السلطات المحلية ابان الحادث حيت قامت باعتقال صاحب مبادرة الاحسان الرجل المحسن المسؤول عن توزيع المساعدات في انسجام تام مع المثل الشعبي القائل "طاحت الصومعة علقوا الحجام "فبغض النظر عن صاحب المبادرة سواء كان احسانه بحسن نية و بغية التقرب الى الله او بدافع سياسي او ديني او حملة دعائية للجهة المانحة كيفما كانت ربما الأمر ليس من الأهمية بما كان بالمقارنة مع أهمية ضبط العملية برمتها على المستوى الامني و القانوني و التنظيمي فالسلطات المحلية تتحمل المسؤولية الكاملة بالدرجة الاولى فعلى المستوى القانوني فعملية التماس الاحسان العمومي مؤطرة وفق القانون و هنا يجب الحديث عن مصدر التمويل و هل راعى مقتضيات القانون المنظم لالتماس الإحسان العمومي عدد 004- 71 و توفره على الترخيص القانوني هذا من جهة اما من جهة اخري و على المستوى الأمني كان على السلطات المحلية تاطير هذه العملية امنيا من خلال تعزيز العناصر الأمنية الكافية من اجل حماية كل المستفيدات و كدا تقسيمهن الى مجموعات و على المستوى التنظيمي كان على السلطات المحلية و بتنسيق مع الهيئات المنتخبة و المجتمع المدني ان تواكب هذه العملية من خلال ضبط لوائح المستفيدات و توفير المتطوعين من داخل هذه الجمعية التي تكفلت بتوزيع المساعدات لتسهيل عملية الاستفادة الجماعية ،ربما لسنا هنا لاعطاء الدروس في التنظيم او التاطير فأهل مكة ادرى بشعابها لكنها مجرد وجهة نظر لتفادي هذه الواقعة و لعل ما يهمنا هنا اكبر و اعمق من كل هذا او ذاك و هو الإجابة عن سؤال جوهري و هو: لماذا هؤلاء النسوة يلتمسن الإحسان من الخواص و الجمعيات الخيرية ؟ و ما هي السبل و الوسائل الكفيلة بحل جدري للفقر و الهشاشة لدى الفئات المعوزة من المجتمع ؟ لعل ما وقع بالصويرة و بالضبط بجماعة بولعلام يقع يوميا في العديد من القرى والمداشر النائية و المعزولة عن المجتمع المغربي ربما الفرق هو عدد القتلى و الجرحى و كذا المواكبة الإعلامية الوطنية والعالمية و التي ادت الى ضجة اعلامية كبرى وصل صيتها كل بقاع العالم حتى اصبح البعض يتشفى في المغاربة الأمر الذي اعاد الى الواجهة نقاش المقاربة الاحسانية التي تعتمدها الدولة في محاربة الفقر و الهشاشة و فتح باب المسائلة في وجه عدد من الجهات سواء مؤسسات او اشخاص او برامج وطنية لمحاربة الهشاشة و الفقر كما اعاد الى الأذهان الحديث عن صندق دعم العالم القروي وصندوق التنمية الفلاحية وكدا البرامج الاقليمية لمحاربة الهشاشة بالمنطقة و هنا يجب الحديث بالأساس عن حصيلة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و هل حققت الاهداف المنشودة نجد ان المغرب احتل الرتبة 130 من بين 180 دولة سنة 2011 و الرتبة 114 سنة 2010 بناء على التقرير السنوي الذي أعدته هيئة الأممالمتحدة في هذا الشأن الامر الذي يدق ناقوس الخطر و يضع المغرب في موقف محرج فعلى الرغم من الميزانية الضخمة المرصودة لهذه الغاية الا ان هذه المبادرة لم تحقق الأهداف المنشودة و بالعودة الى مدينة الصويرة ومكان الفاجة نجد ان المنطقة تعرف العديد من الاوراش التي لا تعود بالنفع على ساكنة المنطقة فالمنطقة تعرف أعمال التنقيب عن البترول كما تعرف العديد من المهرجانات الدولية و التي تحضى بدعم سخي من جهات حكومية و غير حكومية و على رأسها مهرجان كناوة كما ان المنطقة تشتهر على المستوى الفلاحي بزراعة العنب و الذي يعرف رواجا كبيرا حيث يذهب الإنتاج للتصنيع في مجالات عديدة و هنا يتضح لنا غياب عدالة مجالية تراعي حاجيات و خصوصيات المنطقة كما ان هناك غياب تام للعدالة الاجتماعية و سوء التوزيع العادل للثروات كذلك الغياب التام لمؤسسات الدولة سواء الرسمة او المنتخبة بالإضافة الى انعدام اي مؤشرات للتنمية بالمنطقة من خلال خلق مشاريع تنموية مدرة للدخل ترفع عنهن الحاجة و السؤال ربما هنا مكمن الداء و ربما هو الامر الدي دفع بتلك النسوة لالتماس الاحسان من الخواص او من الجمعيات الخيرية انه الفقر والحاجة و الهشاشة بل هو الغياب التام للدولة من خلال مؤسساتها في محاربة الفقر و الهشاشة بل فشل الدولة من خلال برامجها التنموية التي لم تلامس الواقع اليومي لمعاناة الشعب المغربي و خصوصا العالم القروي ربما ليس الحل في المقاربة الاحسانية و اطلاق البرامج و إحداث الصناديق او قفة رمضان بل الحل في اعادة النظر في العديد من الامور و على راسها المقاربة الاحسانية في محاربة الفقر و الهشاشة و من خلاله اعادة النظر في العديد من البرامج و الصناديق و على رأسها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و مؤسسة محمد الخامس للتضامن و برنامج تيسير و برنامج استفادة الارامل المعوزات من الدعم المالي وصناديق التنمية القروية و الفلاحية و صندوق المقاصة ربما ان الاوان لاحداث زلزال اجتماعي جديد يضرب عرض الحائط كل هذه البرامج بل كل هذه المسكنات التي تهدئ من روع الفقراء و تضبط ايقاع الحياة لديهم في انتظار الاحسان و الجود و الكرم من الدولة، اننا شركاء في الوطن و لسنا أجراء يجب اقتسام الثروة فكيف يعقل ان تستفيد برلمانية من ازيد من خمسة تعويضات شهرية ليصل اجرها الشهري الى 15 مليون سنتيم شهريا بينما اسرة معوزة تختار بين الاستفادة من برنامج "تيسير" الذي يصل الى 150 درهم شهريا او الاستفادة من برنامج مساعدة الارامل و الذي لا يسد الرمق و كيف يعقل ان يستفيد العديد من البرلمانين والوزراء المتقاعدين من تقاعد سخي مدى الحياة فيما يستفيد جنود قضوا زهرة شبابهم في الدفاع عن حوزة و امن الوطن من تقاعد لا يساوي كيس دقيق و سكر و كيف يعقل ان يستفيد مدرب المنتخب الوطني من راتب شهري يصل الى 70 مليون سنتيم شهريا فيما الاف الشباب والدكاترة عاطلين عن العمل ربما كل هذه الاشياء علينا اعادة النظر فيها بشكل جدي لكن تلزمنا إرادة سياسية و مجتمعية حقيقية ، النقاش الحقيقي يجب ان ينصب بالاساس حول السؤال الجوهري اين الثروة؟ و هو ما طرحه الملك في خطابه إبان الذكرى 18 لعيد العرش و هو بذلك يكسر كل الطابوهات التي لم يتجرأ يوما على ذكرها المغاربة و بذلك يفتح الملك المجال نحو اصلاح حقيق و شامل بل انها انطلاقة حقيقة لثورة هادئة تشمل كل المجالات و لعل مضمون الخطاب لخص و شخص الوضع المغربي بكل دقة فالملك يعي ما يقول حسب نفس الخطاب مؤكدا انه لا فرق بين الشمال و الجنوب و لا بين الشرق و الغرب و لا بين سكان المدن والقرى و لكننا نعيش اليوم في مفارقات صارخة من الصعب فهمها او القبول بها ….بقدر ما تصدمنا الحصيلة و الواقع بتواضع الانجازات حتى اصبح من المخجل ان يقال انها تقع في المغرب …… فان برامج التنمية البشرية التي لها تأثير مباشر على تحسين ظروف عيش المواطنين لا تشرفنا و تبقى دون طموحنا …" كانت هذه مقتطفات من نص الخطاب الذي عرى على الواقع العنيد و المزري للمغرب و الذي جاء على لسان ملك البلاد كما جاء في خطاب افتتاح السنة التشريعية بالبرلمان و الذي جاء فيه "وادا كان المغرب قد حقق تقدما ملموسا يشهد به العالم ا لان النموذج التنموي الوطني اصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة و الحاجيات المتزايدة للمواطنين و غير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات و من التفاوتات المجالية و على تحقيق العدالة الاجتماعية " هو بذلك يؤكد فشل النمادج التنموية الحالية و يدعو الى ضرورة البحث عن نموذج تنموي جديد بعد فشل سابقه و من هنا وجب الاشارة و في سياق الحديث عن السبل و الاجراءات الضرورية لحل افة الفقر و الهشاشة لدى الفئات المعوزة وجب علينا و من وجهة نظرنا احدات زلزال مجتمعي على جميع الاصعدة من خلال حشد الاجماع الوطني اولا حكومة و شعبا و مجتمع مدني و سياسي من خلال اشراك كل الفئات الاجتماعية بمختلف توليناتها و معتقداتها حول مسالة اعادة التوزيع العادل للثروة ليس التوزيع بالمفهوم الميكانيكي بل اعادة النظر في العديد من منغصات الحياة على المجتمع المغربي و أولها سحب كل مظاهر الامتيازات و الريع من خلال الغاء كل التعويضات و التقاعدات السخية للوزراء والبرلمانين والمدراء وكبار المسؤولين و الغاء الرخص المغرية و الاعفاءات الضربية و الامتيازات العسكرية و المدنية و السياسية و النقابية و الصيد في أعالي البحار و اعادة النظر في منظومة الاجور في القطاعين العام و الخاص و اعادة النظر في كل البرامج و الصناديق التي ذكرنا سلفا والتنزيل السليم لمقتضيات الدستور و على رأسها ربط المسؤولية بالمحاسبة ولو على كبار المسؤولين و بالحديث عن النمودج التنموي الجديد الدعوة الى فتح نقاش مجتمعي حيقيقي تشارك فيه الفئات الهشة لتعبر عن ارائها بدل الوصاية عليها من خلال جمعيات المجتمع المدني و الاحزاب السياسية مع ضرورة ان يراعي هدا النمودج التنموي الخصوصية المغربية و خصوصية كل منطقة وفق مقاربة توزيع مجالي عادل يراعي حاجيات كل منطقة،الغاء مقاربة الاحسان و الصدقة في برامج محاربة الفقر و تعويضا بمقاربة الشراكة و التعاون احدات تعويضات مالية عينية شهرية للمعوزين و المعوزات الارامل و فاقدي الشغل المعطوبين و ذوي الاحتياجات الخاصة احداث صندوق التكافل خاص بالمحسنين او كما يسميه البعض صندوق الزكاة يوجه للفئات الاكتر هشاشة بشكل شهري تعويض مؤسسة التعاون الوطني محل الجمعيات الخيرية في عملية الاحسان العمومي و توزيع المساعدات حتى لا يتم استغلال الفئات الهشة في اهدف انتخابية او دينية متطرفة ربما هذه بعض الاراء من وجهة نظرنا لكنها تحتاج الى ادارة مجتمعية حقيقة ينخرط فيها الجميع حتى لا يطحن باقي الشعب المغربي لاننا شركاء في الوطن ولسنا اجراء.