عزيزي الشرطي، في الحلقة الماضية حدثك عن العامل الأول الذي يجعل من مدينة القصر الكبير جنة الشرطة بالمغرب أما اليوم فسأحكي لك عن العامل الثاني. الثروة: إنها ثمانينات القرن الماضي والمدينة مشغولة بموسم عاشوراء الذي يحظى إلى يومنا هذا بمكانة خاصة لدى سكان مدينة القصر الكبير وضواحيها، كنا صغارا ننتظر الموعد بلهفة ليس للتباهي بما اشتريناه من لعب ولكن للتنافس في إبداع مقالب للبدو، على أطراف حينا كانت هناك أشجار (كليبتوس) عملاقة يلجأ إليها هؤلاء للاستراحة وتناول طعامهم الذي كان في الغالب عبارة عن (شباكية السلوم) والخبز، كنا نقوم بترصدهم بينما يأخذون قيلولة في ظل الأشجار الوارفة، فنربط خيوط أحذيتهم بعضها ببعض ثم نقوم بتفجير المفرقعات بقربهم فيقومون من نومهم مرعوبين يتخبط الواحد منهم في تلابيب جاره، فعلناها مرة وإذا بسيارة الشرطة الوحيدة بالمدينة (من نوع R4) الملقبة ب(الواشمة) تطاردنا كان الموقف هذه المرة لا يدعو للاستمتاع بتاتا، أفلتنا بجلدنا وقررنا الانتقام، كنا نتتبع أفراد الشرطة وهم يقومون بجولتهم على أصحاب المحلات الكبرى وتجار الجملة لجمع زكاة (العشور) ونقوم بالصراخ والصفير للفت نظر المارة إليهم ثم نختفي عبر أزقة المدينة القديمة. عزيزي الضابط، مرت مياه كثيرة تحت الجسر وتحولت مدينة القصر الكبير إلى عاصمة لتهريب السلع الأوربية والمخدرات والخمور، وأصبح (سوق سبتة) قطبا تجاريا شهيرا، تقاطرت الأموال على المدينة، وما كان للشرطة أن تبقى بعيدة عن هذه الطفرة الاقتصادية، كان لابد من هيكلة القطاع، وكان النجاح لافتا، تدريجيا ظهرت أمارات الغنى على زملائك في المهنة، فقد قرر العديد منهم أن رياحه قد هبت فقام باستغلالها بأفضل ما يمكن إلى درجة استعملت فيها سيارة المصلحة لحمل البضائع المهربة! هناك من كان يترصد المهربين فيسلبهم بضائعهم ثم يضمن صمتهم مقابل عدم اعتقالهم ومن تم كان يعيد بيع ما سلبه داخل المدينة أو خارجها، أحيانا كانوا يعتقلون المهرب ويقدمونه للمحاكمة ومقابل تخفيف العقوبة كان ملزما بالسكوت عن حجم ما وجد بحوزته. مصدر آخر للاغتناء يجب ألا تغفل عن الاستثمار فيه وإن لم تكن تملك رأسمال! تعلم جيدا أن المخدرات بجميع أنواعها طريق سريع للثروة، لهذا يمكنك من خلال المخدرات التي تحتجزها أن تضمن مدخلا جيدا للوصول إلى المال الوفير، فقط عليك أن تتدبر أمر من يروجها لصالحك وفي المقابل قم باعتقال المنافسين حتى تزيد الغلة، الأمر كما ترى يحتاج إلى بعض الجهد، لكن إن اردت أسهل الطرق فيمكنك أن تكتفي بتقاضي إتاوات شهرية من مروجي الخمور والمخدرات. سترتكب خطأ فادحا إن ظننت أن الجريمة مرتبطة بالفقر حصرا، ستصلك ملفات أبطالها أبناء أثرياء جمحوا بسبب التدليل، ستحتاج فقط للحنكة في طبخ الملفات ببهارات الوساطة والتفاوض، فالضحية الفقير سيدخل الجنة وأبناء الأثرياء لم يخلقوا للسجن، والحي أبقى من الميت وستكون أنت ملاك الرحمة. أيها الشرطي الذي ينوي العمل بمدينة القصر الكبير، النقل السري/العلني كنز لا يفنى، فالمدينة يطوقها حزام من القرى من كل الجهات وأنت أدرى مني بأوضاع النقل في الوسط القروي، لن أحدثك هنا عن الرشاوى فهذه قصة مهضومة لدى سائر المغاربة، ولن أذكر لك شرطة السير والجولان فعقاراتهم وممتلكاتهم تحدثك عنهم، أنا أكلمك هنا عن الابداع وأخذ المبادرة، فإن كنت تملك سيارة فمارس هاته المهنة، صدقني لن تأتي ببدعة فقد فعلها زملاء لك من قبل. في مدينة القصر الكبير لا يحمل هم غلاء المعيشة إلا الشرطي الشريف، وسائل النقل متوفرة بالمجان، المقاهي والمطاعم ساعة أرادوا، خاصة الدوريات الليلية، بقليل من الصلف يمكنك أن تحصل على كل ما تحتاجه بالمجان، يمكنك أن تقتسم مؤونة المعتقلين الموضوعين تحت الحراسة النظرية مثلا، كما يمكنك بعد فراغك من العمل أن تشتغل لساعات إضافية كأن تتوجه إلى محطة الحافلات أو تقيم حاجزا وهميا في أحد الممرات التي خصصت حديثا للسير في اتجاه واحد. ها قد عددت لك المداخل إلى صنع الثروة التي جعلت العديد من العاملين في جهاز الشرطة يغتنون بشكل فاحش، يركبون السيارات الفارهة ويملكون العقارات الفاخرة، في الحلقة القادمة سأحدثك عن العامل الثالث الذي يجعل من القصر الكبير جنة الشرطة بالمغرب.