الأحد 24 أبريل 2011 لم يكن يوما كسائر الأيام بمدينة القصر الكبير، حيث شهد حادثا مأساويا بطله القطار وضحيته أحد الشباب المناضلين الذي كان عائدا من الرباط في اتجاه القصر الكبير بعد مشاركته في معركة نضالية للمطالبة بالحق في الشغل رفقة باقي الزملاء المعطلين. أسفرت نتيجة حادثة القطار هاته على بتر رجلي ضيفنا، الأمر الذي أثر بقوة في ساكنة مدينة القصر الكبير التي أعلنت تضامنها المطلق مع زكرياء الساحلي، وبادرت إلى مؤازرته في محنته معبرة عن تعاطفها المكثف مع قضيته التي هي قضية ساكنة بحالها من دون شك. زكرياء الساحلي.. يحضر معنا في هذا اللقاء الخاص ليحدثنا عن آخر تطوراته الصحية، ويحكي لنا عن التغييرات الجذرية التي عرفها مسار حياته بعد الحادث، وليكشف لنا عن تصوراته الخاصة حول بعض القضايا مثل: الإعلام والنضال الحقوقي وغيره دون أن نهمل ملف حوادث القطار بالمدينة والذي يعتبر زكرياء الساحلي – حسب تصريحاته السابقة – الضحية الوحيد الذي بقي على قيد الحياة مقارنة مع غيره من الضحايا . نص الحوار : – مرحبا بالعزيز زكرياء الساحلي في هذا اللقاء وشكرا لتلبيتك الدعوة . قبل أي سؤال نود الاطمئنان عن احوالك الصحية سيما وقد علمنا أنك أجريت عملية جراحية جديدة في الفترة الأخيرة ؟ في البداية أتقدم لك أختي أسماء بالشكر الجزيل على هذه الدعوة، و إنه لشرف لي أن نجري هذا الحوار على مدونتك التي تلامس كل ما هو جدي و راقي ، أما فيما يخص أحوالي الصحية حاليا أعيش فترة نقاهة حيث أنني أجريت عملية جراحية على مستوى الرجل اليسرى من أجل إزالة بعض الشوائب من العظام التي كانت تسبب لي تقيحا وألاما قوية بشكل دائم، إضافة الي مضاعفات صحية اخرى. بعد اجرائي لبعض الفحوصات المخبرية تبين ان هناك بعض العظام مفتتة الشيء الذي استدعى القيام بعملية جراحية على وجه السرعة، مع أخد عينة من تلك العظام للتأكد من سلامتها من أي فيروس خبيث و الحمد لله ظهرت النتائج خلال الاسبوع المنصرم و كانت إيجابية و لله الحمد. – بعد مرور أكثر من سنتين على وقوع الحادث المؤلم الذي أسفرت نتيجته عن بتر رجليك، ما الذي تغير في زكرياء الساحلي؟ وماهي المشاكل التي تعترض حياتك؟ زكرياء الساحلي قبل الحادثة مختلف تماما عن زكريا الساحلي بعد الحادثة . قبل الحادث كنت أعيش صراعات قوية نفسية و اقتصادية و اجتماعية ; بسبب البطالة و عدم الاستقرار في حياتي بصفة عامة . بعد الحادثة، عرفت نوعا من الاستقرار بعد دخولي فى تجربة زواج ناجحة و قد انعم الله علي بزوجة قل نظيرها كانت ولازالت خير سند لي، ورغم استمرار البطالة النوعية و الضعف المادي إلا أن نفسيتي جد عالية بسبب الدعم المعنوي المحاط بي، أكيد إنني أصادف مجموعة من المشاكل من الجانب الحركي لكن لم أشعر أبدا أنني شخص معاق بقدر شعوري أنني شخص لديه احتياجات خاصة. ومع مرور الوقت بدأت أعتاد على الحياة الجديدة وجعلت من العقبات التي تعترض طريقي محفزات سعيا لتحويلها من طاقة سلبية الى طاقة ايجابية للمضي قدما في درب الحياة – معلوم أنك ضحية من ضحايا حوادث القطار بمدينة القصر الكبير والضحية الوحيد – كما صرحت من قبل- الذي عاش من بين عشرات الضحايا الذين أزهق القطار أرواحهم . هل فكر الساحلي في تشكيل جمعية خاصة تخدم هذا الملف ؟ يعتبر ملف حوادث القطار بالمدينة من أهم الملفات التي تؤرقني و تشغل حيزا كبيرا من اهتمامي و تفكيري نظرا للعدد الضخم الذي يحصده قطار الموت بالمدينة، بسبب غياب المعابر المحروسة و عدم توفر شروط الأمان الشخصي على طول السكة الحديدية التي تقسم المدينة إلى نصفين، وهو ما يتسبب في سقوط ضحايا بشكل متوالي ، كما أعتبر أن المسؤولية ملقاة على عاتقي من أجل التحرك بخصوص هذا الملف و أفكر بجدية في تأسيس جمعية لضحايا القطار و ذويهم، بشرط أن تكون بعيدة كل البعد عما هو انتهازي يستثمر معاناة الضحايا لتحقيق أهداف شخصية.وان يكون هدفها الاساسي هو وقف نزيف دماء ابناء مدينتنا وهي مسؤولية ملقاة كذلك على عاتق الجميع بدون استثناء لأننا جميعا معرضون لهذا الخطر و العياذ بالله -تلعب الممرات غير المحروسة المنتشرة على طول خط السكة الحديدية بالقصر الكبير دورا مهما في وقوع حوادث القطار . برأيك كيف يمكن الخروج من هذه لمعضلة التي تؤرق الساكنة وتوقظ المدينة من حين لحين على صوت فراق واحد من أبنائها ؟ للأسف فإن السكة الحديدية تمر من وسط المدينة مع وجود مجموعة من المعابر غير المحروسة فالأكيد أننا سنسمع بين الفينة و الأخرى عن سقوط ضحية تلو الأخرى، وكل مرشح أن يكون ضمن لائحة الموت . أعتقد أن الحل الحقيقي لهذه المعضلة يتجلى في تحمل المسؤولين محليا و إقليميا الدور المنوط بهم في الحفاظ على أرواح الأبرياء، و جعل كل المعابر التي تمر بالمدينة و هوامشها محروسة ،وان يتم بناء قناطر للعبور كما سبق وصرح بذلك السيد رئيس المجلس البلدي بعد الحادثة الاخيرة التي تعرضت لها فتاة في مقتبل العمر. - اقترن اسم زكرياء الساحلي كثيرا بالنضال وبجمعية حقوق الانسان، ما جديدك في الميدان ؟ تعتبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هي المدرسة الأم التي تربيت فيها على قيم المساواة و حقوق الإنسان تربية على الديمقراطية الحقيقية و الكرامة و العدالة الاجتماعية، و على هذه المبادئ أناضل إلى جانب كافة المظلومين و المضطهدين على قدر إمكانياتي، حيث أن الإعاقة الحركية التي أعاني منها لم تستطع ثني عن المضي قدما في هذا المجال. -باعتبارك واحدا من شباب المدينة الذين يحملون هم الاعلام ، ماهي الاكراهات التي يعرفها الاعلام الالكتروني المحلي؟ الاعلام المحلي و خاصة في جانبه الالكتروني يعرف نموا سريعا و ممارسة واقعية مقارنة بمجموعة من المنابر التي تخص مختلف المدن المغربية، و هذا راجع إلى الممارسة المبكرة في هذا المجال . و مع ظهور منتديات القصر الكبير التي تأسست في أكتوبر 2007 كانت انطلاقة حقيقية للعمل الاعلامي في المدينة، و هي الشجرة الأصل التي تفرعت عنها مجموعة من الفروع و ساهمت في الانتقال من العمل الهاوي إلى العمل القريب جدا للمهنية باعتماد على الموضوعية في معالجة الخبر، و أظن أن الاكراهات التي قد تصادفنا في عملنا الاعلامي يلخصها شعار " كفاح بلا سلاح " أي بغياب أي دعم حقيقي مادي و معنوي، و لعدم توفير اللوجيستيك و أجواء الاشتغال المناسبة سيظل الاعلام المحلي يعاني القصور و التضييق مما سيؤثر على المردودية في المادة الاعلامية المقدمة. -ماذا تعني لك الكلمات التالية: الشغل ، الصمود ، الصحة ، التحدي ؟؟ الشغل : هو جزء أساسي لضمان كرامة الانسان و السبيل الوحيد للعيش وفق المقومات الانسانية و بسبب هذا المطلب فقدت كلتا رجلي أثناء عودتي من معركة المعطلين في الرباط وهو مطلب يحظى عندي بقدسية مطلقة. الصمود : الانسان حينما يجابه المحن و المآسي يكون مخيرا بين التقوقع و الانغلاق و التباكي على الذات و بين الصمود و النضال من أجل استشراف مستقبل أفضل، و أنا فضلت أثناء تعرضي للحادثة مع القطار و بثر كلتا رجلي أن أصمد في وجه هذا القدر و النضال من أجل الاستمرار في الحياة. الصحة : "تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى".فحسب أخر الاحصائيات فإن المغاربة يخسرون 54% من رواتبهم على الصحة و هذا يبين الحاجة الملحة لتوفير الجانب الصحي لكل المغاربة و هذا الجانب الذي أناضل من أجله الأن. التحدي : هو الخيط الناظم بين كل من الشغل و الصمود و الصحة، التحدي هو يهني لي الإصرار من أجل المضي قدما من أجل مستقبل أفضل. - ما هي كلمتك الختامية ؟ أتقدم بالشكر الجزيل لكل من دعمني و كل من ساهم في بقاء زكرياء الساحلي صامدا مناضلا، شكرا لكافة الأحبة و شكر خاص لك أختي أسماء .