تزوجت الحسناء الضامرة البطن من شيخ ثري منتفخ البطن، فاتخذت عشيقا شابا مفتول العضلات ضامر البطن. على الفراش وبعد انتهاء من لحظات النشوة والانتعاش، سألها: - كيف تزوجت الحسناء الوحش؟. على صدره حطت خدها، كي تتحاشى نظراته و تذيع سرها بلا خجل. تقمصتها لعنة "شهرزاد" الليالي العجيبة، فاسترسلت في قص حكايتها: " - حوالات أبي المعلم لا تسمن ولا تغني عن جوع، ولا تسر الناظرين المنتظرين على عتبة الشباك"الأوتوماتيكي"، على أمل تسديد بعض ديون ترتبت عن طموح واه في تأثيث البيت، ومصاريف الأعياد. غير أن أبي وحده لم يكن ينتمي إلى هذه الفئة المبذرة من المعلمين، التي لا تعلم أن رغيف الخبز ولو كان صغيرا جدا، يقبل القسمة على ثلاثة: ثلث للفطور مرفق بالشاي والزيتون، والثاني للغداء مغمس بالعدس أو العدس ، والأخير للعشاء مع ما تبقى من الغداء، لأن العشاء كما لا يفهمه أولائك المسرفين، ينبغي أن يأتي مضمرا في وجبة الغداء، هكذا أيام من أراد العيش سعيدا غاية الشهر. كان أبي (بقدرة قادر) يشطر الدرهم درهمين، واحد للمشتريات وآخر للمدخرات، آمن بلا كيف بجدوى التقشف، وكثيرا ما كان يصوم الأيام البيض طلبا للأجر، وزهدا منه عن متاع الدنيا الغالية، حتى أصبح بيتنا متحفا أثريا للنادر من الأثاث الموغلة في القدم: أَسرة مالت حواشيها نحو الأسفل، كميت وقد أسقط رأسه؛ إذا ما لامستْ مؤخرتك لحافه الباهت المتهتك، بوجهك صاح: .!- دونك والجلوس؛ ما عدت قادرا على تحمل ثقل رضيع. تلفازنا عمره عمري،" مازوخي" الطبع، لا ينطلق في بث برامج إذاعته اليتيمة، حتى ينال حظا وافرا من الضرب، واللكم على الرأس والظهر، ويبلغ نشوته الكبرى إذا ركل بعد الهز. على مزاجه يبث ما يشاء وقت شاء، يشغل نفسه بنفسه؛ مع آذان الفجر، أو حتى في هزيع الليل، وقد يتوقف فجأة في منتصف السهرة، يتركنا بأياد على الخدود في عز اختبار أفق انتظارنا لنهاية الأفلام، حتى أن الحصول على قطع غياره - وإن كانت غير مستعملة - أصبح من آخر المستحيلات، مع الأخذ بعين الاعتبار شح أبي وتقتيره. الثلاجة الكسيحة القابعة في الركن الأيسر من المطبخ، وضع أبي عليها مروحة؛ لم تعد مروحة، بل شيئا آخر غير ذلك، إذ لم يعد دورها تلطيف وإنعاش الجو، بل - فقط -مؤانسة ومؤازرة الثلاجة في محنتها الكبرى، كي تحس بأن هناك من يتعاطف معها كمعاقة، أبلت البلاء الحسن قبل تقاعدها، وحتى لا تفقد ذاكرتها معطيات تتعلق بسنوات انتمائها لعالم التبريد، وأنها كانت في يوم من الأيام الغابرة ثلاجة يفتح بابها لشرب الماء البارد. محركها المتواري وراء جلبابها الذي كان أبيض، أصابته رصاصات "الزمان الأول" بثقوب كادت أن تلتقي لولا حاجز الصدئ الآيل للتفتت، لم يعد يوضع بداخلها بيض أو خضروات أو أي شيء من قبل الأكل أو الشرب الذي يستوجب الحفاظ عليه في البرودة، بل صارت أرشيفا لتحاضير أبي ومذكراته اليومية وكدا مستودع لآلاته الحاسبة. أما عن ضيق المطبخ والحمام والغرفتين، فحدث بحرج واخجل، ولا تسمي الأشياء بغير مسمياتها، فلا المطبخ مطبخ ولا الحمام حمام، ولن تزايد عليهما أية غرفة من غرفتي البيت، ولا حتى غرف باقي منازل الحي جميعها. اعتبارا لهذا البيت و مواصفاته الحسنة، التي توائم أثاثنا "الأنتيكي"، ونظرا لسومته الكرائية المعقولة، واستحضارا لتقشف أبي الذي تشجع وغامر، وبسرعة البرق سكنا المنزل العظيم. من مدخرات البيت و مستحقات ترقية أبي في عمله بأقدمية مطلقة لم يتناطح حولها وزير جديد مع وزير قديم، كاد المبلغ المتوفر أن يحترم، "فألحت أمي إلحاحا، وأصرت إلحاحا"، على أن تدفع جميع أموال الأسرة عربون شقة اقتصادية، لا شرقية ولا هي بغربية، شقة وإن أطلت على مزبلة، بعد الاقتراض طبعا، والرزح تحت فداحة فوائد الديون التي قد تطول على طول. ذهبنا جميعا، طالبين راغبين في شقة تناسب أحلامنا القصيرة، لكن الشقة العروس التي لم يشرفها نسبنا لم ترقها نماذجنا البشرية، بالرغم من كون جدرانها بها عوج ولها شراكات مع باقي الشقق ،وكل شيء فيها ضيق و متداخل: السقف تواق لعناق البلاط، والمطبخ في الركن يضاجع الحمام، وغرفها غرف الأطفال . طفنا على جميع ملاك السكنيات الاقتصادية الشكل، كدنا نيأس لو لم ننهي رحلة تتبعنا للسراب، بزيارة آخر الحجاج 'الحاج علي' مالك السكنيات الاقتصادية وغير الاقتصادية، بالمدينة التي نسكنها وغير التي نسكنها، وسأحكي لك حتى تعرف ما جرى للغزالة التي تزوجها الفيل: - صباح الخير سيدي ... قالها أبي وكررها حتى كاد أن يغمى عليه، لما كان وجها لوجه مع " الحاج علي " الذي غفا عندما كان ينظر إلي، فكنت أنا التي أحدثت ذاك العطب، وجعلت الحاج ينسى مناسك حجه وعمرته، وضل فاتحا كل ما يمكن أن يفتح فيه، فم بلا طقم كفم الفقمة، عيناه بنظارتها الزجاجية التي تشبه قاع الكأس، ووجه بتجاعيده ' الهيروغليفية '، رجلاه المعقوفتين كسرطانات البحر، جدبه أبي بلطف من كم قميصه، و بذكر الله أيقظه من سباته: - سبحان الله سبحان... كما عادت "أليس" من بلاد العجائب، "عاد الشيخ إلى صباه "شد ربطة عنقه واستعار من الحطيئة وجهه ومن الجاحظ عيناه. - تزوجنا، عفوا، تشرفنا، تفضلوا ... انطلق الحاج (بجلالة قدره) بتعداد تواشيح الترحاب، مرتبكا يصف لنا محاسن الشقة، فاختلطت عليه بمحاسني، تحدت عن قدها وقوامها، عن جمالها وحسن طلعتها، تلعثم وحك كفيه فرحا كالأطفال وقال: - هذه الشقة لم أشاهد مثلها أبدا، وإني لأريدها لي وفي أقرب وقت ممكن. قالها ومضى ينظر إلى شقتي ذي الفتحة الظاهرة على تنورتي أسفل الخصر، ثم أردف متابعا وصفه: - هواؤها يرد الروح إلى من يعيش معها أقصد فيها، مشرقة كالشمس ليلا و نهارا، تقول للكهرباء لا حاجة لي بك، أنا وحدي أضيئ المكان، منعشة صيفا، دافئة في فراش الليل البارد، خجولة المظهر، ممشوقة القوام، عيبها الوحيد أنها لم ترق الآنسة، ما اسمها؟. أسرعت أمي بالإجابة، بعد أن أومأت برأسها معلنة موافقتها المسبقة، على طلب لم يرد بعد: - اسمها حسناء، وهي بقوة الفعل حسناء، وستجتاز امتحان 'الباكالوريا' هذه السنة، طباخة، ذواقة، و للأدب سباقة، تطبق قواعد النظام والأصول بلا تكلف، تمشي على العجين ولا تعجنه، ما تمسكه يداها يطرح الله فيه البركة، وقد أجعلها تحب شقة من شققك، إذا كانت كبيرة، تتسع لنا نحن الاثنين، أقصد الثلاثة ريثما يحل ميمون سعد حسنائي. وبحماس قبلة طبعتها أمي على خذي حتى تورد خجلا تشجع " الحاج علي" فبدا كلاعب يدخل الملعب وكله تصميم على تسجيل هدف؛ استعرض بقايا عضلاته المترهلة، هز ودفع – في حركة واحدة– بطنه نحو الداخل، لشفط الدهون والشحوم التي راكمها طوال سنين مصه لجيوب - الموظفين لذلك -، كي يبدو بطنه كبطن رياضي، لكن الشحم الداخلي المتخم بذاته، أبى أن يستقبل مزيدا من الزوار من صنف ذهنه، لعدم وجود مكان شاغر بين شحمه، نحو الأسفل جدب عروق أوداجه، أملا أن تتمدد جبال خذه، فتنمحي بذلك بعض أصول أصول بعض صغار تجاعيده، لكنها عادت كما "عادت حليمة لعادتها القديمة"، هب لرفع نظارته في محاولة أخيرة لإقناع المخاطب أو خطيبة المستقبل (إن شاء الله) بأنه يرتديها للزينة، وليس للضرورة أي دخل في ذلك، إلا أن ضباب لندن هب حاجبا عنه الرؤية تماما، بمنديله مسح عينيه وبدأ يتمسح بي، فعجل بارتدائها حتى يرتد إليه بصره، كي يحدد موقعه من أشيائي. على سحنة مرآة الحمام رأى تصاميم هيأته 'الحلزونية'، بعيوبها التي صوتت بالإجماع كي يكون ناطقها الرسمي: ظهر كما للجاموس من فرط الشحم تقوس، تجاعيد على الوجه تناسلت كدروب الحي القديم، شيبه عن الشيب يختلف شكلا وعددا فتمنى لو كانت أمامه آلة لنزع ريش الدجاج وهي تدور، كي يدخل رأسه فيها، نازعا تلك الخصلات البيضاء القليلة المتبقية على سطح رأسه المبرقع، والتي أصبحت تمثل أقليات عرقية في مناطق الصحاري النائية، لا تؤثر في قرارات مجلس الشيخوخة بشيء. بحماس المتصابي وبسمة التماسيح، طمع في أن يبدو حليق الرأس كما لفظته أمه، أو كباقي الفتيان، الدين أعلنوا أن 'موضة' الصلع عبرت البحر لتكون آخر 'إقلاعة' بعد "عرف الديك" و"شوك القنفذ" و'صعقة الكهرباء'. لكن ما من حيلة نفعته في إصلاح ما عافه الدهر وبال عليه الكلب. جلس علي عندما جلست على الكرسي، أراد أن يمسك بذراعي الكرسي أمسك فخداي، تعثر و سقط، أسند كفيه على فخداي من جديد، تنهد في خصري بحسرة وغنى "أنا عمر بلا شباب، وحياة بلا ربيع"، اعتذر و أكثر من الدعاء بالنصر والتوفيق في ما هو فيه، إلى أن خار على الكرسي،- بعد أن تحسسه من الخلف- متعبا من تقمص دور، ما عاد مجديا التدرب عليه، إذ لم تكن له "كريزمات" "كومبارس" ولا عضلات البطل "رامبو"، وما كان "للماكياج" أن ينجح بكل منتجاته القديمة أو الحديثة، في طمس خندق، أو وعر من وعار وفجاج تجاعيده، التي يرجع أصلها إلى العصور الأولى لنشأة التجاعيد، الضاربة في عمق التاريخ ما قبل الهجري والميلادي. - اتركوا لي العنوان وسأحل عليكم غدا ضيفا خفيفا (إن شاء الله). لأول مرة في وجهه ابتسمت كالطفلة، بكفي كممت فمي كي لا تنطلق تلك القهقهة التي أخفيتها، كما قد تخفي الشجرة غابة وارفة الظلال، السبب في ذلك خاطرة لئيمة راودتني: كيف له أن يكون ضيفا خفيفا بهذا الوزن الثقيل وهذه السعة المفرطة في بطنه إفراط أبي في تقشفه؟. وتخيلت حاله وهو في المرحاض، يخرج ما أدخله الزمان في برميل بطنه من سعرات حرارية ومواد كيماوية، من مأكولات دسمة، للحصول على تغذية كاملة و متكاملة، قد توفر وجبة كاملة لسكان " الصومال "، لكني سكت عن الضحك المباح، وفي ذهني سؤال محظور: - كيف يمكن له أن يمارس الوصال ؟ كما تفعل الشياطين على أبواب السماء المفتوحة، استرقت السمع على باب مخدع والدي المقفل على حميميتهما، لأني أحسست أن أمي ستحيك(بنيتها الحسنة) هذه الليلة مؤامرة ضد براءتي، سيما وأن برنامج "حديث الوسادة" قد حان وقته، وهلت طلائعه لما قالت أمي لأبي: - مادام " الحاج علي " قد حج، فهو يعرف الأصول . - وما علاقة الحاج بالحج والأصول ؟ هكذا أجابها أبي بعد أن أشعل سيجارته، التي لا تتأخر عن موعدها ومكانها على السرير، كلما أنهى واجبه الذكوري، معلنا عن استعداده التام لإنهاء أحاديث الصباح والمساء بحديث الوسادة، سلاح أمي الوحيد لإجبار أبي على تنفيذ طلباتها التي لا يخضع بعضها لمنطق الأشياء، وقد يأتي تنفيذها على حساب شحه أو كرامته أحيانا كثيرة. - لقد طلب "الحاج علي" شرف الله قدره، الزواج من ابنتنا المصونة حسناء. - كفاك بهتانا يا امرأة، فالرجل (أطال الله عمره) لم يطلب شيئا من هذا!. - حقا لقد تبت لي صحة ما يقولون. - وماذا يقولون ؟!. - "الزوج آخر من يعلم "، في عينيه و وراء لسانه قرأت الخطوبة، كما أن ابنتنا حسناء فهمت مراده، وربما تقف الآن خلف الباب تنتظر قرار مجلسنا الموقر، أتسمعين يا حسناء؟ قلت الموقر. هرعتُ كالمضبوطة أثناء الغش نحو غرفتي، ارتميت على سريري، تحث اللحاف خبأت رأسي، وكأنني طفل نائم أعادوه إلى المهد، رفعت شخيري عاليا لأدحض ظنها الصائب، بدورها رفعت صوتها، كي تعفيني عناء التجسس، موفرة لي بذلك ظروفا دافئة في الفراش، وأنا أتابع نقاشهما وتحليلاتهما للمقابلة التي خاضاها مالك العقارات " الحاج علي " (ومن لا يعرفه). تستعرض أمي محاسن الحج والحجاج، وسلطان الجاه والأموال: - باختصار، الجيب الفارغ هو عيب الرجل. - كفاك وخزا بالمعاني يا امرأة، فقر بشرف، خير من غنا على حساب تعاسة الفقراء. ولجيب فارغ من أموال الحرام، أفضل عند الله من جيوب المرابين و مصاصي عرق الكادحين. - جيبك يختلف عن جيبه: أنت تعيش على الكفاف والعفاف، وهو يعيش على الكباب و"الكافيار"، أنت نباتي وهو لحوم، له من العمارات ما يغنيه عن العبارات، ولك من العبارات ما يغنيك عن إيرادات العمارات. .! - وكبر السن؟ قاطعت أمي قوله بقولها : - وإن لم يكن له سن واحدة، ما العيب في ذلك ؟ فأجابها وضحكة قد انفلتت من لجام شدقيه: - يا أمة ضحكت من جهلها الأموات، أقصد أن الرجل شيخ كبير، وشحمه مفرط. - نحن لا نقتني خروف العيد، بالرجيم وبعض التمارين الرياضية، التي ستلقنها له ابنتنا –كما لقنتٌها لك – سينمحي كل عيب فيه، وسيرجع شابا في العشرين من عمره. باختصار شديد جدا قالت الأم للأب : - صاهر الحاج علي. قال الأب : - أنا لا أصاهر الحاج علي. قالت الأم للوسادة: - انسحبي من تحت رأسه . قالت الوسادة : - أنا أنسحب من تحت رأسه . قال الأب : - أنا أصاهر الحاج علي. لا يلد النقاش العقيم سوى الكوارث العظمى، ما كان لأبي بد من قبول طرحها المادي للأمور، وسلخ عنه قناعاته بضرورة تعليمي وتوظيفي ، لأنها أصبحت من قبيل "الإيتوبيا" الإغريقية، كيف لا يقتنع بذلك وهو الذي تطالعه العطالة كل صباح على الصحف والجرائد، وأمام عينيه يرى العصي وهي تأبى التكسر على رؤوس المعتصمين المعطلين - أمام قبة البرلمان – حتى أصبح الأمر عاديا، كمشاهدة فرقة فلكلورية وهي تقفز كالقطط، حتى أن الحكومات المتعاقبة حفظت نغمة الاحتجاجات والردود عليها بشكل"مونوطوني". رفع أبي راية الاستسلام لمنطق الغلبة، وضع رأسه على الوسادة الخائنة، التي باتت تذكره بليالي الأنس في فيينا، و بدأت تملي عليه شروط الهدنة مع زوجته، تعيد ترتيب آرائه ومواقفه من جديد، لتجعل أوتار التضاد متناغمة في رأسه، تساير أداءه لأغنيته الجديدة (نسيب الحاج علي)، حتى يبدو مقنعا لابنته ومعارفه من أصدقاء وجيران، أملا في سماع استحسان ما لهذا الغناء خارج سرب الزواج الطبيعي: - - نِعم الاختيار، تصرف حكيم ونسيب أحكم. هكذا كان تعليق المنافقين والمتملقين. بينما أمي ترتب البيت، الموصوف سابقا ( بأسرته و ثلاجته وكذا تلفازه "المازوخي")، وتعد وجبة اللحم الوحيدة المتبقية من أضحية العيد الفارط، سحبني أبي إلى غرفتي ذات السرير الواحد، أجلسني عليه برفق وضل واقفا يرقبني، يسترجع أفكارا نسيها تحت الوسادة، رتبها من جديد كما الطفل وهو يحاول ترتيب ألوان "لعبة المكعب "، وكلما هم ببدء الحديث تسبقه الهمهمة والنحنحة فينقلب صامتا يتأملني. عاد إلى مرحلة الطفولة ليتذكر تركيب الجمل العفوية فخرجت من فيه هذه الجملة بلا استئذان: - بالحاج علي ستتزوجين، وما عليك إلا الموافقة. أعفاه دمعه تبرير هذا القرار، وشفع له العوز مناقشة أهمية تحصيل علم العلماء، وحماقة المسنين والشباب والمستقبل، وظروف العيش والمعيشة التي لن تعود للاستقرار أبد الدهر. لململت إحباطي وابتلعت دمعي الحار، تظاهرت بالاقتناع بأن المحظورات تبيحها الضرورات، وقلت بابتسامة كان الغرض منها تسهيل ابتلاع الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، وتطبيع الأجواء مع اللامعقول : - وهل فعلا طلبني للزواج ؟. وأردفت (في سري) أم للمتعة ؟ نزلت عليه القطرات الأولى لأمطار الموافقة بردا وسلاما، وقال لي ممازحا كعادته: - هكذا... هكذا أوحي لأمك، فهي عربية خبيرة في علم الفراسة والتنجيم، فقد عرفت أني سأتزوجها قبل أن يخطر لي ذلك على بال، ربما ترجع أصولها إلى سلالة الهدهد. حمل ورقة نجاحه في مادة اللا منطق، وهرول نحو أمي يزف لها البشرى، لنجاحه في مادة اللامعقول، زغردت أمي قبل أن تزغرد "مزينة العرسان". أمسك بيدي، وراح الحاج (زوجي على سنة المال والجاه) يستعرضني ويقدمني لأصدقائه رجال المال والأعمال، حتى خلتني في حضرة مشايخ الفيلة: هذا تدلت أوداجه المنتفخة على الصدر، وذاك ذهبت مؤخرته الكبيرة في الاتجاه المعاكس للبطن، وآخر أبت كرشه الامتثال لأوامر النطاق، فعانقت الحمالات بديلا . أما زوجي ( ما شاء الله وقدر )، كان بلباسه (السموكينغ) كالماموت ليس كمثله مثل في الفيلة الحاضرة، بين أنامله "الغيلمية" سيجارته الكوبية، رفع ريح الحديقة لباسه (السموكينغ) في اتجاه قفاه، فلاح لي كفيل على شكل طاووس، أو طاووس بمؤخرة فيل، أو فيل وطاووس مضروبان في الخلاط، شيء ما من هذا القبيل، المهم أنه كان ولإرضاء فضولك أضيف: كان كالهودج فوق الجمل يميل يمنة ويسرة، على نغمات طلع الفيل علينا، وأنا العروس خائفة أن يدوسني كما تداس الصراصير بالأقدام، يتبجح بي ويتبختر في مشيه كالبطريق متباهيا باقتنائه عروسا آخر "موديل" لم يركبها أحد قبله. هكذا تزوجت الوحش، أأرضيت الآن فضولك ؟ ".