بعدما تأكدت بأن النوم من فرائض الصوم في بيتنا استسلمت لهذه الشريعة المنزلية أو الشعيرة الرمضانية – إن صح التعبير - ... أمشي وحيدا في البيت كأنني في مقبرة أحياء ... . .... وأخيرا ... فُتح باب غرفة أمي ... خرجت تمشي على استحياء ... حيث مازالة طامعة فشي ساعة اخرى ديال النعاس ... الواحدة زوالا وأنا لازلت أنتظر أن تفهم أمي (رأسها) لكي أفطر ... نسيت أن أخبركم أن أمي لم تنتبه إلى الكأس الذي كسرت... لكنها حتما ستشعر بذلك وقت الإفطار ... لأن عدد الكؤوس محسوب ... . قررت أن تخرج إلى السوق ... ياله من قرار صعب ... سحبتني من يدي بعدما قبلتني لأرافقها إلى السوق ... إنها أول مرة أرى فيها السوق في رمضان ... إنه مشهد غريب فعلا ... أول ما انتبهت إليه هي كثرة الشجارات والمشادات الكلامية ... كاين اللي مضارب غير مع صندالتو ... بنادم على شفا حفرة ... سألت أمي لماذا يتشاجر هؤلاء فأخبرتني أنهم صائمون ... لم أفهم ... نوم في البيوت وشجارات في الأسواق ... هل كل هذا من شعائر الصوم ؟؟ . اقترب أذان العصر ... وحنا مازالين فالسوق ... وأمي لم تقرر بعد ماذا ستشتري ... لا أسمع فمها ينطق إلا بكلمة : العافية ( يعني جهنم ) ... ربما في رمضان تتغير أسماء الخضر ... ويصبح لها اسما موحدا يجمعها هو ... العافية ... اشتد الجوع علي وصرخت باكيا في السوق ... لأفضح أمي أمام الناس لأن الشوهة هي أحسن تعبير عن المعاناة - في نظري – + اصبر هاحنا غادي نمشيو للدار ونعطيك تفطر لم أقتنع بكلامها لأنني لا أرى بوادر الذهاب إلى البيت إلا بعد ساعة أخرى من التجول في أحضان العافية المعروضة ... انزعجت أمي من صراخي . + اسكت الله يعطيك العافية قلت في نفسي أمين وأنا أفكر في البنان والتفاح ... حيث حتى هما ولات سميتهوم العافية فهاد رمضان ... لم أكن لأسكت من الصراخ .. لكنني رأيت في السوق مشهدا أسكتني وأنساني الجوع ... رأيت طفلا في سني يبيع الأكياس البلاستيكية ... إنه مشهد غريب فعلا ... هل هذا الطفل متزوج ؟؟؟ لأنني لطالما أسمع أبي يقول لأخي .. ايلا ماخدمتيش ماغاديش تزوج ... وبما أن هذا الطفل يبيع الميكة فإنه خدام وبالتالي فهو متزوج لا محالة ... والله حتى نمشي نسولو ... تركت أمي تحاول أن تقنع خضارا بأن ينقص من درجة حرارة العافية ( مطيشة قبل رمضان ) ... وتوجهت إلى الطفل ... + صايم ولا فاطر ؟؟ - أنا فاطر ولكن قول صايم . + ياك ما حتى انت بحالي ؟؟... داركم ماخلاو والو فالثلاجة ؟؟ - حنا ماعندناش حتى الثلاجة . + ( ضحكت ) وعلاش كاتبيع ميكة ... ياك ما مزوج ؟ - آه مزوج ... مزوج بالواليدة والواليد واختي الصغيرة . أنا كانصرف عليهم + وباباك شنو كايخدم ؟؟ - عساس فواحد الجمعية ... ديال محاربة تشغيل الأطفال . إنها الرابعة بعد الزوال ... أمي أخيرا تحمل قفة ممتلئة ... لقد نجحت في مفاوضاتها مع الخضارة ... سحبتني من يدي باتجاه البيت ... وصلنا إلى البيت فوجدت رجلا يفتح الباب ... ملابسه تشبه ملابس أبي ... سلمت أمي عليه وأنا لم أعرفه ... فتفاجأت عندما قالت لي أمي ... بوس بابك ... بابا !!! هل هذا أبي ؟؟؟!!! ومالو ولا هاكا ؟؟ ... أصبح وجه أبي شاحبا أصفرا فاقع لونه ، شفتاه تميل إلى البني.... تقول مرسوم بقلم الرصاص ... بابا كايغلبو رمضان بزاف ... لم أفهم كيف يعمل في الإدارة بهذا الوجه البشوش ... خاصة وهو المسؤول عن قسم الاستقبال والتوجيه ... إنه الرجل المناسب في المكان المناسب ... لم أرد أن أخبره بأن أمي لم تعطني إفطاري لحد الآن ... خوفا من أن يمارس عليها الشعيرة الرمضانية التي رأيتها بالسوق ... هل تذكرتها عزيزي القارئ ؟؟ .... إنها الشجار .... قولها بالشوية مالك كاتغوت ... . دخلت برفقة أمي إلى المطبخ أحمل معها بعض الأغراض ... وجلست أمامها أنتظر أن تعطيني شيئا نخشيه فوجهي ... لكنها لازالت مشغولة تخرج الخضر من الأكياس البلاستيكية وتضعها تحت الصنبور ... ربما لتطفئها ... لأنها عافية ... توجهت لأشاهد التلفاز لأنه موعد سلسلة كوميدية جديدة ... برمجت قبل الإفطار ... سأتابعها لأنسى جوعي ريثما تفهم أمي (رأسها )... بدأت السلسلة ... اسكتوا دعوني أتابعها في صمت ... مرت خمس دقائق من السلسلة ولم أضحك ... لكن أصوات الضحك التي ترافقها ضحكت أكثر من سبعين مرة ... يمكن أنا حمار ماكنفهمش الضحك ... خليونا نكملو السلسلة ... ربما سأضحك في نهاية الحلقة .. ... سأنتظر النهاية ... ...... ماهذا ؟؟!! ... الكتابة طالعة ... فين هو الضحك ؟؟ يا إلهي اشتد الجوع علي ... ماهي إلا لحظات ... ودخلت أمي تحمل كأس حليب وخبز مدهون بالزبدة ... إنه فطوري ... ديال الصباح ماشي ديال المغرب ... نظرت إلى الساعة فوجدت أن أذان المغرب لا تفصلنا عنه سوى عشرون دقيقة ... فقررت أن أتم صيامي ... وكان هذا أول يوم أصوم فيه بدون نية .